عاملات شركة سيكوميك بمكناس: قوانين الدولة في صالح أرباب العمل وواجب النقابيين الاشتراكيين

 

    لازالت عاملات شركة سيكوميك (600 عاملة) يجبن شوارع مدينة مكناس في مسيرات مرفوقة بوقفات احتجاجية من جهة ويطرقن أبواب مؤسسات الدولة (البرلمان والجماعة المحلية لمكناس) من جهة أخرى. تطالب العاملات بحقوقهن المتمثلة في مستحقات التغطية الصحية و الضمان الاجتماعي منذ نهاية سنة 2016  والأجور غير المدفوعة منذ شتنبر 2017  إثر توقف العمل بفعل إغلاق المنشأة.

القانون في خدمة الباطرونا

   يعمد مالكو وسائل الانتاج إلى اللجوء إلى الحيل القانونية، التي تخولها لها لهم الدولة من خلال الترسانة الموجودة، للدفاع عن مصالحهم و الحفاظ على مستوى أرباحهم. قام المالكون ببيع وسائل النقل و تحويل المستخدمين الإداريين إلى شركة لشركة “أليانس” التي هي في ملكية المدير العام لشركة “سيكوم” . ثم قام أيضا مالكو شركة سيكوميك التي هي في الأصل ” شركة سيكوم” ببيع  كل من العقار و الشركة كلا على حدة ، فأصبح العقار في ملك شقيق المدير العام للشركة فأصبحت الشركة بين ليلة وضحاها مكترية للعقار الذي كان في ملكيتها ، كما باع المالكون  في سنة 2016 الشركة ” سيكوم”  للشركة الجديدة سيكوميك. لجأ مالكو الشركة إلى هذه الحيل للتخلص من العمال ذوو الأقدمية بالمعمل و أيضا للاستحواذ على مستحقات الضمان الاجتماعي التي اقتطعوها من أجور العاملات (8 مليون درهم) (1).

إنه منطق  نظام الإنتاج الرأسمالي : أثناء ازدهار الإنتاج  وطالما الأرباح في تصاعد يلجأ المالكون إلى تشغيل العمال ( مع مواصلة سرقة جزء من الأجور ) لكن حين تشتد المنافسة بين الرأسماليين ، يلجأون إلى العمال، لكن هذه المرة عبر التخلص منهم أي طردهم إلى الشارع.

    إن القوانين التي تسنها الدولة هي في خدمة الرأسماليين الكبار. إن الدولة تعمل على تقديم كامل الامتيازات وتوفير الشروط المثلى لفائدة أصحاب الرساميل الكبرى من اجل الاستثمار، هذا إلى جانب تواطؤها البارز عبر الصمت المطلق على سرقة حقوق العمال  والعاملات ( ضُعف الأجور، غياب الحماية الاجتماعية، قمع الحرية النقابية… ) بل حتى السماح لهم بالتهرب الضريبي عبر الالتفاف على القانون . أو حتى اللجوء إلى قمع العمال لضمان سير آلة الإنتاج الهادئ تحت مبرر ” عرقلة حرية العمل”. لقد قامت العاملات بداية شهر فبراير على الاحتجاج أمام بلدية مكناس، كان الرد أن قال أحد مسؤولو المكتب المسير لبلدية مكناس أنهم يعملون فقط على “توفير شروط جلب الاستثمار..” و”.. يجب أن تتحمل هذه النقابة مسؤوليتها وتطرق الأبواب التي يجب أن تطرقها..”.. يعني بقوله  حقيقة لا غبار عليها : إننا نوفر لهم كامل شروط استعباد العمال و العاملات ، لسنا مسؤولين عما يقع بين العاملات و أرباب عملهم من سرقة أجور أو قمع …. هذا بالإضافة إلى إشارته إلى ضرورة التوجه نحو المحكمة لحل النزاع. وهل يخفى على المسؤول كم عدد ملفات العمال  الموضوعة لدى المحاكم التي تنتظر النظر فيها. بل هل يعلم المسؤول أيضا، كم من الأحكام القضائية التي حُكمت لصالح العمال وتقاعست الدولة في تنفيذها ؟ الكثير، الكثير. أكيد أنه يعلم لكنه ينافق. يجب الحذر من كلام المسؤولين الذين يبحثون عن مبررات لإبعاد الاحتجاج عن الشارع العام وتوجيهه صوب المؤسسات. لا يجب الثقة في خدام النظام الذين يؤكدون على أن رب عمل الشركة يعاني و قدم إثباتات لخسارته 900 مليون وأنه يعاني نقصا في المردودية. هذا الكلام غير صحيح بالبتة فقد بلغت مبيعات القطاع ( قطاع النسيج) بالمغرب حسب مكتب الصرف المغربي 35.5 مليار درهم  سنة 2016 بزيادة 2.2 مليار درهم عن سنة 2015 . كما قامت الدولة بتقديم دعم مالي لفائدة أرباب عمل هذا القطاع بلغ 20 مليار درهم (2). ماذا قدمت الدولة كحل لمأساة عاملات شركة سيكوميك لا شيء. مجرد الصمت المطبق.

واجب اليساريين النقابيين

يخوض عاملات سيكوميك نضالهم وحدهن دون أدنى تضامن. أكيد أن هناك العديد من النضالات العمالية  جارية  لحظة كتابة هذه الأسطر بل ضمن نفس المركزية النقابية. لكن للأسف لا تضامن جار بينها. على المسؤولين النقابيين الدعوة إلى التجمعات العامة المحلية  و إطلاق مبادرات تحفز التضامن القطاعي و المحلي و الوطني. لا يكفي إصدار البيانات و البلاغات بل الدعوة إلى تنظيم المهرجانات التضامنية و الدعوة إلى إضرابات محلية و جهوية  و وطنية . تلك هي الخطوات الأولى للتضامن و لضمان تحقيق المطالب و إلا فإننا سنترك هذه المعركة العمالية تموت كما قضت تجارب نضالية سابقة.  لتجسيد هذا التضامن الفعلي الميداني ،لا يكفي أن يهنأ العمال و العاملات المسؤولين النقابيين عند نهاية الجموعات العامة الخاصة بانتخاب الأجهزة بعبارة “إنه تكليف و ليس تشريف” ، بل على القاعدة العمالية أن تتحمل مسؤوليتها في محاسبة الأجهزة النقابية و الدفاع عن الديمقراطية الداخلية و عن الوحدة العمالية و تجسيد التضامن الحقيقي.

     على الشباب النقابي الذي يقول عن نفسه أنه يسار نقابي أن يخوض صراعا  داخل النقابات محليا ووطنيا من أجل إطلاق حملات تضامن محلية و جهوية و وطنية للتضامن مع عاملات سيكوميك. هكذا يكون يسارا نقابيا حقيقيا لا غيره.

حزب اشتراكي ثوري ، اليوم قبل الغد

     إن العاملات و العمال مستلبون و غير واعون بمصالحهم الحقيقية بفعل قلة تجاربهم النضالية و بفعل طول ساعات العمل، لا يستطيعون التمييز بين الصديق و المخادع الذي يريد المتاجرة بنضالاتهم. واجب المناضلين اليساريين الاقتراب من النضالات العمالية و عدم تركها لعبة بين أيدي الليبراليين أو المحافظين خدام الدولة البورجوازية. على المناضلين النقابيين اليساريين ذوو القناعات الاشتراكية توضيح هذا الأمر للعمال و العاملات: لا أحد يستطيع تحقيق مطالبهم غير نضالاتهم المسَّيرة ذاتيا . يتحتم عليهم فتح أعين العمال و العاملات على أن ميزان القوى حاليا هو في غير صالح العمال و العاملات بفعل غياب حزب عمالي خاص بهم مستقل عن الدولة و أحزابها الليبرالية و الرجعية. علينا زرع الأمل في نفوس العمال و العاملات الشباب و توضيح أن تظافر الجهود المتنوعة و مد جسور التواصل و التضامن و استخلاص الدروس و الإطلاع على التجارب العمالية العالمية سنبني ذاك الحزب لا محالة .علينا نحن اليساريين النقابيين أن ندافع عن أنه لا سبيل لتحقيق رغباتنا و أمانينا في العيش الكريم و الحرية و العدالة الاجتماعية غير المجتمع الاشتراكي الذي نستطيع فيه الحصول على كامل حاجاتنا الأساسية ، مجتمع اشتراكي يديره العمال بأنفسهم.مجتمع  يناقش الأولويات حساب حاجات الأغلبية لا الأقلية كما هو حاليا. علينا نحن الاشتراكيون الثوريون الدفاع لدى العمال و العاملات بدون حرج أن أول خطوة على ذاك الطريق هي أن نبني خطوة خطوة الحزب العمالي الاشتراكي الخاص بنا.

العاصي

————

1-         مقال ” تشريد عاملات سيكوميك بمكناس: من ثمار “نقابة” التعاون مع الدولة وأرباب العمل” – جريدة المناضلة.

2-         تقرير اقتصادي: صناعة النسيج في المغرب تبحث عن أسباب إقلاعها. موقع http://www.lakome2.com

شارك المقالة

اقرأ أيضا