كوبا: انصراف فيديل

بلا حدود27 نوفمبر، 2016

 مقال سبق نشره على موقع المناضل-ة القديم، الاربعاء 12 آذار (مارس) 2008

المناضل-ة عدد: 19

يحل راول كاسترو مكان أخيه، فيديل، على رأس الدولة الكوبية، التي تطوي على هذا النحو صفحة من تاريخها. فيديل لا يزال حاضرا، أمينا عاما للحزب الشيوعي الكوبي، لكن توازنات سياسية واقتصادية-اجتماعية جديدة قد تغير المجتمع الكوبي. إنها فرصة عودة إلى إحدى ثورات القرن العشرين الرئيسية.

مستلهما الملحمة المعادية للاستعمار وللامبريالية لجوزي مارتي، الذي مات بالمعركة في 1895 ضد الأسبان، قاد فيديل كاسترو، المحامي الشاب، مع حفنة رجال، إطاحة الديكتاتور باتيستا في 1959. قام بذلك برفقة فريق ثوريين شباب، مستوحين في البدء نضال التحرر الوطني، لكنهم تبنوا تدريجيا تصورات ماركسية ولينينية، قاطعين مع الأطروحات الستالينية.

واستنادا على تعبئة شعبية باهرة، حل المتمردون مشكل الأمية، وحققوا نتائج مذهلة في مجال التعليم والصحة- لدى كوبا اليوم احد أنجع الأنظمة بالعالم. وقاموا بمصادرة الملكيات العقارية الكبرى – الكوبية والأمريكية- و وزعوا آلاف هكتارات الأراضي على الفلاحين. وأمموا البنوك والتروستتات التجارية ، ودافعوا عن حق السكن بسياسة خفض أسعار الاستئجار والتمكن من الملكية. أتاح عملهم فتح نقاش أساسي حول الانتقال إلى الاشتراكية، لا سيما في البلدان المتخلفة وبأمريكا اللاتينية، حيث كان الثوريون الكوبيون يبرهنون على أن تلبية المطالب الاجتماعية والديمقراطية يمر عبر القطيعة مع الامبريالية.

وأخيرا، جعل فيذيل كاسترو وتشي غيفارا من المبدأ الأممي أولوية في معركتهم السياسية. قادهم ذلك إلى تشكيل منظمة التضامن الأمريكية اللاتينية ، ثم منظمة القارات الثلاث، بقصد فك عزلة الثورة الكوبية بدعم الحركات الثورية، لا سيما بأمريكا اللاتينية. هل ننسى صرخة تشي :” خلق فيتتنام، وفيتنامين و فيتنامات عديدة”، الذي رفع بوجه عزلة الشعب الفيتنامي المأساوية في سنوات 1960 راية التضامن الأممي عاليا وبقوة؟ تعارضت هذه السياسة مرارا مع سياسة البيروقراطية السوفييتية التي كانت ُتخضع نضالات الشعوب للدفاع عن مصالحها الخاصة. يجب ألا ننسى أبدا ان مئات آلاف الكوبيين ذهبوا للقتال في أفريقيا، ضد القوات التي سلحها نظام الفصل العنصري بإفريقيا الجنوبية بتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية.

تضامن

كانت الثورة الكوبية، بنظر شباب العالم كله، نسمة هواء خارقة للعادة، كانت تدل على أن الثورة ممكنة رغم سيطرة قوتين عظميين ( الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي). كل ذلك على بعد 150 كلم من سواحل القوة الامبريالية الرئيسة التي تحاول، منذ عقود، تجويع كوبا بحصار اقتصادي رهيب ( بحرمانها من جملة منتجات أولية أساسية)، وممارسة ضغط دائم انطلاقا من ميامي – قاعدة مناهضة لكاسترو في فلوريدا- وحتى ترهيب السكان بواسطة مرتزقة مضادين للثورة تغدق عليهم الاستخبارات الأمريكية المال . هذا ما حدا دوما بالأممية الرابعة إلى إبداء تضامنها مع الثورة الكوبية: هذا التحدي الكبير بوجه القوة الأمريكية منذ 50 سنة.

لكنها عبرت أيضا عن خلافاتها مع الحزب الشيوعي الكوبي. زالت التعددية الثورية للسنوات الأولى لصالح هيكلة شديدة المركزية للسياسة، متحدرة من حرب الغوار والنمط العسكري. ودافعت الأممية الرابعة عن فكرة نقل قسم من السلطة إلى بنيات تنظيم ذاتي فلاحي وعمالي.

بعد إخفاق سياسة التنويع و الإسقاط الدولي، عقد فيذديل كاسترو تحالفا مع الاتحاد السوفييتي، مدافعا عن غزو تشيكوسلوفاكيا في أغسطس 1968. عارضت الأممية الرابعة ذلك. دعم الاتحاد السوفييتي كوبا اقتصاديا وماليا. لكن بالمقابل قبلت كوبا التأثير الإيديولوجي الستاليني، مما نزع السلاح السياسي لقسم كبير من السكان. وكان للاندماج بالكتلة الشرقية مضاعفات في مضمار الديمقراطية السياسية، وحرية التعبير، وحق التنظيم، وحرية الصحافة. لم يكن ثمة متسع للتعددية السياسية المنظمة حتى داخل الحركة الثورية. نتج عن ذلك انحراف قمعي واستبدادي. وشعر أصدقاء الثورة الكوبية بصدمة حقيقية عندما سمعوا أنباء الإعدامات، بعد محاكمة اوتشاوا في 1990، أو بعد محاكمة خطف الباخرة في 2003. رغم كل هذه المشاكل، لم تكن كوبا ابدا “دائرة في فلك السوفيات” كباقي بلدان الشرق. انهار الاتحاد السوفيتي وبلدان الشرق ولم تنهر كوبا. وهذا لأنه ما تزال ثمة حتى اليوم بكوبا دينامية معادية للامبريالية، ورفض للعدو الأمريكي، وعزة وطنية عميقة مرتبطة بالدفاع عن بعض مكاسب الثورة الكوبية.

خلافات

توجد كوبا اليوم في مفترق طرق. وسيكون تطور الوضع العالمي حاسما. وسيكون صعبا جدا على كوبا الحفاظ على نظام اشتراكي، وحدها في مضيق فلوريدا. وقد بات الدعم من تشافير – لا سيما التزود بالنفط- هاما جدا. ويشكل تحسين الحياة اليومية للطبقات الشعبية وتجاوز التفاوتات الاجتماعية أولوية. كما ان المسألة الديمقراطية هامة. لكن ليس بوش و ساركوزي والاتحاد الأوربي من سيطالب بـ”انتخابات حرة” بينما يواصلون خنق كوبا بالحصار والاعتداء عليها بعصابات ميامي. طالما استمر الحصار والعدوان الامبرياليين، لن تتمكن كوبا من تنظيم ” انتخابات حرة”.

الكوبيون هم من سيقرر أشكال التنظيم الديمقراطي في الحزب، والجمعيات والمجتمع الذي يحتاجون. كان فيديل كاسترو ذاته تناول إمكانية ” ان ُتدَمر الثورة من داخل” . وثمة عدد من القوى تعمل في هذا الاتجاه. ويكمن خطر آخر في سلبية الشباب وعدم تسيسه. إن إعادة إطلاق التعبئة الشعبية تستدعي أوجه تقدم ديمقراطية ومساحات مشاركة سياسية، وبوجه الخاص للشباب.

يتطلب انسحاب فيديل كاسترو نقاشا واسعا في كوبا، بقصد إيجاد سبل الحفاظ على مكاسب الثورة وتطويرها. إننا، بوجه أنصار عودة الرأسمالية إلى كوبا، سواء في صيغتها “الاجتماعية الليبرالية” ، أو الصينية، أو بإطاحة القيادة الكوبية، ندعو إلى جانب الكوبيين المدافعين عنها إلى ديمقراطية اشتراكية.

اشتراكية لان التملك الاجتماعي لوسائل الإنتاج يتيح ،دون غيره، تأمين المكاسب الاجتماعية. وديمقراطية لأننا نؤمن بضرورة المواجهة الحرة بين الاستراتيجيات، وحسم عدد من الاختيارات، وتطبيقها تحت رقابة جماعية من السكان . هذا مدلول تضاما الأممي.

إدوارد دياغو و فرانسوا سابادو.

 

المصدر: أسبوعية روج عدد 2241 – 28 فبراير 2008

 

تعريب: جريدة المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا