انتخابات مندوبي السلامة  بالمناجم:  من اجل دور فعلي في حماية الشغيلة من الأخطار المهنية

 

ستجري يوم 18 ديسمبر 2015 انتخابات مندوبي السلامة بالمقاولات المنجمية. دعما لنقابيي المناجم، أعدت جريدة المناضل-ة المقال التالي.  

يعيش عمال المغرب وعاملاته أوضاع شغل كارثية، يؤدون بسببها ثمنا باهضا، من كثرة إصابات، و حالات إعاقة، وقتلى. وينعكس هذا على أسرهم. ولا شك أن انعدام معلومات دقيقة عن ضحايا حوادث الشغل و أمراضه  هو بذاته دليل على هول هذه المصيبة. ومع النقص النوعي لما تنص عليها قوانين وقاية العامل-ة من مصائب العمل، وعدم مواكبتها لتطورات الصناعة وشروط العمل بوجه عام، تظل حبرا على ورق.

 يتهرب أرباب العمل بكل الوسائل الممكنة من واجب ضمان ظروف عمل آمنة، معرضين الشغيلة للضرر وحتى للموت، كي يرفعوا إلى أقصاه ما يحققون من أرباح على ظهر المستغلين. وفي الآن ذاته تتولى الدولة، هذا الممثل الجماعي للبرجوازيين، القضاء على الأداة الوحيدة القادرة على فرض تحسين ظروف العمل، أي النقابة العمالية.

وثمة قطاعات استغلال أشد خطر على صحة العمال وحياتهم، منها العمل بالمناجم. وقد كان من المكاسب الطفيفة للحقبة التالية للاستقلال الشكلي، لما كانت الملكية ترمي إلى تحييد العمال من صراعها مع الحركة الوطنية، نظام الشغل المعروف باسم “قانون المنجمي” [ظهير 24 ديسمبر 1960]، المنظم لجوانب من علاقات الشغل في المناجم المشغلة لأكثر من 300 عامل. ولا شك أن ما ينص عليه هذا القانون من وجوب انتخاب مندوبي سلامة بالمناجم  المستغلة لأكثر من 600 عامل مكسب يستدعي الحفاظ عليه وتطويره، وتمديد نطاق تطبيقه على المناجم كلها أيا كان عدد عمالها.

سنعرض فيما يلي تعريفا لمندوب السلامة بالمناجم، و لوظائفه، وعلاقته بإدارة المنجم وبالسلطة الملفة بقطاع المناجم. ثم نعرض من وجهة نظر نقابية ما نراه ضروريا لنهوض مندوب السلامة بدوره كاملا بدلا من بقاء هذا الدور حبرا على ورق كما هو حال معظم التشريعات الاجتماعية الخاصة بالشغلية، منبهين في الختام إلى نوايا أرباب العمل الساعين لإلغاء دور مندوبي السلامة

عدد مندوبي السلامة و انتخابهم

يقضي قانون المنجمي بانتخاب مندوبي سلامة في كل منجم يشغل أكثر من 600 عامل، كما يلي:

  • مندوب سلامة في المقاولة المنجمية المشغلة لما بين 600 و 3000 عامل
  • مندوبي سلامة اثنين في المقاولة المنجمية المشغلة لعدد عمال بين 3000 و5500.
  • و إذا فاق عدد العمال 5500، يضاف مندوب سلامة عن كل  2500 عامل إضافية

يشارك في انتخاب مندوبي السلامة كل عامل رسمي بقعر المناجم وبالمقالع بشرطين:

أ–أن يتمتع بحقوقه المدنية.

ب-أن يكون مقيدا في ورقة أداء الأجور الأخيرة لدى إدارة المنجم قبل المقرر الصادر باستدعاء الناخبين.

ويحق الترشيح لمهمة مندوب سلامة لكل عامل رسمي  يستوفي  شروط ناخب ، ويحسن القراءة والكتابة باللغة العربية أو الفرنسية أو الأسبانية ، وعمره  28 سنة كاملة،  وقضى 5 سنوات بالأقل من الخدمة في المناجم، منها 2 سنوات بصفته عاملا ذا  كفاءة. وإذا لم يوجد عمال مستوفون مجموع شروط الترشيح لمهمة مندوب سلامة، يمكن للوزير المكلف بالمناجم ان يقرر شروطا أخرى تخص العمر والأقدمية بطلب من المنظمة التي تقدم المرشح.

تفرغ  المندوب لمهام السلامة و حمايته من الطرد

يكون  مندوب السلامة متفرغا، أي أنه لا يقوم بعمله المعتاد، بل يتخصص في مهامه كمندوب سلامة.

 يتلقى  شهريا مبلغا  يساوي حاصل ضرب أجرته اليومية المتوسطة خلال السنة السابقة لتاريخ انتخابه (مع إضافة الزيادات في الأجور الحاصلة في المقاولة)، على عدد أيام العمل المنجزة في المصالح المكلفة بالخدمة بقعر المنجم في الشهر المقصود. كما يستفيد من المزايا العينية المستحقة لو لم يكن متفرغا. مصلحة المناجم الاقليمية هي التي ترسل لمندوب السلامة  مبلغه الشهري في ظرف 6 أيام الأولى من الشهر الموالي، في حوالة تحررها إدارة المنجم.

حماية مندوب السلامة : لا يمكن تسريح مندوب سلامة طيلة مدة امتلاكه هذه الصفة.

تدوم وظيفة مندوب السلامة ثلاث (3) سنوات.

ويمكن توقيف  كل مندوب سلامة من مهامه طيلة ثلاثة أشهر أو عزله، بقرار من الوزير المكلف بالمناجم بسبب تهاون جسيم أو شطط أثناء القيام بمهامه، وذلك بعد استماع للإدارة وممثلي العمال.

 مهام مندوب السلامة

يسند قانون المنجمي لمندوب السلامة المهام التالية:

أولا : الزيارات التفقدية إلى أماكن العمل : يقوم مندوب السلامة مرتين كل شهر بزيارة أماكن العمل بقصد  فحص ظروف سلامة العاملين فيها وحفظ صحتهم. ويفحص وسائل تنقل العمال، ونقلهم الى الأعماق، وكذا المغاسل ورشاشات الاستحمام، المخصصة للعمال، ومستودعات معدات الإنقاذ  بأماكن استخراج المعدن.

ويمكن أن يقوم مندوب السلامة ، فضلا عن الزيارتين الشهريتين، بزيارات إضافية إلى أماكن العمل في حالتين:

  • إذا رأى ان ثمة أماكن عمل بها خطر يهدد سلامة العمال،
  • إذا طلب عمال القيام بالزيارة

شروط زيارات مندوب السلامة لأماكن العمل:

يجب على مندوب السلامة أن يمتثل أثناء زياراته لأماكن العمل لجميع التدابير القانونية  لتأمين النظام والسلامة وحفظ الصحة في الأشغال.

 كما يجب على مندوب السلامة أن يخبر الإدارة (مستغل المنجم او من يمثله) بالأماكن التي سيزورها، وذلك قبل 12 ساعة على الأقل ما عدا في أحوال الاستعجال، ويجب عليه أن يسهر على أن لا تعرقل زياراته سير  العمل العادي بأماكن العمل.

ويمكن أن يكون مندوب السلامة مصحوبا بعون تعينه الإدارة. لكن  لا يمكن لعون الإدارة هذا  أن يتعرض على الزيارات التي يقوم بها المندوب إلا إذا ظهر له أنه ينبغي تأجيلها لأسباب السلامة، وفي هذه الحالة يجب على الإدارة أن تبين  تلك الأسباب في السجل الخاص بملاحظات مندوب السلامة.

ثانيا: إذا ما ظهر لمندوب السلامة وجود  خطر يهدد سلامة العمال ، يقوم فورا بإخبار كتابي لكل من :

– إدارة المنجم (رب العمل اوممثله)، أومن ينوب عنه بعين المكان،

–  مهندس مصلحة المناجم.

ثالثا– عند وقوع حادثة شغل نجمت عنها وفاة عامل، أو عدة عمال، أو جروح خطيرة أو يمكن أن تضر بسلامة  العمال، يجب على مندوب السلامة  أن يقوم بدون تأخير بزيارة مكان وقوع الحادثة. ويمكن لأعوان مصلحة المناجم أن يطلبوا من مندوب السلامة القيام بالبحث عن الظروف التي وقعت فيها الحادثة.

رابعا – يقيد مندوب السلامة، ملاحظات زياراته لأماكن العمل، في نفس اليوم أو في الغد على أبعد تقدير، ملاحظات تكون متعلقة بالمخاطر وشروط السلامة، ويسجل ساعات بداية الزيارة ونهايتها ومسارها. ويوضع  هذا السجل رهن إشارة العمال بمحل المنجم،  ويجب على أعوان مصلحة المناجم أن يؤشروا أثناء جولتهم على سجل كل مندوب سلامة

خامسا : يجب على مندوب السلامة  التنبيه إلى كل مخالفة لمقتضيات تشغيل الأطفال ومدة الشغل والعطلة الأسبوعية.

 سادسا: يحضر  مندوب السلامة جلسات التحقيق التي تنظمها مصلحة المناجم بصفة منتظمة.

سابعا: يمكن لمندوب السلامة أن يصاحب  مهندسي مصلحة المناجم كلما اعتبروا ذلك مفيدا.

 ثامنا : يحرر مندوب السلامة كل شهر قائمة الأيام التي جرت فيها الزيارات والعمل الناتج عنها، ويحقق هذه القائمة مهندسو المناجم، ويحددها رئيس مصلحة المناجم،وتوضع رهن إشارة العمال.

تاسعا : يعد مندوب السلامة في شهر يناير من كل سنة تقريرا عما قام به ، يعرض فيه رأيه في التدابير الواجبة فيما يخص السلامة . يرسل هذا التقرير السنوي الى المصلحة الاقليمية للمناجم ، ويضعه رهن إشارة العمال

واجبات إدارة المنجم إزاء مندوب السلامة:

 يلزم قانون المنجمي ارباب عمل المناجم  بواجبات إزاء مندوبي السلامة هي:

– إخبار مندوب السلامة فورا  بوقوع حادثة الشغل .

– تخصيص سجل  الذي يقيد فيه مندوب السلامة، ملاحظات زياراته، وتوقيتها المشار اليه أعلاه .

– أن تسجل  الإدارة ملاحظاتها في نفس السجل قبالة ملاحظات مندوب السلامة.(ورد هذا في قانون المنجمي بصيغة الإمكان لا الوجوب)

– أن تضع  رهن إشارة مندوب السلامة  سجلا في شأن تقدم اشغال استغلال المنجم

– أن تسهل عمل مندوب السلامة بتوفير ما يحتاج من  وسائل لتحرير تقاريره.

– أن تبين  أسباب الاعتراض على زيارة لمندوب السلامة في السجل الخاص بملاحظات مندوبي السلامة.

فضلا عن واجبات المقاولة المنجمية هذه إزاء مندوبي السلامة ، يجب على  مصلحة المناجم  أن تمد مندوب السلامة بجميع المستندات والنصوص الرسمية والدوريات المتعلقة بمهامه.

 250px-Bundesarchiv_B_145_Bild-F009346-0008,_Essen,_Bergmänner_im_Stollen

علاقة مندوب السلامة بالعمال

رغم ان العمال، بفعل كدحهم اليومي، أدرى بظروف العمل ومخاطرها، لم ينص قانون المنجمي على أي تنظيم لعلاقتهم بمندوب السلامة. فأقل ما يجب هو تنظيم اجتماعات دورية بين مندوبي السلامة و العمال لمناقشة ظروف العمل، وهذا نقص يحد بدرجة كبيرة من فعالية مندوب السلامة.

كل ما نص عليه قانون المنجمي هو حق العمال في :

  • مطالبة مندوب السلامة بالقيام بزيارة أماكن عمل بسبب خطورتها
  • الاطلاع على:

+  السجل الذي  يقيد فيه مندوب السلامة ملاحظات زياراته لأماكن العمل

+ التقرير السنوي الذي يضع فيه مندوب السلامة ما يراه واجبا  من تدابير السلامة

+ اللائحة الشهرية للزيارات التي قام بها مندوب السلامة والعمل الناتج عنها.

ملاحظات حول نقص فعالية مندوب السلامة

اولا ما يجب التذكير به هو أن ارباب عمل المناجم يعملون، بكل ما استطاعوا لافراغ دور مندوب السلامة من مضمونه حتى الطفيف المنصوص عليه في قانون المنجمي. فقد جرت عادة رأسماليي المناجم أن يصنعوا مكاتب “نقابية” تابعة لهم لتفادي نقابة حقيقية حريصة فعلا على سلامة العمال وصحتهم بوجه جشع ارباب العمل. ويوجد هذا النوع من النقابات حاليا بالعديد من مناجم المغرب، تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل. وتعمد إدارات المناجم الى تسخير هذا النوع من “النقابيين” ليحتلوا وظيفة مندوب السلامة كي تفعل الإدارة ما شاءت.

إلى جانب هذا يتسم قانون المنجمي، في جانبه المنظم لدور مندوبي السلامة، بنواقص جوهرية تتطلب نضالا لمعالجتها.

  • انعدام علاقة منظمة بين مندوب السلامة والعمال: اجتماعات دوية لتدارس المخاطر وسبل الوقاية.
  • تجاهل مندوب السلامة عند ادخال تغييرات قد تهدد سلامة العمال وصحتهم: فليس في قانون المنجمي ما يفرض صراحة على رب العمل  إطلاع مندوبي السلامة على ما ينوي ادخاله من تغييرات على عملية الانتاج، من قبيل تغيير مناصب العمل الناتجة عن تغيير المعدات وتنظيم العمل. تغيير وتيرة العمل و معايير الانمتاجية و ادخال تغييرات تكنولوجية.
  • عدم التنصيص على لجوء مندوب السلامة الى خبير في المخاطر التكنولوجية، مع  تمكين هذا الاخير من توثيق المقاولة و إمكان مساءلته العمال،  وتحمل رب العمل كلفة الخبرة.
  • عدم إلزام رب العمل بمد مندوب السلامة بتقريره عن حالة السلامة وحفظ الصحة، والبرنامج السنوي للوقاية من المخاطر المهنية، وكذا بسجل السلامة وحفظ الصحة وسجل الحوادث الذي يلزم قانون الشغل رب العمل بوضعهما رهن إشارة مفتش الشغل.
  • عدم الاهتمام كليا بتكوين مندوبي السلامة في مجال المخاطر المهنية و الوقاية منها، تكوينا نظري وعمليا لتطوير القدرة الى كشف المخاطر وقياسها و تحليل ظروف العمل.
  • لا ينص القانون على معاقبة عرقلة قيام مندوب السلامة بمهامه.

تحذير: ارباب العمل يسعون إلى ألغاء دور مندوب السلامة

أعدت الدولة مشاريع متتالية لتعديل قانون المنجمي [ظهير 24 ديسمبر 1960]، عرضتها على نقابات العمال، وعلى منظمة ارباب المناجم، فيدرالية الصناعة المعدنية. فيما يخص مندوبي السلامة تقترح منظمة رأسماليي المعادن هذه إلغاء دور مندوب السلامة وإحلال لجنة السلامة وحفظ الصحة الواردة في مدونة الشغل (المواد 336 إلى 344) مكانه.

المشكل أن صلاحية مندوبي السلامة لا تتوفر لدى لجنة السلامة الواردة بالمدونة. فمندوبو السلامة متفرغون، لديهم كامل الوقت للقيام بدورهم، فيما لجنة السلامة بمدونة الشغل مؤسسة شكلية لا صلاحية حقيقية لديها، يتحكم بها رب العمل ، وهو رئيسها. يدعو لاجتماعاتها مرة في 3 اشهر وعند الضرورة ، كما يفهمها هو ، وليس العمال المعرضون للخطر. وينحصر دور اللجنة في الاستشارة وتقديم الاقتراحات . وحتى هذا الدور التافه لا يوفر له القانون شروط ممارسته اذ لم ينص على احداث مقر للجنة السلامة داخل المقاولة ، بل اشارة الى « مكان ملائم » ولا ينص على ساعات تفرغ اعضاء اللجنة للقيام بدورهم ، ولا يلزم رب العمل بتقديم المعلومات الكفيلة بمعرفة مستوى الاخطار المحدقة بالعمال . باختصار انها لجنة سلامة شكلية .

يستوجب هذا يقظة المناضلين النقابيين، وانخراط كل عمال المناجم في الاهتمام بدور مندوب السلامة وتفعيله و تطويره. ما يعني عقد اجتماعات عامة حسب ظروف كل مقاولة منجمية لمناقشة ظروف العمل السيئة، وتحديد التدابير اللازمة للوقاية من الأخطار.

إن تفعيل النقابة العمالية، ببعث حياة داخلية حقيقية تؤمن المشاركة الجماعية، هو الكفيل دون غيره بانتخاب مندوبي سلامة اوفياء لمصلحة رفاقهم في العمل، وقيام هؤلاء بدورهم كاملا. إن تفويض الأمر لعناصر معدودة لها مسؤولية بجهاز النقابة يخلق قاعدة عمالية سلبية و اتكالية تكون عاجزة عن الدفاع عن المكاسب، و بالأحرى تطويرها. وقد علمتنا التجربة كيف ينجح أرباب العمل في جر ممثلي العمال المعزولين عن القاعدة، وغير المراقبين منها، إلى صفهم.

قوة العمال في وجود نقابة حية، نشيطة، حيث مساهمة الجميع في النقاش و في القرار وفي التنفيذ، وفي المحاسبة . إنها الديمقراطية العمالية التي لا غنى عنها.

شارك المقالة

اقرأ أيضا