مسيرة الأرض يوم 25 نونبر بالدار البيضاء: كادحو القرى والرحل؛ يدا في يد في وجه الرأسماليين ودولتهم

الحركة الاجتماعية24 نوفمبر، 2018

 

 

للتحميل: مسيرة الأرض يوم 25 نونبر بالدار البيضاء 

يمثل تنقل الرحل بماشيتهم عبر مناطق المغرب طريقة عيش ضاربة في القدم، وشهد تحولات عميقة بفعل آليات السوق الرأسمالية وقوانينها والتحولات الجارية على الصعيد البيئي.

أدى هذا الترحال، في السنوات الأخيرة، لصراعات عنيفة تواجه فيها الملاك القرويون المستقرون، خاصة الصغار، مع الرحل. وبرز أكثر بفضل تقنيات التواصل الحديثة، ووثق تلك الصراعات بالصوت والصورة، استثمرت بدورها في التواصل بين المتضررين وتعبئتهم، وتنسيق ردود فعلهم. هكذا تشكلت تنسيقية المتضررين من “الرعي الجائر”، ونظمت وقفات احتجاج بتارودانت والرباط، ومسيرة أحتجاجية بالدار البيضاء يوم 25 نونبر 2018.

تفكيك البنى الاجتماعية التقليدية والتغيرات المناخية يضيقان سبل العيش

يفاقم الجفاف صراعا قديما يتجدد على الكلأ والماء، ويجبر الرحل على النزوح بحثا عن المراعي والمياه. ولأن الجفاف معمم، وأراضي الرعي المعتادة قد استولى عليها الرأسماليون الكبار، محليون وأجانب، والبقية مسيجة بالملك الغابوي، يتصادم الرحل أكثر فأكثر مع مزارعين أغلبهم صغار، لا يرون الرحل سوى دخلاء يحرمونهم لقمة عيشهم، ويخربون زراعتهم وغاباتهم.

شهد المغرب تحولات عميقة منذ الإستعمار، دمرت نشاط تربية الماشية لدى الرحل على نطاق واسع. وشهد النشاط هذا بدوره تحولات كبيرة. يتحدر أغلب الرحل من مناطق الشرق والجنوب الشرقي والمناطق الصحراوية، وهي مناطق جافة أصلا، زادت التقلبات المناخية جفافها سوء، بالتالي يجبر قاطنيها على ترحال دائم مسافات تطول حينا وتقصر حينا ارتباطا بوفرة الكلأ والماء.

كان الرحل الصحراويون يتجهون جنوبا في الصحراء المترامية، وهو ما لم يعد متاحا بفعل غلق الحدود ، والصراعات المسلحة، وعصابات الإجرام والتهريب… حينها كان القطيع محدودا بفعل ندرة ما يتيحه المجال من موارد، وغياب وسائل النقل الحديثة.

تبدل نمط حياة سكان الصحراء كثيرا، واستقر أغلبهم في المدن قاطعين ارتباطهم بالترحال، وبعضهم يؤجر رعاة. ظهر رأسماليون كبار ومتوسطون وصغار يربون الماشية ليس فقط حفاظا على تقاليد عريقة، بل بقصد الربح ومراكمة الثروة والجاه. وأصبحت الماشية تعد بالآلاف، يرعاها عمال مأجورون يتنقلون بسيارات وشاحنات وبمعدات مراقبة حديثة.

أجبرت هذه التحولات التي أدخلتها الرأسمالية، وتفكيكها للبنى التقليدية، وسد منافذ الترحال المعتادة، والتقلبات المناخية الحادة، الرحل على التوجه شمالا. وهنا ظهرت الصراعات مع سكان تلك المناطق، وهم في الغالب قرويون محرومون من كل شيء، هم بدورهم عرضة لتقلبات المناخ والجفاف، ومحرومون من كل مقومات حياة تليق بالبشر: مستشفيات ومدارس، وسكن، وشغل، وطرق، ومعابر، وماء وكهرباء… يعانون بدورهم للبقاء على قيد الحياة، هم وبعض قطعان ماشيتهم المحدودة العدد.

في الماضي، جرت الأمور بسلاسة بين الرحل والمستقرين، رغم عدم خلوها من مشاحنات. والآن أخذت الأمور منحى خطيرا، بتعمد الاستفزاز، والإعتداء على أملاك الغير. لم يعد الحرص على علاقات حسن الجوار، والتدبير الودي للنزاعات، حاضرا، وصار التباهي بالقوة والنفوذ ودعم السلطة أكثر ظهورا، وبلغت الأمور خطف الناس وتعذيبهم.

تتجه الأمور للتفاقم، يغذيها تجاهل الدولة، وعنف التحولات المذكورة أعلاه. ومن المرجح أن يزداد الضغط على مجالات الزراعة والرعي، وبالتالي تصاعد حدة التصادم بين الرحل والمستقرين.

الدولة تراقب، وتستثير دعوات التدخل

تعلم الدولة المأزق الذي وضعت فيه سياساتها التقشفية، وتراميها على الأراضي وتمليكها لكبار الرأسماليين، جماهير الرحل من جهة، وجماهير المستقرين القرويين من جهة أخرى. وهي تتجاهل المشكل لأنها لا تريد تحمل أعباء ضمان شروط حياة أفضل لهؤلاء وأولائك: تزويدهم بكل ما من شأنه أن ييسر مواصلة نمط عيشهم دون الإضرار بمصالح بعضهم البعض. وتستثير دعوات الطرفين المتنازعين كي تعمق سياساتها لا التخلي عنها، ما سيفاقم المشكل ويبقيه متفجرا بأشكال أكثر مأساوية.

لم يعد الناس يستجدون عطفا من أحد، بل يندفعون للنضال لنيل مطالبهم، أو لصد العدوان على حقوقهم ومكاسبهم. وقد سلك قرويو المغرب هذا الدرب، على الأقل منذ منتصف سنوات 1990، وهم يسلكونه حاليا ضد “الرعي الجائر وترامي الدولة على أراضيهم”. هذا هو السبيل لإجبار الدولة على تبني حلول جذرية تأخذ بالحسبان التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، التي تعد السبب الجوهري للاحتاك الحالي. يجب مواجهة الدولة بسلة إجراءات متكاملة ودقيقة، إدارية وقانونية ومالية وتقنية، كي يتحول إليها الضغط الجماعي للمتضررين من سياستها بدل أن يتقاتلوا على فتات خرابها.

كادحو القرى والرحل: يدا في يد في وجه الرأسماليين ودولتهم

رد سكان قرى المغرب، في العقود الأخيرة، بالنضال على إقصائهم وتهميشهم. سلكوا درب النضال الجماعي من أجل مطالب اقتصادية واجتماعية عديدة. أسقطوا الخوف واندفعوا في مسيرات طويلة على الأقدام للعمالات والعاصمة. إنهم لم يعودوا خانعين، بل مستعدين للتضحية لإنقاذ ما تبقى من أنماط عيشهم، والتمتع بكل ما أنتجته الحضارة لرفع العناء والقهر عنهم وعن بيئتهم.

دعم هذه الصحوة النضالية هي أولى الواجبات، وتعبئة التضامن معها، والإسهام في بلورة مطالبها، وكشف أعدائها الحقيقيين، ورفع وعيها، وتجنب سقوطها في فخاخ التصادم مع ضحايا آخرين لنفس السياسات التي فاقمت معاناة صغار الملاك أجمعين.

– ضد نزع الأراضي الجماعية وتمليكها  للرأسماليين الخواص باسم “تشجيع الاستثمار” و”خلق رأسماليين جدد” بنهب الملكية المشتركة، مع النضال لخلق تعاونيات للفلاحين الصغار بدعم مالي وتقني من المال العام وتمليكها لدوي لحقوق.

– ضد مصادرة الدولة لأراضي القرويين بمبرر الملك الغابوي خصوصا تمليكها اللاحق لرأسماليين افراد.

– ضد الاستغلال المنجمي المدمر للبيئة وللحياة بالقرى المنتهك لما يصادق عليه من دفتر تحملات بتواطؤ مؤسسات الدولة.

– ضد تدمير الفرشة المائية بمنع الزراعة الرأسمالية العصرية بالمناطق ذات الموارد المائية المحدودة (البطيخ بزاكورة، المزارع العصرية بمنطقة الداخلة… الخ).

– ضد مخطط التضيق على انتفاع الساكنة من الغابة والاعشاب البرية وضد فتحه حصرا للرأسماليين ومع انشاء تعاونيات للفلاحين الصغار  مدعمة بالأموال  العمومية والتأطير التقني.

– لأجل تلبية حاجة سكان القرى من حقوقهم الأساسية في الصحة والتمدرس والطرق والربط الكهربائي ودعم وصول المواد الغذائية للمناطق الأبعد.

– لأجل تسريع اصدار مراسيم تطبيقية عاجلة بعد استشارة المعنيين بالرعي خصوصا ساكنة الاستقبال علي ضرورة تطبيق مدونة الشغل على الأجراء العاملون كرعاة وإلزامية التقيد بها في قانون 13-113 سواء بحقوقهم وواجباتهم وحمايتهم وسلامتهم الصحية.

تيار المناضل-ة، 24 نونبر 2018

شارك المقالة

اقرأ أيضا