عندما تتغنى الصين بالعولمة الرأسمالية –الصين في زمن دونالد ترامب

بلا حدود1 أبريل، 2017

الاثنين 30 كانون الثاني/يناير عام 2017، بقلم بيار روسيه

جعل دونالد ترامب من الصين أحد اعدائه المفضلين. لكن بانسحابه من الاتفاقات متعددة الأطراف مثل معاهدة التبادل الحر العابرة للمحيط الهادئ (TPP) [1]، يفتح طريقا حقيقيا لمطامح الصين. منذ أكثر من عقدين، تعمل بيكين بثبات على إعداد أسس زعامة عالمية. زادت حدة المنافسة تدريجيا بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية. وقد يمنح انتخاب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دفعة سريعة للاضطرابات الجيوسياسية الجارية.

قد يتغير توجه ترامب خاصة وفق قرارات الكونغرس، ومفاوضات وسط الحزب الجمهوري، وحسب تعبئات اجتماعية. في الوقت الحالي، يقترح على بوتين تعاونا، خاص على حساب الاتحاد الأوروبي والصين؛ ويلجأ إلى تهديد المقاولات الكبرى أو رؤساء دول (المكسيك) وابتزازهم؛ ويعطي الأولوية للعلاقات الثنائية على المستوى الدولي: يحدوه أمل القدرة على فرض قانونه بمناسبة كل مواجهة. إنه يجعل من الفظاظة والغطرسة والخشونة وسياسة التغريدة (رسالة الكترونية في موقع توتير-المترجم) علامة تجارية. إنه يتصرف كما لو أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت كلية القدرة، بينما الحقيقية مختلفة عن ذلك تماما. وقد يمنح سمة مَرَضِية لأزمة زعامة عالمية كانت قائمة بالفعل في ظل أوباما (لكن هذا الأخير كان بالأقل واعيا بها).

بيكين ترشح نفسها للخلافة

يعني دونالد ترامب مزيدا من الفوضى أكثر من السابق، ما سيطرح مشكلة بوجه كل بلد، بما في ذلك الصين التي قد تتعرض صادراتها لتعريفات جمركية مرتفعة في الولايات المتحدة الأمريكية. إن أطر المشاورة بين الدول أو أطر وضع أنظمة جماعية بين البرجوازيات مهددة بالشلل، بل الزوال. وبعبارات أوضح، بات النظام النيوليبرالي يحتضر. أما بالنسبة لضمان الحماية المقدمة لحلفاء هذا النظام النيوليبرالي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فكانت فقدت بالفعل الكثير من مصداقيتها، خاصة في آسيا. إن العمل الانفرادي وما أبداه الرئيس الجديد من رؤية ضيقة الأفق بالأقل حول العالم لا يقدمان أي ضمانة!

لم تلبت بيكين أن ردت على هذا الوضع الجديد. خلال انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، الذي انتهت أشغاله يوم 20 كانون الثاني/يناير الأخير، دافع الرئيس الصيني شي جين بينغ على نحو مذهل عن فوائد العولمة الرأسمالية، بقوله: بما أن واشنطن تنحت عن الطريق، فنحن نواصل الاضطلاع بالمسؤولية بدلها. إن الطريقة التي تعامل بها ترامب مع الرئيس المكسيكي لم تمر من غير أن تلفت النظر، وكذلك الموقف المتفاخر لسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، التي توعدت بأن بلادها «ستظهر قوتها».  وقبل مقابلتها الأولى مع الأمين العام الجديد للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أكدت –أمام الصحفيين المعتمدين لدى المؤسسة –«بالنسبة لمن لا يساندوننا: نسجل أسماءكم» و«سنعمل للرد وفقا لذلك». ويمكن أن تتوخى التمثيلية الصينية الاستفادة من السخط التي تثيره هذه التصرفات المحتقرة.

إن الزعامة الصينية ليست مجرد مسألة موقف. بل باتت واقعا في منطقة آسيا والمحيط الهادي. والآن يمكن القول بأن المسألة انتهت في بحر الصين الجنوبية حيث اكتسى «استصلاح» المجال البحري وعسكرته من قبل بيكين [2] طابعا لا رجعة فيه (ما عدا توقع نشوب نزاع واسع النطاق)، ما يشكل انتصارا أكبر على الصعيد الديبلوماسي (تثبت سياسة الأمر الواقع قيمتها وإمكاناتها)، والصعيد الجيوسياسي (التمكن من الوصول إلى المحيط الهادئ) والصعيد الاقتصادي (التحكم بالموارد البحرية أكثر بكثير من النفط). دون إطلاق رصاصة واحدة تقريبا، إن لم يكن طلقات إنذارية، فإن هذا النجاح الجيوسياسي لا يقل أهمية عن نجاح روسيا في سوريا، رغم أنه أكثر سرية.

يسعى دونالد ترامب إلى اخضاع الصين؛ ولكن كيف ذلك؟ إن قوانينا جمركية على حدود الولايات المتحدة الأمريكية لن يكون لها أي تأثير على نفوذ الصين في منطقة شرق آسيا. أبدى ترامب إعجابه برئيس الفلبين الجديد، رودريغو دوتيرتي، وهو رجل قوي كما يحبهم. إن رئيس دولة (ترامب) أعاد الاعتبار توا لاستعمال التعذيب ليس لديه بالطبع أي اعتراض تجاه رئيس دولة آخر (رودريغو دوتيرتي) يدوس بحذاءيه حقوق الانسان. غير أن النظام الفلبيني يغازل علنا بيكين، بينما الأرخبيل محور أساسي –في الواقع لا غنى عنه-لجهاز الولايات المتحدة الأمريكية السياسي والعسكري في المنطقة… ضد الصين، بوجه التحديد!

هل يمتلك دونالد ترامب فكرة حول كيفية مواجهة الصين في منطقة نفوذها المباشر؟ في الوقت الراهن، لا يبدو الأمر كذلك. وفق مزاجه، هل سيغض النظر عن ذلك أو سيأمر الأسطول السابع الأمريكي بإجراء استعراض قوة ذي عواقب غير معروفة؟ هل سبق أن رأينا كل هذه الدرجة من عدم اليقين بشأن توجهات القوة الرئيسية في العالم بخصوص آسيا. يضطلع عدم اليقين هذا بدور لصالح بيكين –وسيغذي حدة التصعيد العسكري في المنطقة، أي مع اليابان.

خلال اتصال هاتفي، كان ترامب قد أكد طبعا للوزير الأول شينزو آبي دعم الولايات المتحدة الأمريكية «الدائم» تجاه اليابان. إن مصداقية التصريح غير واضحة. يمكن الاعتقاد بأن صقور الامبريالية اليابانية لن يرهنوا مستقبلهم بمثل هذه الوعود، بقدر ما أن احتمالات السياسية الداخلية الأمريكية تتجاوز كل ما كان متوقعا. هل نراهن إذا في هذا الوضع، على أن طوكيو ستواصل تعزيز قدراتها العسكرية الخاصة-إلى حد السلاح النووي؟ وتظل العقبة الرئيسة بوجه صعود النزعة العسكرية القومية اليابانية تمسك معظم السكان بالبند السلمي في دستور البلد.

ولأجل الضغط خاصة على الصين والهند لإجبارهما على الانضمام وفق شروطها إلى منطقة تبادل حر واسعة (أو لعزلهما)، كانت الولايات المتحدة الأمريكية بادرت إلى عقد الشراكة عابرة المحيط الهادئ TPP. وردت بيكين بتشكيل الشراكة الاقتصادية الشاملة الاقليمية RCEP التي هي أكثر طموحا أيضا وشهدت نجاحا أسرع من مبادرة الولايات المتحدة الأمريكية. إن هذه الأخيرة في وضع أفضل للنهوض بالشراكة عابرة المحيط الهادئ، لما تتوجه إلى بلدان رابطة دول جنوب شرق آسيا وأبعد من ذلك إلى اليابان وكوريا الجنوبية والهند واستراليا ونيوزيلندا. ومرة أخرى أيضا، فإن الرهان الجيوسياسي كبير [3] –لكن رئاسة ترامب تتجاهله على ما يبدو.

بناء هيمنتها

إذا كانت بكين قادرة على الاستفادة من تراجع الولايات المتحدة الأمريكية، فلأن النظام الصيني يقود بوعي، منذ عقدين أو ثلاثة عقود، وفي جميع المجالات توسعه في العالم. لنأخذ بعض الأمثلة على المستوى الاقتصادي أو التكنولوجي.

المعادن الأرضية النادرة (أي 17 معدنا ضروريا للتكنلوجيا الفائقة). تتحكم الصين اليوم بهذه السوق التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تهيمن عليها حتى عام 1984. ويرى لودوفيك جين، مدير معهد مؤسسة التنمية الاقليمية، أن اعتماد الصين استراتيجية احتكارها يعود إلى مطلع سنوات 1980 [4]. في عام 1992، تجاوز الانتاج الصيني انتاج الولايات المتحدة الأميركية التي أصبحت صناعتها العسكرية تعتمد على الصين لتزويدها بالمؤن! ومنذ ذلك الحين، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تصحيح الوضع، لكنها تواجه صعوبات عديدة من أجل تحقيق ذلك.

ويعتقد لودوفيك جين، أن المعركة محتدمة بين القوى الاقتصادية من أجل التحكم بالمواد الأولية، ومع التحكم بالمعادن الأرضية النادرة، «تتوفر الصين على أداة سلطة دائمة».

 

شركات النفط.  بعد أن كانت الصين مصدرة للنفط حتى عام 1993، أصبحت أول مستورد له في عام 2014 وثاني مستهلك له. منذ مطلع سنوات 2000، «مكنت سياسة “الانتشار العالمي”  Go Global (استراتيجية الصين للاستثمار في الخارج) الصين من تدويل شركاتها الوطنية، وتنويع مصادر تموينها ومن الاستثمار بكثافة في الخارج بقطاع الطاقة» [5]، على حد اعتقاد إيمانويل هاش، الخبير الاقتصادي والمستقبلي. إن البحث عن الأسواق والسعي إلى امتلاك الموارد والرفع من المستوى التكنولوجي، والاستثمار في البنيات التحتية المتوفرة على المحروقات تسير كلها جنبا إلى جنب. لقد جرى خلق أبطال وطنيين، أسسوا في آخر المطاف شركات متكاملة عموديا. ووفقا لمجلة فوربس، في عام 2015، بلغت شركة البترول الوطنية الصينية CNPC المرتبة الثالثة عالميا بصدد رقم الأعمال وشركة سينوبك (شركة الصين للبتروكيماويات) المرتبة الرابعة عالميا؛ متوفقتين بوجه خاص على شركات الوقود الأحفوري العملاقة شيل وإكسون موبيل وبي بي في هذا الترتيب.

صناعة الطيران والفضاء. في هذا المجال ذي التكنولوجيا العالية للغاية، تطمح الحكومة الصينية إلى تدارك تأخرها بسرعة بهدف إرسال مسبار إلى الجانب المظلم من القمر في أفق عام 2018 وإرسال أول مسبار إلى المريخ في أفق عام 2020. وفي مجال علم الفلك، استخدم أكبر تلسكوب لاسلكي في العالم (FAST) في مقاطعة قويتشو، في أيلول/سبتمبر عام 2016 [16]. يبلغ قطره 500 متر ويتوفر على نظام كشف يتيح تعقب كائن في السماء أطول من التلسكوبات اللاسلكية الحالية.

وتعلن الصين أيضا أنها صنعت أكبر طائرة في العالم (طائرة AG600)، تقارب حجم بوينغ 737. قد تكون طائرة AG600 قادرة على الاشتغال في بحر الصين الجنوبي حيث أقامت بيكين مركب قاعدة عسكرية. إن الحكومة الصينية «تسعى إلى الحد من تبعيتها تجاه الشركات الصناعية الأجنبية مثل الأمريكية بوينغ والأوروبية إيرباص. وفي حزيران/يونيو، قامت الطائرة الاقليمية الصينية ARJ21 بأول رحلاتها التجارية، ما يشكل تتويجا لبرنامج طيران بدأ قبل أربعة عشر عاما وكان يهدف إلى تمكين الصين من شركة صناعة طائرات ذات مصداقية» [7]. ولقد جرى أيضا تصميم نموذج طائرة شبح (يجري صناعتها على نحو كي تتفادي أجهزة الرادار)».

الابتكارات التكنلوجية. لم تعد الصين، منذ فترة طويلة، لصا ثرثارا لتكنلوجيا اليابان والبلدان الغربية. ويرى بروس ماكيرن [8]، مستشار في شركة طريق الحرير (هونغ كونغ)، أن الصين تجاوزت ثلاث مراحل: الانتقال من التقليد إلى التكييف تلبية لحاجيتها الخاصة، وبلوغ المعايير العالمية، وفتح مجالات بحث جديدة. لقد خلقت الحكومة الصينية نظاما بيئيا ملائما للبحث. وتتجلى النتيجة فيما يلي: تشكل المقاولات الصينية حاليا منافسا قويا للشركات متعدد الجنسيات التقليدية، وتعمل بالذات داخل أسواق البلدان المتقدمة. ومن أجل بلوغ ذلك، تقتني شركات متوسطة الحجم، لاسيما أوروبية –وخاصة ألمانية. وأنشأت مقاولات صينية أخرى مراكز بحث وتطوير في مناطق مفضلة مثل منطقة وادي السيليكون في الولايات المتحدة الأمريكية –ويصح الأمر بالنسبة لشركة هواوي، التي تصنع معدات الاتصالات والهواتف الذكية.

فاعل عالمي

لا تزال روسيا متقدمة بفارق كبير على الصين في مجال الطيران والفضاء. وتتوفر على قطاع طاقة يحظى بأداء وصناعات استخراجية قوية: غاز ونفط وفحم ومعادن غير حديدية… وتتوفر على صناعة أسلحة مزدهرة (طائرات مطاردة، وغواصات). حققت نصرا على مسرح العمليات السوري. ويعزز انتخاب دونالد ترامب موقعها الجيوستراتيجي في أوروبا الشرقية إلى حد كبير، بينما أصبح مستقبل منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) أكثر غموضا. لذلك هل هي فاعل عالمي حقيقي بالمعنى الذي يمكن فهمه في حالة الصين؟ ذلك قابل للنقاش إلى حد بعيد.

باتت الصين تفرض نفسها بالفعل بما هي قوة عالمية [9]. أقدمت على تأسيس مؤسسات مالية متعددة الأطراف، ضمنها البنك الآسيوي للاستثمار في البنيات التحتية BAII في إطار منافسة مع صندوق النقد الدولي.  إن مجال اختصاص البنك الآسيوي للاستثمار في البنيات التحتية BAII يتمثل في منطقة جنوب شرق آسيا ومنطقة آسيا الوسطى (ضمنها جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا الاسلامية). وكان هذا البنك يضم في نيسان/أبريل عام 2015، 57 عضوا بما في ذلك أستراليا وألمانيا والنمسا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والمملكة المتحدة – على حساب الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت مارست ضغوطات قوية لثني تلك البلدان عن ذلك!

دوَّلت الصين عملتها (اليوان أو الرنمينبي) المندمجة في حزمة عملات صندوق النقد الدولي. وتشكل الصين أول شريك تجاري لأكثر من 130 بلد. وهي متواجدة تقريبا في كل مكان وقادرة في الواقع على تقديم خيارات بديلة عن خيارات الولايات المتحدة الأمريكية حتى في أمريكا اللاتينية – قد يكون من الأفضل لترامب أن يفكر في ذلك قبل معاداة حكومات هذه المنطقة.

لم تشارك بيكين في حربي العراق وسوريا. واستفادت الديبلوماسية الاقتصادية الصينية من هذا الحياد لعقد صفقات مربحة للغاية في العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا. إن انغراسها في هذه المنطقة لهو بالتالي أوسع بكثير من تواجد روسيا.

إن حضور الصين في شرق وجنوب أفريقيا بلغ من القوة إلى حد أنه ترك موقعا وبصمة جغرافية حقيقية، كما يشير جيروم شونال، من مدرسة البوليتكنيك الفيدرالية في لوزان [10]. إن دور الصين في «صناعة» المدن الأفريقية جلي في حالة مشاريع تجهيز هامة غيرت بنياتها (ترام أديس بابا…) أو تطوير مناطق اقتصادية خاصة. إن أكثر ما يثير الدهشة – ومن وجهة نظر معينة مما له أكثر دلالة – هو ما يخلفه عرضها الاقتصادي من تأثير غير مقصود، كما يتضح من مثال ياوندي (الكاميرون).

تقوم الصين بإغراق أسواق بلدان العالم الثالث بدراجات نارية رخيصة الثمن. في ياوندي «جاءت الدراجة النارية الفردية ولا سيما الدراجة النارية-الطاكسي للتغلب على انعدام وسائل النقل الحضري، ما مكن آلاف الأشخاص من التنقل من مراكز المدن إلى أطرافها الأبعد أو المعروفة بصعوبة الوصول إليها.».  وبناء على ذلك، تتمدد المدينة دون انقطاع، ودون مقاومة، خلافا لسياسات التخطيط الحضري التي تروم إنشاء مدن مكتظة ومنظمة. تحل المنازل محل الأراضي الزراعية. ويحث النظام العقاري على البناء الذي يعادل حق الحيازة. ويسهل ازدياد عدد القطع الأرضية الصغيرة تطور الأسرة النواتية.

أكيد أنها ليست المرة الأولى التي تقوم فيها قوة أجنبية بإعادة تشكيل البنية الديموغرافية والمنظر الطبيعي والتشكيلية الاجتماعية لبلد آخر –لكن هذه «البصمة» تمثل بوجه التحديد سمة قوتها. علاوة على «الالتزامات الدبلوماسية» المرتبطة بالتبعية الاقتصادية. وتستحضر بيكين «دعم ما يناهز عشرين بلدا افريقيا لمطالبها في بحر الصين» ضمنها «سبع دول فقط تقدم علنا» مساندتها: غامبيا وكينيا وموريتانيا وتوغو وبوروندي  وليسوتو والنيجر  [11]. وبات يجري التحدث عن العلاقات المتعددة بين الصين وافريقيا Chinafrique   . على غرار، العلاقات المتعددة الأطراف بين فرنسا وافريقيا     la Françafrique بوجه أكثر كلاسيكية.

ولا تكتفي الحكومة الصينية طبعا بتخطيط الانتشار الاقتصادي للإمبريالية الصينية الجديدة. ونفس الشي فيما يخص المجال العسكري [12].

الأزمة المناخية. تشكل مع ذلك مجالا لا تقدم فيه الصين بديلا عن تراجع الولايات المتحدة الأمريكية: ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي. تواجه بيكين أزمة من حجم كبير تضر على نحو خطير بصحة السكان: أشكال تلوث عديدة. جرى اعتماد قانون (سيصبح ساري المفعول بدءا من كانون الثاني/يناير عام 2018) حول طرح الملوثات في الهواء والماء والتربة أو أيضا حول التلوث الضوضائي.

لكن لا غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2)، المسؤول الرئيسي عن ظاهرة الاحتباس الحراري ولا النفايات النووية معنية. وبفضل تشكك ترامب في ظاهرة تغير المناخ، فإن حوافز الصين أقل من ذي قبل للاشتغال في إطار مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة المبدئية بشأن التغير المناخ.

توترات اقتصادية داخلية وتوسع عالمي  

يعيش المجتمع الصيني في عصر الرأسمالية، ما يخلق أحيانا تسويات مذهلة بين أطراف متنازعة. هكذا نشبت في شنغهاي، أزمة بين أسطول النقل التابعة لشركة أوبر Uber والتابعة لشركة ديدي Didi (شركة أوبر الصينية) من جهة، وبين سيارات الأجرة المنظمة من جهة أخرى. أصدرت السلطات الصينية حكما لصالح سيارات الأجرة، وأبعدت من السوق القرويين الذين لا يستطيعون عرض لوحة ترقيم من شانغهاي.

تشكل الأزمة جزءا من النظام. وتأتي صدمة ترامب على الصادرات في وقت سيء. لم تنفجر الفقاعة العقارية، لكن لم يجر امتصاصها حتى الآن. ويتجاوز الدين الصيني نسبة 250% من الناتج الداخلي الخام (مقابل نسبة 141% عام 2008)- من ضمنها تمثل نسبة 160% ديون المقاولات. تعاني شركات «الزومبي» في القطاع العام من قدرة انتاجية مفرطة. ويضعف اليوان كثيرا في رأي السلطات التي لا تتمكن مع ذلك من التحكم بتدفق الرساميل إلى الخارج [14].

هل ستعمل التوترات الاقتصادية الصينية على اجبار بيكين على تقليص نسبة التزاماتها الدولية. على الأرجح ليس في المستقبل المنظور. بسبب أهمية رهاناتها الجيوستراتيجية من جهة وما تمثله قومية القوة العظمى من اسمنت ايديولوجي من جهة أخرى. لكن أيضا بفعل روابط وثيقة بين الشأن الوطني والشأن العالمي في المجال الاقتصادي بالذات.

ولتأمين تموينها بالمواد، على الصين التحكم بما تحتاجه من مواد معدنية أو فلاحية وتأمين إرسالها (عبر مضيق ملقا بوجه خاص).  إن سياسة القوة حتمية اقتصادية، كما هو الحال بالنسبة لأي إمبريالية. علاوة على ذلك، يمثل (أيضا) تصدير الرأسمال واليد العاملة إلى أوراشها الخاصة جوابا على أزمة الاستدانة وفائض الانتاج في الصين بالذات. وهذا واضح في حالة البناء والأشغال العامة. إن الأوراش الجارية ضخمة: خمس مدن جديدة في أنغولا، ومدينة جديدة في المغرب، وعاصمة مصر مستقبلا… (ويشكل التمدن في افريقيا اليوم الأسرع في العالم).

 

«في عام 2015، استثمرت المقاولات الصينية أكثر من 9 مليارات دولار في مشاريع البناء بالعالم، مقابل 6 مليارات دولار في عام 2014 و87 مليون بالكاد في عام 2009». «بالنسبة للصين، تبدو الامتيازات جلية: توفير العمل لمقاولات البناء التابعة لها والتي تجد صعوبة في امبراطورية وسط (يعني الصين) باتت مبنية بالخرسان من كل الجهات وفريسة فقاعة عقارية؛ وتصريف جميع فوائضها من صلب وإسمنت بإفراغها في القارة الأفريقية؛ وفرض معاييرها، وبرنامجها والعمل على أحسن وجه خدمة لمصالح مقاولاتها وسياستها باستهداف بلدان رئيسية.

تتوفر معظم كبريات مقاولات الدولة الصينية على فرع للبناء. وضمن 452000 مغترب صيني يشتغلون لدى كبريات مقاولات الدولة في افريقيا، تشكل نسبة 54% عمالا يعملون في هكذا أوراش البنيات التحتية، وفق دراسة أجرتها المجلة المالية الأوروبية. تمول هذه المباني وتشيدها وتؤويها.»[15].

مجتمع في أوج تطوره

إن المجتمع الصيني متحذر من تاريخ خاص للغاية، وانتقل خلال ما يناهز مائة عاما من مرحلة انتقالية غير مستكملة إلى أخرى: المرحلة الانتقالية التي افتتحتها الثورة في البلدان الامبريالية الغربية وثورة عام 1911؛ وتلك التي افتتحتها الثورة الماوية في عام 1949؛ وتلك التي افتتحها تطور رأسمالية جديدة صينية المنشأ ابتداء من سنوات 1980-1990 ومن خلال الاندماج في النظام الرأسمالي المعولم… إن الأنظمة الأساسية، والعلاقات بين الجنسين، وعلاقات الانتاج والأيديولوجيات لم تتوقف عن التغير.

ديموغرافية سكانية شائخة. جرى التخلي عن سياسة الطفل الواحد، التي جرى اعتمادها عام 1979، لكن ذلك لم يؤد إلى طفرة مواليد. وفي أفق عام 2030، فإن نسبة من تتجاوز أعمارهم 65 سنة قد تتضاعف تقريبا، لتبلغ 18% من نسبة السكان. إن هذه الشيخوخة المتسارعة المقترنة مع توقعات اقتصادية أقل اشراقا تهدد بإسقاط ثاني اقتصاد عالمي في «فخ البلدان المتوسطة الدخل»، المسمى باللغة الانجليزية middle-income trap. «هل ستصبح الصين طاعنة في السن قبل أن تكون غنية؟» على حد تعبير مركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية Cepii في مذكرة نشرت في أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2016. [16].

الأنظمة الأبوية في الأمس واليوم. إن المجموعة الحاكمة التي تلتف حول الرئيس شي جين بينغ على علم بمدى تعقد الوضع.  تغلق أبواب النظام السياسي –في وسط الحزب الشيوعي الصيني كما في البلد- وتلجأ إلى السمات الأكثر محافظة في الكونفوشيوسية، ايديولوجية الأمس بامتياز والتي حاربتها الماوية آنذاك. وفي نفس الوقت، يضطلع تسليع الحياة اليومية بدوره. وتقدم السلطات الزواج على حد سواء بمثابة واجب (تأمين ذرية، واحترام الأخلاق) وكوسيلة للترقي الاجتماعي (زواج المصلحة البرجوازية).

ترسم ليتا هونغ فينشر صورة قاتمة حول تعليمات الأخلاق السائدة الحالية [17]. يجري وصم النساء العازبات بأصابع الاتهام: بعد تجاوزهن 27 سنة، يصبحن «غير مرغوب فيهن». والرجال أيضا على كل حال: فهم يمثلون «الأغصان العارية»- إلى درجة أن البعض يستأجر بالمناسبة خدمات ممثلة عابرة لكي يظهروا متزوجين ولكي لا يفقدوا احترام الناس [18]. على النساء التكيف مع توقعاتهم لكي يتزوجوهن ويخرجوهن من هذه العزوبة الملعونة. يجب أن تظل الأسرة الأفق الرئيسي لامرأة حاصلة على شهادة تعليمية، وبناء عليه ستكون قادرة على تربية أطفال جيدين. على ضحايا العنف المنزلي التزام الصمت لكيلا يكشف للعلن غسيل الأسرة القذر.  وتعاليم وسائل الاعلام غير ناقصة!

ويجري تحقير نجاح النساء المهني. ويجري مهاجمة حق المرأة على الممتلكات الثابتة (بيت العائلة) [19] أو العقارية (أراضي زراعية). وكل شيء ضد القانونين العظيمين الرمزيين المعتمدين بعد ثورة تشرين الأول/أكتوبر عام 1949 اللذين كانا يناديان بالمساواة بين الجنسين: قانوني الزواج والاصلاح الزراعي.

لكن عدد النساء المستقلات اقتصاديا في الصين المعاصرة، كثير جدا. ويقمن في العالم القروي بمعظم العمل الزراعي –هل قد يفقدن حقوقهن على الأرض؟

لم نطرح في هذا المقال ازدياد عدد النزاعات الاجتماعية، في المقاولات وكذلك في المجتمعات المحلية. ولم نتناول سياسة الاستيطان الداخلي و«استغلال» فضاءات واسعة محيطة تقطنها أقليات (التبت والأويغور…).

التغيرات الاجتماعية والمجتمعية متواصلة وعميقة. ويبدو المحيط العالمي بوجه خاص غير مستقر وغير مؤكد. من الأفضل في هذه الظروف تفادي التوقعات –فيما عدا القول بأن البلد سيشهد تغيرات ونزاعات وقمع ونضالات.

إحالات

[1]بعد ثمان سنوات من المفاوضات الشاقة، جرى التوقيع على الاتفاقية في شباط/فبراير عام 2016 بين الولايات المتحدة الامريكية و11 بلدا آخر (كندا والمكسيك والشيلي والبيرو واليابان ومليزيا وفيتنام وسنغافورة وبروناي وأستراليا ونيوزيلندا)، منطقة تجارية واسعة تمثل نسبة 40% من الاقتصاد العالمي. لكن لم يصادق عليها  الكونغرس بعد، والذي تلقى وسطه بعض المعارضة، بما في ذلك من قبل الديموقراطيين.

[2] موقع أوروبا متضامنة بدون حدود (مقال رقم 36230)

Asie orientale : la tension monte d’un cran entre Chine et Etats-Unis.

[3] موقع أوروبا متضامنة بدون حدود (مقال رقم 40109)

Trump & World geopolitics : China will be the winner if US backs out of the TPP.

[4] موقع أوروبا متضامنة بدون حدود (مقال رقم 40109)

Matières premières et géopolitique : Comment la Chine a pris le contrôle du marché des terres rares.

[5] موقع أوروبا متضامنة بدون حدود (مقال رقم 39905)

Une approche globale : le grand bond en avant des compagnies pétrolières chinoises.

[6] موقع أوروبا متضامنة بدون حدود (مقال رقم 40129)،

Astronomy : China completes world’s largest radio telescope.

[7] موقع أوروبا متضامنة بدون حدود (مقال رقم 38686)،

Avionneur : La Chine se targue d’avoir construit le plus gros hydravion du monde.

[8] موقع أوروبا متضامنة بدون حدود (مقال رقم 40128)،

A Businessman Eye – Made in China : three ways Chinese business has evolved from imitation to innovation.

[9] موقع أوروبا متضامنة بدون حدود (مقال رقم 37207)،

Financial Institutions and World Economy : China rewrites the global rules.

[10] موقع أوروبا متضامنة بدون حدود (مقال رقم 40133)،

 Empreinte géographique : Et la Chine inventa l’étalement urbain en Afrique, grâce aux motos-taxis.

[11] موقع أوروبا متضامنة بدون حدود (مقال رقم 40138)،

Mer de Chine : les petits arrangements diplomatiques de la Chinafrique.

[12] بيار روسيه، موقع أوروبا متضامنة بدون حدود (مقال رقم 37117)،

Le déploiement international du nouvel impérialisme chinois.

[13] موقع أوروبا متضامنة بدون حدود (مقال رقم 39872)،

Air, eau, sol, bruit (mais ni le CO2 ni les déchets nucléaires) : la Chine adopte une taxe sur les émissions polluantes.

[14] موقع أوروبا متضامنة بدون حدود (مقال رقم 40139)،

Chine : les cinq risques qui menacent sa croissance – Choc Trump, endettements, monnaie, démographie….

[15] موقع أوروبا متضامنة بدون حدود (مقال رقم 40134)،

Après les stades et les palais présidentiels, la Chine construit les HLM africains.

[16] موقع أوروبا متضامنة بدون حدود (مقال رقم 40139)، سبق ذكره.

[17] موقع أوروبا متضامنة بدون حدود (مقال رقم 40125)، For richer, for poorer : how China’s laws put women second – Marriage and divorce, land and property, at work and at home.

[18] موقع أوروبا متضامنة بدون حدود (مقال رقم 40127)،

Gender & demography : ‘bare branches’ unmarried men stuck between tradition and capitalism.

[19] موقع أوروبا متضامنة بدون حدود (مقال رقم 35742)،

Property Boom – China’s growing gender gap : women are not just ’leftover’ but left out.

============================

مرفق:

الصين: المخاطر الخمسة التي تتهدد نموها الاقتصادي –صدمة ترامب والعملة النقدية والديون والنمو الديموغرافي… 

 

الجمعة 20 كانون الثاني/يناير عام 2017

 

بقلم فيرجيس (دي) ماري

شهد ثاني اقتصاد عالمي نموا بلغ نسبة 6.7% عام 2016، ويمثل أدنى وتيرة لهذا البلد منذ عام 1990. ويبدو أن امكانية الدفاع عن نموذجها الاقتصادي أقل فأقل في نظر الخبراء.

باتت الصين مستهدفة على حين غرة! في عام 2016، شهد الناتج الداخلي الخام الصيني تزايدا إذ بلغ نسبة 6.7% حسب الأرقام الرسمية التي نشرت يوم الجمعة 20 كانون الثاني/يناير. هكذا بوسع الصين أن تتباهى باحترامها بدقة تحقيق هدفها الرامي إلى بلوغ نمو سنوي يتراوح بين نسبة 6.5% ونسبة 7%.

تشكل هذه الوتيرة الأدنى منذ عام 1990. لكن أخطا المتوقعون الذي كانوا يعتقدون، في مطلع عام 2016، أن ثاني اقتصاد عالمي سيشهد هبوطا حادا. إن الفقاعة الصينية لم تعرف الانفجار الرهيب للغاية. بعد أن سقطت أسهمها، استعادت بورصة شانغهاي نشاطها. تسارعت وتيرة الإنتاج الصناعي. وبدعم من ارتفاع الانفاق العمومي، شهد الاقتصاد بالفعل استقرارا.

لكن العملاق الصيني لا يزال يثير القلق. ويبدو أن امكانية الدفاع عن نموذج نموه الاقتصادي الممول بفعل الاستدانة المفرطة أقل فأقل حسب الخبراء. تتراكم المخاطر، ويفاقمها محيط خارجي غير مستقر، بينما أقسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على أن يتقاتل مع بكين على المستوى التجاري.

صدمة ترامب في مجال الصادرات

إن لباس المدافعين عن العولمة التي ارتداها الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في منتدى دافوس، في سويسرا، يوم الثلاثاء، لم تخدع أي أحد: قد تكون بيكين معرضة لخسارة الكثير في حرب مع الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب. ولأنه محاط بمستشارين معادين صراحة للصين، فإن المقيم الجديد في البيت الأبيض –الذي كان من المقرر أن يباشر عمله هذه الجمعة –أشهر تهديده بفرض تدابير جمركية انتقامية ضد المنتجات الصينية.

«من المرجح أن تتكبد الصادرات الصينية عواقب وخيمة في هذا العام وفي عام 2018، كما يتوقع جوليان إيفانز بريتشارد، من مكتب التحليل كابيتال إيكونوميكس Capital Economics. ولحسن الحظ، بدأ الاقتصاد في إعادة التوازن نحو الطلب الداخلي، لكن الاقتصاد الخارجي يبقى ركيزة هامة.» شهدت بالفعل صادرات الامبراطورية الصينية تراجعا بنسبة 7.7% في عام 2016. لكن اليوم أيضا، في عمليات تبادل سلعها مع الولايات المتحدة الأمريكية، تصدر الصين 4 دولار بالنسبة لكل دولار مستورد.

محرك قطاع العقار قيد التوقف

كيف توقف الاقلاع؟ شهد ثمن المتر المربع زيادة مهولة في عام 2016 في كبرى مدن الصين (تجاوزت الزيادة نسبة 20% في شنتشن وشانغهاى وبكين). ولتهدئة الارتفاع المفرط، شددت السلطات تدابير الشراء والحصول على الدين. ونتيجة ذلك، بدأ ارتفاع الأسعار يعتدل في أواخر العام (بزيادة قدرها 12.4% في شهر كانون الأول/ديسمبر).

شكل ذلك خبرا سارا، نظرا للمخاوف من انفجار مفاجئ للفقاعة العقارية قد يخلف آثارا سلبية على الاقتصاد. لكن الجرعة خطيرة: تمثل قطاعات العقار والبناء ما يناهز نسبة 15% من الناتج الداخلي الخام في الصين. وكان تسريع وتيرتها داعما للنشاط الاقتصادي في عام 2016. «سيكون حجم التصحيح حاسما بالنسبة للنمو وقد يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد خلال الأشهر المقبلة»، حسب كلير هوانغ محللة في بنك الشركة العامة الفرنسية.

مقاولات ملغومة بالاستدانة

إنذار بصدد الدين الصيني: بينما يتجاوز الدين الصيني نسبة 250% من الناتج الداخلي الخام (مقابل نسبة 141% عام 2008)، تدق المؤسسات المالية العالمية ناقوس الخطر. بفضل سياسات الانعاش الاقتصادي المتعاقبة، يشكل الانحراف المفاجئ للتسليف «تهديدا بتباطؤ اقتصادي حاد»، حسب ما حذر به صندوق النقد الدولي في توقعاته في شهر كانون الثاني/يناير.

يدور الخطر الرئيسي حول دين المقاولات، الذي يتجاوز وحده نسبة تبلغ 160% من الناتج الداخلي الخام. إذا كان عدد قليل من الخبراء يعتقدون أن سيناريو أزمة مالية وشيك الوقوع، فإن المسار لا يحظى بأقل قدر من إمكانية الدفاع عنه. ترى شركة التأمين على القروض، التي تحمل اسم يولر هيرميس، أن عجز المقاولات الصينية قد يبلغ نسبة 10% في عام 2017. وفي الساحة الخلفية تطرح مسألة ضرورة إجراء إصلاح عميق في الشركات العمومية، خاصة في قطاع الصناعات الثقيلة. ولأنها تحقق أرباحا منخفضة وتعاني من قدرات مفرطة على نطاق واسع، تشكل هذه المقاولات «الميتة الحية» مصدرا من كبرى مصادر ديون مشكوك في تحصيلها.

يشير النظام إلى أنه سيزيد في عام 2017، من حدة التحكم بالمخاطر المالية وبدرجة أقل بدعم النشاط الاقتصادي. «لا يتعلق الأمر بتطهير الاقتصاد، لأن الحكومة في حاجة إلى مستوى معين من النمو حفاظا على الاستقرار»، على حد قول كريستوف ديستيس، مساعد مدير في مركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية (Cepii). ولكن إذا كانت السلطات لا تتدخل بما فيه الكفاية، «فقد تفقد التحكم باقتصاد أكثر فأكثر تعقيدا».

عملة نقدية تحت الضغط

بعد أن فقدت العملة الصينية اليوان ما يناهز نسبة 7% من قيمتها في عام واحد، ها هي تتقدم لتصل أدنى مستوى منذ ثمانية أعوام أمام الدولار. وما يثر السخرية أن الصين التي طالما جرى اتهامها بتخفيض قيمة عملتها، تبذل اليوم قصارى جهدها لمنع انهيار هذه الأخيرة. فهي إذا تعتمد كثيرا على احتياطاتها الضخمة من العملة الأجنبية: انهارت هذه الاحتياطات لتبلغ 320 مليار دولار (301 مليار يورو) في عام 2016 لكنها كانت تبلغ 3011 مليار دولار في أواخر شهر كانون الأول/ديسمبر.

تسعى بكين أيضا إلى كبح تدفقات رؤوس الأموال الضخمة إلى الخارج. ومع ارتفاع الدولار وتباطؤ الاقتصاد الصيني، اشتدت حدة هذه التدفقات خلال هذه الأشهر الأخيرة. «تلك مشكلة، لأن هذه التدفقات تفاقم تخفيض قيمة الرنمينبي [اسم آخر لعملة الصين يوان] وتبطل جزئيا الحوافز النقدية التي يشرف عليها البنك المركزي الصيني»، على حد تعبير أليسيا غارسيا هيريرو، محللة لدى بنك ناتيكسيس. ولمحاربة هذا التهريب، تشدد السلطات تدابير الاستثمارات في الخارج والتحويلات المالية.

فخ النمو الديموغرافي

تواجه الصين تحديات أخرى أكثر هيكلة، في مقدمتها انخفاض النمو الديموغرافي. وبحلول عام 2030، قد تتضاعف تقريبا نسبة الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 سنة، لتصل 18% من مجموع السكان. إن تسارع الشيخوخة وترافقها مع توقعات اقتصادية أقل اشراقا يهدد برمي الاقتصاد العالمي الثاني في «فخ البلدان المتوسطة الدخل». «هل ستصبح الصين شائخة قبل أن تكون غنية؟»، هكذا تساءل مركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية (Cepii) في مذكرة نشرها في أواخر شهر كانون الثاني/نوفمبر عام 2016.

موقع أوروبا متضامنة   بلا حدود

ماري دي فيرجيس

 

صحفية في جريدة لوموند الفرنسية.

 

إحالة

http://www.lemonde.fr/asie-pacifique/article/2017/01/20/chine-les-cinq-risques-qui-menacent-la-croissance_5065721_3216.html

شارك المقالة

اقرأ أيضا