النظام الرأسمالي والنظام الأبوي، وجهان للعنف المسلط على النساء

النساء30 نوفمبر، 2016

 

 

تعيش نساء بلدنا، كباقي نساء العالم، في وضع يتسم بالدونية واللا مساواة، في مجتمع بورجوازي قائم على الاستغلال الاقتصادي، والاضطهاد البطريركي.

تعاني النساء جراء هذا الوضع يوميا من ويلات الاستغلال والاضطراد، حيث تسلب حريتهن، وتهان كرامتهن، ويحرمن من أبسط حقوقهن، وتتعرضن لشتى أنواع العنف فقط لأنهن نساء (النفسي، والجسدي والجنسي، والاقتصادي… الخ)، وليس هذا العنف المتزايد نتيجة ممارسات فردية، كما يحلو للبعض أن يصنفه، بل هو نتيجة الاستغلال الرأسمالي، والاضطهاد البطريركي الممارس على جنس النساء.

  • عن أي عنف نتحدث؟

يبدأ العنف الممارس على النساء منذ ولادتهن، وذلك بإخضاعهن في الأسرة والمدرسة، والفضاء العام، لتكييفهن وحصرهن في أدوار رسمت لهن سابقا، واختزالهن في أجسادهن. كما تتم التضحية بهن أمام كل أزمة اقتصادية للنظام الرأسمالي، حيث يتم حرمانهن من حقهن في التعليم (ارتفاع نسبة الهدر المدرسي في صفوف الإناث (58,4%)، وارتفاع الأمية في صفوفهن)، وحقهن في الصحة (ارتفاع وفيات الأمهات بسبب الحمل والولادة)، وحقهن في الشغل (نسبة البطالة 29,6%).

كما أنهن يشكلن داخل طبقة الأجراء القسم الأشد عرضة للقهر، كيد عاملة رخيصة، وهن الضحية الأولى للبطالة، ولأشكال العمل الهشة وغير المستقرة، وشتى صنوف فرط الاستغلال، والتحرش والابتزاز الجنسيين.

  • أرقامهم معبرة:

تتعرض سنويا أكثر من 8 مليون امرأة (وهو الرقم المصرح الرسمي به)، اللائي تتراوح أعمارهن ما بين 18 سنة و66 سنة، لأحد أشكال العنف الذي تتفاوت حدة خطورته من حالة إلى أخرى.

وصلت نسبة النساء المعنفات باستعمال آلات حادة، أو عن طريق الحرق إلى 177 ألف امرأة، واللواتي تعرضن لعنف جنسي إلى 827 ألف امرأة، وبلغ انتهاك الحريات الفردية للنساء نسبة 48%، أي 6،4 مليون امرأة.

تدل هذه الأرقام المخيفة على أن حياة النساء في خطر، جراء العنف الذي يتعرضن له.

وترتكب معظم أشكال هذا العنف في إطار بيت الزوجية، فنصف حالات العنف الجسدي، وثلث محاولات القتل بحق النساء يكون مرتكبها الزوج.

فبدل أن يكون البيت مصدر أمان للنساء، أصبح هو المكان الأول لكل الأخطار التي تواجههن، حيث أن 3.7 مليون امرأة تعرضن للعنف في إطار الحياة الزوجية، مع العلم أن هذا الرقم قابل للارتفاع بفعل غياب أشكال ترصد ما تتعرض له النساء من عنف داخل البيت وداخل غرفة النوم.

ويعد أبشع أنواع العنف المسلط على النساء هو زواج القاصرات (سنة 2011 39ألفا و31 حالة زواج). يدل هذا الرقم الخطير على العنف الممارس على فتيات تقل أعمارهن عن 18 سنة، وهو عنف يرتكب باسم القانون، فمدونة الأسرة التي صدرت  سنة 2004، رغم  ما جاءت به في ما يتعلق بسن الزواج (رفع سن الزواج بالنسبة للرجل والمرأة إلى 18 سنة، بدل 15 بالنسبة للإناث)، إلا أنها لم تمنع قطعا زواج القاصرات، وتركته استثناء (صار قاعدة) بشروط ،(تجيز المادة 20 من مدونة الأسرة زواج القاصرات بإذن من القاضي، حيث تنص على أنه “يمكن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي).

لقد حول هذا الاستثناء حياة العديد من الفتيات إلى جحيم، فعوض متابعة دراستهن، والانشغال بالبحث عن تطوير حياتهن ومستقبلهن المعرفي والمهني، يتم الاعتداء عليهن – عبر تزويجهن-، وهذه الجريمة تحدث باسم القانون، وفضلا عن ذلك يصبح هذا الاستثناء قاعدة في ظل المجتمع الأبوي الذي يرى في تزويج الإناث وإنجابهن للأطفال ولو في سن مبكرة، الدور الطبيعي المنوط بهن، وهنا يتبين تكريس القانون للعقلية الذكورية القائمة على احتقار جنس النساء.

وهناك أيضا 80 ألف فتاة، تتراوح أعمارهن بين 6 و16سنة، حرمن من عيش طفولتهن كباقي الأطفال، لا يذهبن للمدرسة ولا يلعبن بالدمى، هن “الخادمات الصغيرات”، اللائي يجبرن على العمل من شروق الشمس إلى غروبها في الأعمال المنزلية، مقابل أجور زهيدة، لا تكفي حتى لمداواة جروحهن التي تخلفها قساوة العمل. وبالإضافة إلى عنف الدولة التي لا تجرم تشغيل الفتيات الصغيرات، تتعرض هذه الخادمات الصغيرات لشتى صنوف العنف التي يمكن أن تخطر على البال، يصل هذا العنف أقصاه، عندما تسلب الحياة من هذه الخادمات الصغيرات.

ومن أبشع صور اضطهاد المرأة إجبار المغتصبة على الزواج من مغتصبها، ولا معنى هنا لاشتراط موافقتها على ذلك الزواج. فسيشكل ذلك افلاتا من العقاب للمغتصب، وادعانا للضحية للجلاد. ستعيش المغتصبة مع مغتصبها وصورة اعتدائه عليها ماثلة أمامها دوما وللأبد، وسيعاد اغتصابها مرة وإثنين…

 هذا الاضطهاد يرتكب أيضا باسم القانون، فعوض أن يحمي هذا الأخير ضحايا الاغتصاب، يسقط أي متابعة في حق المغتصب فقط بزواجه من الضحية.

فبموجب مادة القانون رقم 475 (قبل تعديله) تسقط العقوبة عن المغتصب في حالة قبوله الزواج من ضحيته. بموجب هذا القانون أجبرت أمينة الفيلالي -الطفلة التي تناولت سم الفئران لتضع حدا لحياتها بعد إجبارها من الزواج بمغتصبها وهي في سن 16-وغيرها من الفتيات المغتصبات على الزواج من مغتصبيهن، فمثل هدا يسمى (اتفاق جبر الضرر) بين أسرة الفتاة وأسرة الجاني وبمباركة السلطات المعنية ودلك من أجل إنقاذ” شرف” عائلة المغتصبة، هذه الشرف الذي يحمل مسؤولية الاغتصاب للضحية فقط لأنها امرأة، وتدفع هذه الأخيرة ثمن هذه الجريمة.

إن أشكال العنف المسلطة على النساء باختلاف فئاتهن العمرية، كثيرة ومتشعبة، ولن نتمكن من ذكرها كلها، فيكفي أن تولد الفتاة، حتى يبدأ مسلسل العنف، والاستغلال والاضطهاد.

  • من المسؤول عن هذا العنف؟

يخترق العنف ضد النساء كل مجالات الحياة، الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية والثقافية، ولا يمكن أن يكون هذا العنف الشامل والمعمم على كل النساء نتيجة ممارسات فردية.

إن الاضطهاد (ضمنه العنف) الذي تعاني منه النساء ذو جذور اقتصادية، واجتماعية وثقافية، خلافا لمزاعم كثيرة، التي تربطه بطبيعة النساء البيولوجية. ففي المجتمع الطبقي، وما قبله لم تتغير الأدوار البيولوجية التي تقوم بها النساء، فلم تتبدل وظيفة الإنجاب، والرضاعة…، لكن وضعهن ومكانتهن الاجتماعية تغيرت. فلم تكن النساء تابعات للرجل دوما وضعيفات، ولم يكن دوما ضحية للعنف.

كما أن استغلال واضطهاد النساء لم يكن قائما في كل العصور ولم يظهر بظهور البشرية، فلقد كان غائبا في المجتمعات ما قبل الطبقية، وكانت للنساء في المجتمعات البدائية مكانة متميزة، ويعود لهن الفضل في اكتشاف الزراعة، والمساهمة في تطوير المجتمع البشري جنبا إلى جنب مع الرجل في ظل مساواة إنسانية، لا مكان فيها للتمييز والاستغلال والعنف المبني على الجنس.

ولم يتغير وضعهن جذريا سوى مع ظهور الملكية الخاصة، وانقسام المجتمع لطبقات، ما تترتب عنه تقسيم جنسي للأدوار.

وكان للعائلة البطريركية الفضل في هذا التغيير الجذري في وضعية النساء، وفي تكريس تبعيتهن للرجال، وفي الإبقاء على نفس العلاقة اللامتكافئة بين الجنسين.

  • نضال النساء المستميت من أجل حقوقهن

اقتحمت النساء ميادين النضال وبرزن في واجهة نضالات جماهيرية كبرى مثل نضال عاملات النسيج في الرباط وسلا، ونضال كادحي مدن طنجة وإفني وصفرو وطاطا… ونضال حركة المعطلين والحركة الطلابية، ونضال فئات شبابية أخرى ضد عنف السياسات النيوليبرالية للدولة، طلاب/آت الطب، والأساتذة/آت المتدربون، وخريجو/آت البرنامج الحكومي لتكوين 10 آلاف إطار تربوي… وهن الحاضرات بشكل كبير في نضال كادحي القرى من أجل الحدود الدنيا من البنيات التحتية الاجتماعية، والنضالات من أجل السكن…

النساء مكافحات ويواجهن القمع بالصمود، ومنهن من استشهد طلبا لنيل حقوق مشروعة، وقدمن بذلك صورة مغايرة للدونية التي يلصقها بهن المجتمع الرأسمالي والبطريركي القائم.

هن موجودات داخل منظمات النضال ويسعين لأخذ مكانتهن كاملة بشكل متساو مع الرجال. غير أن منظمات النضال القائمة بحاجة إلى جهد كبير لتخترقها المطالب النسائية وانشغالاتهن، وليأخذن وسطها مكانتهم كاملة غير منقوصة مثلهن مثل أشقائهن الذكور.

شهدت سنوات التسعينيات أبرز نشاط نضالي للحركة النسائية المغربية من أجل المطالبة بالمساواة وتغيير مدونة الأحوال الشخصية، وكان آخر التحركات المشهودة لهذه الحركة دودا على حقوق النساء الخاصة التعبئات التي رافقت ما سمي خطة وطنية لإدماج المرأة في التنمية، بعدها اندمجت أبرز تعبيراتها في خطة الدولة وصارت تطبل لإصلاحاتها المزعومة إلى أن تلاشت عمليا وبقيت مجرد أندية نخبة مسايرة للنظام وإجراءاته.

يدفع واقع الاستغلال والاضطهاد النساء بقايا حركة نسائية ضعيفة إلى الاحتجاج ضد أوجه صارخة متعددة من الظلم مثل الاحتجاج الذي رافق اقدام أمينة الفيلالي على الانتحار رفضا لتزويجها من مغتصبها، أو الاحتجاج طلبا لمساواة شكلية من قبيل اشكال الاحتجاج المرافقة لإقرار ما يسمى مناصفة…

نساء المغرب منزوعات السلاح في وجه استغلالهن واضطهادهن. ونضالهن يعاني من جهة غياب نضال خاص بمشاكلهن الخاصة، ومن جهة أخرى من عدم استقلال ما هو قائم من جمعيات نسائية “تقدمية” التي أغلبها مجرد ملحقات لأحزاب معارضة تاريخية انعكس خضوعها عليها، وجيش من جمعيات تابعة للإسلامين وجيش عرمرم من جمعيات تنموية “مخزنية”…

خلخلت حركة عشرين فبراير قليلا هذا الوضع، إذ شهدت حضورا لافتا للنساء في النضال وشاركن في التعبئة والنقاش واشتغلن بحماس في اللجان المختلفة، وقدن التظاهرات والمسيرات… لكن ظلت المطالب ذات الطابع النسائي الخاص محتشمة داخل الحركة وغابت تماما عن أرضياتها التأسيسية. ورغم استدراك الأمر تحت الحاح المناضلات ورفع شعارات المطالبة بالمساواة بين الجنسين، ظلت تلك المطالب شبه غائبة.

حتى الآن، لم تنعكس هذه المشاركة النضالية الواسعة للنساء على مطالب الحركات الاحتجاجية، ومنظمات النضال، وبقيت المطالب المرفوعة مقتصرة على مطالب عامة تتقاسمها النساء مع الرجال، وظلت المطالب النسائية الخاصة غائبة بشكل كبير.

  • ما السبيل لمحاربة العنف ضد النساء؟

تقر الدولة في تقاريرها وخطاباتها الرسمية، بتنامي ظاهرة العنف ضد النساء بشكل خطير، وتعترف أيضا بفشل محاولاتها لحماية النساء من خطر هذا العنف.

هذا الإقرار الصريح لم ترافقه إجراءات حقيقية للحد من خطورة ما تتعرض له النساء بشكل يومي في جميع المجالات. فمازالت الدولة تنتج نفس الثقافة المبنية على اضطهاد وتعنيف النساء، عبر مؤسساتها (الإعلامية، والمدرسية…)، وعبر قوانينها الرجعية التي تؤسس للعنف الممارس ضد النساء.

فرغم اجتهادها في إصدار مشروع قانون لمناهضة العنف ضد النساء، واعتباره الحل الناجع لكل ما تتعرض له النساء في بلدنا، يبقى هذا الأخير بعيدا كل البعد عن حماية النساء.

فالقوانين التي تصدر بهدف تلميع الصورة الديموقراطية للمغرب، لا يمكن أن تصون كرامة النساء وتحفظ حقوقهن.

إن محاربة العنف وكل أشكال اضطهاد النساء، يستدعي القطع الجذري مع مسبباته الحقيقة، هذه المسببات التي تستمد جذورها من طبيعة النظام الاجتماعي، والاقتصادي، والاستبدادي والمتخلف الذي يحافظ على نفس البنيات الثقافية التقليدية التي تكرس دونية النساء.

لقد حان الوقت فعلا لرفض قاطع لكل ما تتعرض له النساء من عنف يهدد حياتهن، ويسلبهن حريتهن وكرامتهن، ويتطلب هذا توعية وتعبئة واسعة في صفوف النساء ضحايا العنف، خاصة منهن الكادحات اللواتي يعانين، علاوة عن العنف، القهر الاقتصادي والاجتماعي.

إن صياغة قوانين واضحة لا تترك المجال للاستثناءات وتجرم كل تطاول على حرية النساء، يجب أن ترافقها تغييرات جذرية على مستوى المناهج التربوية   يكون أساسها المساواة بين الجنسين واحترام الآخر، كما يجب إسقاط الصورة النمطية للمرأة في الإعلام، وفي باقي المجالات. وطبعا سيقود ذلك فقط لتحسين شروط حياة وعيش النساء، ولن يقضي تماما على اضطهادهن متعدد الأبعاد ما لم يقض على المجتمع الرأسمالي الذي يديم اضطهادهن ويتغذى منه.

لن يتحقق هذا إلا عن طريق نضالات كفاحية، فالنضال ضد العنف الذي يسببه النظام الرأسمالي البطريركي نضال لا يتجزأ، ويتطلب برنامجا للتحرر الشامل، وليس لتلطيف المعاناة وتضميد الجراح.

هذا النضال يستوجب قيام حركة نسائية مكافحة وديموقراطية، ومستقلة عن الدولة وعن الأحزاب وعن “البرامج التنموية” التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية. ويجب أن يكون ضمن أولويات هذه الحركة تنظيم النساء المضطهدات، بالاعتماد على أشكال نضال جماهيري، مرتبط بشكل وثيق بالنضال العمالي والشعبي.

لا لعنف النظام الرأسمالي، ولا لعنف النظام الأبوي

تحررنا من صنع أنفسنا

بقلم، نجية توناروز، نوفمبر 2016

إحالات:

  • البحث الوطني حول انتشار ظاهرة العنف ضد النساء للمندوبية السامية للتخطيط
  • تقرير جمعية إنصاف للمرأة والطفل والأسرة حول تشغيل الأطفال
  • ورقة حول زواج القاصر لوزارة العدل
  • نتائج الإحصاء العام للمندوبية السامية للتخطيط

شارك المقالة

اقرأ أيضا