قانون محاربة العنف ضد النساء: علاقات الزواج؛ الإكراه على الزواج 

النساء14 سبتمبر، 2018

 

 

 

صدر ضمن ملف عدد جريدة المناضل-ة 69 حول العنف ضد النساء

قام المشروع الحالي(الفصل المضاف 503-2-1) بتجريم الإكراه على الزواج باستعمال العنف أو التهديد. و إذا كان هذا الإكراه جريمة، فإن عقد الزواج المؤسس له باطل منطقيا بحكم ترتبه عن جناية  . غير أن هذا الأمر لم يشر إليه مشروع القانون إطلاقا. ما يفضي عمليا إلى شرعنته. و هذا شبيه تماما لما في الفصل 475 من القانون الجنائي الذي كان يسمح بإفلات مركتب جريمة الاغتصاب من العقاب عن طريق تزوجه من ضحيته.

لا يقتصر الإكراه على الزواج باستعمال العنف أو التهديد، بل ايضا بضغط العائلة أو الأقارب، وهو أكثر انتشارا. يكون الإكراه عند انتهاك استقلال النساء و حريتهن في القرار. لذا يعتبر ضغط العائلة أحد أشكال العنف ضد للنساء طبقا لتعريف الباب الأول من مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء. لقد تجنب مشروع القانون الحالي تجريم الإكراه على الزواج بواسطة الضغط النفسي الذي تمارسه العائلات بشكل واسع على بناتها، خاصة القاصرات.

أخطر ما في الأمر أن هذا المشروع يتيح إفلات الجاني مقترف جريمة الزواج بالإكراه من المتابعة والعقاب، حين يشترط للشروع في المتابعة شكاية المتضررة، حتى و إن كانت قاصرة. يناقض هذا الاشتراط تعريف العنف ضد النساء في الباب الأول و مع ادعاء مشروع هذا القانون محاربة العنف ضد النساء.

و بعكس ما يطرحه هذا المشروع، يجب أن يكون للنيابة العامة و لقاضي التحقيق و للشهود ولجمعيات حقوق الإنسان وحقوق النساء حق رفع الدعوى و متابعة الجاني حتى مع انعدام شكاية المتضررة أو في حالة تنازلها. لهذا يجب بالضرورة إلغاء الفقرتين المتعلقتان على التوالي بشرط تقديم شكوى المتضرر للشروع في المتابعة الجنائية و بالتنازل عنها الذي يبطل المتابعة و مضمون الحكم في حالة صدوره.

الطرد من بيت الزوجية:

يعد إدراج الطرد من بيت الزوجية (الفصل 480-1) ضمن الجرائم المستلزمة عقوبات مكسبا للنساء. وقد ظل طيلة عقود مطلبا أساسيا لحركة النساء المغربية، وأحد مواضيع الصراع بين الاتجاه الرجعي والاتجاه التقدمي. و هكذا يعترف أخيرا بكون الطرد من بيت الزوجية عنف ضد النساء قائم على التمييز ضدهن، بعدما كان الاتجاه الرجعي يقف في صف السلطة الذكورية مدعيا أن تجريم هذا الفعل يقود لضرب الاستقرار الأسري.

يرتكز الزوج على سلطته الذكورية والاقتصادية (امتلاك بيت ودخل) لممارسة جريمة طرد الزوجة من البيت كأداة ضغط عليها واستعبادها. وقد نصت مدونة الأسرة في مادتها 53 على قرار استعجالي بإرجاع الزوجة إلى البيت تصدره النيابة العامة، دون تجريم هذا الفعل حتى و إن تكرر مرارا.

بما أن هذه الجريمة تعد أحد أخطر أشكال العنف الاقتصادي التي يمتلكها الرجال(حرمان من المسكن والمأكل و نفقات العلاج…إلخ)، فإن العقوبة التي ينص عليها هذا الفصل(الحبس من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر وغرامة و مضاعفة العقوبة في حالة العود ) لا تحمي النساء كفاية من هذا العنف إلا بعد فوات الأوان، أي بعد صدور حكم المحكمة. المنطقي أن ينص مشروع الفصل المضاف 480-1 في حالة رفض الزوج الامتثال للقرار الاستعجالي(الذي نصت عليه مدونة الأسرة) بإرجاع الزوجة إلى البيت على اعتقال فوري للزوج دون انتظار صدور الحكم.

و حين يتخذ مشروع القانون الحالي تدابير استعجالية (الفصل 82-5-1 من المسطرة الجنائية) لحماية النساء من العنف، فلا يقرر إرجاع الزوجة إلى السكن المعين لها من قبل المحكمة إلا إذا كانت حاضنة. أي ذات أبناء، ما يحرم غيرها.

لا يعترف المشروع بطرد الزوجة من البيت بصفته عنفا ضد النساء ناتج عن علاقة سلطة غير متكافئة تخدم الرجال، وذلك حين يشير إلى عبارات “الطرد من بيت الزوجية” دون إشارة للجنس، كأن الأزواج الذكور معرضون هم أيضا لهذا العنف. يواصل القانون تجسيد السلطة الذكورية بعدم الاعتراف بالممارسات التمييزية ضد النساء، و ذلك في سعي لتجنيب الأزواج الذكور اتخاذ إجراءات قانونية فعالية لصالح النساء.

العنف الاقتصادي: تبديد أموال الأسرة 

تتعرض 181 ألف امرأة كل سنة لأحد صنوف العنف الاقتصادي المؤدي في نهاية المطاف إلى تحويل جزء من مداخيلهن المالية أو ممتلكاتهن لصالح الذكور. و يتم هذا بجرائم جنائية كالسرقة والسطو والتحايل، أو بإجراءات تمييزية لصالح الذكور، كالمتصلة بنظام الإرث. كما قد تتجسد في عراقيل تحول دون ولوج النساء عالم الشغل. و يعد ذلك إحدى آليات تفقير ملايين النساء التي كان ينبغي على مشروع قانون محاربة العنف أن يجرمها، وينص على عقوبات رادعة في حق مرتكبيها، بل و يرفع العقوبات في حال ارتكابها من قبل الأقارب أو الزوج أو الإخوة أو الآباء.

اكتفى المشروع بفصل يتيم لا يمثل تقدما لمواجهة العنف الاقتصادي. يعاقب الفصل 526-1 “بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2000 إلى 10000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، أحد الزوجين في حالة تبديد أو تفويت أمواله، بسوء نية و بقصد الإضرار بالزوج الآخر أو الأبناء أو التحايل على مقتضيات مدونة الأسرة المتعلقة بالنفقة أو السكن وبالمستحقات المترتبة عن إنهاء العلاقة الزوجية أو باقتسام الممتلكات “. قد لا يشكل هذا الفصل ردعا فعليا، لأن مرتكب الجريمة قد يستفيد اقتصاديا أكبر مما قد يفقد بالعقاب الذي سيلقاه. كما أن المحكمة قد تقيه الحبس عند حكم بالغرامة وحدها. و هذا ما يبرهن عليه مثلا نموذج زوج باع منزلا مشتركا. تبدو العقوبات المنصوص عليها هنا تافهة.

رفض مشروع القانون تجريم سرقة الأزواج لممتلكات زوجاتهن، رغم أنها إحدى  أكثر الجرائم الاقتصادية ضد النساء انتشارا. و لم يشر إطلاقا لصنوف أخرى من العنف الاقتصادي كالتحكم في الحساب البنكي، أو في تدبير أجر النساء من قبل الأزواج أو الآباء. كما لم يقم المشروع بوضع فصول تحد من ظاهرة السطو على ممتلكات النساء من عقارات وأراضي فلاحية و غيرها.

كما لازالت ملايين النساء تعانين من تمييز صريح على مستوى نظام الإرث يؤدي إلى الإضرار بحقوقهن الاقتصادية. و إضافة لذلك لم يقم المشروع بتجريم رفض الأزواج خروج زوجاتهم للعمل، والذي يؤدي إلى فقدان الكثير من النساء لفرصة العمل رغم مكابدة كثير عناء للحصول عليها. إن هذه الأشكال من الميز المتواصل الذي لا يخدم سوى الذكور، يمثل أحد أبشع جرائم العنف الاقتصادي التي ينبغي على كل قانون لمحاربة العنف اتجاه النساء أن يتصدى لها.

بقلم سعيدة حمزاوي

شارك المقالة

اقرأ أيضا