جرادة نضال في غياب التضامن والنصرة الواجبين

بقلم، صمود فحام، العدد 69 جريدة المناضل-ة، مارس-أبريل 2018

يستمر الاحتجاج الشعبي في مدينة جرادة، متجاوزا يومه السبعين، محافظا على زخمه الجماهيري، وكفاحية انطلاقه. يرفض السكان وقف الاحتجاج ما لم تلب مطالبهم الرئيسية وبمقدمتها بديل اقتصادي ُيخرج كادحي المنطقة وأحوازها من حال العوز والضيق.
عاد المحتجون/ات للشارع في مسيرة يوم الثلاثاء 6 مارس2018 في إطار برنامج احتجاج أسبوعي، وهتفوا برفض جواب الدولة على مطالبهم. وذلك بعد هدنة أسبوع للتداول بشأن تعهدات قدمتها الحكومة.
الموت لا زال يحصد ضحايا الساندريات
لا ينفك الموت يحصد عمال استخراج المعادن في جرادة ونواحيها. يوم 2 مارس 2018 مات العامل فتحي قطاري، (28 سنة)، مصعوقا بالكهرباء في منجم رصاص عشوائي في بلدة سيدي بوبكر، بجماعة تويسيت. وقد سبقت يوم 1 فبراير 2018 وفاة العامل عبد الرحمن زكرياء (32 سنة)، داخل بئر فحم عشوائي “ساندرية”، في منطقة حاسي بلال، وقبله مصرع شقيقين شهر ديسمبر 2017 بعد انهيار بئر فحم، وكان شرارة الكفاح المستمر إلى الآن.
إن مسلسل وفيات العمال الشباب لن يتوقف أبدا طالما بقي الوضع الاقتصادي في جهة الشرق على حاله. الموت في الساندريات هروب من الموت جوعا ومرضا. لهؤلاء الكادحين خياران أحلاهما مُر: العمل في ظروف الخطر الماحق من أجل القوت اليومي، أو الموت التدريجي في بؤس. لكن الكادحين في مدينة جرادة ونواحيها باشروا شق طريق ثالثة بنضالاتهم، والأكيد أنه الطريق الوحيد إلى حياة لائقة.
وفود ووعود
زار بعض مسؤولي الدولة جرادة المحتجة، أبرزهم كان وزير الطاقة والمعادن يوم 3 يناير، للقاء المنتخبين والنقابيين وممثلي الحراك. كذلك فعل وزير الفلاحة يوم 20 يناير، حيث أعلن عن خطة عمل بمبلغ 28.2 مليون درهم لتحسين دخل المزارعين وخلق فرص عمل.
وزار رئيس الحكومة وجدة يوم 10 فبراير، حيث أعلن عن تدابير الحكومية جوابا على مطالب السكان. علاوة على جملة لقاءات، في عمالة الإقليم شارك فيها ممثلو السكان، لم تخرج بدورها عن تقديم الوعود لا أكثر.
الحكومة رفضت مطالب أساسية مثل إعفاء سكان المدينة من متأخرات الماء والكهرباء. واعتبره والي جهة الشرق خطا أحمر، داعيا السكان إلى الأداء لاستحالة المجانية أو تسعيرة تفضيلية، واعدا بإلغاء غرامات تأخر الأداء، وكشف شهري للعدادات ومراقبتها، وتوزيع مصابيح اقتصادية واعتماد عدادات دفع مسبق، وخفض ضريبة القيمة المضافة على الكهرباء من 10 الى 7 بالمائة.
أما مطلب البديل الاقتصادي، فثمة 500 عقد عمل موسمي للنساء في زراعة مغطاة في اسبانيا، وأسبقية شباب المنطقة للعمل في مناطق صناعية بطنجة والقنيطرة مع تكوينات تأهيل. وتسوية وضعية مستغلي ابار الفحم بعشوائية وذلك في إطار القانون لتحسين ظروف العمل وتامين السلامة والحماية الاجتماعية. وفتح وحدة انتاج خامسة بالمحطة الحرارية جرادة ومحطة حرارية شمسية بعين بني مطهر. وعقد مع مكتب الكهرباء لأجل فرص عمل في نقل الفحم والحراسة او المناولة.
ومن جهة السكن، وعد برفع الحجز عن عقارات شركة مفاحم المغرب لتسهيل بيع 325 سكن.
تعميم التطهير السائل في المراكز الحضرية تويسيت وعين بني مطهر واحداث محطتي معالجة
مكتب الكهرباء اقتنى سيارتي اسعاف ستسلمها لمصالح الصحة بجرادة لتنظيم حملات طبية لصالح منجميي الفحم واسرهم وخلق تخصصات جديدة في المستشفى الإقليمي.
كما أكدت الحكومة على فتح تحقيق في تصفية شركة مفاحم المغرب وعقاراتها، وسحبت بعض رخص البحث والاستغلال نتيجة عدم احترام دفتر التحملات. وأنها بصدد برنامج تنموي استعجالي للفترة 2018-2020 يسمح بخلق حوالي 1000 منصب شغل منها 300 لفائدة عمال استخراج الفحم الحجري بطرق عشوائية (الساندريات) مع إعطاء الأولوية لمعطلي الإقليم من حاملي الشهادات…
جواب سريع لمنظمات سياسية ونقابية يتماهى مع حلول الدولة
سارعت هيئات سياسية ونقابية وجمعوية في مدينة جرادة إلى مباركة نتائج المفاوضات التي أعلنها والي جهة الشرق. مستبقة عرض النتائج على السكان في تجمعاتهم بالأحياء والمناطق، في بيان مشترك ورد فيه على سبيل المثال: “التفاعل الإيجابي الذي تبديه السلطات مع مطالب السكان، وبـ «المقاربة الفاعلة التي اعتمدت لمعالجة المشاكل المطروحة». ودعت لتسريع تنفيذ الالتزامات والتعهدات المقدمة من أجل سدّ الفراغ الذي خلفه إغلاق مناجم المدينة، وتوفير البديل الاقتصادي الذي يريده السكان.
السكان يقررون بأنفسهم
كلما جرى لقاء تفاوض حول مطالب السكان، دأب ممثلوهم على نقل مقترحات الحكومة إلى الأحياء الشعبية والمناطق المحيطة، من أجل نقاش ورد جماعيين. يقرر بناء عليها أفق الفعل النضالي. وتتميز الأشكال النضالية وحلقات النقاش الجماعي بحضور نسائي لافت. على هذا المنوال الديمقراطي من أسفل، يحال كل شيء على السكان ليقرروا بأنفسهم في كل كبيرة وصغيرة
يواصل الاحتجاج الشعبي تسجيل دروس في الصمود والإصرار على انتزاع الحقوق، وأيضا في أساليب وطرق التعبئة والاحتجاج والسلمية، وأشكال اتخاذ القرار التي تقطع شيئا فشيئا مع أساليب التحكم والوصاية المعتادة من طرف منظمات حزبية ونقابية وجمعوية يفزعها إقدام الشعب وتجاسره النضالي على الحاكمين، أكثر من خضوعها المذل للاستبداد والتواطؤ معه.
رغم كل التضحيات الجسام لكادحي/ات جرادة، يغيب التضامن العمالي والشعبي الوازن. إن هذا الغياب أحد أسباب بقاء النضالات معزولة ومتروكة لحالها في مواجهة جبروت الدولة ودعايتها التضليلية المدعومة من خدامها الاوفياء.
إن نضال كادحي مدينة جرادة ومجمل الكفاح الشعبي بحاجة إلى تدخل عاجل لمنظمات العمال النقابية بتنظيم إضراب عام لشل آلة الاقتصاد الرأسمالي من أجل الضغط على الحكام وإجبارهم على تلبية المطالب الاجتماعية والاقتصادية في مدينة جرادة وغيرها. إن خنق النقابات وتسلط البيروقراطية على مفاصلها يستدعي توحيد جهود المناضلين الأوفياء لغاية النقابة والمتضامنين فعلا مع الكفاح الشعبي في جرادة وغيرها. فموجات النضال الشعبي المتتالية ستبلغ هدفها يوم يندمج النضالان الشعبي والعمالي بوجه الدولة الظالمة.

شارك المقالة

اقرأ أيضا