عن قمع الشعب الفلسطيني على نحو عام… وعن تغريدة على وجه الخصوص

يستبد بفرنسا مناخ مقلق، أشبه بصيد الساحرات. «مكارثيّة» من نوع جديد، لم يسبق لها مثيل في بلد فولتير، تطاول كل الأصوات التي ترتفع لإدانة إسرائيل وفضح جرائمها، والتضامن مع الشعب الفلسطيني. التهمة الجاهزة طبعاً هي «العداء للساميّة»، أو «تمجيد الارهاب»! وتشارك نخب ومؤسسات ثقافيّة وسياسيّة عدّة في فرنسا، في حملة الاضطهاد المنظّم تلك، بحق صحافيين وناشطين سياسيين واجتماعيين، إما بشكل مباشر، أو خضوعاً للابتزاز الذي يمارسه اللوبي الصهيوني. والحزب الاشتراكي الفرنسي للأسف، بكوادره وسياسييه شريك أساسي في حملة «التطهير الفكري» تلك. آخر ضحايا هذا الاضطهاد، الناشطة آية رمضان التي ادّعى عليها جيل كلافرول، المفوّض الوزاري لمكافحة العنصرية واللاسامية في الحكومة الفرنسيّة الحاليّة، بتهمة «تمجيد الارهاب» بسبب تغريدة لها تحيّي عمليّة تل أبيب الفدائيّة، وقد تصل عقوبة الحكم إلى السجن سبع سنوات وودفع غرامة قدرها ٦٠٠ ألف يورو. كما ذهب الاشتراكي كلافرول، في حديث إلى «الفيغارو»، إلى حدّ المطالبة بحل حزب «السكان الاصليين للجمهورية» لأنّه لم يدن موقف آية رمضان، وهي احدى ناشطاته البارزات

آية رمضان

مساء يوم الأربعاء في 8 حزيران، فتح فلسطينيان النار في حيّ في مدينة تل أبيب على مقربة من مقرّ وزارة الدفاع. وسرعان ما بدأ تداول الأنباء حول العملية عبر شبكات التواصل الاجتماعي العربية والفلسطينية وأطلق عليها اسم «عملية رمضان» مع هاشتاغ «الانتفاضة مستمرة».

وبما أنني ناشطة عربية أحمل الجنسية الفرنسية ومناهضة للاستعمار، فأنا ناشطة في شبكات التضامن مع القضية الفلسطينية في فرنسا منذ أكثر من عشر سنوات. وأنا من الذي يشككون بالعقيدة الصهيونية وينظرون إليها كمشروع لاستعمار فلسطين.
من خلال تغريدتي، أعربت عن دعمي لمقاومة الشعب الفلسطيني. فالطرف الذي يمارس القمع هو من يحدد أشكال العنف الذي يستخدمه الطرف المقموع. وفي هذا السياق، أنا أؤيد كل أشكال مقاومة المستعمَر للمستعمِر. إن عملية تل أبيب هي وسيلة للتعبير عن «التواجد السياسي» للفلسطينيين، حتى يظهروا للعالم أن الانتفاضة لم تنته وأن المقاومة مستمرة طالما يستمر الاحتلال، والاستيطان، والفصل العنصري، وحملات الاعتقال الواسعة والاعتباطية، وحصار غزة، وسلب الأراضي، وتدمير البيوت، واذلال الرجال والنساء والأطفال، وجرائم الحرب.
ولكان موقفي مماثلاً لو تعلق الأمر بثورة العبيد إبان تجارة العبيد عبر الأطلسي أو حروب التحرير الوطنية كما في الجزائر وفييتنام والكاميرون. إلا أن هذا الموقف السياسي لا يعني الفرح لموت المدنيين. فموت أي إنسان هو دائماً سبب للحزن، وفي هذه الحالة، الدولة الاستعمارية الإسرائيلية، وحكومتها الحالية هي المسؤولة عن سقوط القتلى، كما أقرّ عمدة تل أبيب.

وبالعودة إلى الجدل الذي تسببت به تغريدتي، لا بدّ من الإشارة إلى أنها تأتي في السياق الفرنسي البحت المتعلق بحالة الطوارئ القائمة دائماً. فمنذ ثلاثة أشهر، يتعرض حزبي السياسي «حزب السكان الأصليين للجمهورية» PIR لهجمات منظمة من الدولة الفرنسية، من بين قياداتها جيلز كلافرول، المندوب الوزاري لمحاربة العنصرية ومعاداة السامية ومن خلفه في اتحاد الطلاب اليهود في فرنسا l’UEJF ومنظمة SOS Racisme ورابطة مناهضة العنصرية ومعاداة السامية LICRA.
تزعم هذه المنظمات العمل باسم مناهضة العنصرية ومحاربة الإرهاب، إلا أنها في الواقع تهدف لتظهير النضال الفلسطيني من أجل الحرية على أنه إرهاب يمسّ أوروبا، وتسعى لكسر مناهضة العنصرية السياسية، والوقوف في وجه حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS، وهي الحركة التي تستهدفها الدولة الفرنسية بشكل خاص، حيث تسعى مع إسرائيل لتشبيهها بمعاداة السامية من أجل تجريمها.
في الواقع، فرنسا هي الدولة الوحيدة التي تزعم تبني القيم الديمقراطية فيما تحاكم ناشطين يدعون للمقاطعة. إذ تعرف المقاطعة تاريخياً بارتباطها بالصراع من أجل الحرية، بدءاً من حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة إلى جنوب أفريقيا، مروراً بالهند.
أمّا ذروة المفارقة فهي أن الأشخاص أنفسهم الذين يهاجمونني كناشطة، كانوا يتباكون لتوّهم على الراحل محمد علي، فيما يستمرون في اضطهاد الأحياء الذين يشاركونه أفكاره ويحيونها.
أنا أرفض إذاً كلّ الاتهامات الموجهة إليّ. إن موقفي هو مناهضة الاستعمار، وهذا يقوم إذاً على تأييد مقاومة الشعوب الخاضعة للاستعمار.
* ناشطة فرنسيّة، مناضلة في حزب Les Indigènes de la République الفرنسي، والترجمة الممكنة هي «السكان الأصليّون» في احالة إلى التسمية التي كان يطلقها المستعمر على أهل البلاد التي يحتلّه

الاخبار اللبنانية  العدد ٢٩١٩ الجمعة ٢٤ حزيران ٢٠١٦

شارك المقالة

اقرأ أيضا