تعقيب على قضية وحدة اليسار الجذري في سوريا

نشر موقع جريدة العرب اللندنية في ٢٥ ك٢ ٢٠١٥ مقالا بعنوان ” اليسار السوري تيار متعدد ووجه المعارض المنهك” للكاتب السوري اليساري عمار ديوب. يتناول فيها، من وجهة نظره، الوضع العام لليسار السوري وخصوصا في سياق الثورة ويدعو، بالنتيجة، الى توحيد اليسار الجذري.

قد لا نختلف كثيرا مع وجهة نظر الرفيق عمار ديوب في وصفه لحال الأحزاب والتجمعات الشيوعية المحسوبة على نظام الطغمة الحاكمة والتي يصح تسميتها بيسار أمن الدولة وهي مجموعات تقوم على تكريس واضح لمفهوم عبودية الفرد وتقديس القيادات بل وحتى كل من يمت لها بصلة .. ونقدر صراحته ونقده في تقييم عمل مجموعات اليسار المنضوية تحت جناح الثورة. وقد آتى، في مقاله المذكور، على تناول تيار اليسار الثوري من خلال وصفه وتصنيفه ” باليساري المسلح” ، وتم نوعا ما، وباجحاف من طرف الرفيق عمار، إختزال دور تيار اليسار الثوري بالعمل المسلح، والذي، في الحقيقة، لم يدم طويلا لعدة أسباب موضوعية، ولم يكن سوى شكل، قصير المدى، من أشكال النضالات الاخرى الجماهيرية الاساسية والمتعددة التي شارك فيها تيار اليسار الثوري او التي يعمل عليها وفيها. ونأمل ان يكون هذا الاختزال الذي قام به الرفيق عمار بعرضه لنشاط تيار اليسار الثوري ناتج عن عدم معرفة وليس مقصودا. ويشدد الكاتب في عرضه لموقف تيار اليسار الثوري، وكأن التيار يسعى لبناء الأشتراكية ولايرضى بغير ذلك؟ بالطبع نسعى لبناء الإشتراكية ومن الأسفل، وندعي بأننا نعرف طبيعة الثورة، وطبيعة القوى الاجتماعية المحركة لها في كل لحظاتها، وكل التجاذبات المحيطة بها ونعرف بأن الثورة السورية ليست ثورة إشتراكية وإنما نؤمن بأنها ثورة شعبية نسعى لنكون مؤثرين بها وفي خضمها. ولكنه كان يكفيه ان يطلع على “برنامجنا الانتقالي” الذي اصدرناه في صيف عام ٢٠١١ ليدرك بان قناعتنا “الاشتراكية الحازمة ” لم تمنعنا من إطلاق جملة من المهمات والشعارات “الانتقالية”، وبشكل أخص: ضرورة قيام حكومة ثورية، والدعوة الى انتخاب جمعية تأسيسية.
كما اننا ندرك تماما، وتجارب السنوات الأربع الماضية اضافة الى تجارب الثورات الاخرى تؤكد ذلك، بأن غياب حزب أو تنظيم ثوري قادر على قيادة الشعب الثائر أدى إلى حرف الثورة عن مسارها وجعل من سورية ساحة لتصفية الحسابات الدينية والسياسية وإدخال المنطقة في حروب ونزاعات لوأد “الربيع العربي” وإلهاء الشعوب عن الهدف الحقيقي الذي قامت من أجله هذه الثورات.. ويعود السبب الرئيسي، دون تجاهل أسباب اخرى هامة من بينها التشوش الذي أصاب مشروع البديل الاشتراكي على الصعيد العالمي مع انهيار الاتحاد السوفياتي ودول أوربا الشرقية ًوالمرحلة النيوليبرالية العنيفة التي تلته، لغياب الحزب الثوري في بلادنا هو حالة القمع التي عانت منها سورية طوال عقود وتغييب أي نشاط سياسي او نقابي حقيقي.
وهذا إنعكس على الوعي الجمعي للناس وأدى إلى الإحباط والخوف من كل ماهو غير مألوف، او مناهض للنظام القائم. ولعله مفيدا لمعرفة وضع اليسار الجذري السوري بشكل ادق، مما يسمح بتناول اكثر عملية وجدية، ان نشير الى ان نشاط تيار اليسار الثوري في سوريا ليس محصوراعلى شبكات التواصل الإجتماعي، كما قد يرشح من مقال الرفيق عمار، وإنما متواجد على الأرض منذ بداية الثورة وحقق توسعا ملحوظا في ظل ظروف عمل مأساوية وصعبة في كثير من المناطق، وهو في عمل مستمر لتحقيق نتائج أفضل. كما انه منخرط في صفوف الثوار والناس رغم كل العقبات، ولا سيما الأمنية تحديدا.
أما بالنسبة لدعوته الى توحيد صفوف اليسار الجذري، فيهمنا القول انه لم يكن تيار اليسار الثوري عقبة، ولا مرة واحدة، في هذا الطريق بل دعا مرارا لتوحيد عمل اليسار الجذري، وقدم العديد من المبادرات كما استجاب إيجابيا الى كل مبادرة بهذا الصدد قدمت له، ولن نسرد هنا الوقائع، لكننا نرى ان المدخل للعمل على الهدف المعني يتطلب استخلاص دروس مفيدة من التجارب او المحاولات السابقة، وتحليل مشترك للواقع، واللحظة الراهنة للثورة وافاقها، وواقع حال اليسار الجذري فعليا، وممكنات تطويره وكيف يتم ذلك. وهذا يتطلب نوايا صادقة وبرنامج عمل واضح. وقبل كل شيء أسس متينة يستند عليها هذا العمل الموحد.
فان كنا ندعو لوحدة عمل، في جبهة متحدة، للقوى الديمقراطية واليسارية الثورية الأصيلة وتوحيد جهودها. فما بالك بدعواتنا المتكررة منذ تشكيل تيار اليسار الثوري الى توحيد عمل اليسار الجذري في بلادنا. وذلك لأننا نعتقد بأن اليسار الجذري هو القوة المؤهلة لتكون فاعلة ومؤثرة في مجرى الثورة الشعبية الجارية والنضالات الثورية القادمة، من اجل مآل اكثر إنسانية وعدلا لجماهير شعبنا. وكماركسيين ثوريين، فإننا، لن نهدأ قبل تحقيق أهدافنا وقبل الوصول لما نريده عن طريق بناء الحزب الثوري القادر على التأثير وإحداث التغيير الحقيقي في المجتمع. ما زال الطريق طويلا وشاقا، ندرك هذا الشيء تماماً. وهو ما يحتاج إلى نشاط مكثف وعمل موحد، واضح الملامح والأهداف والآليات، بعيدا عن المصالح الضيقة والأهداف الشخصية، وبعيدا عن الانتهازية او العصبوية، ومن اجل عمل كفاحي في وسط الناس مهما كان عددنا، في البدايات، او شدة قسوة الشروط التي نعمل فيها.
بقلم: لوركا السوري
تيار اليسار الثوري في سوريا ١١ شباط ٢٠١٥

شارك المقالة

اقرأ أيضا