اضطهاد النساء والنضال لأجل تحررهن

النساء6 مارس، 2017

 

الرابطة الشيوعية الثورية

الخميس 6 آذار (مارس) 2014

كراسة صادرة عن الرابطة الشيوعية الثورية – الفرع الفرنسي للاممية الرابعة

تنبيه
نستعمل فيما يلي كلمات سيطرة واضطهاد وخضوع ايا كانت الفروق التي تقيمها بعض النسوانيات بين هذه المفاهيم .ونتحدث على السواء عن ” تحرر النساء ” وعن ” انعتاقهن ” . حرفيا يعني الانعتاق الإمساك بزمام الحياة الشخصية . إنها كلمة جميلة رغم أنها تبدو للبعض (ة) قديمة . وفعلا كان الكلام في القرن 19 عن انعتاق البروليتاريا وعن انعتاق النساء . لم يكن الانعتاق ، لا بالنسبة للبروليتاريا (من الجنسين ) ولا بالنسبة للنساء ، مختزلا في معركة اقتصادية كما دفع الى الاعتقاد بذلك أنصار الستالينية .هذا ما جعل نسوانيات سنوات السبعين يفضلن استعمال كلمة “التحرر”. وفعلا كان هدف هذه الكلمة التأكيد على مختلف أبعاد نضال النساء. وطبعا نحن نتبناها .
نحيل في هذه الكراسة الى ” الحركة العمالية” لكن ليس المقصود بنظرنا اختزال القوى التقدمية في الطبقة العاملة الصناعية . فالأجراء والعاطلون من الجنسين معنيون طبعا بمشروع لتغيير المجتمع .و نستعمل هنا تعبير ” الحركة العمالية ” للإشارة الى قوى “البروليتاريا “المنظمة بالمعنى الواسع ، أحزابا ونقابات وجمعيات .
سنشير مرارا الى أمثلة منتقاة من الأدب الانتربولوجي . ونستعمل صيغة الحاضر للحديث عن تلك المجتمعات . انه محض اتفاق بين الباحثين (ة) في هذا الفرع العلمي . لكن صيغة الحاضر هذه لا تدعي انها تعكس واقع تلك المجتمعات في 2001 . ونشير في النص الى إحالاتنا المرجعية بذكر اسم الكاتب (ة) وتاريخ الإصدار بين قوسين . اما المراجع الكاملة فواردة في البيبليوغرافيا في نهاية كل فصل . وأخيرا ندعو القراء (ة) الى قراءة المقرر حول التوجه النسوي لـلرابطة الشيوعية الثورية المصادق عليه خلال مؤتمرها الأخير (يونيو 2000) ففيه تحليل علاقات الجنس الاجتماعية في فرنسا اليوم ومحاور التدخل المترتبة عنه بالنسبة للمناضلين والمناضلات .

——————————————————————————–

مقدمة
ساهمت النسوانيات بفضل نضالاتهن الجماعية في فتح فضاءات جديدة للحرية لمجموع النساء ، بينما تهاجم قوى أخرى ( مرتبطة بصعود السلفيات وبالهجوم النيوليبرالي في العالم وبتطور حروب جديدة في مناطق عديدة ) تلك المكاسب الهشة .
تمثلت أهم مكاسب الحركة النسوانية لسنوات السبعين في المجتمعات الغربية في مكسب حرية منع الإنجاب وحق الاجهاض (في نطاق حدود معينة مع ذلك ). انه انقلاب غير مسبوق لا تستفيد منه بعد مجموع النساء ، لكنه شكل منعطفا جذريا : اصبح بإمكان النساء التحكم ( نظريا على الأقل ) في الأمومة .
علاوة على أن ما كان يبدو مندرجا في ” الحياة الخاصة ” … للرجال ، أي حق ضرب الزوجة واغتصاب كل امرأة غير مصحوبة برجل وحتى استغلال الأطفال جنسيا ، لاسيما البنات الصغيرات ، لم يعد مسموحا به بنفس السهولة .لقد جرى تحطيم جدار الصمت . ففي المجتمعات الغربية يعاقب القانون هذه الجرائم التي تمس بوجه خاص النساء والأطفال والرجال المثليين جنسيا او الرجال المسجونين .
كما توصل الصحافة صدى تفاوت الأجور او غيرها من أشكال الميز التي تستهدف النساء في نشاطهن المهني او ” مصاعبهن ” في ” التوفيق ” بين الحياة المهنية والحياة العائلية . كما ان بقاء المؤسسات السياسية ضعيفة التأنيث يصدم الرأي العام بأوربا .
لكن كيف هي الأمور في الواقع ؟ ما زالت النساء يشكلن الفيالق الكبرى من ضحايا الأمية في العالم : فهن يمثلن 60 % من الأطفال غير المتمدرسين وغالبية البالغين الأميين سنة 2000 ( جريدة لوموند 29 ابريل 2000) ، ويشكلن أيضا اكبر فيالق الأشخاص الأقل استفادة من العلاج : تموت امرأة كل دقيقة بسبب مرتبط بالحمل او الإجهاض . و تتعرض النساء في أفريقيا جنوب الصحراء للأمراض المنقولة جنسيا بنسبة تمثل ثلاث أضعاف ما يتعرض له الرجال ( أرقام واردة في جريدة لومانيتيه 21 سبتمبر 2000 )
ثمة ميل عالمي الى تأنيث قوة العمل ، ومع ذلك ما زالت النساء يعملن بأجور اقل من أجور الرجال وهن اكثر عرضة لهشاشة التشغيل وضحايا العنف في العمل وفي العائلة . :” على المستوى العالمي تعرض ثلث النساء على الأقل للضرب وأُجبر على علاقات جنسية او سوء معاملة بكيفية أخرى ، وغالبا من طرف شخص من المقربين بما فيهم الزوج او فرد آخر من الأسرة . وتعرض ربع النساء لسوء معاملة خلال الحمل ” هذا دون حساب 130 مليون فتاة صغيرة وامرأة عرضة للتشويه الجسدي او 4 مليون امرأة وفتاة صغيرة تباع في العالم سنويا ” ( نفس المصدر)
هذا علاوة على كون العناية بالأطفال او بالأشخاص التابعين ( المرضى والشيوخ والمعاقين ) عبئا متروكا دوما للنساء. وحتى في فرنسا تبرز أبحاث حديثة أن النساء ما يزلن يؤمنن 80% من “النواة الصلبة” للعمل المنزلي ( غسل الأواني ، الطبخ، غسل اللباس ، العناية المادية بالأطفال ، التبضع ) ، وان زيادة التزام الرجال مهنيا عندما يكونون في اسرة مع أطفال لا يعوض ما تخصصه النساء من وقت للمسؤوليات العائلية . ( لوموند 27 ماي 2000 ) . إن كل أشكال التفاوت هذه تشكل نظاما . والمجتمع بطريركي بلا شك .
ليس اضطهاد النساء مجرد ” مخلفات قديمة ” موروثة عن آلاف سنين مضت . انه أمر راهن دوما . وقد احتواه النظام الرأسمالي رغم ان ذلك أدى وما يزال الى تناقضات جديدة داخل النظام كما سنرى لاحقا . وهذا ما يجعل المعركة النسوانية راهنية هي أيضا.
ان تكون نسوانيا(ة) ليس معناه كره الرجال ولا الاعتقاد أن مشاعر حب حقيقية مستحيلة بين الرجال والنساء . لا ، ان تكون نسوانيا (ة) معناه ان تكون على بينة من نظام يقيم ، رغم بعض التحولات ، موازين قوى لصالح الرجال ويمنحهم امتيازات عديدة جماعية وفردية. وتنعكس هذه الغلبة الذكورية ،التي زعزعتها النضالات النسوانية ، حتى في حركات الحياة اليومية وفي الحياة الحميمة للأزواج والأفراد من كلا الجنسين أيا كان توجههم الجنسي . وهذه العلاقات هي ما نسعى الى تغييره . وفعلا فان تكون نسوانيا (ة) هو بوجه خاص ان تعتبر التغيير العميق للعلاقات بين الرجال والنساء أمرا ضروريا ومطلوبا .
قصد السعي لتحديد سبل تحرر النساء سنراعي ما قدمته نضالات وتفكير المناضلات والباحثات النسوانيات في فرنسا بوجه خاص خلال العقود الأخيرة .
و لا يمكن ان نعرض هنا مجموع النقاشات السياسية-النظرية التي طبعت تاريخ الحركات النسوانية خلال ثلاثين سنة الأخيرة . ونأمل ان جملة مؤلفات صادرة مؤخرا سنأتي على ذكرها ما يعتري هذه الكراسة من نقص .

بيبلوغرافيا :

لا نرى داعيا لتعريب عناوين المراجع ما دامت عير متاحة بالعربية .م

Pour une définition précise des concepts (domination, patriarcat, genre, etc.). et les débats qu’ils ont suscités cf.
H. Hirata, F. Laborie, H. Le Doaré, D. Sénotier : Dictionnaire critique du féminisme, PUF, 2000.– Pour une histoire vivante du mouvement féministe en France dans les années soixante-dix (bien que de parti pris contre le courant “féministe/luttes de classe”) cf.
Françoise Picq : Libération des femmes, les années-mouvement, le Seuil, 1993.
En complément, accessible en bibliothèque, très intéressant et très facile à lire : Le féminisme et ses enjeux, 27 femmes parlent, Centre Fédéral FEN, Edilig, 1988.

——————————————————————————–

الاضطهاد من خلال بعض الارقام
* على النطاق العالمي
( راجع لوموند 7 يونيو 2000)
الفقر : 70 % من فقراء العالم نساء
الأجور : أجور النساء تقل ب50 % عن أجور الذكور
التعليم : يوجد بالعالم 875 مليون بالغ امي الثلثين منهم نساء
الصحة : تموت امرأة كل دقيقة في العالم بسبب تعقيدات مرتبطة بالحمل او الوضع . ومن ضمن 5.6 مليون بالغ مصاب بفيروس السيدا ثمة 2.3 مليون امرأة وعددهن في ارتفاع مستمر .
أشكال العنف : ( راجع لومانيتيه 21 سبتمبر 2000 حسب صندوق الأمم المتحدة للسكان ) : 130 مليون امرأة عرضة للتشويه الجسدي و4 مليون امرأة او طفلة صغيرة تباع في العالم سنويا ،و على المستوى العالمي تعرضت امرأة من كل ثلاث نساء للضرب او أجبرت على ممارسة الجنس او أُسيئت معاملتها بكيفية أخرى وفي الغالب من طرف أحد أقاربها بما فيهم الزوج او عضو آخر بعائلتها . وتعرضت امرأة من كل أربعة نساء لسوء معاملة خلال الحمل .
النزاعات:يشكل النساء والأطفال ثلاث أرباع الضحايا المدنيين و90 % من القتلى خلال هذه النزاعات
المؤسسات : تمثل النساء في المتوسط 13 % من الأشخاص الممثلين في هيئات القرار الوطنية والدولية .

* في فرنسا وفي أوربا
نعيد الى الأذهان أولا أن النساء يمثلن اليوم 46 % من السكان النشطين لكنهن يشكلن اكثر من نصف العاطلين والسواد الأعظم من العاملين وقتا جزئيا .
البطالة : ( راجع لوموند 19 ديسمبر 2000) : تستفيد نساء فرنسا من تراجع البطالة بدرجة اقل من استفادة الرجال منها . ففي ما بين يونيو 1997 و يونيو 2000 تراجع معدل بطالة النساء من 14.5% الى 11.5 % بينما بلغ معدل بطالة الذكور 8.5 %
البطالة طويلة الأمد : حصة النساء منها في ارتفاع : انتقلت من 57.6 % في يونيو 1999 الى 58.7 % في يونيو 2000
تمثل الفتيات أغلبية الشباب العاطل منذ اكثر من سنة : يمثلن 63 % من هذه الفئة ، بينما لا يشكلن غير 57 % من الشباب المسجل في الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل
النساء اقل استفادة من التعويض: 48.7 % مقابل 56.8 % لدى الذكور.
في الاتحاد الأوربي يبلغ معدل بطالة الرجال 9.8 % ومعدل بطالة النساء 12.4 % ( مرواني 2000)
الأجور : ( جداول الاقتصاد الفرنسي 2000-2001 ) يحصل رجل مأجور وقتا كاملا بفرنسا على مكافأة صافية يفوق متوسطها ما تحصل عليه النساء بنسبة 25 % . وفي الاتحاد الأوربي تكسب النساء اقل من الرجال بنسبة 28 % ( اوروستات رقم 8 ،1998) ” وبافتراض تساوي باقي العوامل ( التأهيل ، الاقديمة ، الخ) تبقى نسبة 10 الى 15 % من فروق الأجر بين الجنسين غير قابلة للتفسير ما عدا بالميز في فرص العمل بين الرجال والنساء وأشكال الميز على أساس الجنس .”
الوقت الجزئي :
سنة 1996 في بلدان أوربا الخمسة عشر كان 32 % من النساء و 6 % من الرجال يعملون بالوقت الجزئي . وهذا النوع من العمل مؤنث بنسبة 81 % ( مرواني 2000) .
وفي فرنسا يعمل 16.8% من النشيطين وقتا جزئيا ، لكن نسبة الرجال 5.4 % بينما النساء 31.1 %
المهام المنزلية
ما زالت النساء يضطلعن بـ 80 % من النواة الصلبة للعمل المنزلي
أشكال العنف :
في فرنسا تتعرض واحدة من كل عشر نساء لعنف الزوج وحسب التقديرات تعرضت 48 ألف امرأة للاغتصاب سنة 1999 من طرف الزوج او الخليل في ثلث الحالات ( لوموند 8 ديسمبر 2000 )

حصة النساء في التمثيل السياسي :
كان بفرنسا بعد الانتخابات التشريعية سنة 1997 نسبة 10.4 % من النواب النساء( كانت النسبة 10.9 قبل تعيين عدد منهن وزيرات ) وكان ثمة نسبة النساء بمجلس الشيوخ 5.6 %. وهذا ما يضع فرنسا في المرتبة ما قبل الأخيرة ، قبل اليونان ، في بلدان اوربا الخمسة عشر . وفي المتوسط ثمة 13.8 % من النساء بين البرلمانيين .
Véronique Helft-Malz et Paule-Henriette Lévy 2000).
.وتتراوح نسبة النساء في البرلمانيين الأوربيين بين 13.8 %(إيطاليا) و51 % (فيلاندا ). وكان في فرنسا سنة 1999 نسبة 29.9 من النساء بالبرلمان الأوربي المنتخب بقاعدة النسبية .

بيبلوغرافيا

Helft-Malz Véronique et Lévy Paule-Henriette : Les femmes et la vie politique française, Que Sais-je, PUF, 2000.
Maruani Margaret : Travail et emploi des femmes, Repères, La Découverte, 2000

——————————————————————————–

الباب الأول : “أصول” اضطهاد النساء
ثمة نظريتان كبيرتان حاولتا ،او ما زالتا تحاولان ، تقديم تفسير اجتماعي لوجود السيطرة الذكورية . أولاهما نظرية انجلز (مناضل ومنظر اشتراكي ، صديق ماركس ) والثانية نظرية ليفي ستراوس Levi-Strauss وفرانسواز إريتييه françoise Héritier (انتروبولوجيان معاصران ) . نحن نقف في تيار ثالث نقدي .
1. كان إنجلز في القرن التاسع عشر ينتمي الى تيار يرى ان وضع خضوع النساء في المجتمع لا يعود الى نظام طبيعي بل الى تطور تاريخي واجتماعي ، . كان انجلز ، وهو يستمد مصادره من لويس مورغان Lewis Morgan أحد الانتربولوجيين الأوائل ، يرى انه وجدت في غابر الأزمان مجتمعات منظمة على قاعدة ” الاقتصاد المنزلي الشيوعي ” حيث يسود الزواج” الجماعي ” ، وفي مجتمعات الحق الأمومي هذه ” لم يكن للمرأة وضع حر وحسب بل معتبر جدا ” . لكن تدريجيا وعلى قاعدة ظهور ثروات جديدة ( لاسيما الماشية ) كان ثمة في نفس الوقت تملك خاص لهذه الثروات الجديدة وتملك للنساء من طرف الرجال في إطار العلاقة الزوجية الأحادية الموكول أيليها نقل الإرث من الذكور الى الذكور . وذلك ما سماه انجلز” هزيمة الجنس الأنثوي الكبرى ” . لكن الرأسمالية ، حسب انجلز ، تضع أسس انعتاق النساء بلجوئها الى اليد العاملة النسائية الذي يكسر انغلاق النساء في العائلة . ويرى انجلز أن بلوغ مستوى متقدم من تساوي النساء والرجال يقتضي المس بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وإضفاء طابع اجتماعي على المهام المنزلية (انجلز ،1974، 1984)
قام الانتروبولوجييون، مع اعترافهم بإسهام أعمال مورغان التي يستوحيها انجلز ، بإبراز حدودها . ونشير الى اثنين منها :
كان ثمة آنذاك خلط بين مجتمعات ذات نظام بنوة أمومي ومجتمعات متريركية (مجتمعات سلطة النساء) . في مجتمعات البنوة الامومية يكون الخال ( أخ الام) هو صاحب السلطة على أبناء أخته . و في هذه المجتمعات ، مثل هنود أمريكا الشمالية ، يكون نفوذ النساء اكبر بكثير مما في مجتمعات البنوة الأبوية والمجتمعات البطريركية كما كان شأن المجتمعات الغربية في القرن 19 ، لكن ليست النساء هن من يتخذ القرارات المركزية المتعلقة بالجماعة برمتها . وكما لاحظ ماثيو N. Cl. Mathieu (1994) ثمة فرق كبير بين امتلاك سلطة وامتلاك السلطة .
توجد سيطرة الذكور أيضا في مجتمعات دون ملكية خاصة ولا طبقات اجتماعية ولا دولة ، سواءقفي مجتمعات القنص وقطف الثمار (F. Héritier 1996) أو زراعة البساتين (M. Godelier 1982).
2. يرى ليفي ستراوس والتيار البنيوي (1949) أن الطابع شبه الكوني لسيطرة الذكور ليس محيرا ، لأن ما من مجتمع يقوم دون قواعد تبادل زواجي بوجه خاص . والا فان مختلف وحدات القرابة محكوم عليها بالاقتتال . وطبقا لهذه القواعد يقوم الرجال ، حسب ستراوس ، بتبادل النساء . والحال انه طالما كان ثمة تبادل للنساء فسيكنن في وضع خضوع للسيطرة . ويري فرانسوا إيريتييه ان تبادل النساء يفسر بحاجة الرجال الى تعويض بواسطة قواعد اجتماعية لعدم التعادل الأساسي بين الجنسين في الإنجاب . والمقصود تعويض ذلك ” الامتياز المفرط” لدى النساء اللواتي يخرجن الى العالم أطفالا من كلا الجنسين . وقد قامت الباحثات الانتروبوليجيات النسوانيات او المتأثرات بالنسوانية بانتقاد هذه النظرية على صعد عديدة : الى جانب تبادل الرجال للنساء لا شيء يمنع نظريا تبادل النساء للرجال او تبادل هؤلاء لرجال ونساء مختلف المجموعات (موريس غودولييه ) ، رغم ان الرجال هم في اغلب الحالات من يتبادل النساء وليس العكس . علاوة على وجود مجتمعات تقليدية تقوم فيها النساء بتبادل الرجال وليس العكس . الا يوجب ذلك استنتاج ان نظرية التبادل كما صاغها ليفي ستراوس موسومة بعيب ” تمركز حول الرجل ” وتعكس على نحو ما وجهة نظر رجل ينتمي الى المجموعة المسيطرة(C. Collard ) ؟ ما زال حسم هذا النقاش بعيد المنال.
يعتبر العديد من الباحثين في الانتروبولوجيا أن “اغلب” المجتمعات المعروفة ، ايا كان تنوعها ” تتميز بعلاقات سيطرة الرجال على النساء. وثمة آخرون يستوحون مباشرة ،الى هذا الحد او ذاك، نظرية انجلز معتقدين انه وجدت مجتمعات قائمة على المساواة وانها ما زالت موجودة في مجتمعات القنص وقطف الثمار . وغالبا ما تقف الباحثات النسوانيات موقفا متشككا ازاء حقيقة هذا النوع من المجتمعات : هل اخذ الانتربولوجيون (ة) بحسبانهم كافة الأعباء التي تثقل كاهل النساء يوميا ؟ الم يجر ايضا بخس قدر الاكراهات وأشكال العنف الجنسية التي قد تمارس على البنات ،الخ؟ كيف يمكن من جهة أخرى تفسير هذه الدرجة من تنوع أوضاع النساء( “من شبه مساواة الى شبه استعباد ” حسب إريتييه ) في مجتمعات تسمى كلها مجتمعات قنص وقطف ثمار . ليس بوسعنا حسم هذا النقاش . ومهما كان الأمر يلزم الاقرار بكون التفسيرات الكلاسيكية للسيطرة غير مرضية . فالأولى تتجاهل وجود علاقات سيطرة في المجتمعات التي لا وجود فيها للملكية الخاصة ولا للدولة . والثانية لا تدرج هذه السيطرة في السير البنيوي للمجتمعات وحسب بل أيضا في ” الفروق بين الجنسين ” . والحال ان ثمة دوما حاجة الى تفسير لماذا لم يكن ذلك” الامتياز المفرط” لدى النساء مصدرا لسلطة للنساء على الرجال وليس العكس ؟ ان الحديث عن ” امتياز “معناه اعتماد تقييم يفترض مجتمعا مبنيا على موازين القوى بين الرجال والنساء وحتى علاقات سيطرة الرجال على النساء .وليس ذلك تفسيرا لها والحال ان ذاك هو السؤال الذي نسعى الى الإجابة عنه. لقد دفعت صعوبات إيجاد تفسير او تفسيرات مرضية العديد من الباحثين (ة) الى التقليل من اهمية مسألة الأصول مفضلين تفكيرا حول الاواليات الاجتماعية للسيطرة (N. Cl. Mathieu 1994).

——————————————————————————–

الباب الثاني: الإسهامات السياسية والنظرية للنسوانيات
يصعب اليوم تخيل عبء المنمطات stéréotypes والأعراف الاجتماعية الذي كان ينيخ على النساء (والرجال) البالغين بعد الحرب العالمية الثانية. لم يكن ممكنا الاعتراف بنساء تلك الحقبة عندما يصبحن بالغات الا بصفتهن المزدوجة كزوجات وامهات مخلصات حصرا لأسرهن (حتى ان كانت لهن انشطة اخرى) . وعبرت البنات بعد تمديد دراساتهن ، وباكتشاف منافع منع الحمل ،وبالحصول على مزيد من الاستقلال المالي ، عن مطامح اخرى وانخرطن النضال لرفع العبء الثقيل عن كاهلهن كما فعلت اجيال نساء عديدة منذ نهاية القرن 18 . وانتجت نضالات سنوات السبعين تلك تفكيرا انعكس في نقاشات حادة وتنظيرات جديدة نستفيد منها اليوم .

1 . مفهوم النوع :
النوع مفهوم صاغته النسوانيات بالبلدان الانغلوساكسونية وانتشر فيما بعد على نطاق عالمي .
اول من حدد مفهوم النوع ، من وجهة نظر نسوانية ، هي آن أوكلي Ann Oakley سنة 1972 قائلة : ” تحيل كلمة جنس الى الفروق البيولوجية بين الذكور والاناث: أي الى الفرق الظاهر بين الاعضاء التناسلية والى ما يرتبط بها من فرق في الوظائف الانجابية . اما النوع فهو مسألة ثقافة . ويحيل الى التصنيف الاجتماعي الى مذكر ومؤنث”
cité par C. Delphy, 1991). بهذا المفهوم كانت النسوانيات قد حددن عدة اهداف
تخليص تحليل العلاقات بين النساء والرجال ومكانة كل منهما في المجتمع مما يحيط به عادة من مفترضات مستندة الى ما هو بيولوجي . فليس الرحم والنهدان هما ما يجعل المرأة وديعة ومحبة للأطفال “بشكل طبيعي” ، وليس القضيب هو ما يجعل أوتوماتيكيا الرجل عنيفا او عاجزا عن العناية بالأطفال . لقد سبق لسيمون دوبوفوار Simone de Beauvoir ان حللت ذلك سنة 1949 في كتابها الجنس الثاني عندما قالت “لا نولد نساء بل يجعلون منا نساء”
ادراك وضع النساء ، لا كمجموعة على حدة ، بل بالعكس النظر الى النساء والرجال في علاقاتهما وبوجه خاص في تحديد ما يعرف عادة بالانوثة والذكورة . غذ تطابق هاذين المفهومين جملة منمطات تطورت خلال العقود الاخيرة لكن بامكانها الانبعاث تحت بهرجات اخرى . و ليست ” الانوثة” و”الذكورة” نتيجة طبيعية للانتماء الى جنس بل نتيجة سيرورة تشكيل او”تشويه” للاشخاص من طرف المجتمع من خلال التربية ورغبات التنظيم الاجتماعي .
كما أرادت النسوانيات ، بهذا المفهوم، ادخال فكرة غائبة في التعريف الآنف مؤداها أن ان علاقات الرجال/النساء ليست علاقات مبنية على تكامل الجنسين بل علاقات سلطة وسيطرة ، الخ. ثمة تراتب اجتماعي بين الرجال والنساء في اغلب المجتمعات المعروفة ، وعلاقات السلطة تلك هي التي يجب تحليلها .
ثمة مثال من الانتربولوجيا يتيح على نحو افضل قياس فائدة تمييز النوع عن الجنس البيولوجي . انه مثال الزواج بين النساء الذي شهده زهاء 30 مجتمعا افريقيا ،والمعروف جيدا لدى الانتربولوجيين ،والذي جاء في استشهاد لماتيو N. Cl. Mathieu :” يتعلق الامر بوجه عام بتكيف من المجتمع قصد ضمان استمرار قرابة بالعصب ( من ناحية الاب ) في غياب ذكر (متوفى او غير موجود) . تقوم امرأة بأداء التعويض الزواجي وتتزوج بصفتها زوجا (…) امراة اخرى ستنجب اطفالا مع رجل ليس سوى منجب وليس له أي حق عليهم .” لكن ، كما توضح الكاتبة ، تقوم بين المرأتين ، رغم كونهما من نفس الجنس ، علاقات تراتب حسب الدور (زوج او زوجة ) الموكول الى كل منهما . “ويسير الزواج بين النساء على نموذج تعارض النوع حيث تكون لـ”الزوج الانثوي” على زوجته نفس سلطات الرجل . هكذا يعاد انتاج تمايز المهام والوظائف الاجتماعية ، الذي يمثل الخاصية الاساسية للنوع ، في الزواج بين اشخاص من نفس الجنس ” (1991)
في فرنسا تظل الدراسات النسوانية مهمشة جدا أيا كانت تسميتها ،ويظل استعمال مفهوم النوع نادرا بل يمكن ان يكون موضوع رفض مقصود من طرف فروع البحث المقاومة للتأثير النسواني .كما انه عرضة لمنافسة من طرف مفهوم علاقات الجنس الاجتماعية (سنعرض له لاحقا)
مهما كانت الالتباسات التي قد تحيط بمفهوم النوع ، فان له فضل اساسي الا وهو المسافة النقدية التي يقيمها فورا ازاء المنمطات المرتبطة بالجنسين والتساؤل حول الادوار والوظائف التقليدية المسندة للافراد حسب انتمائهم لهذا الجنس او ذاك . ان هذا التفكير النقدي حول الانواع هو الذي يمكن اليوم حركة المثلية الجنسية من المطالبة بالحق في الزواج والحق في الابناء في اطار هذا الزواج ويتيح لجميع المناضلين(ة) استشفاف مجتمع يفقد فيه تصنيف الافراد حسب “جنسهم” أي مدلول سياسي

2 . ما من شيء “طبيعي” في التقسيم الجنسي والاجتماعي للعمل
يرى انجلز وآخرون ان سبب سيطرة الرجال على النساء كامن في مكانتهن المهمشة في الانتاج ، هذه المكانة االهامشية نتاج منطقي لتقسيم العمل بين الرجال والنساء في الانجاب. يرى انجلز انه من البديهي ان تقوم النساء ، اللواتي ينجبن اطفالا ، بتحمل اشغال المطبخ والعناية بالاطفال ( لكن في اطار ُمشرك ) بينما يقوم الرجال باعمال القنص والانتاج ،الخ . هذه الرؤية لتقسيم العمل بين الجنسين هي انعكاس لايديولوجية لم تُستنفذ بعد حتى الآن((cf. Trat 1997. ).تحدث الانتربولوجيون طيلة امد طويل جدا عن مجتمعات “القناصة ” مستهنين على هذا النحو بنشاط النساء في ذلك النوع من المجتمعات . والحال أن معطيات الانتربولوجيا المعاصرة والتاريخ المتأثرة بالنسوانية برهنت على ان النساء كن منتجات على الدوام . حتى في مجتمعات الرحل ، في مجتمعات القنص-القطف كان للنساء دور حاسم في القوت اليومي بصفتهن قاطفات .
في اغلب المجتمعات المعروفة تتميز انشطة الاناث عن انشطة الذكور لكن نوع النشاط الذي يمارسه كل منهما يختلف كثيرا من مجتمع الى آخر . علاوة على ان انشطة النساء غالبا ما تكون اقل قيمة من انشطة الرجال . ثمة اذن تراتب . فهل النساء اكثر هشاشة وعجزا عن ممارسة انشطة تعتبر “قاسية ” ؟ يدل مثال شعب إينويت INUIT ( سكان منطقة القطب الشمالي المشتتين في قارات عدة ) ان الامر ليس كذلك: في تلك المجتمعات حيث تمنح قيمة كبيرة للمواليد الذكور وحيث يمكن وأد البنات الصغيرات في بعض الظروف وحيث كان للقنص اعتبار كبير بينما للانشطة المنزلية قيمة اقل ، كان الطفل الذي يولد يعتبر تناسخا (تجسدا جديدا) لاسم جد متوفى . وقد دفعت الحاجة الى تناسخ اسم جد متوفى الى “تغيير جنس ” طفل عند ولادته . يمكن لطفل ان يكون تناسخا لاسم امرأة وتربيته بالتالي تربية بنت وعلى العكس قد تكون بنت تناسخا لاسم رجل وتجرى تربيتها تربية ولد . وفي هذه الحالة قد تصبح البنت قناصا ممتازا للفقمة ،الخ. ولم تكن تلك الممارسات استثنائية بأي وجه (J. Robert-Lamblin 1986. ) ومن المعروف ايضا أن النساء في القرن 19 بفرنسا يقمن مقام الدواب في جر القوارب على طول نهر السين . ليس اذن “ضعف” النساء البدني تفسيرا لمكانتهن في تقسيم العمل .
هل ُتستبعد النساء من بعض الأنشطة بسبب الحمل وحركيتهن الأقل بفعل الأطفال ؟ لقد ابرزت باولا تابيه (Paola Tabet (1979 الانتروبولوجية النسوانية وآلان تستار Alain Testart (1986 .) ان ما يميز انشطة النساء عن انشطة الرجال ليس ما تستلزمه تلك الانشطة من حركية ، بل في المقام الاول استعمال الاسلحة لا سيما الاسلحة المسيلة للدم . وحسب آلان تستار يشكل استبعاد النساء عن استعمال الاسلحة “النموذجية “الخاصة بالصيد ( تلك التي تخترق لحم الحيوان) تعبيرا عن طابو حاضر في كل المجتمعات : الخوف من مزج الدم البشري بدم الحيوان . وترى باولا تابيه في ذلك علامة علاقات سلطة الرجال على النساء اذ يحافظ الرجال على احتكار العنف وتقنيات الإنتاج الاكثر تطورا .
في جميع الاحوال ليس تقسيم العمل بين الجنسين امرا ” طبيعيا ” بأي وجه . ان كانت النساء يلدن فثمة حلول عديدة للتكفل بالاطفال وعدم استبعاد النساء من بعض الانشطة . وان كن مستبعدات بشكل منهجي ، وليس بالتناوب حسب الحمل ، فذلك نتيجة اختيارات اجتماعية صريحة او مضمرة يتعين كشفها .

3 . الرأسمالية والنظام البطريركي والعمل المنزلي
عندما ُيسأل اطفال المدرسة سابقا عن مهن ابويهما ُيشار اليهم إن كانت الأم ربة بيت ان يكتبوا ” بدون ” . هذه ” بدون” تدل على نحو أفضل من غيرها على “الطابع اللامرئي” لعمل النساء المنزلي في المجتمعات الرأسمالية قبل انبعاث الحركة النسوانية في نهاية سنوات الستين . وعلى العكس ابرزت النسوانيات اهمية وتنوع الانشطة المنجزة من قبل النساء”مجانا ” في الاسرة . ويتعين ان تضاف الى الانشطة المنزلية العناية بالاطفال وبالاشخاص التابعين في الاسرة او ايضا ” المساعدة ” المجانية التي تقدمها بعض الزوجات لازواجهن في االقرية وبعض التجارات او المهن الحرة وحتى ” الخدمة الجنسية ” في اطار الزواج (C. Delphy et D. Léonard 1992 ) . لمزيد من التوضيح نشير الى ان تعبير ” الخدمة الجنسية ” لم يكن ابدا محط اجماع بين النسوانيات . ويدفع هذا التعبير الى الاعتقاد ان أي علاقة جنسية في اطار الزواج ، وحتى داخل أي زوج couple مغاير جنسيا hétérosexuel يندرج في الاكراه . ان صح انه يتعذر على كل امرا’ة التملص من ” واجب الزوجية ” الى حدود سنوات الثمانين في فرنسا ، فليس الامر اليوم على نفس الشكل تماما . لم يعد الرجال وحدهم من يسعى الى نوع من التفتح الجنسي في اطار زوج couple .يتطور الوضع على هذا المستوى بوثيرة الاستقلال الذي تحرزه ( او تفقده) النساء في كافة المجالات .
و بخصوص العمل المنزلي كان ثمة اجماع بين النسوانيات في فرنسا لكنهن كن خارجها منقسمات الى تيارين كبيرين :
* استنتجت كريستين دلفي ( والتيار النسواني “الراديكالي”) في مقال رمز بعنوان ” العدو الرئيسي (1998 [1970]) وجود نمط انتاج منزلي مغاير لنمط الانتاج الرأسمالي . فكل النساء أيا كان انتماؤهن الاجتماعي هن ضحايا استغلال مباشر من طرف الرجال في الأسرة و تشكل النساء ، كما الرجال ، طبقة جنس متجانسة . توجد النساء في هذا الصراع ضد الاستغلال المنزلي في تعارض مع طبقة الرجال كما تتعارض طبقة الاجراء مع ارباب العمل في الصراع الطبقي . وكما اوضحت صاحبته ، كان لهذا التحليل مزية وضع الاصبع على القاعدة المادية لاضطهاد النساء في الاسرة بما فيها الاسر الشعبية واتهام كافة الرجال المستفيدين منه ( وليس فقط الرأسماليين) . وهو ما كان يلوي عنق الصور الشعبية الساذجة عن ” الاسرة العمالية” التي يقدمها انجلز وبشكل اكثر اليسار بكامله وحتى أقصى اليسار .
كانت الخلاصات السياسية لهذا التحليل واضحة : يتوجب على النساء ، في هذا الصراع الطبقي ان يتحدن للنضال ضد العدو الرئيسي : النظام البطريركي . ولم تكن كريستين دلفي انذاك ترى فائدة ولا امكانية تلاقي الصراع الطبقي التقليدي وصراع ” طبقات الجنس” .
بالانطلاق هو ايضا من اهمية العمل المنزلي ، كان التيار النسواني ” النضال الطبقي” التي انتمينا اليه وما زلنا يقوم بتحليل مغاير تماما :

سبق اضطهاد النساء الرأسمالية لكن هذه الاخيرة غيرته بعمق : ظهر العمل المنزلي بمعناه الدقيق مع الرأسمالية (D. Fougeyrollas-Schwebel, 2000) .فالرأسمالية ، باحلالها الى حد كبير الصناعة الكبيرة مكان الانتاج الزراعي والحرفي الصغير ، اعطت اكثر فاكثر شكلا للفصل بين اماكن الانتاج (المنشآت) واماكن اعادة الانتاج (الاسرة) مسندة للمرأة دور ربة البيت الرائعة هذا .
قامت ايديولوجيا امراة البيت هذه ، التي ظهرت مع البرجوازية ، بتعزيز الاحتقار الجاثم على النساء “المكرهات” على العمل خارج البيت لانعدام زوج من شأنه إعالتهن . لم تكن هذه الايديولوجيا خاصة بالبرجوازية بل على العكس اصابت عدواها كل الحركة العمالية الناشئة .
لكن خلافا للافكار المسبقة لم تكف نساء الاوساط الشعبية عن العمل وهن ضحية التناقضات العديدة المرتبطة بمهامهن في الاسرة وشروط عملهن القاسية .
إن الرأسمالية نمط انتاج ديناميكي وعدواني ، وهو بهذه الصفة يتغلغل في كل العلاقات الاجتماعية بما فيها علاقات النوع . ولم تتردد الرأسمالية مثلا في اللجوء على نطاق كثيف الى اليد العاملة النسائية والفتية (الاطفال) الرخيصة جدا في بداية القرن 19 قصد رفع الإنتاج وبالتالي الارباح . وعلى مر القرون دفع السعي الى اقصى ربح الراسمالية الى الطعن ( نسبيا على الاقل) في السلطة الاب والزوج لتجعل من النساء عاملات”حرات” في بيع قوة عملهن دون ترخيص من الزوج (O. Dhavernas, 1978) ومستهلكات كاملات (N. Lefaucheur, 1994).و شهد هذا اللجوء الى عمل النساء تطورات جديدة في بداية سنوات الستين (F. Battagliola, 2000) والى اليوم على الصعيد العالمي . فمع نقل الصناعات التقليدية او فائقة التقدم الى افريقيا الشمالية وامريكا اللاتينية واسيا استقطب ارباب العمل الساعون الى ارباح جديدة نساء فتيات الى سوق العمل . ومع ذلك تمكنت هاته النساء المستغلات بافراط من أن يحققن على هذا النحو استقلالا ماليا معينا عن رجال الاسرة ومؤاتيا للمطالبة بحريات جديدة . ومن جهة اخرى تم في البلدان الرأسمالية المتقدمة اخراج مزيد من الانشطة من اطار الاسرة الذي كانت تنجز فيه لتتكفل بها في فترة اولى الخدمات العمومية (مدرسة ، صحة ،الخ) او اكثر فاكثر عبر السوق : صنع اللباس والوجبات ،الخ . هكذا ومع بقاء مسؤولية العديد من وجبات الاسرة على كاهل النساء فان وجبات عديدة تؤخذ خارج البيت بواسطة مطاعم او محلات وجبات سريعة . لذا نرى لزاما تحليل تمفصل الراسمالية والاضطهاد البطريركي.

الاضطهاد البطريركي مفيد للنظام الرأسمالي : تظل الرأسمالية رغم تشجيعها ، باسم الأرباح، لتحرر معين للنساء شديدة الارتباط بمؤسسة الاسرة التقليدية .

تقوم الاسرة في مجتمعاتنا بدور اساسي في اعادة انتاج التقسيمات (والتراتب) بين مختلف الطبقات الاجتماعية من جهة وبين الانواع التي انيطت بها وظائف اقتصادية واجتماعية مختلفة : باسم وظيفة ” الامومة ” يتعين على النساء الاضطلاع بمجموع المهام المرتبطة برعاية واعادة انتاج ( اجتماعية ورمزية ) قوة العمل والاسرة ، بينما يفترض ان يقوم الرجال بدور ممونين اقتصاديين رئيسيين . وهذا ما يتيح ، باسم تكامل الادوار المزعوم ، في اطار الميز المهنى ، الابقاء على اشكال ميز في الاجور على حساب النساء.

تقوم الاسرة بدور “ضبط” لسوق العمل . كانت النساء خلال فترة ازدهار اقتصادي طيلة 30 سنة الى حدود اواسط سنوات السبعين مطلوبات بشكل كثيف كيد عاملة رخيصة في جملة فروع صناعية مثل الالكتونيك ثم كاجيرات في القطاع الخدماتي . لكن في اطوار الانكماش الاقتصادي ،مثل التي شهدناها منذ 20 سنة الاخيرة ، لم يتوقف ارباب العمل والدولة عن حفز النساء على الانسحاب الجزئي او الكلي من سوق العمل لتكريس انفسهن لـ ” غريزتهن ” أي الامومة . ومع الانتعاش الاقتصادي ( العابر او المستديم؟) يجري النظر من جديد في الاستثمار في التجهيزات الجماعية ،ليس توخيا للمساواة اساسا بل بالدرجة الاولى لـ”تحرير” قوة العمل النسائية الخاضعة لمرونة اوقات العمل .
مهما كانت طبيعة الفترة (ازدهار او انكماش) يتيح العمل المنزلي للدولة اقتصاد التجهيزات الجماعية ويتيح للباترونا اداء اجور اقل للاجراء(ة) (J. Albarracin, 1988). . لو لم تكن النساء مسؤولات وحدهن عن هذا العمل في اطار الاسرة لوجب ارتقاب خفض كثيف لوقت العمل بالنسبة لمجموع السكان وتطوير كبير للتجهيزات الاجتماعية .
ان وظيفة سلطة الاسرة قد تأثرت كثيرا بالتطورات حديثة العهد في وضع النساء في المجتمع لفائدة وظيفتها ” العاطفية ” . لكن النقاشات الاخيرة حول الاسرة و le PACS وحول ” ازمة ” سلطة الاب ابانت ، ان كانت ثمة حاجة الى ذلك ، أن المدافعين عن النظام الاجتماعي الراسمالي لا يترددون في اللجوء الى الدفاع عن على نظام الاسرة المبني على تمييز الانواع وتراتبها . ويرى اشد أنصار الاسرة التقليدية تعلقا بها ان من شان سلطة الاب المعاد اليها الاعتبار ان تكون درعا بوجه ” تجاوزات” شباب الاحياء الهامشية المهمل .
اخيرا ، وقد يبدو هذا للوهة الاولى مناقضا للنقطة السابقة ، تمتلك الاسرة مزية كبيرة : انها مؤسسة مرنة نسبيا ( تنوعت اشكالها تنوعا كبيرا في ظرف 30 سنة ) وقد تؤدي دور صمام لا يستهان به بوجه ما يتعرض له الاجراء في حياتهم المهنية من اكراهات . ليس بامكان اغلبية السكان لا اختيار العمل ولا شروط هذا العمل . وفي فترة البطالة تغدو “الاختيارات” متقلصة جدا . لكن بـإمكان “اختيار ” الشريك في الزواج وبـإمكان”اختيار” اسرة باولاد او دونهم ، واكل هذا المنتوج او ذاك ، وشراء هذا النوعىمن السيارات او ذاك ، والسفر في عطلة الى هذه الوجهة او تلك (لمن استطاع اليها سبيلا)، قد يشعر كل فرد ان يشعر باستعادة الحرية المفقودة خارج جدران الاسرة . ويقوم الاشهار بكامله بتغذية هذا الوهم . لكن شعور الحرية هذا محدود بعنصرين اساسيين: مستوى ما لدى الفرد من امكانات مالية والجنس (بالاحرى النوع) الذي ينتمي اليه والعمر . تدرك النساء بسبب ما هن” مسؤولات” عنه من مهام منزلية ، وما يتعرض له الكثير منهن من اشكال عنف زوجي ، حدود حريتهن . كما يتعرض بعض الاطفال (لاسيما الاناث) الى تسلط الاباء وحتى الى سوء معاملة .
هذه العناصر مجتمعة هي التي تفسر لماذا تظل الاسرة بنظر كل المحافظين “ركيزة ” اساسية للمجتمع.
كل النساء مضطهدات لكن لسن كلهن مستغلات . هل يمكن ان نخلط كما تفعل دلفي و ليونار C. Delphy et D. Léonard (1992) في وعاء تعبير ” العمل العائلي المستغل ” العمل المنزلي لربة البيت او النساء الاجيرات وعمل زوجات الحرفيين والتجار وصغار المزارعين او اعضاء المهن الحرة او ايضا عمل زوجة مدير عام شركة ؟ ثمة فعلا في جميع الحالات نشاط لصالح الزوج غير معترف به ، لكن لا يمكن طمس الفروق . و يمكن الحديث عن استغلال حقيقي بالنسبة لكافة هاته النساء اللائي يعملن دون اجرة في ظل الزوج وينتجن (بالقرية او المدينة ) لاجل السوق سلعا او خدمات تمثل مصدر دخل مالي قد يتحكم فيه الزوج . اما العمل المنزلي لربات البيوت او عمل النساء الاجيرات فيشكل عملا فائضا لكنه بخلاف عمل الاجراء (ة) في منشأة لا يسمح للزوج بمراكمة رأسمال. ومن النادر ان يتمكن رجل من تغيير جذري لمكانته في العلاقات الاجتماعية بفضل عمل زوجته المنزلي ، ما عدا إذا تملك جسمها وأجبرها على ممارسة الدعارة . اما نشاط زوجة مدير عام شركة تقود خادمات البيت وتقوم بدورها كمضيفة في الاستقبالات ، فلا شك انها مطبوعة بالتبعية لزوجها ، لكن في هذه الحالة هي من يستغل مستخدماتها ( غالبيتهن نساء) . ليس قصدنا الانتقاص من قيمة هذا العمل الفائض المنزلي التي تقوم به النساء والذي يمثل بعدا اساسيا للاضطهاد . لكن ان كان لخلط مجموع هذه الاوضاع المختلفة في تعبير ” العمل العائلي المستغل” مزية اضفاء شرعية على مفهوم ” طبقة ” النساء فان عيبه الكبير هو حجب التمايزات الاجتماعية بين النساء التي لا يمكن تجاهلها ( D. Kergoat 2000)
ليس التضامن بين النساء امرا بديهيا . ويمكن بناؤه بشرط تحديد اهداف نضالية تراعي مصالح النساء الاقل حظوة .
هكذا ، عكس ما تعتقد بعض النسوانيات على ما يبدو ( (C. Delphy, D. Léonard 1992 يتعذر تصور تحرر النساء ، كل النساء وليس اقلية صغيرة فقط ، في ظل المجتمع الراسمالي . وعلى العكس ليس مستبعدا في اطار فترة ازدهار اقتصادي جديد وبفعل نضال النساء انفسهن تحقيق مكاسب جديدة . لدا نرى انه لا غنى عن العمل لتلاقي نضالات النساء ضد اضطهادهن مع نضال الاجراء (ة) ضد الاستغلال الرأسمالي حتى ولو ان ذلك يؤدي الى صراعات لا مفر منها .

4 ) علاقات الجنس الاجتماعية
بدل استعمال مفهوم النوع قامت باحثات فرنسيات، في بداية سنوات 80 ، باشاعة مفهوم علاقات الجنس الاجتماعية لاسباب متصلة بالتقاليد الثقافية وبالوضوح النظري (D. Kergoat, 2000).. المقصود من الوهلة الاولى ادراج تحليل علاقات اضطهاد الرجال للنساء في التحليل الاجمالي للمجتمع ولمختلف العلاقات الاجتماعية التي تشكل بنيانه .وكما نبهت مرارا دانيال كرغوات (1992) :
التفكير من زاوية العلاقات الاجتماعية هو ابتعاد عن كل التحاليل من زاوية “الروابط” الاجتماعية . ففي التقليد الماركسي ليست العلاقات بين الافراد مجرد علاقات ذاتية بل هي مطبوعة بعلاقات اجتماعية ، متناقضة ، تناحرية ، تشكل بنيان موازين القوى داخل المجتمع .
يعني الحديث عن علاقات الجنس الاجتماعية ان هذه العلاقات ُتبنين المجتمع شأنها شأن العلاقات الطبقية مثلا بخلاف علاقات اخرى مثل ثلك القائمة بين المدرس والمتعلم او بين الاطباء والمرضى .
ُتبنين علاقات الجنس الاجتماعية هذه مجموع المجال الاجتماعي وهي تخترق المجتمع برمته ، ولا توجد من جهة علاقات طبقية واستغلالية تبنين مجال الانتاج وفضاء العمل المهني ومن جهة اخرى الاسرة المنظمة بعلاقات هيمنة الرجال على النساء . ففي كلتا الحالتين تتداخل مختلف العلاقات الاجتماعية . داخل منشاة مثلا غالبا ما تكون النساء باجور اقل من اجور الرجال ويكن عرضة للتحرش الجنسي ، وان كن من اسرة مهاجرة سيكون وضعهن اسوأ . تتبادل كل هذه العلاقات التاثير وذلك في مختلف مجالات المجتمع .
بحكم تعريفها ليست العلاقات الاجتماعية طبيعية بل تاريخية واجتماعية سياسية ـ ، وقد تتغير حسب ما تشهده البنيات الاجتماعية من تطور كما حسب العمل الجماعي . فالافراد ، ذكورا وإناثا، يصنعهم المجتمع وعلاقات السيطرة وبامكانهم في نفس الوقت الفعل في هذه العلاقات الاجتماعية بصفة فردية ، لكن الفعل الجماعي اقوى فعالية .
يتمثل رهان علاقات الجنس الاجتماعية كما سبق ان فسرنا في تقسيم العمل بين الجنسين . ولا يتعلق تقسيم العمل بمكانة كل من الرجال والنساء في سوق العمل فقط وفي تراتب علاقات الانتاج ، بل بمكانة كل منهما في مختلف دوائر المجتمع . سنعود الى ذلك في الخلاصة .

5. استقلال حركة النساء
استنادا على التجارب التاريخية لنضالات النساء عبر العالم (S. Rowbotham, 1973) التي ُتبرز كيف تعرضت النساء بانتظام لسلب ثمار نضالاتهن من طرف الحركات الثورية بعد اتمام ” الثورة ” ، دعت نسوانيات سنوات 70 الى تنظيم ” مستقل ” للنساء . يتوجب على النساء تنظيم انفسهن جماعيا ليفرضن ، بتعبئتهن ، ميزان قوى يجبر الحكومات والحركة العمالية والديمقراطية على اعتبار مطالبهن . ويرى بعضهن ان هذه الحركة مكتفية بذاتها والبعض الاخر (منه تيارنا ) يرى ان المقصود هو العمل على تضافر النضال النسواني قدر الامكان مع نضال حركات اجتماعية اخرى في منظور معاد للراسمالية .لا يمكن أن يكون هذا التضافر الا منطويا على صراعات ( ابانت العقود الاخيرة وللاسف صحة رأينا ) . وفعلا سيفقد الرجال في هذا الصراع ، بوجه الاستقلال المتنامي لحركة النساء ، الشيء الكثير في فترة اولى رغم انهم سياملون ، مثل النساء ، الحصول في النهاية على علاقات اكثر غنى مع الجنس الاخر . . ويتعلق الامر عندهن جميعا بترجيح الاهداف النسوانية دون اخضاعها لاهداف اخرى ُيفترض انها “اسمى ” سواء كانت اهدافا انتخابية للاحزاب او ” وحدة الطبقة العاملة ” الخ . لقد اثبتت التجربة السياسية ،خلال العقود الاخيرة ، ان تنظيم النساء الجماعي هذا يظل أمرا لا غنى عنه . يتعذر على أي رجل ( واي امراة ) ادعاء الافلات من علاقات الاضطهاد ، ما دامت مندرجة في سير الحياة اليومية . ولاجل الحفاظ على حبهن (لرجل) او على حياتهن العائلية من بعض الصراعات المنهكة ، تميل النساء الى بعض المساومات والى التنازل ، مثلا ، في تقسيم المهام المنزلية . اما الرجال ، حتى عندما يعلنون تضامنهم مع معركة النساء ، فلا يمكنهم الامتناع عن اعتبار تمرد شريكتهم ، حين يمارس في محيطهم ، دليلا على ” مزاج سيء” . لا يمكن ان يتقدم نضال تحرر النساء اذا ظلت النساء معزولات كل واحدة في زاوية . وعلى العكس يمكن لاشكال تنظيم هذا النضال أن تتباين حسب الاجيال او السياق الاجتماعي السياسي .

بيبليوغرافيا

Sur le concept de genre: Indispensable: N. CL. Mathieu 2000, entrée “Sexe et genre” in Dictionnaire critique du féminisme, PUF.
Mais aussi: Delphy Christine (1991): “Penser le genre, quels problèmes?”, Sexe et genre, édité par M-Cl. Hurtig, M. Kail et H. Rouch, éditions du CNRS (لمن يهتم ببزوغ مفهوم النوع في العلوم الاجتماعية)
• Scott Joan (1988) : “Genre: une catégorie utile d’analyse historique”, Cahiers du GRIF, N° 37-38, éditions Tierce (article difficile).
– Sur le concept de division sexuelle du travail:
• Kergoat Danièle: entrée “Division sexuelle du travail et rapports sociaux de sexe” in Dictionnaire critique du féminisme, PUF (article de base).
– Pour aller plus loin:
• Robert-Lamblin Joëlle (1986) : “Influence de l’éducation sur l’identité sexuelle”, Côté-femmes, approches ethnologiques, éditions L’Harmattan (article essentiellement descriptif sur “le changement de sexe” chez les INUIT, facile à lire).
• Tabet Paola (1979) : “Les mains, les outils, les armes”, L’Homme XIX, 3-4, pp. 5-61,
مقال أساسي : ليس تقسيم العمل حسب الجنس نتيجة منطقية لـ”الاعاقات الطبيعية ” المتصلة بالامومة بل نتاج علاقة سلطة بين الانواع. مقال أخاذ لكنه صعب على من لا يتحدث الانجليزية جيدا بسبب كثرة الاستشهادات غير المترجمة . ).
• Testart Alain (1986) : Sur les fondements de la division sexuelle du travail chez les chasseurs-cueilleurs,
La Recherche, N° 181 octobre 1986, 1195-1201
مقال في غاية البساطة يلخص كتابها الصادر نفس السنة مستوحى من كتاب باولا تابيه، لكنه يؤكد من جهته ، انطلاقا من معطيات شبيهة او مكملة على ” البنية الرمزية ” الكامنة خلف تقسيم العمل بين الجنسين ).
• Trat Josette (1997) : “Engels et l’émancipation des femmes” Engels, savant et révolutionnaire, sous la –dir–ection de G. Labica et M. Delbraccio, PUF, pp–;– 175-192 (article, facile à lire, d’analyse critique de la pensée d’Engels, et de sa conception “naturaliste” de la division sexuelle du travail en particulier).
– Sur Capitalisme, patriarcat et travail domestique:
• Delphy Christine (2000): entrée “Théories du patriarcat”, Dictionnaire critique du féminisme, PUF.
• Fougeyrollas-Schwebel Dominique (2000): entrée “Travail domestique”, Dictionnaire critique, PUF.
– Pour aller plus loin:
• Albarracin Jesus: “Travail domestique et loi de la valeur”, Inprecor, N° 274 du 17 octobre 1988
• Bihr Alain et Pfefferkorn Roland (1996): hommes/femmes, l’introuvable égalité, édi. de l’Atelier (bien que les chiffres soient dépassés, une description de l’articulation entre oppression de classe et oppression de genre, remarquable)
• Battagliola Françoise (2000): Histoire du travail des femmes, La découverte
• Delphy Christine (1998): L’ennemi principal, l’économie politique du patriarcat, éditions Syllepse
جملة مقالات علىامتداد 30 سنة من طرف اول منظرة بفرنسا لمفهوم ” الانتاج المنزلي ” . للقراءة لمعرفة المواقف النظرية للنسوانيات ” الراديكاليات ” او ” الماديات ” بفرنسا وعلى الصعيد العالمي . حاليا تلاشت الخلافات بين هذا التيار والتيار النسواني “النضال الطبقي ” بسبب تطور مواقف الطرفين و السياق الاجتماعي-السياسي . ).
• Le Faucheur Nadine 1994-1995: “De la stabilité à la mobilité conjugale”, Le nouveau Politis, La Revue, N° 8, Nov-déc. 1994-Jan. 1995.
– المقالان التاليان جديران بالقراءة لانهما يلخصان جيدا المواقف النظرية التي طورها تيارنا خلال تلك السنوات . ومن المؤسف ان مؤرخات النسوانية بفرنسا يتجالهن المقالين بشكل ممنهج مما يؤدي الى صورة مشوهة عن نقاشات تلك الحقبة . .
• Vinteuil Frédérique (1975-1976): “Capitalisme et patriarcat, questions de méthode “, Critique Communiste, N° 4, Déc.75. Jan.76.
• Vinteuil Frédérique (1983): “Marxisme et féminisme”, Critique Communiste, N° Hors série.
– à propos de l’expérience historique des luttes de femmes dans le monde:
• Sheila Rowbotham (1973): Féminisme et Révolution, N° 229, petite bibliothèque Payot.

——————————————————————————–

الباب الثالث : اضطهاد النساء
ناضلت نسوانيات سنوات 70 لفرض الاعتراف بوجود “اضطهاد خاص” للنساء . كان المقصود آنذاك الدفع الى قبول ان هذا الاضطهاد دام آلاف السنين ، وانه سبق ظهور الملكية الخاصة في المجتمعات الغربية ، و انه غير قابل للاختزال في ” فرط استغلال” النساء من طرف الرأسمالية ، وان البيت ليس ملاذ السلام الذي لا تكف المجلات النسائية عن تمجيده ، وان نصف البشرية عرضة له . لكن هذا الجهد لاجل الاعتراف بـ”اضطهاد النساء الخاص ” اتى بنتيجة عكسية . فقد ادى الى تهميش التفكير في هذا الميدان بدل دمجه في تفكير اعم حول سبل تحرر كافة المضطهدين والمضطهدات . لذا لا يخلو من جدوى التساؤل من جديد، بعد 30 سنة ، حول الاواليات الفاعلة في مختلف انواع الاضطهاد . لا ُتختزل سيطرة الذكور في جملة اشكال ميز ، بل هي منظومة متماسكة تضفي صبغتها على كل مجالات الحياة الجماعية والفردية .
1 ) تنعكس السيطرة بوجه عام في عمل فائض ، استغلال عمل المضطهدين من كلا الجنسين مع بعض الفروق . لا يتجلى اضطهاد المثليين والمثليات جنسيا في نوع خاص من العمل الفائض بل في اشكال ميز حقيقية في العمل. اما النساء فهن عرضة “لفرط استغلال” في اماكن العمل ويقدمن ساعات عمل منزلي طويلة ، لكن هذه الساعات ليس لها نفس وضع ساعات العمل المأجور كما ذكرنا بذلك . لكن تبرز الإحصاءات ، على المستوى العالمي ، ان احتساب العمل المهني للنساء المكافئ عليه ، إضافة الى العمل المنزلي ، تدل على ان مجموعة النساء تنتج “عملا فائضا ” قياسا على عمل الرجال.ويمثل عدم اختلاط المهام و المسؤوليات العائلية هذا الوجه الظاهر (بفضل النسوانيات) لنظام اجتماعي مبني على تقسيم اجتماعي وجنسي للعمل ، أي على توزيع للمهام بين الرجال والنساء يفترض تكريس النساء ” بشكل طبيعي تماما” للفضاء المنزلي والخاص وتكريس الرجال للنشاط المنتج والعمومي . ليس هذا التوزيع تكامليا بقدر ما هو تراتب بين الأنشطة “الذكورية ” (ذات الاعتبار ) والانشطة “الانثوية ” (فاقدة الاعتبار) . لم يطابق هذا التقسيم الواقع أبدا. فكما شهدنا راكمت غالبية النساء ، على الدوام، نشاطا منتجا (بمعناه الواسع) الى جانب رعاية المجموعة المنزلية.
2 ) تتميز السيطرة بغياب تام او جزئي للحقوق : كان حق العبيد الوحيد هو العمل وحق المراة المتزوجة في القرن 19 باوربا يلامس الصفر . وحقوق نساء افغانستان اليوم اعدمها طالبان بتواطؤ القوى الغربية العظمى . و بوجه عام تكون حقوق النساء اللواتي يعشن في مجتمعات حيث الدين شأن للدولة محدودة جدا . وعلى العكس اتسعت بشكل كبير حقوق النساء الغربيات بتاثير مزدوج من تطور الرأسمالية ونضالاتهن: كان عليهن ان يعملن ويستهلكن “بكل حرية” (O. Dhavernas, 1978) . ومن جهة اخرى لم تكف النساء عن النضال جماعيا منذ قرنين للمطالبة بحق الاقتراع وحق العمل والتنظيم النقابي وحرية الامومة والمساواة الكاملة في العمل وفي الاسرة وفي الفضاء العمومي .
3 ) تترافق السيطرة دوما مع عنف ، بدنيي او معنويي او ” فكري” (cf. M. Godelier 1982). والعنف البدني هو دوما في مجتمعاتنا العنف الزوجي والاغتصاب ، الخ .والعنف المعنوي او النفسي هو الشتائم والاهانات . والعنف “الفكري ” هو اشكال العنف المسجل في التمثلات ( الاساطير ،الخطابات،الخ) . مثلا عند شعب باروياBaruya (سكان غينيا الجديدة) حيث يمارس الرجال سيطرتهم على جميع المستويات ، لا يعتبر حليب النساء نتاجا انثويا بل تحولا لمني الرجال . والحال ان تمثل الحليب كنتاج مشتق من المني يشكل، كما يقول غودولييه ، شكلا لتملك الرجال قدرة النساء على الانجاب وهو طريقة لتسجيل اخضاع النساء في تمثل الجسم .
4 ) غالبا ما تترافق علاقاتالسيطرة بخطاب يرمي الى تمرير التفاوتات الاجتماعية بما هي معطيات طبيعية. ونتيجة هذا الخطاب هو جعل تلك التفاوتات مقبولة كمصير لا محيد عنه ( لا تغيير لما هو طبيعي) بينما كل ما هو تاريخي واجتماعي قابل للتغيير بفعل المضطهدين والمضطهدات.
نجد هذا النوع من الخطاب في كافة المجتمعات . مثلا في المجتمع اليوناني القديم تجرى الاحالة الى مقولات البارد والساخن والجاف والمبلل لتحديد “الذكورة ” و”الانوثة ” . وهاكم تفسير ارسطو وقد لخصه F. Héritier (1996): :” الذكر ساخن وجاف مرتبط بالنار والقيمة الموجبة والانثوي بارد ومبلل مرتبط بالماء والقيمة السالبة (…) لان الامر يتعلق ،حسب قول ارسطو ، بفرق طبيعي في القدرة على ” طهو” الدم : الحيض عند النساء هو شكل غير مكتمل وناقص للمني . هكذا فان ارسطو يرى اصل علاقة كمال/ نقص و صفاء / دنس ، التي تربط المني بالحيض وبالتالي الذكر بالانثى ، في فرق اساسي ، بيولوجي، في القدرة على الطهو : الرجل ساخن وجاف في البداية لذلك ينجح تماما في ما لا تنجح فيه المرأة، بفعل برودتها وبللها الطبيعيان، الا بشكل ناقص في لحظات اقصى سخونتها في شكل حليب .” هكذا فان المراة حسب تعبير توماس لاكور Thomas Laqueur (1992) ” اهون الشرور “.
ان تفاوتا اجتماعيا مسجلا في التنظيم الاجتماعي للمدينة اليونانية يُنسخ في تمثل الاجسام باحلات الىالطبيعة.
وفي مجتمعات اخرى تُربط صفات “طبيعية ” اخرى بالرجل او المرأة و تفضي مع ذلك هي الاخرى الى تراتب بين مجموعة الرجال ومجموعة النساء .فعلى سبيل المثال فقط نشير الى مجتمع اينويت INUIT حيث البرودة والنيء والطبيعة الى جانب الرجل بينما الساخن والناضج والثقافة الى جانب المرأة . والعكس هو القائم في المجتمعات الغربية حيث يجري ربط الرأة بالطبيعة والرجل بالثقافة . يمكن اذن ملاحظة انه مع صفات ” طبيعية ” مختلفة منسوبة للرجال وللنساء ثمة مع ذلك عقلنة مماثلة للعلاقات الاجتماعية المتراتبة بين الجنسين .
ليس قصدنا ان ننكر على هذا النحو كل فرق بيولوجي بين الرجال والنساء . لكن ملاحظة فرق لا يعني اوتوماتيكيا قبول تفاوت . لكن عندما تنبرز في مجتمع ما جملة ” فروق طبيعية ” ، ليس بين هذا الفرد وذاك ، بل بين مجموعات اجتماعية فلا بد من الارتياب بوجود علاقة تفاوت اجتماعي مقنعة بخطاب الاختلاف .
ليس خطاب “اضفاء الصبغة الطبيعية ” هذا خاصا بعلاقات سيطرة الرجال على النساء ، اذ نجده مثلا في كيفية وصف وضع الزنوج . هكذا كانت بعض الخطابات تميل الى تبريرمختلف اشكال استغلال السود واضطهادهم بـ” كسلهم ” الفطري . وهو نفس خطاب المستعمرين الفرنسيين بافريقيا الشمالية . ونلاحظ نفس الشيء بصدد بروليتاريي القرن التاسع عشر : انذاك كانت استحالة خروجهم من الفقر تُفسر بكونهم يدمنون الخمر بالفطرة ابا عن اجد .
يميل هكذا خطاب الى تحويل افراد مدمجين في علاقات اجتماعية الى “جواهر ” ذات ” خاصيات ” طبيعية نهائية غير قابلة للتغيير ن وبالتالي تبرر وتضفي الشرعية على تلك العلاقات واشكال التفاوت والاستغلال والاضطهاد ، الخ .

5 . اذا لم يكن ثمة نضال فبسهولة قد يستبطن المضطهدون من الجنسين هذا النوع من الخطاب . فمثلا فكرة ان النساء موهوبات ” طبيعيا ” اكثر من غيرهن للعناية بالاطفال ، في صغرهن على الاقل ، لانهن يحملن وينجبن ، فكرة رائجة جدا . هذا رغم ان المرأة الفتية غالبا ما تكون ، شأنها في ذلك شان زوجها ، مجردة من اي دراية في الايام الاولى التالية لولادة . وعلى العكس غالبا ما جرى اعدادهن من الناحية النفسية ( بواسطة التربية والمعايير التي تنشر في المجتمع برمته ) لهذه المسؤولية الجديدة التي تستدعي تعلما . ان توزيع المهام هذا بخصوص الاطفال( الذي يكاد يسند حصرا العناية بالرضع للنساء ) ليس ” طبيعيا ” بأي وجه ، بل هو من صلب التنظيم الاجتماعي . ويمكن اعتباره عقلانيا او مصدرا للمظالم لكنه دوما مجرد اختيار جماعي للمجتمع حتى ان لم يكن مصاغا بصراحة . والنتيجة معروفة جيدا : النساء هن ، في اغلب الحالات ، من عليه أن يتدبر الامر قصد ” التوفيق ” بين العمل المهني والمسؤولية العائلية على حساب صحتهن ووضعهن المهني ، اما الرجال فمحرومون من هذا الاتصال الدائم مع الاطفال الصغار .
قام بيار بورديو P. Bourdieu (1998) بتحليل ” اضفاء الصبغة الطبيعية ” على العلاقات الاجتماعية ، الذي يندرج بلا وعي في سلوك المسيطرين والمسيطر عليهم والذي يدفعهم الى التصرف طبق منطق تلك العلاقات الاجتماعية ، وبالتالي تقيد الرجال ( في مجتمعات حوض البحر المتوسط ) بمنطق الشرف ( عليهم في كل لحظة البرهنة على “رجولتهم” ) وتقيد النساء بمنطق الحشمة والطاعة والخادمية ( موهبة خدمة الآخرين ) . ذلك ما يسميه العنف الرمزي . وترى نيكول كلود ماثيو Nicole Claude Mathieu أن ملاحظة عدم تمرد ضحايا الاضطهاد لا يلزم بالاعتقاد أن النساء ( وغيرهن من ضحايا الاضطهاد ) يقبلن السيطرة عليهم (1991) . فحسب رأيها ليس الاستبطان اللاواعي لعلاقات السيطرة هو ما يحول بالدرجة الاولى دون تمرد النساء ، بل في المقام الاول غياب خيارات حقيقية اضافة الى مآزق ملموسة يواجهنها. فعلا ، تواجه النساء في اغلب المجتمعات صعوبة في الافلات مما يتعرضن له من عنف حتى وإن لم يقبلنه ، بسبب انعدام أي ملاذ . اننا نشاطرها هذا الرأي مشاطرة تامة . لكن هذه الملاحظة لا تناقض بتاتا ، براينا ، ضرورة مراعاة السيرورات اللاواعية الفاعلة في تأبيد علاقات السيطرة ، لا سيما عندما يمارس الاضطهاد بـ”حذق” في بعض المجتمعات الغربية كمجتمعنا .
6) ان خطاب ” اضفاء الصبغة الطبيعية ” لدى المسيطرين هو في نفس الوقت خطاب تنديد يرمي الى بخس قيمة مختلف المجموعات المضطهدة ، ويفضي هذا التنديد الى الصاق علامة بالافراد من الجنسين ومنحهم هوية وحيدة واضطهادهم او بالاقل اساءة معاملتهم باسم اصلهم الاجتماعي او لونهم او جنسهم او توجههم الجنسي ، الخ . في المجتمعات الغربية طالما كان، وما يزال ، النموذج المرجعي هو الرجل الابيض البرجوازي المسيحي المغاير جنسيا hétérosexuel .ووحده من يستطيع استيفاء هذا النوع من الخصائص يمكنه ادعاء انه فرد مكتمل وجدير بالكلام باسم الانسانية .
اما الاخرون ، كلهم ، من سود ويهود ومثليين جنسيا وعمال مهاجرين وابنائهم والنساء ( قد تجمع النساء العديد من ” وصمات العار ” هذه ) فعليهم ، في الماضي كما في الحاضر ، تبرئة انفسهم لنيل نفس حقوق ممارسي الاضطهاد. وفي اغلب البلدان تكفي صفة اجنبي لجلب الشبهة ،وتكفي المثلية الجنسية لاعتبار الفرد مسخا منحرفا ، وتكفي صفة امراة مع رفض الخضوع لاستجلاب المعاملة كـ “عاهرة ” او ” امرأة قذرة ” . عندها يمكن ان نفهم لماذا يقوم بعض الافراد المضطهدين الساعين الى التفتح الشخصي بتجنب مماثلتهم باخواتهم واخوانهم في الشقاء مستعملين كافة الوسائل المتاحة . انها طريقة( وهمية ) لرفض الانغلاق في هوية وحيدة ( راجع ما يأتي لالحقا)
تتغلغل سيطرة الذكور في كافة دوائر الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسايسية والثقافية ، مما يجعل النضال لاجل تحرر النساء يستدعي النضال على كافة المستويات دون الاستهانة باي منها ، حتى لو كانت الجمعيات النسائية وحلفاؤها يختارون ، حسب المستجدات ، هذا الاولوية او ذاك .

بيبلوغرافيا على سبيل الاشارة :

Apfelbaum Erika (2000): entrée “Domination” dans le dictionnaire critique du féminisme, PUF.
pour aller plus loin:
Bourdieu Pierre (1998): La domination masculine, éditions du Seuil.
اثار هذا الكتيب حول مفهوم العنف “الرمزي” مقالات سجالية عديدة •
Trat Josette (1998): “Bourdieu et la domination masculine”, dans le N° 81 des Cahiers du Féminisme, Automne 1998, pp. 38-41.
M. Perrot, Y. Sintomer, B. Krais, M. Durut-Bellat, donnent leur point de vue sur le livre de P. Bourdieu et ce dernier répond, dans la revue Travail, Genre et Sociétés, 1/1999, pp. 201-234.
N. C. Mathieu “Bourdieu ou le pouvoir autohypnotique de la domination masculine”, M. V. Louis “Bourdieu: défense et illustration de la domination masculine”, dans Les Temps Modernes, Mai-juin-juillet 1999, pp 286-358.
Dhavernas Odile (1978): Droit des femmes, pouvoir des hommes, Le Seuil 1978 (
كتاب واضح حول تناقض المصالح بين الرأسمالية والنظام البطريركي في القرن التاسع عشر )
Godelier Maurice (1982): La production des grands hommes, éditions Fayard
يعيد هنا الكاتب من تحاليله فكرة أن تابيد الاضطهاد يرتكز على ” رضاء” المضطهدين المستلبين بالعنف “الفكري” وهي اطروحة منتقدة بشدة من طرف N. CL. Mathieu
Héritier Françoise (1996): Masculin/féminin: la pensée de la différence, éditions Odile Jacob (analyse fouillée et vivante de la fonction “légitimante” des mythes, discours sur la différence des sexes, notamment dans l’article déjà cité “Le sang du guerrier et le sang des femmes”).
Laqueur Thomas (1992): La fabrique du sexe, essai sur le genre et le corps en occident, édi. Gallimard.
Mathieu Nicole-Claude 1991 : “Quand céder n’est pas consentir”, L’Anatomie politique, éditions côté-femmes pp. 131-225 (un article fondamental écrit pour “répondre” à la thèse de M. Godelier).

——————————————————————————–

الباب الرابع : مآزق التحرر وسبله
ليس محكوما على ضحايا الاضطهاد ان يعيدوا انتاج علاقات السيطرة بشكل أبدي . فالانزعاج والعذاب والشعور بالظلم قد تدفع الى البحث عن مختلف سبل الخلاص من الاضطهاد .وليست هذه السبل متعادلة على مستوى ما قد تحدثه من تغييرات في المجتمع او في حياة الفرد . كانت الملاحظات العامة التالية موضوع تفكير قديم فيما يخص العلاقات بين السود والبيض (F. Fanon, 1975) والمستعمِرين والمستعمَرين (A. Memmi, 1985, [1957]). وهي لا تخص نضال النساء وحده . ويمكن ايضا اعتمادها فيما يخص نضال المثليين (ة) جنسيا ، الخ .
يمكن تمييز اربعة سبل رئيسية للخلاص من السيطرة :
1. يكمن الأول في الامتثال للمنمطات التي تنتجها المعايير الاجتماعية السائدة . فخلال مدة طويلة عرفت النساء كيف يمتثلن لمنمطين كبيرين : الساحرة والام الطيبة .في الحالة الاولى قد يكمن ذلك ، بالنسبة لامرأة ، في أداء لعبة ” الانوثة ” حتى النهاية بمحاولة الامتثال لأصول”الجمال ” التقليدي لنيل الاعجاب واجتذاب رضاء الرجال . وان كانت المرأة ضمن النخبة الصغيرة التي يلحظها هؤلاء السادة فقد تكون هذه اللعبة مجزية . اذ تتيح الإفلات من وضع “المنبوذ” ونيل بعض الامتيازات . لكنها لعبة صعبة (“على المرأة تحمل العذاب لتكون جميلة “) وعابرة (يجب ان تكون شابة ) وقد تدفع النساء ثمنها غاليا جدا. فالمرأة المعتبرة غاوية ” اكثر من اللزوم ” مهددة بتجاوز حد اعتبارها ” عاهرة ” . لقد تمكنت النساء بفعل نضالاتهن من ارخاء ربقة تلك المنمطات ،لكنها مع ذلك ما زالت مستمرة في قسم واسع من الكوكب وبكيفية اكثر مكرا في المجتمعات الغربية . فاليوم ، مثلا ، بعد عشرين سنة من الهجوم النيوليبرالي يتوجب على النساء إثبات أنهن “رابحات ” (مثل الرجال ) وإبراز ” جاذبيتهن ” و”نعومتهن” وقدرتهن، دون احتجاج ، على تنظيم أنفسهن بفعالية ” للتوفيق” بين نشاطهن المهني وانشغالاتهن العائلية . ولايديولوجية النجاح الفردي هذه جانبها السلبي المباشر : اعتبار كل اللواتي لا يحققنه ، لاسيما نساء الأوساط الشعبية (لكن ليس وحدهن) ، ذوات ظروف العمل والحياة الأقسى ، ” عاجزات ” غير متلائمات مع ” الحداثة ” . كما ان من عواقبها نزع الاعتبار عن اشكال النضال الجماعية التي لا غنى عنها مع ذلك لتغيير وضع النساء تغييرا نوعيا .
.2. السعي الى التكيف : المرء (ة) مضطهد ويهرب من هذا الواقع ويحاول التكيف مع أشكال سلوك المجموعة السائدة و”تناسي ” كونه امرأة او زنجيا او يهوديا او مثليا جنسيا بمحاولة الاندماج في المجموعة السائدة وفق طريقة عملها (cf. Hanna Arendt 1997 [1943]). . نتجت عن هذا ممارسات متعددة .مثلا قد يسعى زنوج الى تبييض البشرة ، وقد تبالغ نساء في موقع المسؤولية في التسلط ازاء مرؤوسيهن ، لاسيما النساء منهم، ليبرزن انهن جديرات بثقة الرجال ،الخ .و يفضي هذا السبيل بدوره الى الاستلاب لا الى التحرر .
.3. تأكيد الاختلاف : قد يجرى اختيار طريق ثالث بعفوية من طرف المضطهدين (ة) الذين يتمردون ويسعون لاحباط عملية بخس القيمة المرتبطة بالسيطرة . انتم تقولون إن النساء عاجزات وإنهن جنس ثان ، اذن سنبرهن لكم انهن الأفضل .هذا ما يعبر عنه ايضا شعار :”الأسود جميل” “black is beautifull” عند السود . يجري قلب الفرق المستعمل لأجل تحقير هذه المجموعة المضطهدة او تلك ضد الخصم ، ويُستعمل راية للمطالبة بكرامة جديدة وحقوق جديدة ، الخ . انها لحظة ضرورية لكل نضال . انه الخروج من الاهانة وهو طور لا غنى عنه ولا محيد . لكن من هذه النقطة تبرز المخاطر الممكنة ، فقد تكون ثمة انحرافات تتحول الى أشكال انطواء هوياتي تعيد انتاج انماط تحليل متساوقة مع تحاليل المسيطرين . في هذه الحالة لا يشمل المضطهدون باحتقارهم المسيطرين المتميزين بموقعهم في العلاقات الاجتماعية وحسب ، بل مجموع الرجال او البيض ، الخ .. يقيم هذا المنطق الهوياتي تعارضا بين عالمين متجانسين( أحدهما ايجابي والآخر سلبي ) بدل اتهام العلاقات الاجتماعية الملموسة التي تستدعي التغيير .
يقع ” تيار الاختلاف ” ، داخل حركات النساء ، ضمن هذا المنطق الهوياتي : لا يفكر انصاره بمنطق النوع بل بمنطق الجنسين . ” ثمة جنسان ” كما جاء في مجموعة مقالات فوكيس ’A. Fouques (1995) . وقد انطبع هذا التيار بالتحليل النفسي بشكل كبير وركز نشاطه على التشهير بسيطرة الذكور على المستوى الرمزي . هكذا افضت الاعمال الهامة التي انتجتها لوس ايريغاراي Luce Irigaray الى نقد بالغ الدقة للتحليل الفرويدي . فرغم ان لفرويد دور بالغ التمرد بانصاته لعذاب النساء في عصره فانه ساهم في اضفاء الشرعية على النظام الاجتماعي والعائلي في بداية القرن لما قام بوجه خاص بتعريف ” الانوثة ” بما هي ” نقص” ، نقص القضيب في هذه الحالة ، واعتبر ان الحياة الجنسية “العادية” للنساء هي التخلي عن متعة البظر لصالح الاثارة الجنسية المهبلية وحدها . ويذهب حتى الى مستوى الاشتباه في كل امرأة تزعم ممارسة عمل وعدم الاكتفاء بـ”موهبتها” كأم وكزوجة والسعي الى سد ذلك ” النقص” المهين . لكن ما الذي كان ينقص النساء في عصره غير الحريات بكل بساطة ؟ وكما كتبت لوسي إريغاراي (1977) لم يكن فرويد يقوم في تحاليله تلك بغير اعادة انتاج الممنوعات التي تنيخ بثقلها على النساء ، سواء علىمستوى الحياة الجنسية و على المستوى المهني .
لكن انطلاقا من هذا النقد الدقيق لفرويد ولتفشي الرمز القضيبي في المجتمعات البطريركية ، استنتج تيار الاختلاف خلاصة قابلة للنقاش ترى أن أساس بلوغ مجتمع اكثر عدلا للنساء يتمثل في احداث ” الانوثانية ” féminitude (مجموع الطباع وطرق التفكير والشعورالخاصة بالانثى .م) وقدرة الإناث على الإبداع . ولتفسير قدرة الإبداع هذه لدى النساء تعود هاته المناضلات الى التفاسير الأكثر تقليدية بالإحالة الى البيولوجيا . فالنساء ، بسبب قدرتهن على الإنجاب ولأنهن يولدن من نساء من نفس جنسهن ، تحملن ء جملة ميزات تجعل عالم النساء عالما خاليا من العدوانية ومن التنافس . والنساء مرحبات بالآخر بوجه خاص . بينما الرجال ، على العكس ، حاملون لحضارة تنافس وعدوانية ،الخ . Irigaray, 1989). ) . ويقمن على هذه القاعدة بإضفاء التجانس على مقولة النساء ويتحدثن هكذا عن الهوية “الانثوية ” بما هي هوية متجانسة لكل النساء وهوية إيجابية متعارضة مع هوية الرجال . قد يفضي هذا النوع من الاستدلال الى أنواع جزم مضحكة . فقصد ابراز تضامنهن مع المهاجرين دون أوراق في فرنسا طورت هاته المناضلات فكرة مؤداها أن النساء اكثر ترحيبا بشكل عفوي بالأجانب لأنهن جربن ، بواسطة الحمل ، استقبال كائن أجنبي في جسمهن .
ليس المقصود انكار ان النساء ، بسبب مكانتهن في العلاقات الاجتماعية وفي التاريخ وايضا بسبب تجربة الامومة ، قد يكن حاملات ( ليس عفويا بل انطلاقا من تفكير نقدي ومن نضال ضد الاضطهاد ) لـ” قيم” ، واكثر احساسا من الرجال ببعض المسائل . فمثلا فكرة أن النساء قد يكن افضل إعدادا بحكم تربيتهن للإصغاء للآخرين واكثر اهتماما بما عو “علائقي ” فكرة تستند على واقع . لكن تفسير ذلك لا يكمن في الفرق بين الاجسام . ومن جهة اخرى ، إن مجتمعا متحررا من اضطهاد الرجال للنساء وايضا من الاستغلال ، يجب بنظرنا الا ينعكس على مستوى القيم بـإضافة قيم “انثوية ” الى القيم “الذكرية” بل بقلب لمجموع القيم على نحو يتيح انبثاق ُمثل أخرى ونماذج اخرى من العلاقات الإنسانية لدى الرجال و النساء على حد سواء ، مما يستتبع بنظرنا ، قلبا للعلاقات الاجتماعية نفسها . نحن لا نناضل لتكون ثمة رموز ” انثوية ” الى جانب رموز ” ذكرية ” بل لتغيير مجموع الرموز والقيم
Questions Féministes, N° 1, 1977)
ومن جهة اخرى ، من المعلوم جيدا ان النساء اللواتي لا يندرجن في منطق احتجاج نسواني قد يحملن قيما محافظة : مارغريت تاتشر في بريطانيا او كريستين بوتان في فرنسا شاهدات على ذلك . ومن جهة اخرى من المعلوم جيدا ان الامهات في المجتمعات القروية التقليدية كن وما زلن اداة لاضطهاد البنات وسجنهن . ولغاية اليوم ما زالت الامهات في مجتمعاتنا المدينية ، ورغم بعض اشكال تطور الاخلاق السائدة ، تتحكمن في حياة بناتهن بشدة اكثر من تحكمهن في حياة اولادهن . لذا من التبسيط المفرط اقامة تعارض بين القيم “الانثوية الايجابية ” والقيم ” الذكرية ” السلبية.هذا مع ان النساء قد يأتين ،إن هن انخرطن في النضال ، نقدا بالغ التمرد للمجتمع وللعلاقات الاجتماعية.
4. يتميز السبيل الرابع عن باقي السبل : بدل بناء جواهر مجردة (المرأة ، الرجل ، الزنجي ، الابيض الخ) يتعلق الأمر بتحليل قاعدة التعارض بين المسيطرين وضحايا السيطرة في اطار علاقات اجتماعية ملموسة واعادة تحديد مشروع تحرر ليس لمجموعة بمفردها ( وهو امر مستحيل ) بل للمجتمع برمته . على العكس يتمثل الممكن والمرغوب في المطالبة بحقوق جماعية جديدة للمجموعات المضطهدة مع النضال من أجل المساواة الفعلية بين كافة افراد الجنسين ايا كان اصلهم . عندما يعترف المجتمع ، على قاعدة موازين قوى ، بما الحقه من ضرر بمجموعة مضطهدة ، فقد يعبر عن ذلك بتعويضات رمزية او مالية . كما قد يؤدي ذلك الى اعتماد اجراءات ” عمل ايجابي ” تتوخى تعويض ما تعرض له تاريخيا السود والنساء ،الخ من اشكال ميز. ذلك معنى اعتماد حصص (كوطا) للزنوج بالجامعات الامريكية والحصص المخصصة لتشغيل النساء في بعض المنشآت بالولايات المتحدة الامريكية . لكن لا معنى لهذه الاجراءات ان لم تكن منطلقا لخطة اجمالية لتحريك اوسع للاواليات الاجتماعية السياسية التي تنتج اشكال الميز تلك ، وليس بغية الحفاظ على الوضع القائم بتفضيل نخبة قليلة منحدرة من تلك المجموعات المضطهدة . ففي فرنسا اليوم لا يمكن اختزال تساوي النساء والرجال في السياسة باعتماد الحصص او التكافؤ في قوائم الاحزاب. فلا غنى عن دمقرطة عميقة للمؤسسات السياسية وتحسين ملموس لشروط حياة وعمل النساء قصد حفزهن للمشاركة على نحو مباشر اكثر في الحياة السياسية . ويستتبع هذا تقليصا فعليا لوقت العمل دون خفض للأجر والحد من المرونة والهشاشة وخلق بنيات استقبال للطفولة الصغيرة وضمان عودة المرأة المرشحة او المنتخبة الى عملها ،الخ . لا فائدة من اجراءات ” العمل الايجابي ” تلك الا اذا اندرجت في منظور أعم للنضال لاجل المساواة ، منظور يطعن في العلاقات الاجتماعية المشكلة لقاعدة تلك السيطرة .

بيبلوغرافيا :

Arendt Hanna 1997 (1re édition 1943): “Nous autres réfugiés”, La tradition cachée, Christian Bourgois, éditeur, collection 10/18.
Freud Sigmund.: “La féminité”, Nouvelles conférences sur la Psychanalyse, édi. Gallimard 1975
Fanon Franz 1975 (1re édition 1952): Peau noire et masques blancs, édi. du Seuil.
Irigaray Luce (1977) : Ce sexe qui n’en est pas un, éditions de Minuit (une critique de la théorie freudienne de la féminité).
Irigaray Luce (1989) : Le temps de la différence, Le livre de Poche (un exemple du monde manichéen et mythique élaboré par une pensée différentialiste)
Prokhoris Sabine (2000): Le sexe prescrit, la différence sexuelle en question, Alto/Aubier. (Une psychanalyste qui met en cause l’usage normatif du discours psychanalytique, tenu par certains de ses collègues concernant “la” différence sexuelle).
Trat josette (1992): “De la différence sexuelle”, Critique Communiste N° 124-125 (une réflexion critique sur la théorie de la différence, à partir d’une comparaison entre la revendication de “négritude” et de “féminitude”)

——————————————————————————–

من اجل تـمفصل مختلف جبهات النضال
يجب على نضال تحرري بالفعل أن يتيح للافراد تجاوز التحقير المرتبط بالاضطهاد والخروج من الانغلاق في هوية وحيدة والاضطلاع بهوياتهم المتعددة . لا يمكن لأي منا ، ذكرا او انثى ، ان يتلخص في كونه رجلا او امرأة او في كونه مثليا او مغايرا جنسيا ، او في كونه زنجيا أو ابيضا أو مولودا(ة) في القرية او المدينة ،الخ . فكل فرد تركيب أصيل وكائن فريد . والحال أن التحليل بمنطق المعايير ( الرجل هو كذا والمرأة هي ذاك ) يفضي حتما الى اغلاق فضاءات الحرية التي يطالب بها المضطهدون (ة) . ليست البشرية ثنائية بل متعددة . هذا ما يجعلنا نناضل من أجل مجتمع يزول فيه الانقسام بين انواع متراتبة ويفقد فيه أي معنى . لكل هذه النضالات ضد مختلف اشكال الاضطهاد شرعيتها ، لكنها لن تكتسي كامل فعاليتها الا اذا تمكنت من التضافر في مشروع سياسي اجمالي يناهض كل اشكال الاضطهاد والاستغلال الرأسمالي هاته . وهذا ما يثير مسألة بناء قوة سياسية قادرة على ضمان تمفصل كل هذه النضالات باعطائها أكبر صدى كي لا يشعر المناضلون والمناضلات الفاعلون والفاعلات في مختلف الحركات الاجتماعية هذه بأنهم منسيون او ملفوظون . والحال أن الحركة العمالية كانت ، ومازالت الى حد بعيد ، من وجهة النظر هذه ، عاجزة عن الاضطلاع بنضال النساء ( ونضال باقي الاقليات المضطهدة ) على نحو فيه ما يكفي من الحزم ، مما جعل عددا من النساء يفضل مغادرة المنظمات السياسية او عدم الانضمام اليها معتبرا ان ذلك لن يفيده في شيء . ظل الخطاب السائد في الحركة العمالية ،لأمد طويل ، خطابا يعتبر الصراع الطبقي صراعا ” “رئيسيا ” والنضال لاجل تحرر النساء “ثانويا” : ستجري تسوية مسألة تحرر النساء في اطار الصراع الطبقي . يعيد هذا النوع من الخطاب ، بنظرنا ، انتاج علاقات التراتب داخل حركة المضطهدين نفسها ، بالمعنى الواسع للكلمة ، انه يقيم تراتبا في النضال ضد اشكال الاضطهاد باسم نضال رئيسي قد يكون في ذاته حاملا لمشروع كوني . والحال انه إن صح ، في المجتمع الراسمالي ، أن مختلف جبهات النضال تصطدم بالحدود التي يفرضها منطق الربح ، فليس بامكان أي قوة اجتماعية ، ولا أي قوة سياسية ، ادعاء انها حاملة ، لوحدها ، لمشروع تحرر كوني . لايمكن ان ينتج مشروع من ذلك القبيل سوى عن تشريك ممنهج ودؤوب للطاقات وللتفكير النابعين من مختلف الحركات الاجتماعية في اطار مشروع اجمالي لتغيير العلاقات الاجتماعية .
يستتبع هذا دعما نشيطا لأشكال التنظيم الذاتي النسائي في مجموع الحركة الاجتماعية ، وكذا نضالا حازما ضد التقسيم الاجتماعي والجنسي للمهام ومن اجل الطابع المختلط للأنشطة ، على كافة مستويات المجتمع ( في المدرسة وفي الحياة المهنية وفي الحياة السياسية وداخل الاسرة ) . وبعد المصادقة على قانون أوبري Aubry الثاني حول 35 ساعة وما يفضي اليه من توسيع المرونة لم يجد أي مشكل طريقه الى الحل .و ما زال خفض مدة العمل الى 32 ساعة دون خفض الاجر على جدول الاعمال . انه البديل الوحيد الذي يعطي للنساء وللرجال في نفس الوقت اجرا يضمن الاستقلال المالي (استقلال النساء المالي مهدد بوجه خاص ) ووقتا حرا يتيح لهم ممارسة مسؤولياتهم العائلية والمشاركة في انشطة نضالية وترفيهية ،الخ دون التعرض للانهاك . كما يستلزم ذلك نضالا لأجل خدمات عمومية حقيقية لاستقبال الطفولة الصغيرة واستثمارات لوضع حد لانعزال الاشخاص المتقدمين في العمر ، التابعين منهم وغيرهم . ويعني هذا اخيرا اعادة نقاش اجراءات ملموسة للتقدم في توزيع المهام والمسؤوليات العائلية بين الرجال والنساء . لماذا لاتجري المطالبة ،مثلا، بعطلة أبوة لحظة ميلاد طفل لينخرط الاب من موقع مساو ، منذ الولادة ، في تحمل المولود الجديد ؟
طبعا يجب تركيب محور النضال الاساسي هذا حول موضوع خفض وقت العمل وتقسيم المهام المنزلية مع مطالب وانشطة اخرى ضد اشكال العنف ولاجل حق النساء في التصرف بحرية باجسادهن في اوربا وفي الكوكب برمته .
ان المنظمات السياسية ، الرابطة الشيوعية الثورية وغيرها ، مدعوات الى ثورة ثقافية حقيقة .
المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا