اضطهاد الامازيغ : الاستبداد ثقافي أيضا !

الامازيغية11 يناير، 2015

محمد الساعي

بعد أن نجحت الملكية في استقطاب جزء هام من نخبة الحركة الامازيغية، مباشرة بعد تأسيس “معهد الملك” للامازيغية سنة 2001. عملت الملكية على مجاراة ما تطرحه هذه النخبة من قضايا ” تدريس الامازيغية، وادماجها في الاعلام، ودسترتها”، غير مكترثة في أغلب الاحيان، لكن متيقظة أثناء المنعطفات الكبرى على نحو يفوق أضعاف ما تبدله نخبة الحركة الامازيغية من جهد داخل دهاليز المعهد.

أما النخبة المتبقية المصرحة برفض المعهد، لكن المتسابقة لعقد الشراكة مع نسخ شبيهة بالمعهد (مجلس حقوق الانسان)، فهي تمضي وقتها في تزويق رسائل طلب العطف لساركوزي واوباما، او كتابة طلبات التمويل لتنظيم الملتقيات في الفنادق الفخمة… مما اعطى ويعطي للاستبداد فرص توظيف الامازيغية لتأبيد الاستبداد.

الإستبداد: آلة استيلاب استعمارية جديدة

ورث الاستبداد عن الاستعمار قضية اسمها الامازيغية، لم يجد أمامه للهيمنة على السلطة الا تدمير الوجود التقافي والتاريخي لهذا الشعب. حافظ للفرنسية على مكانتها في الاقتصاد، وركز على العربية، لارتباطها بمسوغ السطو على السلطة: الدين (إمارة المؤمنين) واللغة العربية اللصيقة (النسب الشريف). هكذا غدت ذاكرة الامازيغ، نسيانا للذاكرة. هوة كبيرة في وعي الجماهير..هوة تفصلها عن تاريخها الحقيقي..تاريخ النضال والكفاح. ليحل محله تاريخ يصنعه الملوك.

أزيل من التاريخ الرسمي، كل أثر يذكر بكفاحات وانتصارات الجماهير، ليحل العكس مكانها، فالاستبداد هو صانع الاحداث.. بل خالق للتاريخ أيضا: عيد العرش، ثورة الملك، المسيرة الخضراء…فأين هي ملحمة محمد بن عبد الكريم في الجمهورية الريفية، الذي عوضوا ارثه بالمتحف الذي احدث مؤخرا بالريف لاحد اكبر رموز الخيانة والعمالة للاستعمار، المارشال امزيان، الذي قاتل الجمهورية في الريف وفي اسبانيا…و اين الابطال الاماجد في جيش التحرير، أين صفحات كفاح الاجيال الذين دفنوا احياء في سراديب معتقلات تزممارت وأكدز ودرب الشريف، أين هو تاريخ تنغير..تاريخ النمري ومحمود ورفاقهما.. تاريخ قرية أملاكو (مكان استشهاد محمود بنونة وسليمان العلوي)…تاريخ كتب بدماء شباب وشابات حركثهم مثل راسخة، بأن مغرب الحرية سيكون حصيلة كفاح الكادحين. تلك المثل هي المستهدفة.. بإقبار الصفحات الناصعة من الكفاح ضد المستعمر وضد المستبد.

لتغدو الامازيغية منذ ذاك الحين، لغة الأسواق الأسبوعية، ودكاكين البيع بالتقسيط، محصورة في نطاقات ضيقة (الشارع، الاسرة)، مع تجفيف ينابيعها الثقافية، ومحو معالمها (تعريب أسماء الأماكن وإهمال معالم الحضارة الأمازيغية..وفي أحسن الاحوال تسليعها). بكلمة واحدة : شوفينية في التعامل مع الأمازيغية لصالح كل ما هو عربي (لاعطاء شرعية لاستبداده وليس لانه نظام قومي !)، لتغدو اللغة الامازيغية، والانسان الامازيغي، والثقافة الامازيغية دون قيمة. مقابل تبجيل اللغة الفصحى، اللغة النقية والمقدسة (لغة القرآن). هذا التبجيل يراد منه الاندماج في كتلة أيديولوجية عربية إسلامية متجاوزة للحدود الوطنية (اﻷمة العربية) حيث تعرف الهوية في المنطقة الممتدة بين الشرق اﻷوسط والمحيط اﻷطلسي من خلال معيار عربي وإسلامي، مستبعدة كليا الحقائق المحلية والوطنية. هذا الاندماج المصطنع تحركه مصالح سياسية واقتصادية، ورأينا كيف استبق المغرب تقديم طلبه لمجلس التعاون الخليجي، على عجل!. عندما كان شبح الثورة يحلق فوق قصور الاستبداد. الخوف من العزلة والحصار هو الذي يحرك الرغبة في الاندماج، خارج مسألة الروابط ألاصيلة أو المصطنعة.

الحفز القبايلي وحدوده

كانت “انتفاضة الربيع الأسود” التي اندلعت في أبريل 2001 إثرَ مقتل شابّ في مقرّ الدرك في مدينة آيت دوالا القبايلية. التعبئةُ الشعبية الواسعة التي سميت بالربيع الاسود، بعد ربيع 1980، اتّخذت تلك التعبئة شكلَ احتجاجات اجتماعية انتقلت عدواها إلى كلّ ربوع الجزائر، لم تكن هذه الاحتجاجات، بحصيلتها الثقيلة من قتلى وجرحى، دون نتيجة تذكر. فقد استطاعت لفت انتباه الرأي العام الوطني والدولي إلى ما يعانيه الجزائريون في بلد المليون شهيد تحت حكم العسكر. كما استطاعت الحركة تركيع رأس سلطة الدولة، ففي مطلع 2002 كلف بوتفليقة رئيس الحكومة علي بنفليس بفتح حوار مع تنسيقية العروش، وهو بمثابة نصر معنوي لحركة ما فتئ النظام يعتبرها تهديدا لوحدة الوطن، ومؤامرة أجنبية. كما أعلن بوتفليقة، خلال اجتماع لمجلس الوزراء في يوليوز 2003، موافقة الحكومة الجزائرية على تضمين اللغة الأمازيغية في النظام التعليمي. وجعل الأمازيغية لغة وطنية في 8 أبريل، 2002، وفي غشت 2003 قررت الحكومة الجزائرية تخصيص مبالغ مالية تقدر بـ604.25 مليون دولار لتحريك عجلة التنمية بمنطقة القبايل.و منذ 2002 تم افتتاحُ قناة تلفزيونية امازيغية (حكومية) في 18 مارس 2009 تبثّ مجملَ برامجها باللغة الأمازيغية وتفرعاتها الجزائرية الخمسة.

تظل هذه المكاسب نسبية، فمع خفوت حجم التعبئة، تراجع النظام الجزائري عن القرارات التي استعملها لاحتواء الحركة، لا سيما امام نقطة ضعف جوهرية، فقدرة الحركة على الاستمرار في الاحتجاج والتوسع والتنظيم، لا تستمد فقط من ربط نضالات الطبقة العاملة بحركة الشباب، فرغم قتالية وشجاعة شباب اعزل، ورغم شدة العنف ، وامتداد الاحتجاجات إلى مناطق ناطقة بالعربية وتدخل نقابات العمال في تنظيم الاحتجاج. يبقى الشرط الأكثر إلحاحا لضمان انتصار نضال الجزائريين- بما فيهم القبايليون- هو القيادة السياسية،أي بناء الأداة الثورية للطبقة العاملة، التي ستمركز نضال كافة الطبقات الكادحة في الجزائر.

السياق المغربي : اعتراف لاجل الاحتواء

لم يكترث النظام المغربي باللغة والثقافة الامازيغية، لدرجة جعلت الحسن الثاني يزيل أية يافطة تحتوي كتابة بحروف امازيغية، كما فعل مع جمعية البحث والتبادل التقافي فور تأسيسها، اواسط الستينات، بنزع يافطة المقر انذاك، وفيما بعد اختطاف احد مؤسسيها بوجمهة الهباز الذي حلت الذكرى 31 لاختطافه في 19 ابريل 2012. اختطف بوجمعة ابريل 1981، واختفى منذ ذلك الحين، الى ان تضمن تقرير العملية التي سميت “الانصاف والمصالحة” مسؤولية أجهزة البوليس عن اختطافه. بالاضافة لزميله ازايكو الذي خبر الاعتقال مرات عديدة بسببب نشاطه ” التقافي”، فديكتاتورية الحسن التاني لم تسمح بهامش في حدوده التقافية حتى ( ديوان شعر، طبع رواية امازيغية…).

لكن بمجرد تغير السياق السياسي وتبلور المطلب الامازيغي، استعجل النظام التعبير عن “جذوره الامازيغية” واعترافه ب “الرافد الامازيغي للمغرب”. وهو تعامل برغماتي، يسترشد بكل القضايا لخدمة اهداف التحكم بمفاتيح السلطة والثروة.

ومع تبلور حركة نضال أمازيغية وتوسعها في صفوف الشبيبة المتعلمة وبالخصوص بدايات التسعينات، بحفز رئيسي من التجربة القبايلية بالجزائر، ومخافة أن تلقى تلك التجربة صدى بالمغرب، البلد الذي يقطنه ازيد من 80 بالمئة من الناطقين بالامازيغية، مقابل 20 بالمئة في الجزائر، وعلى خطى النظام الجزائري، سارع النظام المغربي لتضمين الامازيغية ضمن “نشرة اللهجات” 1994، تم خلق معهد ملكي 2001 وفيما بعد ادماجها في الاعلام بخلق قناة امازيغية. وتدريسها بدءا من سنة 2003 في المدرسة العمومية، وادراجها كلغة رسمية في الدستور الممنوح لسنة2011.

طبعا كل تنازلات النظام كما سنرى لها طابع نسبي، فالخوف من انتقال شرارة حركة النضال القبايلية هو ما دفعه سنة 2001 لخلق “معهد الملك” وهي السنة التي فجرت فيها الحركة الامازيغية بالقبايل أعظم كفاحاتها ضمن ما سمي بالربيع الاسود. اما سياق ادراج الامازيغية في الدستور، فهو الاخر سياق نضالي باعتبار دسترة الامازيغية مدرجة ضمن مطالب حركة 20 فبراير : انها مكاسب حركة النضال الجارية، لكن وجب اعطاءها قدرها، فنظام الاضطهاد يبتغي من وراءها نزع فتيل النضال عن المطلب الامازيغي، وافقاد الاعتبار لمن يحمل ذاك المطلب.

تدريس الامازيغية : نكسة مابعدها نكسة

بقدر افتضاح نكسة “تدريس الامازيغية” بقدر ما تعظم الحاجة إلى تضخيم انجازات المعهد الملكي. مضت عشر سنوات منذ 2003، تاريخ توقيع اتفاقية الشراكة بين وزارة التربية الوطنية و”المعهد الملكي للأمازيغية”. والتي كان ضمن أهدافها: “تدريس الامازيغية وتعميمها على كافة أسلاك التعليم من التعليم الأولي إلى الباكالوريا، و ذلك خلال الفترة الممتدّة ما بين 2003 و 2011، و بحصة 3 ساعات في الأسبوع على كامل التراب الوطني”.

نتساءل وإياكم، ماذا تعلم إذن أربعة ملايين تلميذ من اللغة الامازيغية في الطور الإبتدائي؟ هل تغيرت المعارف اللسنية الامازيغية لدى التلاميذ طيلة 10 سنوات من التدريس؟

الجواب : لا، لم تراوح مسألة تدريس الامازيغية مكانها بأي وجه من الأوجه. ومع هذا لم يصدر عن الوزارة ولا عن المعهد ما يعبر عن تقييم للأعوام العشرة الماضية (باستثناء تصريح هنا وهناك لارضاء الذات)، وانقضاء ما رسم على الاوراق بنكسة، بينما الحاملون لهذه اللغة بكافة تفرعاتهم، يعصف بهم العسف اللغوي، نتيجة حرمانهم من لغتهم الام، والاصرار على اجثات تقافتهم.

«إن المرء لا يمكن إلا أن يكون متفائلا بخصوص مستقبل اللغة الأمازيغية» (1) هكذا يصيح عميد المعهد الملكي في سنة 2012، معبرا عن نزعة تفاؤل قل نظيرها. متجاهلا ان نصف اللغات المحلية ( 6 ألاف لغة) يمكن ان تندثر قبل نهاية هذا القرن. فضلا عن ان 96 بالمئة من هذه اللغات لا تستخدم سوى من قبل 4 بالمئة من سكان العالم. اما اي انسان عاقل اخر لوكان مكانه لعرف ان صور صين عظيم يفصل بين الشعر و علم اللسانيات.

أما زميله الجالس بجواره، في المكتب المحادي له، بدهاليز المعهد فيعتبر «السنوات الماضية بالنسبة لهذه اللغة سنوات بيضاء» (2) . هذا هو انطباع احمد عصيد حول ما يقرب من 10 سنوات من ما سمي “تدريسا للغة الامازيغية”، مدفوعا بقوة الواقع، للاقرار بأن الحصيلة : صفر.

انها أمثلة من عديد الامثلة الكاشفة لحقيقة كلام البيانات و مقررات الاتفاقات والشراكات المبرمة.

في الوقت الذي كانت وزارة التربية الوطنية والمعهد الملكي يصرحان بتعميم الامازيغية على صعيد وطني وعلى جميع أسلاك التعليم، لم يتحقق تعميم التعليم إلا بنسبة 15 بالمئة، في حين وصل عدد الأساتذة المدرسين لمادة الامازيغية 4 في المائة فقط، وشملت الامازيغية فقط 26 بالمئة من المدارس (المعهد، رسالة الامة 5-1-2012)، حيث لازال 500000 تلميذ فقط من ضمن 4 ملايين هم من يستفيد من تعلم اللغة الأمازيغية في مستويات التعليم الابتدائي (بدون انتظام وفقر الرغبات)، أي بنسبة قدرها 13%، كما أن رهان 20000 قسم تبخر. كما وقع بالدار البيضاء عندما قرّر مندوب وزارة التربية الوطنية حذف تعليم الأمازيغية في نيابة “البرنوصي” وتكليف مدرسيها بتعليم العربية والفرنسية !.

هذه حصيلة تدريسُ الأمازيغيّة بصورة ملموسة منذ أن شُرع فيه سنة 2003. لنقرأ ورقة التوت على لسان وزير التربية الوطنية ” (…) قلة الأطر والموارد البشرية التي يحتاج إليها تعميم الأمازيغية”. طبعا لم يجد “السيد” الوزير ما يحجب به حقيقة ان تدريس الامازيغية ليس اولوية لدى الحاكمين، فأفواج الطلبة حاملي شواهد الماستر والمسالك الأمازيغية من خريجي الجامعات، المتوافدين على شوارع الرباط، اصدق انباءا من الكتب.

ليسَ عدمُ اكتراث الاستبداد بتطوير اللغة الامازيغية، بأقلَّ إثارةً من صمت تنظيمات ومناضلي الحركة الامازيغية عنه. بعضُ هذه النخب، بدلَ التفكير في أنجع طريقة لمواجهة هذا الوضع، تفضّل عقد الشراكات، وتحرير رسائل الاستعطاف، أو الملتقيات في فنادق خمسة نجوم. وهذا ما يعد تبخيسا لافواج من الطاقات الشابة، من وجهة نظر نضالية.

يستلزم الامر إذن التأكيد على أن خلق المعهد الملكي و”تدريس الامازيغية” “ودسترتها” يستهدف احتواء نخبة الحركة، ونزع الطابع التحريضي حول الجوهرالاستبدادي للنظام بالمطلب الامازيغي، و وقفَ التعبئة الشعبية في المدن والقرى التي بدات مع 20 فبراير، أكثر مما كان يرمي إلى إرساء دعائم ازدواجية لغويّة حقيقية (في الإدارة ومؤسسات القضاء، الخ).

معيرة الامازيغية : نخبة تبحث عن لغتها

خلال سنة 2003، تمّ توقيع اتفاقية شراكة وتعاون بين وزارة التربية الوطنية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كما اسلفنا، هذه الاتفاقية هي التي تؤطر لتدريس الامازيغية، شملت مجموعة من الخطوط العريضة حول التعميم، والتقسيم الزمني لمادة الامازيغية…الخ. لكن في كل هذا المثير للجدل هو المقطع:

“اللغة الأمازيغية ينبغي أن توحّد بشكل تدريجي وعلى قواعد علمية حتى يتمّ الإنتقال بها من التنوع اللهجي إلى اللغة المعيار، وهو ما يستوجب تنميط وتقعيد حرف كتابتها العريق تيفيناغ والتوحيد التدريجي لقواعد إملائيتها وصرفها ونحوها ومعجمها”.

الامر الذي عمل عليه “المعهد الملكي” من خلال معيرة اللغة الامازيغية، من خلال صناعة لغة منسجمة موحدة، هي المتضمنة في الكتب المدرسية. خارج اي نقاش فعلي داخل الحركة الامازيغية، حول الامكانية الفعلية لتوحيد اللغات التلات المحلية بالمغرب، فالتجربة الجزائرية التي استمرت على نفس المنوال طيلة 22 سنة من انشاء المفوضية العليا للامازيغية، انتهت بفشل دريع على صعيد مسعى توحيد اللغات المحلية الامازيغية الخمسة بالجزائر. درس التجربة هو ما اقنع بعض الألسنيين، بضرورة تدريس هذه اللغات المحلية، كل واحدة منها في الجهة التي تتكلمها.

نفس الشيئ لدى الحركة الكردية في سوريا، يطالبون بدسترة وتدريس لغاتهم التلات المحلية، عوض توحيد لغة واحدة.

يزيد من استحالة تشكُّل لغة أمازيغية موحدّة، أنّ العربية العامية تلعب دور اللغة المشتركة في المغرب والجزائر بل والبلدان المغاربية كلها.

بعد 10 سنوات من تدريس الامازيغية، ماهي الحصيلة على صعيد توحيد اللغة الامازيغية ل 80 % من مجموع سكان المغرب البالغ عددهم 32 مليون نسمة حسب إحصائيات يناير 2011.

ان نخبة المعهد الملكي تبحث فقط عن لغتها، ولغة نخبة من المتعلمين، اما ملايين الامازيغ القاطنين في الجبال والمناطق النائية، فلا يعرفون شيئا لا عن المعيرة ولا عن التوحيد، فهم ملتصقون بلغاتهم المحلية، في الريف والجنوب وايضا الجنوب الشرقي وباقي المناطق…ليس حبا فيها، بل لانها هي المعبرة عن حاجاتهم المناطقية.

الربيع العربي !، أليس ربيع الشعوب قاطبة؟

سكان المغرب ليسوا حصرا من العرب، الاستمرار بغض الطرف عن هذه الحقيقة، هو الاستمرار بالنفي الهوياتي وتجاهل أجزاء كبيرة من تاريخ هذا البلد، بل تاريخ هذه المنطقة كلها.

وكما بصمت الحركة الامازيغية بالجزائر، عام 2001، قبل أزيد من عقد من السيرورة الثورية التي فجرتها شعوب المنطقة بكافة روافدهم اللغوية والقومية والتقافية والجنسية: النضال من اجل لغتنا وثقافتنا الأمازيغية، يجب أن يكون في نفس الان، نضالا من أجل المطالب الديمقراطية والاجتماعية (حقوق، حريات فردية وعامة وعدالة اجتماعية)، والنضال كذلك جنبا الى جنبا مع كافة حلفاءنا بغض النظر عن انتماءاتنا الدينية واللغوية والتقافية، وهذا ما اعطت عنه السيرورة الجارية أنصع نمودج : امازيغ وعرب واقباط ومسلمين واكراد وطوارق…نحو وحدة للشعوب، وليس وحدة الانظمة القائمة اليوم.

وبخصوص حفظ الذاكرة: علينا، نحن ضحايا تزوير التاريخ، ان نحمي ذاكرتنا، ذاكرة النضال، لتكون حافزا لشباب اليوم لينخرط في الكفاح، ونميزها عن ذاكرة الجلادين والنهابين، فلا ذاكرة مشتركة. ثمة ذاكرتان. ان اعداءنا يحفظون الذاكرة على طريقتهم، بافراع نضال الاجيال السابقة من مضمونه بالخطابات التي تساوي بين الضحية والجلاد.

نحن المناضلون داخل الحركة الامازيغية و باقي منظمات النضال، السياسي والنقابي، من تقع عليهم مسؤولية حماية الذاكرة. اما جلادو الامس واليوم، فانهم يحافظون على الذاكرة، بطمس الحقائق، وينصبون انفسهم كأنهم صانعي التاريخ.

المكاسب الطفيفة التي رصدنا حدودها، لا يمكن لاي عاقل الا ان يستحسنها، لكن ان يقف في حدودها ويعتبرها، حلا للاضطهاد ببلدنا فذلك منتهى الاستهزاء بملايين البشر، رجالا ونساء، ممن يعانون من ويلات احتقارهم، وتبخيس لغتهم، و الفقارهم… هذا واقع تنتجه اليات اقتصادية-اجتماعية، وليس ثمرة طبيعة. لذا لا بد من اقتلاع الجذور الاجمالية للاضطهاد التقافي والاقتصادي والاجتماعي، أي البنية الطبقية للمجتمع، أي احتكار اقلية للثروة، ومعها السلطة. هذا ما يجب أن يغير.

محمد الساعي

—————————
1- وكالة المغرب العربي للأنباء،

2- احمد عصيد، تعليم الأمازيغية بين الشعار والممارسة

شارك المقالة

اقرأ أيضا