الشرق الأوسط: “لا تسوية بعدُ لأي من أسباب انفجار العام 2011”

مقابلة مع جلبير الاشقر

لماذا لم يستقر الوضع بعدُ بالمنطقة بعد أربع سنوات من الانتفاضة؟

 

لا يزال الوضع بالمنطقة غير مستقر بأي وجه، وذلك لسبب بسيط ووجيه ألا وهو عدم تسوية أي من أسباب انفجار العام 2011.  فقد تفاقم منذ العام 2011 الانحباس الاقتصادي-الاجتماعي الذي تشهده المنطقة منذ عقود، وذلك بفعل الموجة الصدمية للانتفاضات التي انضافت الى الأسباب الهيكلية التي كانت قائمة. وساءت أكثر السياسات الاقتصادية، إذ بدلا عن تصحيح المسار بالنأي عن السياسات النيوليبرالية التي أسهمت الى حد بعيد في خلق الوضع التفجري، شهدنا المؤسسات المالية الدولية تدفع صوب مزيد من التدابير في الوجهة ذاتها، لا بل بالسير أبعد كما نرى في مصر. وأخيرا، يتمثل العامل الأساسي في إخفاق  انتفاضة العام 2011 في إنتاج قيادات في مستوى هذا التحدي التاريخي، ويظل هذا عقبة كبيرة تعرقل هذه السيرورة الثورية، المنطلقة في العام 2011  والتي ستستمر سنوات مديدة، وحتى عقودا على الأرجح، إلى أن تبرز قيادات قادرة  على السير قدما بالتغييرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الجذرية التي لا غنى عنها. وإلا تكون المنطقة مهددة بالأسوأ. إننا إزاء تذوق أولي لهذا الأسوأ، لكن الأمر قد يذهب أبعد بكثير على صعيد المنطقة برمتها.

لا ريب أن الأسوأ اليوم هو ما يجري في سوريا…سمعنا في نوفمبر-ديسمبر المنصرم، لحظة حصار حلب، من يقول إن سوريا ساحة حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ما رأيك؟

هذه قراءة  لمعركة حلب خاطئة كليا! في تلك المعركة، لم يكن معارضو النظام المحاصرون في تلك الزاوية بشرق المدينة  مساندين من أي طرف، حتى من تركيا التي اعتذر رئيسها أردوغان بتفاهة  لبوتين، وعقد معه صفقة منحه بمقتضاها بوتين إذن تدخل بشمال البلد بقصد قطع الطريق للحركة الكوردية. لم يكن التدخل الأمريكي الفعلي الوحيد بشمال البلد في حلب، بل كان إلى جانب الحركة الكوردية! أوضحت الولايات المتحدة الأمريكية منذ البدء أن شاغلها الرئيس هو تنظيم داعش وما عداه  ثانوي، وهذا ما جعلها تدعم المقاتلين الأكراد. ويمثل هذا حالة نشر جنود أمريكيين الوحيدة على تراب سوريا. وتجدر الاشارة هنا، بين قوسين، إلى أن الصيحات التي تعالت عند إثارة مسألة مد المنتفضين في ليبيا أو سوريا بالسلاح لمواجهة النظام، لم تتعال بصدد التدخل الأمريكي إلى جانب الأكراد… يفضل الجميع، من اللاسلطويين إلى الستالينيين، الصمت وتجاهل تدخل الولايات المتحدة الأمريكية هذا. لا يعني هذا وجوب التنديد به، بل يبرز جيدا كيف أن الواقع أشد تعقيدا من بعض الترسيمات باللونين الأبيض والأسود، وأنه “يجب تعلم التفكير” كما كان تروتسكي يقول في العام  1938[*]. ما خلا المنطقة الكوردية، كان تدخل الأمريكيين الرئيسي في النزاع السوري، الذي لا يقبل أي مقارنة بإيماءاتهم التافهة صوب المعارضة السورية، هو اعتراضهم الصارم على أي تزويد لمجموعات الميدان المسلحة بعتاد مضاد للطيران، ما كان عاملا حاسما في بقاء النظام السوري، وفي التدخل الجوي الروسي بدءا من سبتمبر 2015، وفي تدمير سوريا وشعبها.

 

على عكس ما يدعي كثيرون، لم يكن أبدا هدف الولايات المتحدة الأمريكية إسقاط نظام الأسد، وذلك كي تؤمن ما تسمينه “الانتقال بنظام”. هل ترى ان إدارة ترامب ستنهج السياسة ذاتها؟

 

 بعيدا عن التصورات الكاريكاتورية لمن لا يفهمون الكثير مما يجري بالساحة والذين يرون، كما قلتَ، في النزاع السوري نزاعا بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، الواقع أن الثابت المركزي في الموقف الأمريكي كان منذ البدء، بالنظر إلى التجربة العراقية الكارثية، هو الحفاظ على جهاز الدولة البعثي، جهاز ديكتاتورية الأسد، لكن مع استنتاج بعد بضعة اشهر من الانتفاضة مفاده وجوب رحيل الأسد ذاته  للحفاظ على الجهاز. وهذا استدلال منطقي تماما من وجهة نظرهم. ولما بدأت روسيا التدخل في سبتمبر 2015، لحظة كان النظام يتقهقر في الميدان، شهدنا الولايات المتحدة الأمريكية تغض الطرف وتحاول الاقناع (والاقتناع) أنه تدخل  لمحاربة تنظيم داعش. كان ثمة في الواقع ضوء أخضر أمريكي لتدخل روسيا في سوريا…يتمثل الفرق اليوم في كون دونالد ترامب يبدو بموقف مغاير لما كان لدى إدارة أوباما بصدد مسالة الأسد ذاته، وسننتظر لنرى إذ لم يبد بعدُ شيئا ملموسا بصدد سوريا يفوق ما أمكنه قوله في أثناء حملته الانتخابية. لا بل بات الفرق طفيفا لأن أوباما تراجع في الأشهر الأخيرة ليقبل مبدأ انتقال مع بقاء الأسد. لكننا هنا إزاء ترامب سيقبل، إن صدقنا أقواله في اثناء الحملة، الأسد ولم يعد يعتبره مشكلا حتى. هذه أمارة تقارب أوثق مع روسيا. ولا يعني هذا أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت في خصام مع روسيا، ونذكر هنا بأنهما كانا ينسقان عملياتهما الجوية منذ تدخل الروس في سبتمبر 2015، ما يبرز تواطؤ البلدين الفعلي. لكن كل المؤشرات تدعو الى اعتقاد ان التعاون مع ترامب سيكون مباشرا أكثر.

تبقى مسألة إيران …

 

  نعم. بقدر ما يبدي ترامب تعاطفا، وحتى تجانسا، لأسباب جلية متعلقة بالطباع، إزاء بوتين، بقدر ما يبدو مستعدا لتقبل الأسد، وحتى كل الطغاة الذكوريين على الكوكب الذين ابتهجوا كثيرا لانتخابه، من الفلبين إلى تركيا، مرورا بمصر وسوريا، وكذلك يمثل عداؤه لإيران إحدى محددات موقفه. هذا من مكونات شخصيته الرجعية العامة وتقاربه مع اليمين الصهيوني المتطرف الحاكم في إسرائيل.  يمكن توقع مساومة اجمالية مع بوتين ترفع عنه العقوبات وتفتح أفق تعاون بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وربما مع وعود اقتصادية مغرية، مقابل تعاون روسيا في مسألة  إيران.  أظن أن ترامب شخص مستعد للمصادقة على ضم القرم والتفاوض بشأن مساومة ما حول أوكرانيا، لكنه سيسعى بالمقابل الى الحصول على التزام روسي بإزاحة إيران من سوريا.  هذه طبعا  تخمينات، لأن إحدى خصائص ترامب أنه غير قابل للتوقع الى حد بعيد وأنه يصعب الآن، قبل انخراطه في سياسة ملموسة بمجال ما، القيام بتكهنات، ما عد أن المنطق المتحكم به الآن ومستقبلا منطق مغرق في الرجعية.

أجرى المقابلة: جوليان سالانغ

 نقلها الى العربية  المناضل-ة  

المصدر: Hebdo L’Anticapitaliste – 370 (09/02/2017

=====

 [*] انظر مقال تروتسكي: يجب تعلم التفكير: نصيحة ودية إلى بعض اليسارويين: http://www.almounadila.info/archives/1840

شارك المقالة

اقرأ أيضا