تونس، الجزائر، السودان والعراق…: الشباب يقود النضالات الشعبية

   لا تمر بداية كل سنة بتونس دون احتجاجات أو مظاهرات. إنها الذكرى التي قال فيها الشعب التونسي كلمته فقام بطرد الديكتاتور بنعلي . ثورة  شعب سارت في إثرها شعوب أخرى. ذكرى عزيزة خالدة في أذهان الشعوب بما حققته من إنجازات رغم مسارات كل من ثورة سوريا و ليبيا بفعل تدخل القوى الإمبريالية العالمية و الإقليمية المباشر وتلك بمصر التي تتدخل فيها نفس القوى عن طريق الجيش. ثورات أثبتت بما لا يدع مجالا للشك قدرة الجماهير على الفعل. قدرة هائلة إن هي نزلت للشوارع و تخلصت من أغلال الروتين اليومي .  لقد كتب جلبير الأشقر :” يتمثل الإنجاز الرئيسي للانتفاضة العربية في أن شعوب المنطقة قد تعلمت أن تريد. وهو ليس بالأمر الهين. تعلمت الشعوب أن تعبر عن إرادتها الديمقراطية بأكثر الطرق جذرية: ليس فقط الإرادة التي يجري التعبير عنها دوريا في صناديق الاقتراع في مواعيد تحددها السلطة القائمة، ولكن أيضا تلك التي يعبر الناس عنها في الشارع كلما أرادوا.  وقد تعلم العمال والعاطلون عن العمل والطلاب في المنطقة العربية أن “السلطة في الشارع” وأن هذه السلطة مكمل ومصحح لا غنى عنه لتلك التي تنبع من صناديق الاقتراع، حتى حينما لا يكون الاقتراع مزوراً. “(1)

تونس :

     هكذا فقد نظم يوم 17 يناير 2019 عمال قطاعات النقل العمومي، التعليم، البلديات والضريبة وبعض الأبناك إضرابا عاما عن العمل للمطالبة بالرفع من الأجور. تخللت المظاهرات التي رافقت الإضراب شعارات مطالبة الحكومة بالرحيل “حكومة صندوق النقد الدولي، ارحل”. ينتهج الحاكمون سياسة تقشف صارمة وفق لأوامر صندوق النقد الدولي والبنك العالمي . لكن بوجه أثار هذه السياسات الاجتماعية، يخرج التونسيون و التونسيات (كادحون وكادحات) بين الفينة والأخرى لمقاومتها، لأنهم تعودوا على الشارع ولازالت أيام هروب الطاغية بنعلي ماثلة بين أعينهم . يراهن الحاكمون على الأيام و الشهور و السنوات لكي ينسى الشعب التونسي إنجازه لكن هيهات أن تعود الأمور كما كانت فالشعب التونسي عرف قدر نفسه : الشارع يغير النظام لكن أيضا السياسات. سيستفيد من الدرس: ليس البديل هو تغيير الأشخاص إنما تغيير السياسات. سياسات تنبع من الشعب لا من الأقلية الحاكمة . مهما طال الزمن فسيضع الشعب التونسي ممثليه الحقيقيين فقراء العمال والعاملات والفلاحين والفلاحات في السلطة تتم مراقبتهم ومحاسبتهم وفق مصالح الشعب الحقيقية لا مصالح الأقلية.

العراق :

  يشهد العراق  دوريا، منذ العام  2011، نضالات اجتماعية  ضد سياسات الحكام المحليين وضد  تدخل الإمبرياليين في شؤون البلد.  

 لا ينفك السكان العراقيون من العودة مرارا إلى الشارع للاحتجاج، خصوصا بمدينة البصرة.احتجاجات من أجل الشغل  و الماء و الكهرباء . البصرة هي ثاني أكبر مدينة عراقية من حيث السكان و الأكثر غنى. فـ 70 % من البترول يُنتج بالإقليم الذي يصدر يوميا 3،5 مليون برميل ، من مجموع 4،3 مليون التي يصدرها  كل العراق. بالمقابل لا تستفيد الساكنة من العائدات شيئا : فالبطالة مستشرية، تطال ما بين 20 إلى 30 % من الساكنة النشيطة و 33 إلى 37 % من الشباب. الشباب لا يجد عملا في قطاع النفط لأن 95 % من العمال أجانب.

 بلد النهرين، العراق، يخرج فيها الناس  للمطالبة بالماء ! ليس بسبب الجفاف أو قلة الماء بل لأن الحروب التي توالت على العراق،  دمرت قنوات السقي ، بالإضافة لانخفاض منسوب المياه بالنهرين بفعل السدود التي شيدتها كل من تركيا و إيران ( السدود تشكل سلاحا للضغط على العراق).   

  الكهرباء مشكل قائم بالبلد، فالبنيات التحتية المنعدمة بفعل الحرب لا تسمح للسكان بالتزود بالكهرباء ، ناهيك عن وقف إيران تصدير هذه المادة لعدم أداء العراق ما عليه من أمواله يفاقم الوضع كثيرا.  فالسكان عليهم أن يتحملوا حرارة تبلغ 50 درجة ، لأن التزود بالكهرباء لا يتم سوى لثلاث ساعات في اليوم.

لا ينتهي الأمر هنا ، فالفساد المنتشر يزيد من غضب السكان ، حيث مثلا من أصل العائدات النفطية (فقط)  البالغة 700 مليار يورو خلال 15 سنة نُهب منها 274 مليار.

كما يسود اليأس الشديد، من وكلاء الإمبريالية المحليين، فالانتخابات الأخيرة شهدت مقاطعة كبيرة، المشاركون لم يتجاوزا 44،5 % في حين بلغوا في مدينة البصرة 20 % !

يعاني الشعب من ويلات التدخل الإمبريالي المستمر في شؤونه: الحرب مع إيران 1980 ـ 1988 التي خلفت مليون قتيل و حرب الخليج 1990ـ 1991 و الحظر التجاري الطويل  و حرب 2003 و 8 سنوات من الاستعمار. كانت النتيجة: تدمير كلي للبلد، فرار تدريجي للسكان ، عدم قدرة الولايات المتحدة إيجاد بديل لصدام حسين مكن المجموعات المسلحة  التابعة للحكام الإقليميين بالمنطقة من ملء الفراغ . العراقيون و العراقيات يدفعون غاليا ثمن التدخل الخارجي في شؤونهم.

يرفع المحتجون  و المحتجات في العراق شعارات تندد بالحكام المحليين و الأحزاب،  فقد توجهوا صوب مقراتهم بالإضافة كذلك لم تسلم مقرات المجموعات المسلحة . لم ينفع انخراط الشباب في تلك المجموعات لمقاومة تنظيم الدولة الإسلامية ، 2000 ماتوا و 5000 عادوا بإصابات ، سوى اغتناء تلك المجموعات المسلحة.  

إن إمساك الشعب العراقي الكادح بزمام الأمور في البلد يمر عبر النضال من أجل إسقاط كل الحكام المحليين و طرد المجموعات المسلحة من البلد  و عبر الخوض في شؤونهم الداخلية دون تدخل أحد . مهمة ملقاة على الشباب الذي يطمح للحصول على ديمقراطية حقيقة مبنية على التمثيل الحقيقي للشعب العراقي بكل أطيافه. مهمة تمر عبر بناء أدوات نضال ديمقراطية حقيقية مستقلة ممثلة للمتضررين الحقيقيين ( نقابات ، طلاب ، عمال، نساء)  و عبر التنسيق مع مبادرات النضال الجارية في كل المنطقة العربية و المغاربية.

السودان :

   تستمر منذ 25 دجنبر 2018 تعبئة و مظاهرات الصوماليات و الصوماليون ردا على الرفع من أثمان مواد استهلاك رئيسة ، تطورت الشعارات فباتت شعارات المحتجين تطالب بإسقاط معيدة نفس شعارات التي اجتاحت كل المنطقة المجاورة للسودان :   “ارحل” و ” حرية ،كرامة ، عدالة ” ،” الشعب يريد إسقاط النظام”. إن الرئيس عمر البشير في السلطة منذ انقلابه العسكري 1989. يواجه النظام مظاهرات يومية رغم محاولات القمع تارة أو إطلاق مبادرات الحوار الفارغ تارة أخرى. ألف المحتجون التظاهر بالشارع . لقد اكتفى الشعب السوداني من نير حكم البشير و زبانيته فخرج ليطرده صارخا كفى.

  لا يمر يوم دون خروج المظاهرات الرافضة لحكم العصابة الرئاسية رغم وعود الرئيس الفارغة بالإصلاحات . يريد الشعب وقف التسلط الكامن على رقابهم منذ 30 سنة ، فهذا النظام دموي دون أدنى شك فالحروب كانت على ثلاث جهات ( دارفور ، قوردوفان الجنوبية ، جنوب النيل)  .

 يشكل الشباب العمود الفقري في المظاهرات الجارية. لقد راهن النظام الحاكم من خلال التعليم المبرمج و التحكم الديني على قدرته في السيطرة على عقول الشباب وبالتالي توجيهم وفق رؤى الطبقة الحاكمة الفاسدة. لكنه راهن على الحصان الخاسر ! لم يتمكن من تطويع الشباب الذي أعاد نفس شعارات سنة 2011 التي أطاحت برؤوس عديدة في المنطقة العربية و المغاربية . لقد انتهى الشباب إلى الحصول على البوصلة التي ترشدهم نحو الاتجاه الصحيح :  الخروج للشارع من أجل تلبية المطالب. الشباب هو الذي يقود الاحتجاج العارم في السودان ، الشباب الذي فتح عينيه على كذب و نفاق الحاكمين بشعار” السودان المزدهر ” هو نفس الشباب الذي يعاني البطالة الكثيفة و شهد تراجع الصحة العمومية و خواء برامج التعليم و غلاء المعيشة …. . على الشباب الحذر من محاولات المساومات التي قد تجريها المعارضة الليبرالية من أجل وقف التظاهر. على الشباب التوجه نحو المعامل و الأحياء الفقيرة من أجل استقطاب أفرادها لتنظيم أنفسهم في أفق إضراب عام يطيح نهائيا بالطاغية .

الجزائر:

 مهما علا السوط  في وجه الكادحين و الكادحات و مهما بدوا طيعين خانعين لحياة الذل و الظلم و المهانة  ، فيوماً ما سيقف هؤلاء رفضا له . ذاك ما حصل حين أعلن الرئيس بوتفليقة ، الذي قضى زهاء 20 سنة في الحكم، ترشحه رسميا في 10 فبراير للمرة الخامسة في الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها شهر أبريل من العام 2019.  لقد خرج الجزائريون ـ ذكورا و إناثا ـ في مظاهرات حاشدة رفضا لبوتفليقة رمز السياسات الليبرالية التي يكتوون بنيرانها.

  إن بوتفليقة الذي لم يجد الجناح الحاكم و البورجوازية القريبة منه غيره ،يبلغ من العمر 81  سنة . قد يستغرب المرء ! لكن بوتفليقة هو ضامن الاستقرار المناسب للمصالح الأجنبية و المحلية البورجوازية في الجزائر.ضمان  المزايا الضريبية و العقود و القروض بفوائد تفضيلية بمليارات الدولارات هو الدافع وراء ترشيحه. فمثلا أقدمت الحكومة الجزائرية مثلا على تمويل  70 % من عملية بناء معمل التجميع الخاص بشركة رونو العملاقة و تقديم 12000 دينار شهريا عن كل عامل جزائري بالمعمل بالإضافة أن السوق المحلية رهن إشارة الشركة.

أكيد أن الحكومة ستعتذر إذا  ما تأخرت في أداء بذمتها الشركة، في حين لن يحصل الشعب الجزائري عن اعتذاره من الحكومة الفرنسية عن سنوات الاستعمار  و النهب الفظيعة !.

     يطبق الحكام الجزائريين وصفات صناديق التمويل العالمية بحذافيرها : البدء في تدمير القطاعات العمومية ( صحة ، تعليم ….)، فتح السوق المحلية أمام الشركات الرأسمالي الأجنبي، توجيه الفلاحة لمتطلبات السوق الخارجية…. ما أنتج آثار اجتماعية كارثية ما فتئت تتفاقم. إن احتياطيات الصرف في إنخفاض مستمر و قدرة شرائية ضعيفة جدا، البطالة في ازدياد  فهي تبلغ في صفوف الشباب 28.3 ٪ وضمن الساكنة النشيطة 11.7 ٪ . هجرة قروية نحو المدن في ارتفاع نتيجة الغلاء وحقوق العمال مهضومة فلا حماية اجتماعية مع بدء أرباب العمل فرض الشغل بالعقود محدودة المدة. كل هذا وحين يلجأ الكادحون للمقاومة، يكون رد فعل الدولة قمع واعتقال يصيب كل من رفع رأسه للرفض(صحفيين ومدونين ومشجعي كرة القدم) بالإضافة إلى حظر للتجمعات والتظاهرات الاحتجاجية.

    تفتح الاحتجاجات الجماهيرية العارمة بالمنطقة أمالا جديدة أمام الشعوب لتضع أقدامها على الطريق السليم :  تلبية رغبات مواطنيها الحقيقية و ليس رغبات و حاجات الأقليات الحاكمة.

إن جهود التضامن و تنسيق الجهود مطلوبة من أجل فك العزلة عن النضالات الجارية و التعتيم الإعلامي الممنهج من طرف الأقلية المالكة لوسائل الإعلام.

إن الأمل موضوع على الشباب الواعي  من أجل خرط أفضل العناصر العمالية في النضالات الجارية ، من أجل تكوين  أحزاب عمالية حقيقية ممثلة قولا و فعلا لمصالح الأغلبية المسحوقة في أفق  بناء المجتمع الاشتراكي الذي لا غيره سيلبي رغبات كل أفراده : نساء ورجال.

بقلم، العاصي

1:  كتاب ” الشعب يريد “،  جلبير الأشقر

شارك المقالة

اقرأ أيضا