الجزائر: نصر أول، المعركة مستمرة!

 

بقلم، حسين بلالوفي 13 آذار/مارس عام  2019

يحلل حسين بلالوفي على نحو فوري مباشر أول تراجع للسلطة في الجزائر بعد حركة الأسابيع الأخيرة الشعبية، وكيفية سعي بوتفليقة إلى الحفاظ على التحكم بالوضع باقتراح  «ندوة وطنية»  ستستبعد حتما الفئات الشعبية واهتماماتها الاجتماعية والديمقراطية. و يتناول في الأخير بعض سبل تعميق الحركة.

يعيش حسين بلالوفي في الجزائر العاصمة ويشتغل فيها. هو صحفي، ومنسق سابق في طاقم تحرير أسبوعية l’Alger républicain من عام 2003 إلى عام 2008 ومناضل في حزب العمال الاشتراكي (PST)، كما أنه مؤلف كتابين:  الديمقراطية في الجزائر: إصلاح أم ثورة ؟ والشرق الأوسط الكبير: حروب أو سلم؟ 

***

أفضت التظاهرات الشعبية الحاشدة لأيام جمعة 22 شباط/فبراير و1 و8 آذار/مارس عام 2019 ، المتوجة بإضراب عام يوم 10 آذار/مارس إلى فرض تراجع  السلطة.

أعلن بوتفليقة يوم 11 آذار/مارس، برسالة مكتوبة، تراجعه عن الترشح للعهدة الخامسة، وإلغاء انتخابات الرئاسة المقررة ليوم 18 نيسان/أبريل وإجراء «تعديلات هامة على تشكيلة الحكومة». تلا هذا الإعلان استقالة رئيس الوزراء أحمد أويحيى المكروه.

ينبغي الأ يُستهان بهذا التراجع لأنه يسجل فشل محاولة فرض اعادة ترشيح بوتفليقة، وبالتالي يشكل انتصارا سياسيا لا ريب فيه. الشعب قادر، بالتعبئة وتوحيد الصفوف، على انتزاع انتصارات.

 

ندوة بوتفليقة الوطنية: مناورة معادية للديمقراطية

لكن بوتفليقة يسعى في الآن ذاته إلى استعادة المبادرة السياسية التي  كانت تفلت منه منذ 22 شباط/فبراير. أعلن عن مخرج من الأزمة من فوق للبقاء في منصبه على نحو غير قانوني بعد 18 نيسان/أبريل ومواصلة تحكمه بعملية التغيير الحتمية بقصد إنقاذ نظامه الليبرالي المستبد ذي الواجهة الديموقراطية. إنه يسعى بهذا النحو إلى تكرار تجربة العام 1988 عندما كان الانتقال السياسي تحت اشراف تام من مؤسسات عهد الحزب الوحيد  (الرئاسة، الحكومة، المجلس الشعبي الوطني – …)،  مع النتيجة المعروفة.

واليوم، يحتفظ بوتفليقة بالمجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة حيث حزب جبهة التحرير الوطني [الحزب الوحيد سابقا] أغلبية، والمجلس الدستوري الذي عين رئيسه وجميع مؤسسات النظام المعادية للديمقراطية. أقال أويحيى، لكن عوّضه بوزيره في الداخلية، نور الدين بدوي، الرجل الذي كان يهدد الشعب قبيل بضعة أسابيع.

وينوي فرض شكل التغيير ومضمونه ووتيرته عبر مستنقع مؤسسي. تروم الندوة الوطنية التي ستُستدعى إلى منع الشعب من تقرير مصيره بنفسه. ويريد، دون تفويض من الشعب،  تجميع «نخب»   نصبت نفسها متحدرة من صفوف السلطة والمعارضة، وتحيط بها«شخصيات مستقلة»  وغيرها من شخصيات بارزة لإبعاد ما تبقى من أصوات مستقلة والعمل، في دائرة مغلقة، على اعتماد مشروع دستور سيتعين على الشعب، الذي يشكل مع ذلك صاحب السيادة الحقيقي الوحيد، المصادقة عليه. وقد تقرر أن تدوم هذه العملية برمتهاأكثرمن عامين …

وبعد صمت منذ 3 أسابيع، أعربت أحزاب التحالف الرئاسي (جبهة التحريرالوطني والتجمع الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية الجزائرية، وتجمع أمل الجزائر) بخجل عن دعمها لمبادرة بوتفليقة. ولاستمالة المعارضة فائقة الليبرالية، التي تؤيد هي أيضًا عقد ندوة وطنية، لوح لها الرئيس على نحو مغر باحتمال إجراء  إصلاحات الاقتصادية».

 

قليل ومتأخر بإفراط، لأن الشعب يطالب بتغيير سياسي حقيقي

جاء وعد بوتفليقة بالتغيير متأخرا جدا ويبدو محدودا للغاية. لم يعد الأمر يتعلق بترميم النظام، بل تغييره. قال الشعب الجزائري كلمته. إنه لا يقبل بقاء بوتفليقة في منصبه ويرفض الحفاظ على الرجال والمؤسسات الحاليين. ترفض غالبية الفئات الشعبية سياساته المعادية للمجتمع والوطن، والتي تثري حفنة من الأوليغارشية والمستوردين، وتشجع على نهب الثروات الوطنية من قبل المقولات متعددة القوميات وتغرق العمال والفئات الشعبية في البؤس. إن الآفاق الوحيدة التي تفتحها هذه السياسة لشباب الشعب هي البطالة والهشاشة والمخدرات، أو قاع البحر الأبيض المتوسط ​​أو منفى غير مؤكد في أوروبا التي تمر بأزمة. لا يمكن فرض هذه السياسة إلا بطريقة غير ديمقراطية.

لذلك استمرت التظاهرات غداة اعلان بوتفليقة، رئيس البلد الذي يتواصل مع شعبه برسالة حصرا. يرفض المتظاهرون تمديد العهدة الرابعة إلى ما بعد 18 نيسان/أبريل ويطالبون برحيل بوتفليقة. مازال الإضراب العام الذي بدأ في 10 آذار/مارس مستمرا بينما انطلقت سيرورة استعادة الاتحاد العام للعمال الجزائريين UGTA من قبل من هم في أسفل من أعضائه وهياكله. رفضت جميع الأحزاب السياسية اليسارية الانضمام إلى مبادرة الرئيس.

كل الدلائل تشير إلى أن الشعب سيعيد اكتساح الشارع على نطاق واسع يوم 15 آذار/مارس تعبيرا عن رفضه مناورات السلطة واصرارا على مطالبه بتغيير سياسي حقيقي. ويتمثل حدث دال في رفض المعارضة فائقة الليبرالية ذاتها صفقة بوتفليقة، رغم أن أغلبيتها لا تتبنى شعار الجمعية التأسيسية.

 

ندوة وطنية أو جمعية تأسيسية ذات سيادة

بوجه مناورة بوتفليقة الذي يعتزم القضاء على المبادرة السياسية في الحراك (الحركة) واقبار هذا الأخير في جدران حجرة مغلقة تسمى الندوة الوطنية، يكمن الحل الديمقراطي الوحيد في اعادة منح  الشعب الكلمة ، لا ليعبر بـ«نعم»أو «لا» أثناء استفتاء لكن للعمل، بعد نقاش شعبي، على اتخاذ قرار بشأن انتخابات قائمة على نظام التمثيل النسبي الكامل في جمعية تأسيسية ذات سيادة. جمعية مُكلفة بصياغة مشروع دستور، وتلبية المطالب الاجتماعية للجماهير الشعبية فورا، والحفاظ على مصالح الأمة بوجه الأوليغارشية والإمبريالية.

الشعارات التي رفعها المتظاهرون واضحة إزاء القوى الإمبريالية. إنها تعبر بجلاء عن رفض أشكال التدخل الإمبريالي، سواء في شكل دعم بوتفليقة (فرنسا) أو تأييد منافق للحركة (واشنطن).

 

مواصلة الحركة وتحديد منظور سياسي شعبي

الجميع حاليا على وعي بالفخ الذي وضعه بوتفليقة. ستشكل تظاهرة 15 آذار/مارس امتحانا حاسمًا للتعبير عن رفض هذه المناورة الأخرى للسلطة. هذا هو السبب في أن القوى السياسية والاجتماعية، مهما كانت اتجاهاتها، تُعِد تنظيم هذه التعبئة بحيث تكون ما أمكن أكبر حجما وكفاحية.

يحتاج الاحتجاج الشعبي أكثر من أي وقت مضى إلى الوحدة. لكن القوى السياسية (حزب العمال، جبهة القوى الاشتراكية، حزب العمال الاشتراكي…) والاجتماعية (النقابات والحركات والجمعيات…) التي تناضل داخله على حد سواء، دفاعا عن السيادة الوطنية في مواجهة الإمبريالية والسيادة الشعبية والعدالة الاجتماعية بوجه الاستبداد والسياسات الليبرالية،عليها بشكل عاجل التضافر لتشكيل قطب ملائم سيضمن عدم انحراف الحركة واتجاهها نحو طريق مسدود. وبالفعل، عاجلاً أم آجلاً، ستجد الطبقات السائدة وفصائل الطبقات السائدة، سواء كانت تدعم السلطة أو المعارضة، أرضية مشتركة، وستتوصل إلى تسوية دفاعا عن مصالحها ولمنع الفئات الشعبية، وفي مقدمتها العمال، من تقديم وجهة نظر ديمقراطية، ولكن أيضا اجتماعية (معادية لليبرالية) ووطنية (معادية للإمبريالية).

القطب الشعبي، الذي يجب بناؤه في حالة انعدام ثقة معممة تجاه الأحزاب، يلزم تشكيله لأجل ما يلي:

– زيادة الضغط على السلطة بزيادة حجم التعبئة والتنظيم الذاتي الشعبي والإضراب العام،

– التنديد بالندوة الوطنيةالساعية إلى إعادة إصلاح النظام ومعارضته بشعار جمعية تأسيسية ذات سيادة،

– تشجيع السيرورة الأساسية لإستعادة نقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريينUGTA وسيرورة التنظيم الذاتي للمواطنين (طلبة ومحامون وقضاة وصحفيون…)،

-نشر فكرة إنشاء جبهة نقابية تجمع مناضلي الاتحادالعام للعمال الجزائريين ومناضلي النقابات المستقلة الكفاحية لتضطلع الطبقة العاملة بدور سياسي مركزي في التعبئة،

– تنظيم تعبئات حاشدة كل يوم جمعة في جميع ولايات البلد،

-منع التدخلات الإمبريالية، بغض النظر عن الشكل الذي تبدو فيه: دعم الحكومة الفرنسية لبوتفليقة أو دعم الولايات المتحدة للحركة.  لا يحتاج الشعب الجزائري إلى دعم منافق ومسموم من واشنطن.

الجزائر العاصمة، 13 آذار/مارس 2019.

 

تعريب جريدة المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا