لماذا يعتزم رأسماليو قطاع التعليم الخاص الإضراب؟!

 اعتبرت الدولة التعليم الخصوصي شريكا رئيسيا فيما سمي “إصلاح منظومة التربية والتكوين”، ووفرت له ما لا يخطر على بال من تشجيعات وتحفيزات وإعفاءات من الضريبة، وحضنته مثل جنين غير مكتمل النمو داخل أقفاص زجاجية محمية من التأثيرات الخارجية.

شجعت هذه الامتيازات والتشجيعات الرأسماليين كي يوجهوا جزءا من استثماراتهم نحو هذا القطاع، حيث الربح مضمون وسريع لا تعوقه أي إجراءات جبائية أو اجتماعية، حيث لا يفرض تطبيق الوارد في التشريعات الاجتماعية من حقوق الشغيلة، سواء مدونة الشعل، أو قانون الضمان الاجتماعي، او التأمين عن حوادث العمل وأمراضه.

تناسلت بسبب ذلك مؤسسات التعليم الخاص كخلايا سرطانية بشكل عشوائي، وأصبح القطاع ليس فقط ميدانا لمراكمة الأرباح، بل أيضا للتراكم البدائي للرأسمال بالنسبة للمستثمرين المبتدئين؛ يكفي مقر [قد لا تنطبق عليه المعايير القانونية] وحاصلين على إجازة أو حتى غير الحاصلين عليها لاعتصارهم لافتتاح مدرسة خصوصية.

كانت نتيجة ذلك إنزال مستوى التعليم إلى ما يقارب الأمية، وتخريج أفواج تلو أخرى بشهادات غير مطابقة لمستوى الخريجين الفعلي، ما جعل مؤسسة دولية تدرج التعليم الخصوصي ضمن أسباب تدني مستوى التعليم بالمغرب. وهذا ما أثار حفيظة رئيس رابطة التعليم الخاص بالمغرب الذي أشار إلى أن “هناك تهييجا للرأي العام لتشويه صورة القطاع الخاص في ميدان التعليم… بالعكس هو يؤدي وظيفة ودور مهم في المنظومة التعليمية وللحياة العامة في البلاد”.

لكن مع كل هذه الامتيازات والتشجيعات تجرأ أرباب مدارس القطاع الخاص المنظمون في “رابطة التعليم الخاص” لإعلان اعتزامهم تنفيذ إضراب في مارس المقبل، احتجاجا على “الظروف التي أصبحت تعيشها مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي من استنزاف مقصود لموارده البشرية وتهديد لمستقبل تلامذته”.

عندما لا يعيق الإضراب عجلة الإنتاج

يعارض أرباب العمل إضراب الأجراء بمبرر عرقلته عجلة الإنتاج، ويقصد بها هنا تدفق الأرباح، ولكن حينما يتضايق قسم معين من الرأسماليين من إجراء معين، يلقون بهذا المبرر في القمامة، ويعلنون الإضراب دون الاهتمام بعجلة الإنتاج، أو بضياع ساعات التدريس التي يتضرر منها التلميذ.

الدولة بدورها لا تحاكم الرأسماليين الذين يعرقلون حرية العمل [حق العمل بالنسبة للأجير، لأن هذا الأخير لا يتقاضى أجره في حالة إضراب رب عمله]، فالقانون الجنائي لا يضم فصلا مماثلا بالفصل 288 الخاص بعرقلة حرية العمل حين يضرب العامل.

لا تقوم مؤسسات إعلام الدول والصحافة الليبرالية والمأجورة بشن حملات القصف الإعلامي ضد إضراب مؤسسات التعليم بمبرر حرمان التلاميذ من حق التعليم، بل توفر لهذه المؤسسات صفحاتها لشرح مطالبها ونقل تظلماتها.

أعلنت رابطة التعليم الخاص عزمها تنفيذ الإضراب ضد جملة إجراءات اعتبرتها طردا من جنة عدن، جنة الامتيازات والإعفاءات الضريبية وغض الطرف على استغلال شغيلة التعليم الخاص:

التوظيف بالتعاقد

اعتبرت الرابطة إجراء التوظيف بالتعاقد الذي لجأت إليه الدولة مؤخرا استنزافا “للموارد البشرية” التي تشتغل في القطاع الخاص، مصرحة أن هذا الإجراء قد حرمها من 2000 مدرس على المستوى الوطني.

لكن هروب المدرسين من القطاع الخاص نحو “التعاقد” مع الدولة بما يتضمن من عدم استقرار وحرص الدولة على عدم ترسيمهم، يعني أن ظروف العمل في مؤسسات القطاع الخصوصي أسوأ بكثير من شروط “التعاقد” المجحفة. لو كان أرباب مؤسسات التعليم الخصوصي يوفرون شروط العمل القار (حد أدنى للأجور وتعويضات، ترسيم، تصريح لدى الضمان الاجتماعي، تغطية صحية.. الخ) لما فر الأساتذة من التعليم الخاص نحو التعاقد مع الدولة؟ فلا قط يهرب من دار العرس.

طيلة عقود استنزفت مؤسسات التعليم الخصوصي “الموارد البشرية” للمدرسة العمومية، حيث وضعت الدولة رهن إشارتها أساتذة التعليم العام، ما أدى إلى حرمان هذا الأخير من أطره وخفض أداءهم التعليمي، ولمعالجة المشكل قامت الوزارة بإصدار مذكرة [المقرر الوزاري 15.01] الذي يمنع تشغيل أساتذة التعليم العمومي بالتعليم الخاص.

ولتفادي تضرر مؤسسات التعليم الخصوصي من هذا المقرر الوزاري، خصصت الحكومة برنامجا حكوميا لتكوين 10 آلاف إطار تربوي، تنفيذا لمقتضيات اتفاق 8 ماي 2007 الموقع بين الحكومة وممثلي مؤسسات التعليم الخصوصي والذي التزمت الحكومة بموجبه بالمساعدة في تكوين الأطر التربوية لصالح هذه المؤسسات.

لكن أرباب التعليم الخصوصي لم يتلزموا بتشغيل 10 آلاف إطار، لأنهم يدركون بأن ذلك سيحرمهم من الاستعانة بأساتذة التعليم العمومي وفي نفس الوقت ستفرض عليهم شروط تشغيل تنال من أرباحهم.

تطالب رابطة التعليم الخاص بـ”آليات التعويض، وإيقاف النزيف، خاصة وأن الرابطة تعيش غياب حوار مع الوزارة الوصية بشأن تدبير المقرر الوزاري 15.01 الذي يمنع تشغيل أساتذة التعليم العمومي بالتعليم الخاص ابتداء من السنة المقبلة”، أي أن الرابطة تبتز الدولة، نقبل التوظيف بالتعاقد مقابل تنازل الدولة عن المقرر الوزاري 15.01.

إن صاحب مدرسة خصوصية عبارة عن مستثمر يحمل في جيبه رأسمالا يبحث عن أكثر القطاعات ضمانا للربح، وبالنسبة له لا فرق بين قطاع التعليم وقطاع بيع الخردة، إلا في الربح وخفض كلفة العمل [الأجور..].

تحصيل الضرائب

احتجت رابطة التعليم الخاص على ما أسمته “الحملة الجماعية” التي نظمتها مصالح الضرائب على مؤسسات التعليم الخصوصية، والتي صدرت عنها مبالغ مالية تفوق مليار وخمسين مليون سنتيم درهم، داعيا إلى فتح حوار مع هذه المصالح للخروج من هذه الأزمة، وذلك لأنه “يتعذر على المؤسسات التعليمية الخاصة أداؤها”.

إن قطاع التعليم الخاص مثل الطفل الذي يرفض الفطام، وكأي برجوازي فرد يتفق مع السياسة العامة للدولة، لكنه يسعى جاهدا لاستثنائه منها، وطالما طالب ممثلو القطاع “بالاعتراف لهم بنوع من الخصوصية وبالتالي نظام ضريبي استثنائي يراعي هذه الخصوصية”. [المركز المغربي للدراسات والتكوين والاتصال، “إشكالية تضريب قطاع التعليم الخصوصي بالمغرب”].

وفي هذا السياق دعا رئيس رابطة التعليم الخاص بالمغرب إلى “ضرورة إخراج نص تشريعي جبائي ملائم، يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات التي تميز هذا القطاع الحيوي”.

إن عجز الميزانية العمومية تجعل الحكومة تعتمد بنسبة تفوق ثلاثة أرباع على المداخيل الجبائية، ولا يعترض أرباب التعليم الخاص على ذلك، ما داموا معفيين.

يريد هؤلاء مالية عمومية تحفزهم وتدعمهم، وهو ما تنص عليه مخططات “إصلاح التعليم” وكل الاتفاقيات الإطار بين الحكومة وبين هذه المؤسسات، لكن أن يساهموا في تحمل جزء من المالية العمومية يعتبرونه “حملات ترهيب” حسب وصف الجمع العام الاستثنائي لرابطة التعليم الخاص. [موقع جريدة الصباح 21- 01- 2017].

يريد أرباب مؤسسات التعليم الخاص أن يأكلوا من معلف الدولة، دون أن يساهموا في ملئه.

الضمان الاجتماعي

من دواعي إعلان الرابطة الإضراب ما أطلقت عليه “الحملات التي قام بها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لكي تسوي المؤسسات الخصوصية وضعيات مستخدميها، جعلت هذه المؤسسات التعليمية تعيش وضعية صعبة بسبب عدم قدرتها على أداء تلك المبالغ”، وطالب رئيس الرابطة بـ”ضرورة فتح قنوات الحوار مع الصندوق لإيجاد صيغ للأداء ومراعاة خصوصية هذا القطاع”. [رئيس رابطة التعليم الخاص، 14ـ 01ـ 2017].

مؤسسات التعليم الخصوصي المستفيدة من كل ألوان الدعم الحكومي والتحفيزات الجبائية والإعفاءات الضريبية، عاجزة عن أداء مستحقات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي! لا يكتفي رأسماليو التعليم الخاص بحرمان الشغيلة من جزء من أجرهم المباشر، بل يطمعون أيضا في الأجر غير المباشر الذي سيضمن لهم معاشا في حالة العجز أو الشيخوخة، لذلك ينعتون تطبيق ما ينص عليه قانون الشغل من القليل من حقوق العمال بـ”حملات ترهيب!!”.

“مع العولمة ما دامت لا تضرنا”

كل رأسمالي يشجع فتح باب التعليم للاستثمار الخاص، ويسعى جاهدا لإثبات ذاته في الميدان، ولا يهتم بالوضع الاجتماعي لأجرائه، ويفتخر بإزاحة منافسيه الصغار، لكن ما أن يتعرض لمنافسة أشد حتى يبدأ النواح.

يحتج مؤسسات أرباب التعليم الخاص على مشروع “المدارس الشريكة” التي تقوم على مبدأ الشراكة والتعاقد بين القطاعين العام والخاص، وذلك من أجل إحداث مؤسسات للتعليم المدرسي الخصوصي وفتح المدارس المغربية أمام الاستثمارات الأجنبية، بمبرر أن ذلك “يشكل خطرا ليس فقط على التعليم الخاص بل على المنظومة التربوية برمتها”. [رئيس رابطة التعليم الخاص، 14ـ 01ـ 2017].

يستنكر أرباب مدارس القطاع الخاص هذه القرار بمبرر أنه يفتح الباب أمام “منافسة غير شريفة. فالشركات الكبرى دخلت القطاع وشرعت في تخفيض الأسعار إلى 400 درهم، وهي منافسة لا يمكن مواكبتها من قبل باقي مدارس القطاع الخاص”. [الكاتب العام لرابطة التعليم الخاص، موقع جريدة الصباح، 21- 01- 2017].

من أجل تجميع شغيلة التعليم الخاص وتنظيمهم

يبلغ عدد أساتذة التعليم الخاص67  ألف و730 ويشغل القطاع بشكل عام 251 ألف و569 مستخدم، بينما يبلغ المؤسسات الخاصة 4647 برسم الموسم الدراسي 2015-2016.

كيف يستطيع إذن ما يقارب 4000 رب عمل أن يسيطروا على أكثر من 60 ألف أستاذ وأستاذة ويكثفوا استغلال ما يقارب ربع مليون مستخدم؟

إن القلة المنظمة تستطيع دائما أن تحكم الكثرة المشتتة والمذررة، فأساتذة ومستخدمي (ات) التعليم الخصوصي غير منظمين ولا يملكون أدوات نضال من نقابات أو جمعيات.

بينما ينتظم أرباب مؤسسات التعليم الخصوصي في مجموعة من الجمعيات والرابطات على المستوى الوطني، تشتغل كجماعات ضغط منظمة لفرض مطالبها على الدولة، وهذه الأخيرة ترضخ وتستجيب وخاصة بغض الطرف عن تطبيق الوارد من حقوق “قانون الشغل”.

إن انتظام شغيلة التعليم الخاص وتشكيل نقابة وطنية والانخراط إلى جانب رفاقهم شغيلة التعليم العمومي هو فاتحة النضال من أجل تعليم عمومي وجيد وضد كل مخططات تخريب التعليم العمومي وجعله مجالا لجني الأرباح.

يستعدي النضال من أجل تعليم عمومي جيد ومجاني، رفضا مطلقا لمنطق جعل التعليم سلعة وميدانا للمتاجرة التي تفتح الباب لتكريس اللامساواة في الحصول على حق التعليم.

 لهذا يطرح على كل منظمات النضال العمالي والشعبي استحضار الدفاع عن عمومية المدرسة، ووجوب طرح مطلب إلغاء كل المخططات والاتفاقيات التي تسمح بفتح المدارس الخصوصية والنضال من أجل تأميم قطاع التعليم الخصوصي القائم حاليا.

بدءا على شغيلة التعليم الخاص أن تنتظم وتناضل من أجل مطالبها الآنية من أجل:

– الترسيم؛

– التصريح في الضمان الاجتماعي؛

– التغطية الصحية؛

– أداء أجور العطلة الصيفية كاملة؛

– الحق في الانتماء النقابي

أستاذ التعليم الخصوصي

شارك المقالة

اقرأ أيضا