تطورات الوضع السوري، من مواد العدد 70 جريدة المناضل-ة

مقالين بقلم جوزيف ضاهر منشوران بالعدد 70 من جريدة المناضل-ة

==============

ما المستقبل الذي ينتظر سوريا؟

 هل هي نهاية الحرب في سوريا؟ وهل يحوز نظام بشار الأسد الدموي فوزا عبرها؟ على أي حال، إنه في موقع قوة، من خلال مضاعفة الانتصارات بالاعتماد على حلفائه الروس، والإيرانيين وحزب الله اللبناني. ويسيطر النظام السوري الآن على ما يزيد قليلا عن 60٪ من الأراضي السورية، التي تشمل 80٪ من السكان الباقين في البلاد.

في نفس الوقت، كثف نظام الأسد والقوات الجوية الروسية هجماتهما على منطقة الغوطة الشرقية وإقليم إدلب. وبين الخامس والتاسع من فبراير، عاشت الغوطة الشرقية تحت القصف الذي شنته قوات النظام أكثر الأسابيع دموية منذ 2015، حيث قتل 229 شخصا معظمهم من المدنيين. يعاني ما يقرب من 400 ألف نسمة من سكان الغوطة الشرقية، بفعل حصار قوات النظام منذ عام 2013، من أزمة إنسانية خطيرة بسبب نقصْ الغذاء والدواء. ومنذ بداية الهجوم في محافظة إدلب في دجنبر 2017، احتلت قوات النظام مرة ثانية أكثر من 60 قرية وناحية.

كما ارتكبت القوات الجوية السورية هجمات كيميائية جديدة في هاتين المنطقتين. وفي الخامس من فبراير، أبلغ عن وقوع 11 حالة اختناق على الأقل في مدينة سراقب. هناك إجماع فعلي بين جميع القوى الدولية والإقليمية للحفاظ على نظام بشار الأسد الإجرامي، مكنه من “بطاقة بيضاء” لمواصلة جرائمه.

 في هذا السياق، فإن المفاوضات الدبلوماسية المختلفة الجارية حاليا، من جنيف إلى سوتشي عبر أستانا، ليست سوى أمل. وقد قاطعت كل من لجنة المفاوضات التابعة للمعارضة السورية الليبرالية والمحافظة، وكذلك الحركات الكردية في سوريا وحزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردستاني المؤتمر الأخير في سوتشي.

حالة اجتماعية واقتصادية كارثية

  بعد سبع سنوات تقريبا على بداية الانتفاضة الشعبية، التي تحولت تدريجيا إلى حرب قاتلة، صار الوضع الاجتماعي والاقتصادي كارثيا أكثر من أي وقت مضى. إن أوجه عدم المساواة والحكم الاستبدادي، التي تم التنديد بها في جميع أنحاء الشرق الأوسط خلال الانتفاضات الشعبية في 2010-2011 والتي ألهمت الثورة في سوريا، أصبحت الآن أكثر حضورا من أي وقت مضى.

 قدر البنك الدولي في يونيو 2017 أن حوالي ثلث جميع المباني وقرابة نصف المباني المدرسية والاستشفائية في سوريا قد تضررت أو دمرت بسبب النزاع، في حين أن الاقتصاد فقد 2.1 مليون من الوظائف الفعلية والمحتملة بين عامي 2010 و2015. وارتفع معدل البطالة إلى 55% في عام 2015، وارتفعت بطالة الشباب من 69% سنة 2013 إلى 78% عام 2015. كما يعيش أكثر من 80 % من السكان تحت عتبة الفقر.

 تجري إعادة إعمار المناطق التي مزقتها الحرب في حين هرب أكثر من 5 ملايين شخص من البلاد و7.6 مليون شخص مهجرون داخليا. وفي العام 2011، بلغ عدد سكان سوريا 22.5 مليون نسمة.  اليوم انخفض عدد سكانها بنسبة 20% تقريبا.

عانت القوات الديمقراطية والتقدمية المتحدرة من الحركة الشعبية السورية من قمع واسع النطاق من قبل النظام – يُعد المختفون بالآلاف اليوم – كما تعرضت انتفاضاتها  للهجوم والتشويه من قبل الحركات الإسلامية الأصولية.

المجاهدون يفقدون الأرض ولكنهم يحتفظون بالقدرة على إلحاق الضرر

 فقد مجاهدو تنظيم الدولة الإسلامية من جهتهم الغالبية العظمى من المدن السورية والعراقية والمراكز الحضرية التي احتلوها. مع فقدان الرقة في أكتوبر، لم يعد تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر سوى على 10% من الأراضي السورية -مقابل 33 % بداية العام 2017. وبعد الرقة، كان تنظيم الدولة الاسلامية هدفا لهجومين منفصلين في دير الزور: واحد من طرف قوات نظام الأسد وحلفائه، بدعم من روسيا، والأخر من طرف القوات الديمقراطية السورية، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية. في نونبر، استعاد الجيش السوري وحلفاؤه السيطرة الكاملة على مدينة دير الزور بعد طرد ما تبقى من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. وحدها المناطق الحدودية المعزولة فقط بين العراق وسوريا بقيت حاليا خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، بالإضافة إلى عدد قليل من المناطق في الأراضي السورية.

مع ذلك، فإن هذه المناطق المفقودة لم تمنع تنظيم الدولة الإسلامية من مضاعفة التفجيرات الانتحارية والهجمات بالسيارات المفخخة في جهات مختلفة من البلاد، فضلا عن قتل المدنيين في المناطق التي شهدت تراجعا لجنودها. وبالمثل، لجأت مجموعة هيئة تحرير الشام التي يسيطر عليها الجهاديون من جبهة النصرة، والتي منذ مطلع عام 2007 فقدت الأراضي لصالح القوات الموالية للنظام، إلى ممارسة الهجمات الانتحارية في محاولة لاستعادة الزخم. وفي تسجيل صوتي يوم 23 أبريل 2017، دعا زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الجهاديين السنة السوريين إلى شن حرب عصابات ضد العدو الشبح لنظام الأسد (وحلفائه الإيرانيين) والقوى الغربية، والتحضير لـ “معركة طويلة ضد الصليبيين وحلفائهم، والشيعة والعلويين“.

إن فقدان هذه المنظمات لأراضي شاسعة لا يعني نهاية وجودها وقدرتها على شن هجمات إرهابية. ومرة أخرى، يجب علينا أن نهاجم مصادر نمو هذه المنظمات: الأنظمة الاستبدادية في المنطقة التي تقمع جميع أشكال المقاومة الديمقراطية والاجتماعية، والتدخلات الأجنبية الإقليمية والدولية، والسياسات النيوليبرالية التي تُفقر الطبقات الشعبية.

الهجوم على حزب الاتحاد الديمقراطي، تهديدٌ للأكراد

منذ 20 يناير 2018، شن الجيش التركي، بمساعدة ميليشيات المعارضة المسلحة السورية الإسلامية والرجعية، هجوما جويا وبريا واسع النطاق على سكان عفرين، شمال غرب سوريا. ذات أغلبية السكان الأكراد والتي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي ووحداته لحماية الشعب.

استخدمت تركيا ذريعة إعلان متحدث عسكري عن التحالف الدولي، ضد تنظيم الدولة الإسلامية، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، إنشاء قوة حدودية قوامها 30 ألف رجل تحت قيادة القوات الديمقراطية السورية التي تسيطر عليها القوات الكردية التابعة لحزب الشعب الكردستاني، شمال البلاد على الحدود التركية. وندد الرئيس التركي اردوغان أن الأمر استفزاز لا يطاق وتهديد لسلامة تركيا. وقال إن العملية ضد عفرين ستتبعها عملية أخرى ضد مدينة منبج، التي يسيطر عليها أيضا حزب الاتحاد الديمقراطي، وأنه “سينظف أي وجود إرهابي على حدود تركيا”. وباستثناء الحزب الديمقراطي للشعوب الذي سجن قادته وكثير من أعضائه، فإن الأحزاب الرئيسية الأخرى في تركيا -الحركة الفاشية لحزب العمل القومي وحزب الشعب الجمهوري (حزب الشعب الجمهوري)، الكمالي – قامت بدعم التدخل العسكري.

يواصل التحالف الوطني السوري لقوات الثورة والمعارضة السورية” (الائتلاف)، الذي يتواجد في اسطنبول ويتكون أساسا من الشخصيات والجماعات الليبرالية والمحافظين الإسلاميين، مواقفه الشوفينية والعنصرية ضد الأكراد. إنه يدعم الغزو العسكري التركي، عبر دعوة اللاجئين السوريين في تركيا للانضمام إلى جماعات المعارضة المسلحة التي تقاتل في عفرين.

 على الرغم من صدور بيان وزارة الخارجية الروسية تعرب فيه عن “قلقها” وتدعو الطرفين إلى “ضبط النفس المتبادل”، فإن موسكو، التي تسيطر على جزء كبير من المجال الجوي السوري، أعطت الضوء الأخضر لهذا التدخل، حيث سحبت قواتها من المناطق التي استهدفتها القوات المسلحة التركية. قبل بدء التدخل العسكري التركي، طلبت السلطات الروسية من وحدات حماية الشعب تسليم عفرين إلى النظام الديكتاتوري السوري لمنع الهجوم التركي على المنطقة!

كما دعت الولايات المتحدة الأمريكية من جانبها تركيا إلى “ضبط النفس” وضمان بقاء عملياتها العسكرية محدودة في نطاقها ومدتها، معبرة على أنها تتفهم الانشغالات الأمنية لأنقرة واعدة بوقف ارسال الأسلحة إلى القوات الديمقراطية السورية. في 31 يناير، رفعت تركيا النبرة ضد الولايات المتحدة الأمريكية لحثها على وقف دعم المقاتلين الأكراد، مخافة مواجهة القوات التركية على الأرض في سوريا. وردت الولايات المتحدة الأمريكية بأنها تراقب عن كثب الأسلحة المقدمة لوحدات حماية الشعب وستواصل المحادثات مع تركيا، مكررة أن عملية عفرين ليست مفيدة وتَحِيدْ عن الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

أمام هذا الوضع، دعت حكومة عفرين ذات الحكم الذاتي، التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، نظام دمشق إلى ممارسة واجبه السيادي تجاه عفرين وحماية حدودها مع تركيا. وقد ندد نظام الأسد منذ البداية بالتدخل التركي، بل هدد بإسقاط الطائرات التركية التي تتحرك في مجاله الجوي. لكن هذه التهديدات ظلت حبرا على ورق: التعاون الروسي الفعلي مع الهجوم التركي والضعف العسكري في دمشق لا يسمح له ببذل المزيد. وفي نفس الوقت، يتطلع النظام السوري بالتأكيد إلى إضعاف قوات وحدات حماية الشعب، على أمل استعادة هذه الأراضي كجزء من تسوية مستقبلية تحت رعاية روسيا.

بالنسبة للبعض، فإن نداء حزب الاتحاد الدیمقراطي لنظام الأسد يبرز وجود تحالف بینهما. ليس الأمر كذلك، حتى لو كان لكلاهما أحيانا مصالح مشتركة أو تعاون-على سبيل المثال، حين الحصول على الأراضي بمساعدة روسيا في فبراير 2016، شمال محافظة حلب. يعمل حزب الاتحاد الديمقراطي قبل كل شيء لصالحه، لتمديد قوته ونفوذه، والذي كان في الماضي أحيانا كثيرة قد أفاد نظام الأسد. وكان هناك اتفاق عملي بين حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام لعدم الاعتداء، متضمنة لحظات من النزاع، ولكن مثل هذه الحالة لا يمكن أن تستمر لما لا نهاية

الأسد/روسيا مقابل القوات الديمقراطية السورية/الولايات المتحدة الأمريكية

رفضت دمشق قبول استقرار منافس لها بالأراضي التي استولت عليها من تنظيم الدولة الإسلامية شمال البلاد، ما أدى منذ عدة أشهر إلى انتشار الاشتباكات مع القوات الديمقراطية السورية (وبالتالي حزب الاتحاد الديمقراطي). في منتصف شتنبر 2017، رغم نفي موسكو الرسمي، استهدفت القوات الجوية الروسية القوات الديمقراطية السورية مرتين شمال شرق البلاد قرب دير الزور. كما يعتبر نظام الأسد الرقة مدينة محتلة ووعد باستعادة سلطته في جميع أنحاء البلاد. بالإضافة إلى ذلك، فإن المناطق التي تسيطر عليها القوات الديمقراطية السورية غنية بالموارد الطبيعية، والنفط والزراعة.

وقع حادث جديد كبير ليلة 7 إلى غاية يوم 8 فبراير بين القوات الأمريكية وحلفائها من القوات الديمقراطية السورية من جهة، والقوات الموالية للنظام من جهة أخرى في محافظة دير الزور، حيث تسببت هجمة أميركية في مقتل ما بين 45 و100 شخص في صفوف القوات الموالية للنظام. واعتبرت دمشق هذا العمل “عدوان” و”مجزرة”. بعد ذلك، قال متحدث باسم البنتاغون بكل أريحية أن واشنطن “لا تسعى لصراع مع النظام”… وبدأت الأعمال العدائية عندما عبر المقاتلون الموالون لنظام الأسد الفرات، في انتهاك للاتفاق الروسي الأمريكي الذي يجعل من النهر خطا فاصلا: في الغرب المؤيدون للنظام المدعوم من موسكو، وفي الشرق القوات الديمقراطية السورية المدعومة من واشنطن.

أعلن الأسد مرارا رفضه أي حكم ذاتي للأكراد بسوريا. وبالنسبة لنظامه، فإن القوات الديمقراطية السورية “خونة” و”إرهابيون”، و”قوة أجنبية غير شرعية” تدعمها الولايات المتحدة يجب طردها.

إن العملية العسكرية التركية الحالية ضد عفرين وفشل الاستفتاء في كردستان العراق في أكتوبر 2017، تظهر مرة أخرى أن القوى الدولية والإقليمية ليست على استعداد لرؤية تطلعات كردية وطنية أو مستقلة. من الواضح أن دعم موسكو وواشنطن لوحدات حماية الشعب في فترات مختلفة، كما قدمت وحدات حماية الشعب الدعم للحملة الجوية والعسكرية الروسية إلى جانب نظام الأسد في أواخر شتنبر 2015، لم يمنع العدوان العسكري لأنقرة ضد عفرين.

إن تقديم الدعم لحق الشعوب الكردية في تقرير المصير في مختلف دول المنطقة ضروري، حق يمكن تحقيقه بطرق مختلفة (مثل الاستقلال، الفدرالية أو الاعتراف بالشعب الكردي ككيان يمتلك نفس المساواة في الحقوق داخل الدولة). وبطبيعة الحال، فإن هذا لا يعني أننا لا لسنا نقديين إزاء القوى التي تقود هذا الكفاح. وعلى نطاق أوسع، بالنسبة لسوريا، فإن الوضع الحالي في عفرين يعكس ضعف جميع الفاعلين الديمقراطيين بوجه القوة المستردة لنظام بشار الأسد المدعوم من حلفائه، واستعداد القوى الإقليمية والدولية للقضاء التام على الانتفاضة الشعبية المنطلقة مارس 2011.

مسألة إعادة الإعمار

 في هذا السياق، تثار منذ عدة أشهر، مسألة إعادة الإعمار، التي تضم أطرافا فاعلة ذات جداول أعمال سياسية واقتصادية مختلفة بل ومتناقضة. وتقدر تكاليف إعادة إعمار سوريا حاليا بنحو 350 مليار دولار. فبالنسبة للأسد وأسرته ورجال الأعمال المرتبطين بنظامه، ينظر إلى إعادة الإعمار كوسيلة لتوطيد القوى المكتسبة بالفعل، وإقامة هيمنته السياسية والاقتصادية مجددا. وللقيام بذلك، يأمل في الحصول على الكثير من رؤوس الأموال الجديدة، الأمر الذي سيساعد نظامه أيضا للقضاء على آخر جيوب المعارضة. ومن شأن هذه العملية أن تعزز السياسات النيوليبرالية لنظام مدين بشكل كبير، لا يتمتع بالقدرة على تمويل إعادة الإعمار ذاتها.

 في نفس الوقت، فإن الدول الحليفة للنظام السوري، وخاصة روسيا وإيران، ولكن أيضا الصين، هي في طليعة من سيستفيد اقتصاديا من إعادة الإعمار. أعلنت السلطات السورية إنه يتعين على الشركات الأوروبية والأمريكية أن تطلب من حكوماتها، قبل أن تعول على مكان لها في هذه السوق، الاعتذار عن دعم المعارضة. واعتمد موقف مماثل إزاء المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا.

على العكس من ذلك، أعلنت هذه الدول في اجتماع عقد في نيويورك في شتنبر 2017 تحت إشراف الأمم المتحدة، أن دعمها لإعادة إعمار سوريا سيعتمد على عملية سياسية ذات مصداقية تؤدي إلى حقيقة التحول السياسي-الذي يتطلب رحيل الأسد، والتي يمكن أن تدعمها أغلبية الشعب السوري. في دجنبر، كشفت لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس الأمريكي عن مشروع قانون يمنع إدارة ترامب من استخدام أموال المساعدات غير الإنسانية لإعادة إعمار سوريا في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد.

 على الرغم من نداءات الأسد، فإن احتمالات إعادة الإعمار من قبل رأس المال الأجنبي لا تزال حقيقة هشة. وتفتقر روسيا وإيران إلى وسائل المساعدة في المستقبل القريب بينما تتردد الصين في المشاركة بشكل كبير بهذا البلد غير المستقر. بالنسبة لبكين، غالبا ما تكون الاستثمارات في البلدان الناشئة، كما الحال في أفريقيا، مشروطة بامتياز الوصول إلى الموارد الطبيعية. في حين، أن سوريا محدودة إلى حد ما فيما يخص المواد الخام، وهذه محفوظة في المقام الأول لفائدة موسكو وطهران. وبالإضافة إلى ذلك، يواجه نظام الأسد تحديات داخلية أخرى لتحقيق الاستقرار في البلد

أية آمال في هذه اللوحة المظلمة؟

إن مرونة النظام في حربه ضد جميع أشكال المعارضة كانت باهظة الثمن، لا سيما من حيث الأرواح البشرية والدمار، بل أيضا بالنسبة له سياسيا. بالإضافة إلى اعتماده المتزايد على الدول والقوى الأجنبية. لقد تم تعزيز بعض “السمات الموروثة” للنظام الديكتاتوري، في حين تضاءلت سلطته. وقد زادت قوة رجال الأعمال والميليشيا بشكل كبير، كما تم تعزيز الخصائص الطائفية والقبلية للنظام.

مع ذلك، فإن استمرار الحرب هو أسوأ حل ممكن ولن يعود بالنفع إلا على قوات – دمشق كما الحركات الأصولية الإسلامية – المناوئة لمشروع مجتمع ديمقراطي واجتماعي عادل وشامل للجميع. من وجهة النظر السياسية وكذلك الإنسانية، فإن نهاية الحرب في سوريا هي أولوية قصوى. هذا لا يعني قبول استمرار نظام الأسد واستعادة شرعيته على الصعيد الدولي، ولا نسيان جرائم الحرب، وعشرات الآلاف من السجناء السياسيين الذين ما زالوا في سجون النظام، إلخ. يجب أن نتذكر الأهداف الأصلية للانتفاضة الشعبية السورية من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة، ضد جميع أشكال العنصرية والطائفة الدينية.

لهذا السبب يجب ألا ننسى أصول العملية الثورية السورية، ولكن دون أن نكون مثاليين وأن نتعلم من الفشل. هذه الذاكرة، يجب أن تستخدم من الآن فصاعدا هذه التجارب السياسية في (إعادة) بناء المقاومة، على الرغم من أنه لا يزال تنظيمها مرة أخرى في بيئة سلطوية، انتظارا لظهور حركة ديمقراطية في المستقبل، اجتماعية وشاملة، يكون فيها للعديد من المناضلين بالمنفى دور أيضا. ولكن يتطلب الامر الصبر. إن المسألة السورية بالتالي أبعد أن تكون مغلقة، والحاجة إلى التضامن الدولي هو دائما أكثر من اللازم.

========================

سوريا: كابوس بلا نهاية

على الرغم من قلة حضوره الإعلامي، فإن الكابوس مستمر في سوريا، في حين أن القوى الدولية والإقليمية الرئيسية تقرر مستقبل البلاد.

استعادت قوات نظام بشار الأسد 95 بالمائة من المناطق بالغوطة الشرقية بعد هجوم قاتل بدأ في 18 فبراير أسفر عن مقتل أكثر من 1600 مدني حتى الآن (10 أبريل).

دوما، جرائم مستمرة

أجبر أكثر من 46،000 شخص، ربعهم من المقاتلين، على مغادرة الغوطة الشرقية للوصول عبر الحافلة إلى إدلب شمال غرب البلاد. بعد أن غمرها قصف دام خمسة أسابيع وتدهورت بفعل حصار دام خمس سنوات. توصلت الجماعات الأصولية التي تسيطر على الغوطة الشرقية إلى اتفاقيات متتالية بواسطة روسيا، أجبرتها على مغادرة هذه الأراضي. وسمحت للمدنيين بفعل الشيء نفسه. فقط أقوى الجماعات السلفية في هذه المنطقة، جيش الإسلام، الذي لديه حوالي 10،000 مقاتل ما زال يحتفظ بالمدينة الرئيسية للقطاع – دوما – لم يصل بعد إلى اتفاق نهائي مع النظام. استأنف هذا الأخير غاراته الجوية يوم 7 أبريل على مدينة دوما، مما أسفر عن مقتل أكثر من مائة مدني في 24 ساعة وفقا للتقديرات الأولية، بما في ذلك الشكوك القوية، مرة أخرى، باللجوء إلى استخدام غاز الكلور السام والسارين. يبدو أن النظام قد حصل في النهاية على ما يريد: تم التوصل إلى اتفاق لنقل الآلاف من جنود جيش الإسلام وعائلاتهم إلى مدينة جرابلس الشمالية. اتفاق يتضمن نشر الشرطة العسكرية الروسية في المدينة.

الولايات المتحدة: هل ستغادر سوريا أم لا؟

جدد دونالد ترامب رغبته في مغادرة سوريا، على الرغم من تردد أقرب مستشاريه. ثم خفف البيت الأبيض من تصريح ترامب بأن “المهمة العسكرية” التي استهدفت القضاء على الجماعة الجهادية للدولة الإسلامية (داعش) في سوريا تقترب من نهايتها، في حين يشير إلى أن الانسحاب ليس مطروحا في الوقت الحالي. وطبعا، لم يتم تحديد أي جدول زمني للانسحاب.

القوات الأمريكية، حوالي 2000 جندي، بما في ذلك قوات خاصة، موجودة في شمال شرق سوريا حيث تتعاون مع القوات الكردية التابعة لوحدات حماية الشعب والقوات الديمقراطية السورية، وخاصة في القتال ضد داعش. وهذه المناطق غنية بالموارد الطبيعية (النفط والزراعة).

أما إسرائيل والمملكة العربية السعودية فهما متعلقتان بالحفاظ على الوجود الأمريكي في سوريا لمواجهة نفوذ إيران.

روسيا وإيران وتركيا: تقاسم الكعكة ولكن مع انقسامات

تشجع القوى الرئيسية المتدخلة في سوريا الولايات المتحدة الأمريكية على الانسحاب: روسيا وإيران وتركيا. على الرغم من الخلافات حول بعض القضايا (بما في ذلك مستقبل عفرين والأراضي التي احتلتها تركيا في سوريا، فضلاً عن مصير إدلب)، فإن الأطراف الثلاثة تفضل بقاء الملف السوري في أيديها حصراً.

ستستفيد موسكو وطهران من هذه المغادرة لزيادة نفوذهما في سوريا. من جانبها، بعد أن غزت أنقرة عفرين بدعم من جماعات المعارضة السورية الموالية لها، ومعظمها جماعات رجعية إسلامية، جعلت منبج هدفها التالي. لقد كرر أردوغان مراراً وتكراراً رغبته في القيام بعمليات عسكرية ضد الأكراد في حزب الاتحاد الديمقراطي، وجناحه المسلح، وحدات حماية الشعب، على طول الحدود السورية وحتى العراق. ومن شأن رحيل محتمل للقوات الأمريكية المتمركزة إلى جانب وحدات حماية الشعب في الشمال أن يسمح لأنقرة بتجنب التصعيد الدبلوماسي والعسكري، وأن يخلى لها المجال لإعادة احتلال المنطقة.

اجتمع رؤساء روسيا وإيران وتركيا الأسبوع الماضي في قمة بأنقرة، وتعهدوا بالتعاون لتحقيق “وقف دائم لإطلاق النار” والحفاظ على “سيادة” سوريا.

تستمر جرائم نظام الأسد في صمت بتواطؤ القوى الدولية والإقليمية التي تشترك في توزيع مناطق النفوذ بالبلد…

 10 أبريل 2018

عنوان URL المصدر: https://npa2009.org/news/international/syria-un-nightmare-without-fin

شارك المقالة

اقرأ أيضا