انتخابات الرئاسة الأمريكية: لا ترامبية، ولا ليبرالية، من أجل بديل مناهض للرأسمالية

بلا حدود, بيانات12 نوفمبر، 2016

 

 

لقد  حسمت “الديمقراطية الأمريكية”: ترامب هزمته منافسته بعدد الأصوات، لكن ساعده نظام انتخابي من عصر غابر. وهذا الملياردير، المتصف بمثالب الميز الجنسي والعنصرية  وكره الإسلام، وتأييد نظرية المؤامرة، وكره المثليين، وإنكار احترار المناخ، والشعبوية، والديماغوجية، والكذب، وهلم جرا، سيكون رئيسا وقائدا لجيوش القوة العظمى الفائقة المهيمنة على العالم منذ ثلاث أرباع قرن بممارسة ضغوط وابتزازات وحروب امبريالية. هذا  بكل بساطة أمر مرعب.

انعطاف

 هذا بكل يقين انعطاف. يُجهل ما ستكون عليه فعلا سياسة ترامب، لأن ما يقوم لديه مقام برنامج شيء ضئيل. لكن ثمة أمر لا يرقى إليه شك: بالنظر إلى أهمية سلطات الرئيس، وتوافر أغلبية للحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ والكونغرس، ستصبح السياسة الأمريكية بين أيدى مزيج من قوى اليمين الأشد رجعية، وصلافة، وعنفا. وهذا وضع باعث على مخاوف بقدر ما أن هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية تضررت في الآونة الأخيرة بفعل اخفاقات في أفغانستان وفي العراق من جهة، ونتيجة  من جهة أخرى لصعود قوة الرأسمالية الصينية، المتحالفة مع روسيا الرأسمالية المهدمة  لكن المدججة بالسلاح.

بريكسيت أضعافا مضاعفة

كان معظم المراقبين جازمين: لا يمكن أن يفوز ترامب، لأن نزعته الحمائية تتعارض مع العقيدة النيوليبرالية، ولأن وول ستريت وهوليود، وصناع الرأي، والناطقين باسم المجموعات السوداء والاسبانيك، وكذا قسم لا يستهان به من مسؤولي حزبه، كلهم يرفضونه.  كلهم كانوا متحدين خلف مرشحة الاستمرارية الرأسمالية، هيلاري كلينتون. والواقع أن رفض رأسمالية التيار السائد لهذا البهلوان هو الذي جعل الرأسمالي ترامب يفوز. نجاح تحقق  ليس بالرغم من استفزازاته المزعزعة بل بفضلها.

 فاز ترامب لأنه عرف وحده ، دون سواه، كيف يغرف من كل أشكال الاستياء والحرمان. بدا رجل الأعمال، والمستغل الرأسمالي، بفعل نزعته الحمائية، كمدافع عن العمال ضحايا العولمة.  لكن هذا ليس سوى عنصر تفسير واحد، لأن الأشد فقرا، والنساء، والأقليات، صوت معظمهم لصالح كلينتون. يجب إذن أن تؤخذ بالحسبان تماما تبني الصورة الفاشية والذكورية والعنصرية لترامب، وكذا تهديداته للمهاجرين بلا أوراق ثبوتية ولللاجئين. يتجند ناخبوه – البيض، المؤمنون الممارسون عقائدهم، ومعظمهم ذكور، من كل  الطبقات الاجتماعية. إن التصويت على ترامب يماثل، مع إدخال التغييرات الضرورية، البركسيت. لكنه بريكسيت أضعافا مضاعفة.

طاعون شعبوي وكوليرا نيوليبرالية

يجب البحث عن تفسير لفوز ترامب في عمق أزمة المجتمع الأمريكي، وفي فقد المؤسسة –الجمهورية والديمقراطية الاعتبار، وفي اندحار الحزب الديمقراطي.  فاز الملياردير الرأسمالي لأنه واجه مرشحة استمرارية الرأسمالية النيوليبرالية بوجه عام، وسياسة أوباما بوجه خاص. لم يحل قط رئيس أسود دون أشكال العنف ضد السود، فكيف لامرأة رئيسة أن تمنع العنف ضد النساء وهي على رأس نظام يولده يوميا؟ الناخبون الذين من شأنهم هزم ترامب لم يتجندوا، ما يفسر جزئيا نسبة الممتنعين البالغة 50%. ومرة أخرى، وعلى غرار بريطانيا، ثبت أن الطاعون الشعبوي، حتى عندما يتجسد في بهلوان مختل، لا يمكن دحره بكوليرا أنصار “متنورين” و”حداثيين” مزعومين للسوق الحرة وللعولمة.  إن أهون الشرور خديعة ليس إلا.

مخاطر جسيمة في كل مكان، وبكل المجالات

يحبل انتخاب ترامب  بمخاطر جسيمة. مخاطر في الولايات المتحدة الأمريكية أولا، لأن  الفقراء والملونين ومن لا أوراق ثبوتية لديهم، والمسلمين والنساء والمثليين والمرضى، وأنصار حماية البيئة… كلهم متربص بهم. ومخاطر في بقية العالم أيضا، لأن حمائية ترامب، وعزمه على رفض المعاهدات التجارية، وتصريحاته  المشككة في حلف شمال الأطلسي،  وموقفه الفاتر من دعم روسيا لحرب الأسد ضد شعب سوريا- وحتى ميوله للانسحاب من مشهد الشرق الأوسط، يجب ألا تفسر كقطيعة مع المشروع الامبريالي. إن دعم ترامب لاعتبار القدس عاصمة إسرائيل، وعدوانيته إزاء إيران،  يدلان على ذلك. ويحبل شعار “استعادة عظمة أمريكا” بالحرب كما السحب بالعاصفة، ووعود ترامب بالاستثمار الكثيف في السلاح متماسكة مع هذا المنظور.

مأزق برني ساندرز وممكنات البديل

أبانت حملة برني ساندرز في انتخابات الديمقراطيين التمهيدية إمكان بديل وضرورته. لكنها أبرزت أيضا  أن استراتيجية داخل الحزب الديمقراطي تفضي إلى مأزق. إن النيوليبرالية الأمنية والشعبوية الحمائية تنتميان لنفس النوع. الثانية نتيجة للأولى. ويستدعي الرد على كليهما بناء “من أسفل” لقوة سياسية سلمية على نحو جذري وديمقراطية واجتماعية. قوة منصتة لضحايا الرأسمالية والنظام الذكوري والغطرسة الاستعمارية/ ما بعد العبودية الجديدة . قوة مناهضة للرأسمالية تضع السلم وإرضاء الحاجات الاجتماعية واحترام النساء والأقليات وحماية البيئة مكان الركض إلى الأرباح. وقد تبث أن بناء هكذا قوة غير ممكن في الحزب الديمقراطي كما يستحيل في الاشتراكية الديمقراطية الأوربية. إنه يتطلب منهجية جديدة، تخلق التقاء تعدديا لقوى اليسار السياسية والاجتماعية. تلاقي يتعين ترسيخه في النضالات من أجل التحرر، في كل النضالات.

من صناديق الاقتراع إلى الشارع

لن تتأخر تلك النضالات عن الظهور بالولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما دلت عليه المظاهرات  التي انطلقت مباشرة بعد اعلان نتائج الانتخاب. من أجل فرص عمل وضد تفكيك الحماية الاجتماعية الطفيفة. وضد أشكال العنف العنصري والجنسي ومن أجل حق النساء في الوقف الارادي للحمل. من أجل البيئة وضد استئناف استغلال الفحم الحجري، وضد العودة الى مشروع خط انابيب Keystone XL وإنكار احترار المناخ. وضد مشاريع ترامب القمعية والعسكرية ومغامراته الحربية المحتملة باسم محاربة الارهاب.  وضد الطرد الكثيف (2 مليون) لمعدومي الأوراق الثبوتية ومشروع الجدار على حدود مكسيك. الوضع تفجري في نواح عدة. وما ضاع في صناديق الاقتراع( وكان محتما ضياعه) يمكن كسبه في الشارع.  الطبقة السائدة مهددة بأن تواجه بسرعة ما كانت تخشاه: انفجار الثنائية الحزبية وكل ما يعرقل منذ عقود الصراع الطبقي بهذا البلد. هذا ما حدا بجهاز الحزب الديمقراطي إلى الدعوة إلى الوحدة الأمة وإلى  التعاون الوطني مع ترامب. وحتى ساندرز أبدى استعداده للتعاون مع الرئيس الجديد! وليس مؤكدا ان هذا كفيل بتفادي الحريق.

من أجل بديل مناهض للرأسمالية، أممي، نسواني، معاد للعنصرية، وبيئي

انتخب ترامب من طرف أقل من ربع الناخبين الأمريكيين. لكن الولايات المتحدة الأمريكية تظل القوة الامبريالية الرئيسة بالعالم. لذا يخلق هذا الانتخاب مناخا ملائما لكل ما في العالم من ذكوريين وديكتاتوريين وديماغوجيين ومجانين مستعدين للعصف بالكوكب لمواصلة استعمال المحروقات الأحفورية باسم الربح. ومن وجهة النظر هذه، لا يمثل ترامب بأي وجه ظاهرة عارضة، فنجاحه يندرج في  الميل الاستبدادي الجاري بكل مكان بالعالم، من الصين الى البرازيل، ومن روسيا إلى فرنسا، مرورا بمصر وهنغاريا واسرائيل و دول الخليج…. قد تقرض دودة الترامبية التفاحة الرأسمالية حيث ولدت كنتيجة للسياسات النيوليبرالية الأمنية، المولدة للتفاوتات المتنامية.

وفي القارة العجوز، بوجه خاص، يُستشعر جيدا أن خطر الاستبداد النيوليبرالي للاتحاد الأوربي، الممقوت عن حق، يخلي المكان لاستبداد شعبوي وطني لأمثال فيكتور أوربان، ومارين لوبين، وخيرت فيلدرز، وحزب بديل لأجل المانيا اليميني المتطرف، وحزب حرية النمسا، الذين تجري الرياح اليوم بما تشتهي سفنهم. يجب ان نستثمر الاستياء المترتب عن فوز ترامب لإعادة إطلاق النضالات ضد الديماغوجيين وضد النظام الذي ولدهم.  وبوجه الأمميات  الرأسمالية للنيوليبرالية وللشعبوية، علينا بناء الأممية المعادية للرأسمالية، أممية النضالات الديمقراطية والاجتماعية والنسوانية والبيئية!

الرابطة الشيوعية الثورية – فرع الأممية الرابعة البلجيكي

 ترجمة: المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا