الإضراب الوحدوي 03 يناير 2019، خطوة نوعية في سيرورة إعادة بناء النضال النقابي للشغيلة التعليمية

شارك آلاف نساء ورجال التعليم بالمغرب في تنفيذ إضراب يوم 03 يناير 2019 الوطني، مرفوق بوقفات احتجاجية أمام بعض النيابات والأكاديميات وبمسيرة وحدوية ممركزة بالرباط.

انطلقت المسيرة من أمام مديرية الموارد البشرية في اتجاه وزارة الوظيفة العمومية وإصلاح الإدارة، وشهدت مشاركة جل التنسيقيات التعليمية إلى جانب تمثيليات عن النقابات، في خطوة نضالية وحدوية هامة بقطاع التعليم.

الهجوم على الشغيلة التعليمية وميلاد نضال التنسيقيات الفئوية خارج النقابات

بدأت الدولة المغربية غاراتها على القطاعات العمومية مند بداية ثمانينيات القرن العشرين، مع تطبيق مخطط التقويم الهيكلي، وواصلتها طيلة مداك، مما أضر بمكتسبات الطبقة العاملة المغربية ومن ضمنها الشغيلة التعليمية. نهجت الدولة سياسة الخوصصة ودمرت التقاعد وأدخلت الهشاشة إلى القطاع عبر التعاقد وفصلت التكوين عن التوظيف، واقتطعت من أجور المضربين، وهي سائرة لإنهاء مجانية التعليم في الثانوي والعالي وتكبيل قانون الإضراب

ومع كل هجوم نوعي تمعن القيادات النقابية في الاستمرار على نهج سياسة التعاون الطبقي مع أعداء الطبقة العاملة، عوض التبني الفعلي لملفات فئات التعليم وتوحيد صفوف الشغيلة التعليمية المفروض أنها أداة نضالهم، للتصدي لهجمات الدولة، بل حملت بعض القرارات موافقتها، وأصدرتها لجن لها العضوية بها. فأثمرت سياسة التعاون تلك أمام فداحة الهجوم فقدان الثقة بالمركزيات النقابية، مما ساهم في بروز العديد من التنسيقيات الفئوية مند سنة 2000 خارج النقابات أو حتى تنسيقيات نقابية (تأشر النقابات على بياناتها لا غير)، استطاعت الظفر بمكاسب نوعية، رغم طابعها الفئوي، كترقية أفواج سابقة إجازة وماستر وترسيم الأساتدة المتدربين

ومع خفوت حركة 20 فبراير وما تلاها من نضال اشتد هجوم الدولة من جديد على مختلف القطاعات، مما ولد ضحايا جدد لسياستها التدميرية، فالتحم الضحايا في إطار تنسيقيات وطنية جديدة خارج النقابات في أغلب القطاعات ومن ضمنها قطاع التعليم، كأساتذة الزنزانة 9، وضحايا النظامين الأساسيين لـ 1985 و2003، وتنسيقية موظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات، وتنسيقية الأساتذة المتدربين، والتنسيقية الوطنية للأساتذة المفروض عليهم التعاقد، وتنسيقيات المساعدين الإداريين والتقنيين حاملي الشهادات العليا المرتبين في السلم التاسع، والمكلفين خارج إطارهم الأصلي، وخريجي مسلك الإدارة التربوية، وجمعيات المديرين، وملحقي أطر الإدارة والاقتصاد وأسس المفتشون نقابة خاصة بهموغيرها. وبمطالب فئوية محدودة، فشمرت على سواعدها لاسترجاع حقوقها، وبقيت هذه النضالات مشتتة ومعزولة، ولم تقم البيروقراطيات النقابية لنصرتها سوى بالتأشير على بياناتها، بعد أن أقبرت كل إمكانية تضامن طبقي فعلي بين الشغيلة المغربية.

سياق الإضراب الوحدوي للفئات التعليمية 03 يناير 2019

جاء الإضراب الوحدوي ليوم 03 يناير في سياق أصبحت فيه نضالات التنسيقيات تراوح المكان بعد سنوات من النضال. بعد توالي بيانات تضامنية بين مختلف التنسيقيات وفروع نقابية محلية ونجاح إضراب 13 دجنبر 2018 بين الأساتذة المفروض عليهم التعاقد وحاملي الشهادات، وبالتزامن مع قرار التنسيقية الوطنية لموظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات الإضراب يوم 03 يناير 2019، دعا المجلس الوطني للتنسيقية الوطنية للأساتذة المفروض عليهم التعاقد بدوره لإضراب وطني في نفس اليوم، والتحقت باقي التنسيقيات الفئوية تباعا، فأعلنت النقابات التعليمية الوطنية دعوتها للإضراب في نفس اليوم ودعا بعضها لوقفات احتجاجية أمام المديريات الإقليمية والأكاديميات والمشاركة في المسيرة الوطنية بالرباط، ليصل عدد الداعين للإضراب إلى 23 إطار تنسيقيات ونقابات وجمعيات. مما ساهم في تنفيذ الإضراب بنسب غير مسبوقة في السنوات الأخيرة منذ تفعيل الاقتطاع من أجور المضربين.

التحاق البيروقراطية النقابية بالإضراب الوحدوي، وهرولتها وراء دعوة وزارة الداخلية للحوار

ستسعى الدولة عبر أذنابها سماسرة العمل النقابي وإطارات تدعي العمل لصالح الشغيلة، ولا تربطها بالطبقة العاملة سوى التوقيع باسمها على قرارات دمرت القطاعات العمومية وساهمت في تدمير العمل النقابي وتفكيك اللحمة الطبقية للشغيلة المغربية، إلى التشويش على الخطوات الوحدوية، حتى لا تتخذ أبعادا أكثر جماهيرية وديموقراطية وكفاحية، وحتى لا يتكرس العمل الوحدوي من أسفل في قطاع التعليم، ويكون نبراسا تهتدي به باقي القطاعات. هكذا سارعت البيروقراطيات النقابية، بما فيها بيروقراطية نقابة الحزب الحاكم، إلى إعلان انضمامها للإضراب، وذلك بتصنع مناصرتها الدعوة إلى الإضراب، دون أدنى تعبئة ميدانية لإنجاحه فعليا، فدون استثارة رد فعل أجراء باقي القطاعات بما فيها القطاع الخاص وإعلان الإنسحاب من مؤسسات صورية ولجان ما فتئت تضع قوانين تدمر القطاعات العمومية، فلا مناصرة فعلية لنضالات التنسيقيات والشغيلة التعليمية وكافة عمال المغرب وعاملاته.

تصاعدت تهديدات ممثلي الدولة في التعليم (وزارة وأكاديميات ومديريات إقليمية) وإجراءاتها التعسفية لبعض الفئات التي لبت الدعوة للإضراب، وبالموازاة مع ذلك سارعت الدولة عبر وزيرها في الداخلية إلى دعوة النقابات إلى جلسات حوار، لامتصاص غضب الشغيلة التعليمية. النسب الكبيرة لنجاح الإضراب رغم الاقتطاع من أجور المضربين ستكره الدولة على التنازل عن بعض الفتات، وستكشر عن أنيابها بإجراءات ظالمة ستنضاف إلى إجراء الإقتطاع من الأجور الذي استنفذ مفعوله، ولم يحل دون تنفيذ الإضراب بنسب غير مسبوقة في الآونة الأخيرة، رغم غياب تعبئات ميدانية مكثفة، وستعمل كل ما في وسعها من أجل التشويش على ما يعتمل في الأسفل. مما يفرض على النقابيين المخلصين لمصالح الشغيلة التعليمية وعموم الطبقة العاملة العمل على إنجاح هذه الوحدة الميدانية لتمتد إلى باقي القطاعات.

آفاق الوحدة ومضمونها النضالي والمطلبي

بعد نجاح الإضراب الوحدوي أصدرت التنسيقيات الوطنية المبادرة بالدعوة لإضراب 03 يناير (6 تنسيقيات) بيانا موحدا أكدت فيه على الوحدة النضالية كخيار استراتيجي وهي خلاصة لسنوات من نضالات معزولة.

يقتضي نجاح هذه المبادرة الوحدوية واستمرارها:

عقد مجالس ولقاءات محلية وجهوية ووطنية موحدة بين مناضلي التنسيقيات، لوضع ميثاق التنسيق النضالي يفتح المجال أمام باقي التنسيقيات للالتحاق بالوحدة النضالية الميدانية الجارية، وحتى الانسحاب منها بتحقيق مطالبها أو حتى بدونه، مع ترك المجال لمختلف التنسيقيات للترافع حول ملفها وتنفيذ خطوات نضالية خاصة بها، لتفادي مخاوف من يرى أن وهج ملفه سيختفي في خضم النضال الوحدوي، أو أن الاستجابة لمطلبه قريب.

اقتراحات في ملف مطلبي وطني يستجيب لمطالب كافة ضحايا السياسات التعليمية وعلى رأسها مطالب الفئات، ويدافع على الحريات النقابية، ويدعو لسحب مشروع قانون الإضراب واسترجاع ما سبق من اقتطاعات من أجور المضربين ومن اقتطاعات مضافة لصندوق التقاعد، ويدافع عن الزيادة في الأجور بما يتناسب مع الزيادة المهولة التي شهدتها الأسعار (إعادة مطلب السلم المتحرك للأجور). هكذا مطالب ستضمن استمرار باقي موظفي القطاع خارج التنسيقيات الفئوية في النضال جنبا إلى جنب مع مناضلي التنسيقيات، وستجلب انضمام من تخلف منهم لحدود الآن وستشجع من تحقق مطلبها من الفئات على الاستمرار في النضال، كما ستحد من تأثير مبررات ك ماكاين مع منأو النقابات باعت الماتشأو النقابات كثيرةإلى غيرها من مبررات يلوكها المتقاعسون.

تسطير برنامج نضالي وحدوي، يراعي مستوى فقدان الثقة في العمل النضالي/النقابي وفي ضرورة الوحدة النضالية، ويتفادى اليأس الناتج عن استنفاذ أشكال نضال دون تململ الملفات الفئوية، في أفق إنضاج شروط برنامج تصعيدي، يشل كافة مرافق القطاع، ويرغم الدولة على الاستجابة لمطالبها.

تفادي الدعوات المنفردة للنضال الموحد من قبل أي تنسيقية، دون تقريرها من قبل جميع التنسيقيات، لأنها ستكون بمثابة مبررات إضافية لتفكيك العمل الوحدوي الجاري، بمبررات دعونا فلم يلتحقوا وإذا دعوا بدورهم لن نلتحق، فإنجاح النضالات الوحدوية تقتضي تقريرها إما بشكل وحدوي أو تقريرها في كل تنسيقيىة على حدة، وليس عبر فرضها على باقي التنسيقيات بعد تقريرها بشكل منفرد.

التعريف الإعلامي بالمبادرة لتنتقل إلى باقي القطاعات خارج قطاع التعليم، بل وتوجيه دعوات إلى التنسيقيات المناضلة منها في تلك القطاعات لتوحيد النضال، فتخريب البلد جار بشكل معمم، ولن تستجيب الدولة لمطالب أية فئة ولا لمطالب الشغيلة التعليمية سوى في جو نضالي يعم البلد، وهذا من إحدى دروس نضالات حركة 20 فبراير، يوم تنازلت الدولة مرغمة تحت ضغط الاحتجاج عن ما كانت تعتبره من سابع المستحيلات قبل اشتعال فتيل النضال، فرفعت أجور عمال القطاع العام ب600 درهم دفعة واحدة، بعد أن كانت تتضرع بارتفاع تكاليف الأجور، وشغلت أزيد من 4000 من حاملي الشهادات بشكل مباشر، متجاوزة ما وضعته من قوانين تربط التشغيل بالمباراة، وضخت أموال إضافية في صندوق المقاصة، في الوقت الذي قررت الإجهاز عليه، وهذا ما تم بعد تراجع النضال

الانفتاح على الدعوات النقابية واستغلال أية دعوة للنضال ولو من البيروقراطيات النقابية، لتجذير النضال، وتعزيز النضال الوحدوي بالقسم المنظم داخل النقابات، لتعزيز ثقة الأغلبية الصامتة للالتحاق بالمبادرة، مع توجيه دعوات لبيروقراطيات النقابات للانسحاب من لجان ومؤسسات مسؤولة عن ما لحق قطاع التعليم وحقوق الشغيلة من تخريب، كلجنة التقاعد والمجلس الأعلى للتعليم ومجلس المستشارينوهو ما سيضع صدقية هذه البيروقراطية على المحك أمام أنظار باقي منخرطيها.

ستتوالد دعوات للوحدة وحتى صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي ستضع ملفات مطلبية مغرية ومنها حتى من سيزايد على هذه المبادرة الوحدوية لإفقادها المشروعية بالدعوة لخطوات تصعيدية بشكل فوقي، وبالتالي على المناضلين عدم مجاراة تنسيقيات افتراضية لا وجود لها في الواقع.

ستثير الوحدة الجارية مخاوف وتوجسات بعض مناضلي التنسيقيات، وستبرز مشاكل لا حل لها سوى في خضم معمان النضال اليومي. سيؤرق سؤال ما العمل؟ في حالة الاستجابة لملف من ملفات إحدى التنسيقيات المنخرطة في الوحدة الجارية العديد من المناضلين، إن التمسك بالوحدة في الحالة تلك أمر مبدئي، لكن انسحاب إحدى الفئات بعد تنازل الدولة لا یمکن تفادیه، فمن غير المجدي رفض مكسب انتزع بالنضال، ودلت تجربة الأساتذة المتدربين المرسبين على صعوبة ذلك حتى داخل نفس التنسيقية.

بقلم، سامي علام

شارك المقالة

اقرأ أيضا