عندما يكون الإجهاض “حراما”: النساء في مواجهة الفقه الإسلامي

النساء19 أكتوبر، 2018

 

 

نزلت النساء بكثافة إلى الشوارع في العالم برمته يوم 28 سبتمبر، اليوم العالمي لحق الإجهاض، للمطالبة بمجانية الوقف الإرادي للحمل وقانونيته لكافة النساء.

الحق في الإجهاض مهدد ببلدان عديدة، من الولايات المتحدة الأمريكية إلى بولونيا مرورا بالأرجنتين وأيرلندا، حيث تحارب النساء دوما للحصول عليه.  غالبا ما يُعتبر الدين،لاسيما الكاثوليكي، العقبة الرئيسية بوجه التحكم في الولادات والوقف الإرادي للحمل. والواقع أن عددا من البلدان ذات الأغلبية الكاثوليكية لها تشريع صارم بصدد المسألة. منها الأندور وجمهورية الدومينيك وسالفادور ومالطا  ونيكارغوا والفاتيكان حيث ثمة منع تام للإجهاض.

لكن ماذا عن البلدان الإسلامية؟

 إن زهاء 80% من نساء الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية  يعشن في بلدان حيث حق الإجهاض محدود. لا بل تعيش 55% منهن في بلدان لا ترخص للوقف الإرادي للحمل سوى لإنقاذ حياة الأم، ولـ24% منهن للحفاظ على صحة الأم البدنية والنفسية.

 وحدهما تركيا وتونس تسمحان اليوم بالإجهاض الإرادي (بطلب من الأم). رغم أن أيا من هذه البلدان لا يمنع كليا الوقف الإرادي للحمل، تزيد هذه التقليصات مصاعب إجهاض النساء في ظروف آمنة كليا.

وكما الشأن بكل مكان، يمثل الإجهاض في البلدان ذات الأغلبية المسلمة موضوع سجال، لا سيما بالنظر للشريعة الإسلامية.  فحتى في البلدان حيث الإجهاض قانوني، مثل تركيا، يتعرض هذا الحق باستمرار لإعادة نظر من قبل معارضيه السياسيين والدينيين. وكذلك في تونس، رغم القانون المرخص للإجهاض، يتعين على النساء اللائي قررنه أن يواجهن الموقف السلبي للملاك الطبي وللمجتمع.

ماذا يقول الإسلام عن الإجهاض؟

بوجه عام تعتبر المرجعيات الدينية الإسلامية الإجهاض متعارضا مع الإرادة الإلهية  التي يعود إليها دون سواها حق الحياة والموت.  بيد أنه ليس لمختلف المذاهب الإسلامية موقف موحد بصدد المسألة. ففي المذهب الحنفي، الذي يمثل أغلبية في الشرق الأوسط وتركيا وآسيا الوسطى، والذي كان سائدا في العهد العثماني، يُثار الإجهاض  بتعابير إسقاط الجنين.

للوهلة الأولى هذا الاصطلاح غير واضح لأنه لا يقيم فرقا بين سقوط الجنين والإجهاض. بوجه الدقة، تعتبر الحنفية إسقاط الجنين مكروها لا حراما في أقل من 120 يوما من الحمل، باعتبار أن ليس للجنين في تلك الحدود روح. لكن رغم اعتباره مكروها فقط، يترك قرار وقف الحمل  لتقدير الزوج و ليس حقا للمرأة و لا خيارا لها.

 وفي الآن ذاته، تعبر مذاهب إسلامية أخرى عن رأي مغاير. فالشافعية، السائدة في  جنوب شرق آسيا وبعض بلدان أفريقيا، تسمح بالوقف الإرادي للحمل في حدود 40 يوما من الحمل، وتختلف الآراء حتى داخل هذا المذهب فيما يخص طور نمو الجنين.

 بعض أئمة الشافعية يسمحون بالإجهاض في حدود 120 يوما من الحمل.  ورغم أنه ليس للمذهب الحنبلي، السائد في المملكة السعودية وبالإمارات العربية، موقف محسوم  بصدد المسألة، يسمح بعض الأئمة بالإجهاض في حدود أربعة أشهر من الحمل.  وأخيرا يعتبر المذهب المالكي السائد في أفريقيا الشمالية الجنين كائنا حيا  في تشكل ويمنع كليا الإجهاض.  في الواقع كل المذاهب الإسلامية تعتبر  أن للجنين روحا  بدءا من 120 يوما من تشكله، ولا مذهب يسمح بالإجهاض بعد هذه المدة.

 انشغالات  اجتماعية –سياسية جديدة

في عدد البلدان ذات الأغلبية المسلمة، تأثر التشريع الخاص بالإجهاض بالفقه الإسلامي. لكن  على مر الزمان، برزت انشغالات اجتماعية-سياسية جديدة، وتم تعديل التشريع. في حالة الإمبراطورية العثمانية، تضررت “حرية الاختيار” التي منحتها الحنفية بسياسة مشجعة للمواليد وحداثية في متم القرن 18.

 بوجه أفول الإمبراطورية، كان يُنظر إلى  التحديث والنمو السكاني كعلاج  يضمن استقرارها العسكري والاقتصادي والسياسي. كان العثمانيون يستلهمون مثال وربا  ويتطلعون إلى تحقيق تقدم شبيه عبر برنامج إصلاحات وقوانين.

وفي 1858، تمت المصادقة على القانون الجنائي العثماني الذي صيغ بعد القانون الجنائي الفرنسي لعام 1810.  وكان يمنع ويجرم الإجهاض، مضفيا تناغما بين التشريع الفرنسي والعقيدة الإسلامية.  وبدءا من ذلك التاريخ، اعتبر الإجهاض حراما  بجميع الأراضي الخاضعة للسيطرة العثمانية.  بيد أن الفقه لا ينظر إليه إلا كظاهرة اجتماعية. و توضح جيدا المتابعات بموجب هذا القانون الجديد  رؤية الأمور هاته، لأن المتهمين أطباء وممرضون وصيادلة، الخ وليس النساء  أنفسهن.

 تبعا لهذا الإصلاح، وضع العديد من الأعضاء السابقين بالإمبراطورية قوانين تقلص حق الإجهاض.  لكن عند النظر إلى  البلدان ذات الأغلبية المسلمة، يُلاحظ تنوع هام لتلك القوانين، بمعنى أنها تمنع الإجهاض وتسمح به لاعتبارات متباينة.

وهو ليس مسموحا به اليوم في الكثير من تلك البلدان سوى عند قيام خطر مهدد لحياة المرأة، وعندما يكون الجنين مشوها أو الحمل  ناتجا عن فعل إجرامي، مثل الاغتصاب.  لكن حتى إن كانت هذه المبادئ تتيح للمرأة اللجوء إلى الإجهاض، فإنها تعزز  الإشراف الطبي والإجراءات القانونية ولا تترك مجالا للإجهاض الإرادي.

تقليص إمكان الإجهاض  لا يؤدي سوى إلى جعله سريا

 من المثبت علميا أن تقليص إمكان اللجوء إلى الإجهاض لا يلغي هذه الممارسة.  بل بالعكس، يجعلها سرية وخطيرة. فباستعمال طرائق قليلة الأمان لإنهاء حمل غير مرغوب فيه، تغامر النساء بصحتهن وبخصوبتهن وحتى بحياتهن. تموت كل سنة 47 ألف امرأة بسبب تعقيدات إجهاض ممارس في ظروف سيئة. يمثل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعد أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا، منطقة العالم  حيث معدل وفيات الأمهات أكثر ارتفاعا.

وفضلا عن ذلك، تضر أكثر تقليصات حق الإجهاض بالنساء الأكثر فقرا. وغالبا ما تنتقل من بوسعهن ذلك على خارج البلد بقصد الإجهاض بكل أمان.  ويتمكن بعضهن من  التفاوض مع مهنيي الصحة  في بلدانهن  للحصول على هذه الخدمة.  وتبقى السوق السوداء  الخيار الوحيد للأخريات. وتسقط كثيرات ضحية مشعوذين يبيعون حبوب مجهضة زائفة بأسعار بالغة الارتفاع.  وحتى عند إمكان الإفادة من بنية طبية  أو حبوب موثوقة، تعاني النساء من نقص المعلومة والمتابعة الطبية.  ويفاقم هذا شعور العزلة ليدهن ويزيد معاناتهن.

 تطبيقات جديدة تغير التوزيعة

 رغم كل شيء، تتكاثر البدائل خارج الإطار القانوني  بفض الإجهاض الدوائي والطب عن بعد. عدد كبير من نساء البلدان ذات الأغلبية المسلمة، أو بلدان أخرى تحد من إمكان الإجهاض، يجري اللجوء إلى استشارات طبية عبر انترنت لطلب المساعدة والحصول على معلمات حول كيفية تناول ذاتي للحبوب المجهضة المقتناة بتلك السبل.

وتدل دراسات على أن الإجهاض  بالطب عن بعد آمن وفعال في بداية الحمل.

 وتساعد خدمة Women on Web (WoW) ، على انترنت، زهاء 60 ألف امرأة كل سنة. ومضمون الموقع مترجم إلى 16 لغة منها العربية والفارسية والتركية.

 لكن الوصول إلى هذا الموقع  ممنوع في بعض البلدان مثل المملكة السعودية وتركيا. وتجنبا للرقابة تستعمل النساء تطبيقا على هواتفهن الذكية.

 يبدو اليوم الوقف الإرادي للحمل حراما وغير قانوني وسريا  في معظم  بلدان العالم الإسلامي. ورغم ذلك، تواصل النساء تحدي الوضع القائم والقوانين العتيقة بممارستهن اليومية ونضاليتهن.

 في العام 2012، ردا على مشروع قانون يروم تقليص إمكان الإجهاض في تركيا، تظاهرت مئات النساء  في اسطنبول  دفاعا عن حرية الاختيار. ونزلن إلى الشارع  للمطالبة بحقهن في إجهاض آمن والتصرف الحر في أجسادهن تحت شعار:”الإجهاض حق، وحق اتخاذ قرار الإجهاض ملك للنساء” .  

 بقلم، حزال أتاي

 ترجمة جريدة المناضل-ة

رابط المصدر: https://theconversation.com/quand-lavortement-est-haram-les-femmes-aux-prises-avec-la-jurisprudence-islamique-104584

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا