قانون محاربة العنف ضد النساء: ضعف حماية الضحايا وقصور آلية التكفل بهن

النساء14 سبتمبر، 2018

 

 

 

صدر ضمن ملف عدد جريدة المناضل-ة 69 حول العنف ضد النساء

  • ضعف الحماية

بقصد حماية النساء من العنف و جرائم التحرش والاعتداءات الجنسية أدرج مشروع القانون خمسة تدابير،:

  • إمكان منع مرتكب جريمة العنف من الاتصال بالضحية أو الاقتراب من مكان وجودها، أو الاتصال معها بأي وسيلة، وذلك أثناء المتابعة أو بعد صدور الحكم. و في حالة مخالفة هذا الإجراء تطبق عقوبة حبسية (من شهر إلى ثلاثة أشهر) وغرامة مالية أو إحدى العقوبتين.

ليس هذا الإجراء حماية للنساء من عنف الأزواج، لأنه غير قابل للتطبيق داخل البيت. فلا وسيلة لمنع مرتكب الجريمة من الاتصال بالضحية سوى بإصدار قرار بطرده من البيت. و من شأن هذا القرار أن يجعل الزوجة غير مضطرة لمغادرة بيت الزوجية في حالة إقدامها على تقديم شكواها أو رفع الدعوى، كما أنه يمنع الزوج من الانتقام منها بطردها أو التهديد بذلك. ويتعين، في حالة وجود خطر العنف على الزوجة، إصدار قرار استعجالي بإبعاد الزوج خارج البيت يصدره قاضي التحقيق أو النيابة العامة بناء على تقييمها الخاص أو بناء على طلب تقدمه الضحية.

  • إرجاع المحضون مع حاضنته إلى السكن المعين له من قبل المحكمة: لا يصدر هذا التدبير لحماية الزوجات من عنف الأزواج إلا إذا كان لهن أبناء، كما أنه لا يصدر إلا بناء على حكم المحكمة. ويعني ذلك أنه خلال الفترة الطويلة الممتدة من تقديم الشكوى أو رفع الدعوى إلى غاية صدور الحكم، لا تطبيق لهذا الإجراء الذي يجب أن يكون في هذه الحالة استعجاليا ليكتسي طابع الحماية للضحية. و نتساءل أي سكن ستعينه المحكمة لفائدة الزوجة الحاضنة، إن لم يكن بيت الزوجية نفسه؟ إن عدم النص على ذلك في هذا التدبير يعني السماح للزوج بإبعاد زوجته من البيت، بدل إصدار قرار بإبعاده هو.
  • الأمر بالإيداع بمؤسسات الإيواء أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية للمرأة المعنفة التي تحتاج ذلك و تريده: إجراء الحماية هذا غير قابل حاليا للتطبيق، لأن الدولة لا تتوفر على مؤسسات عمومية لإيواء النساء ضحايا العنف. أما تلك التابعة لبعض الجمعيات النسائية فبلا طاقة استيعابية كافية. إن ربط تطبيق هذا الإجراء برغبة الضحايا لا يخدم علاجهن من آثار العنف وحمايتهن من مخاطره. تظل جل النساء ضحايا العنف تحت تأثير السلطة الأسرية أو سلطة الأزواج، ولذلك لا يسعهن اتخاذ قرار يخدم مصالحهن.
  • إحالة الضحية على مركز الاستشفاء قصد العلاج: لا يندرج هذا الإجراء ضمن تدابير الحماية من العنف، وإنما يرتبط بعلاج أثاره الجسدية والنفسية. و يطرح هنا إشكالان. من سيتحمل الكلفة المادية للعلاج في حالة أضرار جسدية ونفسية بالغة قد تتطلب علاجا مكلفا وطويل الأمد؟ و بما أنه ليس من المنطق تحميل الضحايا أنفسهن تلك الكلفة، يجب التنصيص على أن الدولة هي من يتكفل بجميع مصاريف كل مراحل الاستشفاء. أما المشكل الثاني فيطرحه العلاج النفسي. فعلاج عواقب الصدمات النفسية المرتبطة بمختلف أشكال العنف تتطلب بنيات استشفاء و أطباء نفسانيين مختصين بالعدد اللازم. و لتدارك هذا النقص يجب وقف تفكيك قطاع الصحة العمومي الجاري حاليا.

أما تدبيري الحماية المتبقيان فهما إنذار المعتدي بأنه يمنع عليه الاعتداء في حالة التهديد بارتكاب العنف، مع تعهده بعدم الاعتداء؛ ثم إجراء إشعار المعتدي بأنه يمنع عليه التصرف في أموال الزوجين المشتركة.

  • قصور التكفل

وخصص مشروع القانون بابه الرابع لوضع آليات تكفل بضحايا العنف. تعد كل هذه الآليات في مجملها من لجان و خلايا جزء من المؤسسات الحالية للدولة و ذات صلاحيات محدودة جدا في مجال التكفل بالنساء و ضمان حمايتهن من العنف. و نعرض أولا صلاحياتها و تشكيلتها و مهامها قبل نقد لجوهرها.

تتمثل صلاحيات اللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف و التي يمكن أن تتشكل من ممثلي الحكومة في التنسيق بين القطاعات الحكومية والإدارات، و إبداء الرأي في مخططات وعمل اللجان الجهوية والمحلية، و تلقي التقارير، ورصد واقتراح إمكانات تطوير عمل اللجان. أما اللجان الجهوية والمحلية للتكفل بالنساء ضحايا العنف، فتابعة عمليا على التوالي لكل من محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية، وذلك في تشكيلتها ورئاستها وكتابتها. صلاحية هاتين الآليتين الأخيرتين محدودة، إذ هي ذات طابع استشاري(رفع التقارير؛ رصد الإكراهات والمعيقات…)، بالإضافة إلى مهام التنسيق بين السلطة القضائية وباقي القطاعات وتوحيد كيفيات اشتغال الخلايا واللجان المحلية. تقوم اللجان الجهوية أيضا بمهمة وضع خطط عمل جهوية، لكن “في إطار الاختصاصات الموكولة لها”. والحال أن اختصاصاتها تقتصر على مهام استشارية إضافة إلى التنسيق ووضع التقارير.

أما الآلية الرابعة فهي خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف، تحدث بالمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف وبالمصالح المركزية و الخارجية للوزارات المكلفة بالصحة وبالشباب وبالمرأة، وكذا المديرية العامة للأمن الوطني والقيادة العليا للدرك الملكي. يراعى في تشكيل الخلايا مبدأ التخصص ومبدأ المناصفة. ستقوم الخلايا بمهمة واحدة هي إرشاد ضحايا العنف، رغم أن مشروع القانون حدد مهامها في “الاستقبال والاستماع والدعم والتوجيه والمرافقة لفائدة ضحايا العنف”.

نستنتج إذن أن هذه الآليات، رغم تنوعها، ذات صلاحيات مقتصرة على مهمة واحدة هي إرشاد ضحايا العنف الذي ستنجزه خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف. في حين تظل كل من اللجنة الوطنية واللجان الجهوية والمحلية أجهزة بيروقراطية لا طائل منها سوى اجتماعات للكلام ولتقارير لا جدوى منها.

لم يدرج القانون ضمن صلاحيات هذه الآليات مهمة الإخبار أوالتبليغ عن العنف أو رفع الدعوى القضائية. وحين تستقبل الخلايا النساء بالمحاكم و تستمع لهن، فإن تقاريرها لن يكون لها أية صفة إثبات و لن تعتمد عليها لا الشرطة ولا القضاء. لا توفر هذه الآليات، ويا للغرابة، المساعدة القضائية للنساء الضحايا، في حين أن النساء بحاجة أن تتكفل الدولة بنفقات المحامي. أما حين تتطلب الأضرار الجسدية والنفسية للنساء التكفل بكل النفقات المرتبطة بعمليات الاستشفاء والتطبيب و العلاج النفسي، فإن هذه الآليات لن تنفع النساء الضحايا في شيء، لأن ذلك لا يندرج في اختصاصاتها. و بما أن جميع أنواع العنف التي تتعرض لها النساء ينتج عنها حتما أضرار نفسية بالغة أحيانا، فإن عدم وجود طبيب نفسي مختص ضمن تشكيلة خلايا التكفل على الأقل، و انعدام بنيات استشفائية للطب النفسي تابعة مباشرة لهذه الآليات لهو أبلغ دليل على طابعها الشكلي. أخيرا لا تكفل فعلي بالنساء ضحايا العنف القائم على أساس النوع في غياب شبكة لدور الإيواء لاستقبال ضحايا العنف وأبنائهن.

بقلم، سعيدة حمزاوي

شارك المقالة

اقرأ أيضا