مشرُوع قانون التجنيد الإجباري: عقابُ طلائع النّضالْ

سياسة21 يناير، 2019

صادق‭ ‬المجلس‭ ‬الوزاري‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬44.18‭ ‬بشأن‭ ‬إعادة‭ ‬العمل‭ ‬بالخدمة‭ ‬العسكرية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬جرى‭ ‬تجميده‭ ‬سنة‭ ‬2007‭.‬

جرى‭ ‬استدعاء‭ ‬مبررات‭ ‬عديدة‭ ‬لحمل‭ ‬الشعب‭ ‬على‭ ‬قبول‭ ‬التجنيد‭ ‬الإجباري‭. ‬لا‭ ‬يهم‭ ‬هنا‭ ‬التماسك‭ ‬المنطقي‭ ‬لهذه‭ ‬المبررات،‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬تؤدي‭ ‬وظيفتها‭ ‬السياسية‭ ‬بفعالية‭: ‬إسكات‭ ‬معارضي‭ ‬الخدمة‭ ‬العسكرية‭ ‬وإخفاء‭ ‬غاياتها‭ ‬وراء‭ ‬حجج‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬ومحاربة‭ ‬الجريمة‭… ‬إلى‭ ‬آخره‭.‬

عود‭ ‬إلى‭ ‬ماضي‭ ‬التجنيد‭ ‬الإجباري

انتفض‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬1965‭ ‬ضد‭ ‬النتائج‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لدولة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬الشكلي‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬الحاكم‭ ‬بسياسة‭ ‬الحديد‭ ‬والنار‭. ‬انطلق‭ ‬شبان‭ ‬الأحياء‭ ‬الشعبية‭ ‬مرددين‭ ‬شعارات‭ ‬ضد‭ ‬الملكية،‭ ‬وتدخل‭ ‬االجيش‭ ‬الملكيب‭ ‬مستعملا‭ ‬الرصاص‭ ‬الحي‭. ‬أشرف‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬القمع‭ ‬سليل‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬الفرنسية‭ ‬الجنرال‭ ‬أوفقير‭.‬

كانت‭ ‬تلك‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬تواجه‭ ‬فيه‭ ‬الملكية‭ ‬برفض‭ ‬شعبي‭ ‬صريح،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬أعادت‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬بناء‭ ‬شرعيتها‭. ‬التجأ‭ ‬القصر‭ ‬إلى‭ ‬مألوف‭ ‬العقلية‭ ‬الأبوية‭ ‬الاستبدادية‭: ‬إعادة‭ ‬تربية‭ ‬الشعبب‭. ‬وأقر‭ ‬التجنيد‭ ‬الإجباري‭ ‬بتاريخ‭ ‬9‭ ‬يونيو‭ ‬1966،‭ ‬وذلك‭ ‬لحرمان‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬طلائعه‭ ‬المناضلة‭ ‬بزجها‭ ‬في‭ ‬ثكنات‭ ‬الجيش‭ ‬مدة‭ ‬18‭ ‬شهرا‭ ‬وكان‭ ‬هدف‭ ‬التجنيد‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬القانون‭: ‬ابث‭ ‬قيم‭ ‬الإخلاص‭ ‬والإيثار‭ ‬والتضحية‭ ‬وحب‭ ‬الوطن،‭ ‬وجعل‭ ‬المواطن‭ ‬متشبعا‭ ‬بروح‭ ‬المسؤولية‭ ‬ومستعدا‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬حوزة‭ ‬الوطن‭ ‬ووحدته‭ ‬الترابية،‭ ‬ومؤهلا‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للبلادب‭. ‬أي‭ ‬إجبار‭ ‬الشعب‭ ‬على‭ ‬الإخلاص‭ ‬للملكية‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

جرى‭ ‬تخفيض‭ ‬مدة‭ ‬التجنيد‭ ‬سنة‭ ‬1999‭ ‬إلى‭ ‬12‭ ‬شهرا،‭ ‬وسنة‭ ‬2007‭ ‬جرى‭ ‬إلغاء‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬بمبرر‭ ‬التخوف‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬الحركات‭ ‬الجهادية‭ ‬مهارات‭ ‬المستفيدين‭ ‬من‭ ‬التجنيد‭ ‬الإجباري‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬إرهابية‭.‬

عمل‭ ‬الجيش‭ ‬منذ‭ ‬بنائه‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬كأداة‭ ‬للقمع‭ ‬الطبقي‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬لتنفيذ‭ ‬الأجندات‭ ‬الإمبريالية‭ ‬بالمنطقة  (‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الكونغو‭ ‬الديمقراطية‭ ‬دعما‭ ‬للديكتاتور‭ ‬اموبوتوب‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬الأولى‭ ‬والحرب‭ ‬المجنونة‭ ‬على‭ ‬اليمن‭ ‬اليوم،‭ ‬حماية‭ ‬ظهر‭ ‬أوربا‭ ‬من‭ ‬فقراء‭ ‬الجنوب…)‬،‭ ‬ولا‭ ‬زال‭ ‬وفيا‭ ‬لهذه‭ ‬الوظيفة‭ ‬لحدود‭ ‬الآن‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬المنظور‭ ‬السليم‭ ‬لمناقشة‭ ‬اقانون‭ ‬التجنيد‭ ‬الإجباريب‭ ‬في‭ ‬صيغته‭ ‬الجديدة‭.‬

التجنيد‭ ‬الإجباري‭ ‬رد‭ ‬على‭ ‬تنامي‭ ‬الاحتجاج‭ ‬الشعبي

بدأ‭ ‬منحنى‭ ‬النضال‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬التصاعد‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وتطور‭ ‬مع‭ ‬انتفاضة‭ ‬إفني‭ ‬ونضال‭ ‬طاطا‭ ‬وبوعرفة‭ ‬المديد‭ ‬وبلغ‭ ‬ذراه‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬20‭ ‬فبراير‭ ‬وبعدها‭ ‬حراكي‭ ‬الريف‭ ‬وجرادة‭. ‬

تدرك‭ ‬الملكية‭ ‬أن‭ ‬الكارثة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬السياسات‭ ‬النيوليبرالية‭ ‬التي‭ ‬ترعى‭ ‬تنفيذها،‭ ‬برميل‭ ‬بارود‭ ‬قد‭ ‬ينسف‭ ‬نظام‭ ‬السيطرة‭ ‬الطبقي‭. ‬لذلك‭ ‬يحرص‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬لفت‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬ااهتمامه‭ ‬بالشأن‭ ‬الاجتماعيب‭ ‬والتحذير‭ ‬من‭ ‬ادعاة‭ ‬العدمية‭ ‬والسلبيةب‭ ‬مستغلي‭ ‬ابعض‭ ‬الاختلالات‭… ‬لتبخيس‭ ‬مكاسبه‭ ‬ومنجزاتهب‭.‬

جرى‭ ‬تفصيل‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬يستهدف‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬ما‭ ‬أطلق‭ ‬عليهم‭ ‬ادعاة‭ ‬العدمية‭ ‬والسلبيةب،‭ ‬أي‭ ‬طلائع‭ ‬النضال‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬الخلفية‭ ‬الحقيقية‭ ‬لمشروع‭ ‬القانون،‭ ‬وما‭ ‬دون‭ ‬ذلك‭ ‬محض‭ ‬ذرائع‭ ‬لا‭ ‬تصمد‭ ‬أمام‭ ‬النقد،‭ ‬والنظام‭ ‬لا‭ ‬يعير‭ ‬لذلك‭ ‬أدنى‭ ‬أهمية‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬يملك‭ ‬في‭ ‬يديه‭ ‬وسيلة‭ ‬فرض‭ ‬سياساته‭: ‬جهاز‭ ‬قمع‭ ‬وأحزاب‭ ‬وجمعيات‭ ‬ونخب‭ ‬مثقفة‭ ‬موالية‭ ‬ووسائل‭ ‬ترويض‭ ‬جماهيري‭ ‬وبيروقراطيات‭ ‬نقابية‭ ‬مجندة‭ ‬دوما‭ ‬لإضفاء‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬

يشير‭ ‬المدافعون‭ ‬عن‭ ‬التجنيد‭ ‬الإجباري‭ ‬إلى‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬اقيم‭ ‬المواطنة،‭ ‬والتربية‭ ‬على‭ ‬الانضباطب،‭ ‬ويعني‭ ‬هذا‭ ‬الامتثال‭ ‬السياسي‭ ‬والقبول‭ ‬بالأمر‭ ‬الواقع‭ ‬وعدم‭ ‬النضال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تغييره‭.‬

الجيش‭: ‬حقل‭ ‬الاستبداد‭ ‬الحصري

منذ‭ ‬تأسيس‭ ‬الجيش‭ ‬الملكي‭ ‬بتاريخ‭ ‬15‭ ‬ماي‭ ‬1956،‭ ‬حرصت‭ ‬الملكية‭ ‬على‭ ‬التحكم‭ ‬فيه‭. ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬إقرار‭ ‬التجنيد‭ ‬الإجباري‭ ‬وإلغاءه‭ ‬وإعادة‭ ‬إقراره‭ ‬كلها‭ ‬أمور‭ ‬يحرص‭ ‬القصر‭ ‬على‭ ‬احتكارها‭. ‬ويلجأ‭ ‬إلى‭ ‬ملحقاته‭ ‬الحكومية‭ ‬والبرلمانية‭ ‬لإضفاء‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬قراراته‭ ‬هذه‭. ‬لا‭ ‬محل‭ ‬للشعب‭ ‬ورأيه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأمور،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬هو‭ ‬المعني‭ ‬بالأمر‭.‬

مبررات‭ ‬مغلوطة

أ‭. ‬محاربة‭ ‬البطالة‭:‬

يقول‭ ‬المدافعون‭ ‬عن‭ ‬التجنيد‭ ‬الإجباري،‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يساعد‭ ‬المجندين‭ ‬على‭ ‬ولوج‭ ‬سوق‭ ‬الشغل‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬فترة‭ ‬الخدمة‭ ‬العسكرية‭. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬المانع‭ ‬من‭ ‬ولوج‭ ‬الشباب‭ ‬سوق‭ ‬الشغل‭ ‬قبل‭ ‬أداء‭ ‬الخدمة‭ ‬الإجبارية؟‭ ‬إنه‭ ‬سياسات‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬التشغيل‭ ‬وخياراتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الثمانينيات‭.‬

إن‭ ‬المستهدفين‭ ‬بقانون‭ ‬التجنيد‭ ‬الإجباري‭ ‬ليسوا‭ ‬هم‭ ‬المحرومين‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬الشغل،‭ ‬بل‭ ‬شباب‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬يعملون‭ ‬أو‭ ‬لا‭. ‬وإلا‭ ‬لماذا‭ ‬تتحدث‭ ‬المادة‭ ‬8‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬عن‭ ‬تجنيد‭ ‬افئات‭ ‬الموظفين‭ ‬وأفراد‭ ‬الإدارة‭ ‬العموميةب‭.‬

يسعى‭ ‬آلاف‭ ‬الشباب‭ ‬بشق‭ ‬الأنفس‭ ‬للالتحاق‭ ‬بسلك‭ ‬الجندية،‭ ‬ويحرمون‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬تناسب‭ ‬عروض‭ ‬المناصب‭ ‬مع‭ ‬حجم‭ ‬الطلبات‭ ‬المقدمة‭.‬

يظهر‭ ‬إذن‭ ‬أن‭ ‬المستهدف‭ ‬بقانون‭ ‬التجنيد‭ ‬الإجباري‭ ‬ليس‭ ‬المعطلين‭ ‬الذين‭ ‬تدعي‭ ‬الدولة‭ ‬امساعدتهمب‭ ‬لولوج‭ ‬سوق‭ ‬الشغل،‭ ‬بل‭ ‬المستهدف‭ ‬هم‭ ‬طلائع‭ ‬النضال‭. ‬لذلك‭ ‬أسندت‭ ‬مهمة‭ ‬استدعاء‭ ‬المجندين‭ ‬لوزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬فهي‭ ‬الأدرى‭ ‬بهذا‭ ‬الأمر‭ ‬دون‭ ‬بقية‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭.‬

ستستعمل‭ ‬الدولة‭ ‬فزاعة‭ ‬االتجنيد‭ ‬الإجباريب‭ ‬لابتزاز‭ ‬الشباب‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬عصب‭ ‬النضالات‭ ‬الشعبية‭ ‬وسيكون‭ ‬أداة‭ ‬تهديد‭ ‬بيد‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬لمساومة‭ ‬الشباب‭ ‬بين‭ ‬الخضوع‭ ‬أو‭ ‬االتجنيد‭ ‬الإجباريب‭.‬

ومن‭ ‬المرجح‭ ‬استعمال‭ ‬بنود‭ ‬القانون‭ ‬ضد‭ ‬المناضلين‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬تخرجهم،‭ ‬إذ‭ ‬تقول‭ ‬المادة‭ ‬8‭: ‬اواجب‭ ‬التحفظ‭ ‬وحماية‭ ‬أسرار‭ ‬الدفاع‭ ‬وخاصة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالوقائع،‭ ‬والمعلومات‭ ‬والوثائق‭ ‬التي‭ ‬اطلعوا‭ ‬عليها‭ ‬بمناسبة‭ ‬الخدمة‭ ‬العسكرية،‭ ‬وهم‭ ‬معرضون،‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص،‭ ‬للعقوبات‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬التشريعات‭ ‬الجاري‭ ‬بهاب‭.‬

ب‭. ‬محاربة‭ ‬العنف‭ ‬والجريمة‭:‬

تناولت‭ ‬الصحافة‭ ‬المدافعة‭ ‬عن‭ ‬التجنيد‭ ‬الإجباري‭ ‬فوائده‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬االعنف‭ ‬والجريمة‭ ‬المتفشية‭ ‬في‭ ‬المجتمعب‭.‬

دأبت‭ ‬الدولة‭ ‬منذ‭ ‬انطلاق‭ ‬السيرورة‭ ‬الثورية‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬على‭ ‬تهديد‭ ‬الشعب‭ ‬وتخييره‭ ‬بين‭ ‬االاستقرارب‭ ‬وبالفوضىب‭ ‬مستعملة‭ ‬فزاعة‭ ‬سوريا‭. ‬وتسامحت‭ ‬الدولة‭ ‬مع‭ ‬مظاهر‭ ‬تهديد‭ ‬السلامة‭ ‬البدنية‭ ‬للمناضلين‭ ‬وغضت‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬ممارسات‭ ‬االبلطجيةب‭ ‬الذين‭ ‬يعتدون‭ ‬على‭ ‬المسيرات‭ ‬باسم‭ ‬الولاء‭ ‬للملكية‭ ‬والوطن‭. ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬أفراد‭ ‬أجهزة‭ ‬القمع‭ ‬الذين‭ ‬يتورطون‭ ‬في‭ ‬تعذيب‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬المخافر؟‭ ‬أليس‭ ‬ذلك‭ ‬عنفا‭ ‬وجريمة؟

إن‭ ‬حدا‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬الجريمة‭ ‬مقبول‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الطبقي‭ ‬والحكم‭ ‬الاستبدادي،‭ ‬فهو‭ ‬يشعر‭ ‬الشعب‭ ‬بالحاجة‭ ‬الدائمة‭ ‬إلى‭ ‬االأمنب،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الإقصاء‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ (‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬حقي‭ ‬التعليم‭ ‬والشغل‭) ‬يرمي‭ ‬بآلاف‭ ‬الشباب‭ ‬بشكل‭ ‬دائم‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬العنف‭ ‬والجريمة،‭ ‬حينما‭ ‬تنعدم‭ ‬البدائل‭ ‬الجماعية‭.‬

تتناول‭ ‬الدولة‭ ‬االعنف‭ ‬والجريمةب‭ ‬بعقلية‭ ‬الاستبداد‭ ‬التي‭ ‬تعالج‭ ‬الظواهر‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بمطرقة‭ ‬القمع،‭ ‬ولكن‭ ‬فقط‭ ‬حين‭ ‬تتعدى‭ ‬الجريمة‭ ‬الحدود‭ ‬المسموح‭ ‬لها‭. ‬إنه‭ ‬ابتزاز‭ ‬للشعب‭ ‬بقبول‭ ‬إرسال‭ ‬أبنائه‭ ‬إلى‭ ‬الثكنات،‭ ‬باللعب‭ ‬على‭ ‬حاجته‭ ‬المستمرة‭ ‬إلى‭ ‬االأمنب‭.‬

طبعا‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬االأمنب‭ ‬وليس‭ ‬إلى‭ ‬االقمعب‭. ‬لكن‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬الأمن‭ ‬الوظيفي‭ ‬والتأمين‭ ‬الصحي‭ ‬والتأمين‭ ‬عن‭ ‬حوادث‭ ‬الشغل‭ ‬والأمراض‭ ‬المهنية‭ ‬وعن‭ ‬حياة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬التقاعد‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الأمن‭ ‬الذي‭ ‬يريده‭ ‬الشعب‭ ‬وليس‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬وفعالية‭ ‬أجهزة‭ ‬قمع‭ ‬تحمي‭ ‬من‭ ‬يحرمه‭ ‬من‭ ‬حقوقه‭.‬

ج‭. ‬محاربة‭ ‬الإرهاب

يستعمل‭ ‬إعلام‭ ‬الدولة‭ ‬حجة‭ ‬الإرهاب‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬يستعمل‭ ‬حجة‭ ‬العنف‭ ‬والجريمة،‭ ‬لإشعار‭ ‬الناس‭ ‬بضرورة‭ ‬الالتفاف‭ ‬حول‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬سياسته‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭.‬

لكن،‭ ‬كيف‭ ‬يخدم‭ ‬إجراءان‭ ‬متناقضان‭ ‬نفس‭ ‬الهدف؟‭ ‬ففي‭ ‬سنة‭ ‬2007‭ ‬ألغي‭ ‬التجنيد‭ ‬الإجباري‭ ‬بمبرر‭ ‬التخوف‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬لمهارات‭ ‬المجندين،‭ ‬وفي‭ ‬2018‭ ‬أعيد‭ ‬إحياؤه‭ ‬بمبرر‭ ‬محاربة‭ ‬الإرهاب‭.‬

يمد‭ ‬الإرهاب‭- ‬تماما‭ ‬مثل‭ ‬الجريمة‭ ‬والعنف‭- ‬جذوره‭ ‬في‭ ‬تربة‭ ‬المجتمع‭ ‬الطبقي‭ ‬وفي‭ ‬سياسة‭ ‬الدولة‭ ‬الخارجية‭. ‬فما‭ ‬دام‭ ‬جيش‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬عنصر‭ ‬قطعة‭ ‬شطرنج‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬أمريكا‭ ‬العالمية‭ ‬لمحاربة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬فسيبقى‭ ‬المغرب‭ ‬مرشحا‭ ‬بشكل‭ ‬دائم‭ ‬لانتشار‭ ‬هذه‭ ‬الحركات‭: ‬إما‭ ‬لاستقطاب‭ ‬العناصر‭ ‬وإرسالها‭ ‬إلى‭ ‬المناطق‭ ‬الساخنة،‭ ‬أو‭ ‬لتأسيس‭ ‬خلايا‭ ‬نائمة‭ ‬يجري‭ ‬إيقاظها‭ ‬في‭ ‬وقتها‭ ‬المناسب‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬دون‭ ‬تجفيف‭ ‬منابعه‭ ‬هذه‭: ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬المناورات‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تقام‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬ومن‭ ‬سياسة‭ ‬امحاربة‭ ‬الإرهابب‭ ‬بالصحراء‭ ‬الكبرى،‭ ‬والانسحاب‭ ‬من‭ ‬التحالف‭ ‬العربي‭ ‬وحربه‭ ‬على‭ ‬اليمن،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬الوحدة‭ ‬المغاربية‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬حق‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرها‭ ‬بكل‭ ‬حرية،‭ ‬والتخلي‭ ‬عن‭ ‬السياسات‭ ‬النيوليبرالية‭ ‬المفروضة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬مؤسسات‭ ‬الرأسمال‭ ‬العالمي‭… ‬طبعا،‭ ‬هذه‭ ‬المحاور‭ ‬ليست‭ ‬مطروحة‭ ‬لكي‭ ‬تطبقها‭ ‬دولة‭ ‬الاستبداد‭ ‬الحالية،‭ ‬بل‭ ‬للنضال‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬السعي‭ ‬لإقامة‭ ‬سلطة‭ ‬الشعب‭.‬

د‭. ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭:‬

يبقى‭ ‬االدفاع‭ ‬عن‭ ‬الوطنب‭ ‬من‭ ‬أصلب‭ ‬حجج‭ ‬إعادة‭ ‬العمل‭ ‬بالخدمة‭ ‬العسكرية‭. ‬تقول‭ ‬أول‭ ‬مادة‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭: ‬امن‭ ‬أجل‭ ‬مساهمة‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬ووحدته‭ ‬الترابية‭…‬ب‭. ‬فمن‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬اوطنهب‭ ‬حين‭ ‬يتعرض‭ ‬لعدوان‭ ‬أجنبي؟‭ ‬

لكن‭ ‬الوقائع‭ ‬تسفه‭ ‬هذه‭ ‬الحجة‭ ‬تماما‭. ‬فما‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬الأجنبي‭ ‬الذي‭ ‬يتربص‭ ‬بـ‭ ‬االوطن‭ ‬ووحدته‭ ‬الترابيةب؟‭ ‬إن‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬مشغول‭ ‬بحالة‭ ‬تفكك‭ ‬جيرانه‭ ‬وانتشار‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ (‬شمال‭ ‬مالي،‭ ‬وغرب‭ ‬ليبيا‭). ‬أما‭ ‬البوليساريو‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬الخيار‭ ‬العسكري‭ [‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬بيدها‭] ‬مستبعدا‭ ‬منذ‭ ‬اتفاق‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬وتعول‭ ‬على‭ ‬االمنتظم‭ ‬الدوليب‭ ‬ومسلسل‭ ‬المفاوضات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬االجيش‭ ‬الشعبيب‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬النضال‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭. ‬

إن‭ ‬التهديد‭ ‬الخارجي‭ ‬محض‭ ‬وهم‭ ‬يجري‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬تصويره،‭ ‬وذلك‭ ‬لخدمة‭ ‬نفس‭ ‬الغاية‭ ‬السياسية‭: ‬الحاجة‭ ‬الدائمة‭ ‬إلى‭ ‬جيش‭ ‬ضخم‭ ‬وتبرير‭ ‬النفقات‭ ‬العسكرية‭ ‬المرتفعة‭. ‬وتستغل‭ ‬الدول‭ ‬الإمبريالية‭ ‬هذا‭ ‬العداء‭ ‬بين‭ ‬النظام‭ ‬المغربي‭ ‬ونظام‭ ‬الجنرالات‭ ‬الجزائري‭ ‬لتحقيق‭ ‬صفقات‭ ‬سلاح‭ ‬مربحة‭. ‬فقد‭ ‬ا‭ ‬نفقات‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الملكية‭… ‬بحسب‭ ‬معهد‭ ‬ستوكهولم‭ ‬الدولي‭ ‬لأبحاث‭ ‬السلام،‭ ‬شكلت‭ ‬10.6%‭ ‬من‭ ‬النفقات‭ ‬العامة‭ ‬للدولة‭ ‬سنة‭ ‬2015ب‭. [‬هسبريس،‭ ‬1‭ ‬سبتمبر‭ ‬2016‭].‬

ولا‭ ‬تجري‭ ‬الإشارة‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬االوطنب‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬محتلة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬دولة‭ ‬أجنبية‭: ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬والجزر‭ ‬المحتلة‭.‬

عادة‭ ‬تستعمل‭ ‬حجة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬االوطنب‭ ‬وما‭ ‬تستتبعه‭ ‬من‭ ‬سياسة‭ ‬عسكرية‭ ‬لتبرير‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬أوطان‭ ‬الآخرين‭. ‬وتستخدم‭ ‬االوطنيةب‭ ‬لترسيخ‭ ‬حكم‭ ‬الاستبداد‭ ‬السياسي‭ ‬وإرساء‭ ‬مصالح‭ ‬طبقية‭ ‬برجوازية،‭ ‬وتؤدي‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬وإحياء‭ ‬النعرات‭ ‬الشوفينية‭.‬

الوجه‭ ‬الحقيقي‭ ‬للاعتداء‭ ‬على‭ ‬وطن‭ ‬المغاربة‭ ‬هو‭ ‬تدخل‭ ‬مؤسسات‭ ‬الرأسمال‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المغربي‭ ‬ورهنه‭ ‬بمصالح‭ ‬الشركات‭ ‬متعددة‭ ‬الجنسية‭ ‬والبنوك‭ ‬المقرضة‭ ‬للمغرب‭. ‬هكذا‭ ‬يجري‭ ‬بيع‭ ‬قطاعات‭ ‬اقتصادية‭ ‬بنيت‭ ‬بعرق‭ ‬ودم‭ ‬الكادحين‭ ‬إلى‭ ‬رأسماليين‭ ‬أجانب‭ ‬وشركائهم‭ ‬المحليين‭. ‬ويجري‭ ‬استنزاف‭ ‬ثروات‭ ‬البلد‭ ‬وبيعه‭ ‬بأبخس‭ ‬الأثمان‭ ‬للشركات‭ ‬الأجنبية‭ (‬اتفاقية‭ ‬الصيد‭ ‬البحري‭ ‬مع‭ ‬اتحاد‭ ‬الأوروبي‭)‬،‭ ‬ويدمر‭ ‬النسيج‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المحلي‭ ‬الضعيف‭ ‬أصلا‭ ‬بفتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬أمام‭ ‬البضائع‭ ‬الأجنبية‭ (‬اتفاقيات‭ ‬التبادل‭ ‬الحر‭).‬

اليس‭ ‬للعمال‭ ‬وطنب‭… ‬إنه‭ ‬شعار‭ ‬قديم‭ ‬للحركة‭ ‬العمالية‭. ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬تجاهل‭ ‬النضال‭ ‬العمالي‭ ‬للمسألة‭ ‬الوطنية‭ ‬والنضال‭ ‬ضد‭ ‬الإمبريالية‭. ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬أيضا‭ ‬كونهم‭ ‬بالضرورة‭ ‬اوطنيينب‭ ‬بالمعنى‭ ‬الذي‭ ‬يروجه‭ ‬الاستبداد‭. ‬إن‭ ‬اوطنب‭ ‬المستقبل‭ ‬ليس‭ ‬كالوطن‭ ‬الذي‭ ‬يضعه‭ ‬الصحفيون‭ ‬البرجوازيون‭ ‬نصب‭ ‬أعينهم،‭ ‬الوطن‭ ‬الذي‭ ‬يسود‭ ‬تحت‭ ‬ظل‭ ‬حكم‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الجائر‭ ‬الآن‭ ‬وراعيها‭ ‬الاستبداد‭ ‬السياسي‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬على‭ ‬االوطنب‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬أقلية‭ ‬برجوازية‭ ‬ويدفع‭ ‬ملايين‭ ‬الكادحين‭ ‬إلى‭ ‬مهاوي‭ ‬الفقر‭ ‬والبؤس‭ ‬أو‭ ‬الهرب‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬زوارق‭ ‬الموت‭ ‬نحو‭ ‬اأوطانب‭ ‬الآخرين،‭ ‬وحين‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالنضال‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬والإمبريالية،‭ ‬فسيعني‭ ‬أن‭ ‬العدو‭ ‬سيضم‭ ‬المستعمر‭ ‬والطبقات‭ ‬المالكة‭ ‬على‭ ‬السواء‭.‬

دولة‭ ‬متخلفة‭: ‬جيش‭ ‬متخلف

لا‭ ‬يعكس‭ ‬الجيش‭ ‬إلا‭ ‬المستوى‭ ‬التقني‭ ‬والتقدم‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لكل‭ ‬دولة‭. ‬يعتمد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المغربي‭ ‬على‭ ‬يده‭ ‬العاملة‭ ‬الرخيصة‭ ‬والمفروض‭ ‬عليها‭ ‬الامتثال‭ ‬بقوة‭ ‬أجهزة‭ ‬القمع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الصمود‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬منافسة‭ ‬اقتصادية‭ ‬عالمية‭ ‬عاتية‭. ‬

نفس‭ ‬الشيء‭ ‬بالنسبة‭ ‬الجيشهب،‭ ‬فالدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬التقنية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اعتمادها‭ ‬على‭ ‬العنصر‭ ‬البشري،‭ ‬لكن‭ ‬االجيش‭ ‬الملكيب‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬يعتمد‭ ‬عقيدته‭ ‬العسكرية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬االلحم‭ ‬البشري‭ ‬الحيب‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬طعام‭ ‬المدافع‭ ‬وقوات‭ ‬الاقتحام‭ ‬الأمامية‭. ‬ولما‭ ‬لا،‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬لحم‭ ‬البشر‭ ‬أرخص‭ ‬من‭ ‬الأسلحة؟

ليس‭ ‬تسليح‭ ‬الجيش‭ ‬مسألة‭ ‬إرادة،‭ ‬بل‭ ‬مسألة‭ ‬قدرة‭ ‬اقتصادية،‭ ‬وما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬الإمبريالية‭ ‬من‭ ‬تسليح‭ ‬الجيوش‭ ‬الموالية‭ ‬لها،‭ ‬فلا‭ ‬يتعدى‭ ‬الحدود‭ ‬الدنيا‭ ‬المسموح‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬أداء‭ ‬الخدمات‭ ‬الموكولة‭ ‬لهذه‭ ‬الجيوش‭.‬

إن‭ ‬ثورة‭ ‬شعبية‭ ‬تكنس‭ ‬الاستبداد‭ ‬وتفتح‭ ‬آفاق‭ ‬التطور‭ ‬الحر‭ ‬أمام‭ ‬قوى‭ ‬الإنتاج‭ ‬ستفتح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬عقيدة‭ ‬عسكرية‭ ‬تقدمية‭ ‬تسعى‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬البشر‭ ‬وليس‭ ‬التضحية‭ ‬بها،‭ ‬لإقامة‭ ‬اجيش‭ ‬الشعبب‭ ‬وليس‭ ‬المفصول‭ ‬عنه‭ ‬داخل‭ ‬ثكنات،‭ ‬عقيدة‭ ‬عسكرية‭ ‬تسعى‭ ‬لإقامة‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬وليس‭ ‬استثارة‭ ‬عدائها،‭ ‬تخدم‭ ‬مصالح‭ ‬الكادحين‭ ‬وليس‭ ‬مصالح‭ ‬البرجوازية‭ ‬المحلية‭ ‬والرأسمال‭ ‬المحلي‭.‬

من‭ ‬أجل‭ ‬إجبار‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬التشغيل

بدأ‭ ‬الاستياء‭ ‬الشعبي‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬يعيد‭ ‬العمل‭ ‬بالتجنيد‭ ‬الإجباري،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يطالب‭ ‬فيه‭ ‬الشباب‭ ‬بحقهم‭ ‬في‭ ‬الشغل‭ ‬والتعليم،‭ ‬ومطلب‭ ‬الصحة‭ ‬للجميع‭.‬

شرع‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬إبداء‭ ‬رفض‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالخدمة‭ ‬العسكرية‭ ‬الإجبارية‭ ‬وهذا‭ ‬يستوجب‭ ‬بناء‭ ‬حركة‭ ‬شعبية‭ ‬واسعة‭ ‬ضد‭ ‬التجنيد‭ ‬القسري،‭ ‬حركة‭ ‬مناضلة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الشغل‭ ‬وباقي‭ ‬الحقوق‭ ‬الاجتماعية‭. ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬نجحت‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬التجنيد‭ ‬الإجباري‭ ‬فيجب‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تدمج‭ ‬المجندين‭ ‬بشكل‭ ‬تلقائي‭ ‬وتوفر‭ ‬لهم‭ ‬فرص‭ ‬شغل‭ ‬ضامنة‭ ‬للاستقرار‭ ‬والكرامة‭.‬

بقلم،‭ ‬الحرش‭ ‬بنعمر

شارك المقالة

اقرأ أيضا