عمال حراسة مطار المسيرة –أكادير : استغلال مفرط ومستقبل مظلم

انتشرت بشكل مهول أشكال إستغلال فظيعة لليد العاملة. فقد إستفاد أصحاب رؤوس الأموال من الإنتشار الكبير للبطالة بين الشباب كي يقوموا بتشغليهم في ظروف إستغلال وإهانة تفوق ما يمكن أن يتصوره من هو بعيد عن هذا العالم. وأكثر من ذلك قامت الدولة بإدخال أشكال العبودية الرأسمالية هذه إلى قطاعاتها عبر ما يسمى “التدبير المفوض”، حيث تُسند لشركات خاصة تدبير عدد من الأشغال، كالحراسة والتنظيف…

ومن بين القطاعات التي بَلغت مُستوى فظيع في الإستغلال والإذلال قطاع الحراسة.

يَشهد هذا القطاع تطورا هائلا في العقدين الأخيرين، ولكن هشاشة التشغيل هي السائدة، وما يُلازمها من إستغلال مُفرط، وإستحالة إستقرار حياة اليد العاملة. ومن الأمثلة الدالة على هذا الجحيم ما يعيشه أكثر من 60 عامل لدى شركة SNJH في أعمال حراسة بمطار المسيرة –بأكادير.

تعاقبت على هذا العمل في السنوات الأخيرة 3 شركات: Glonet وDesert marocain   و SNJH. ومع كل سلبيات هذا النوع من العمل لا سيما إنعدام إستقرار  الشغل، كانت الشركة الأولى Glonet مُلتزمة  باحترام  الراحة الأسبوعية والسنوية  وحصر يوم العمل في 8 ساعات، حيث  يشتغل عامل  الحراسة 12 ساعة متصلة ويتوقف 24 ساعة. كما كانت الشركة تَفي بواجب مستحقات العمال لدى الصندوق الوطني الضمان الإجتماعي. وقد تراجعت الشركة الثانية عن منح العمال الراحة الأسبوعية، وظلت مشتغلة بنظام 8 ساعات وأبقت على العطلة السنوية. ومع قدوم الشركة الثالثة، وهي التي لا تزال قائمة،  تراجعت عن الراحة الأسبوعية وعن العطلة السنوية، ولم تلتزم بالحد الأدنى القانوني للأجور، هذا الذي لا يتعدى 2200 درهم.. وتسعى في الوقت نفسه إلى التراجع عن نظام العمل 8 ساعات، وذلك عبر إجبار العاملين في حراسة الرادارات على العمل 12 ساعة. إنها تقوم بتشديد الإستغلال بتشغيل فرقة من 2 عمال في  مناصب تتطلب فرقة من 3 عمال وذلك دون عطلة أسبوعية، ودون تعويض عن الساعات الأربع المضافة.

هذا علما أن الشركة قامت في البداية، عند توقيع عقد العمل مع الأجراء، بابتزازهم بإجبارهم على توقيع إشهاد مصادق على توقيعه بمثابة إبراء ذمة مسبق، كي تتيح  لنفسها الفكاك من العمال دون كلفة عند طردهم وهضم حقوقهم. إنها بذلك تتخذ إحتياطها لأنها فعلا تتجاهل كليا قانون الشغل: فعمالها محرومون من الحد الأدنى القانوني للأجر، ومن بطاقة الشغل، ومن ورقة أداء الأجور، ومن شهادات العمل، ومن التعويض عن الساعات الإضافية ومن منحة الأقدمية، ولا وجود لمصلحة الشغل الطبية، ولا لجنة السلامة، ولا لمندوبي العمال، باختصار إنها شريعة الغاب، إنها الحكرة بكل معاني الكلمة.

تَنتج عن هذا الوضع مآسي من قبيل حالة عامل الحراسة الذي تعرض لهجوم كلب حراسة مزقه تمزيقا وفتك بأحد أصابعه، في شهر رمضان الماضي، وكان مصيره الإهمال.

وطبعا لا يستفيد العمال من أي تعويض يأخذ بعين الإعتبار عناء العمل وما يترتب عنه من أضرار على صحة العامل البدنية والنفسية.

بالنظر إلى ظروف الإكراه التي تبرم فيها عقود الشغل، تُعطي الشركة المشغلة نفسها حق التوسع في قائمة الأخطاء الجسيمة، المستوجبة للطرد دون تعويض، وذلك بتجاوز كبير للأخطاء الواردة في مدونة الشغل. وتتعسف الشركة لدرجة تحميل الأجير كلفة رسوم صرف أجرته عن طريق التحويل البنكي. ويعبر هذا عن مستوى الشره التي بلغه أصحاب الرساميل بعدما فتحت لهم الدولة بقوانينها [التدبير المفوض، شركات السمسرة في اليد العاملة…] باب إستعباد البشر بأشرس طرق ممكنة.

تدوم عذابات الشغيلة وتتفاقم بفعل إنعدام شبه كلي لأي رقابة قانونية. فمصالح تفتيش الشغل لا تقوم بدورها في السهر على احترام المقتضيات القانونية. فقد تركت الدولة مصالح تفتيش الشغل بدون وسائل كافية، سواء من حيث عدد مفتشي الشغل غير المتناسب مع الحاجات المتنامية، أو الموارد المادية الشحيحة. هذا بفعل سياسة التقشف التي تنهجها الدولة في كل ما هو ذي صبغة إجتماعية.

إن الأهوال المميزة لقطاع الحراسة ناتجة عن الطريقة التي تنظم بها أعمال الحراسة بإسنادها إلى شركات خاصة. فلو كان الحراس مشتغلين مباشرة لدى إدارة المطارات لكان وضعهم مستقرا وبه قدر أدنى من الحقوق الإجتماعية. فإسناد أعمال الحراسة إلى شركات يتم بصفقات تتنافس عليها شركات، تُحاول كل منها تقديم أرخص عرض لتفوز بالصفقة. وتقوم بتحميل عمالها الحرمان والعذاب كي تستخرج أكبر هامش من الأرباح في صفقة فازت بها بأقل ثمن. إن العمال هم في الأخير من يؤدي ثمن الصفقات الأقل كلفة بالنسبة لإدارة المطار. هذا ما يجعل هذه الإدارة لا تهتم بأوضاع عمال الحراسة الذين  يفنون حياتهم في خدمتها.

وطبعا لا يستسلم العمال لهذا الوضع البئيس، رغم ضعف قدرتهم على تنظيم صفوفهم الناتجة عن خطر الطرد بعدم تجديد عقود العمل التي لا تتجاوز مدتها 3 أشهر.

فقد سبق أن نظموا  يوم  13 يناير 2016  وقفة إحتجاج  أمام  البوابة الرئيسية لمطار المسيرة للمطالبة بصرف مستحقاتهم المالية المتراكمة. نتج عنها تدخل والي أكادير السابق، زينب العدوي. فوعدت الشركة بتسوية أوضاع الأجراء، سواء من حيث توقيت العمل او العطلة الأسبوعية آو الأجور. لكنها لم تف بوعودها.

قامت الشركة العاملة حاليا بزيادة ساعات عمل عمال حراسة الرادارات دون تعويض ولا راحة أسبوعية. وطبعا يَسود صفوف العمال سخط على ما يتعرضون له من استغلال مفرط، لكن الخوف من تعسف الشركة يجعلهم يتحملون. لكن إلى متى؟.

إن نهوضا عاما للعمال ومطالبتهم بحقوقهم هي السبيل الوحيد لتحسينها، عبر فرض تطبيق ما ينص عليه قانون الشغل على الأقل. أما المراهنة على الحلول الفردية فهو كمن يقامر قد يحالفه الحظ وقد لا يحالفه. لا خلاص إذن إلا بجهد جماعي، عبر توحيد صف العمال لإنتزاع الحقوق، وهذا ما سيكون سواء طال الأمد أو قصر.

 مراسل جريدة المناضل-ة

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا