موريتانيا: ذكرى مجزرة عمال منجم الحديد

تحل اليوم الذكرى 47 للمجزرة الرهيبة التي راح ضحيتها 8 شهداء و24 جريح، من عمال  شركة ” ميفرما ” في مدينة أزويرات  700 كيلومتر شمال نواكشوط يوم 29 ماي 1968 .

عادة يتم تجاهل تاريخ كفاح الطبقة العاملة في الدول المتخلفة، التي تعيش تحت عتبة الفقر بمستويات قياسية، فلا يجري الاهتمام بالوضع النقابي والسياسي لهذه البلدان إلا عندما تهزها انقلابات عسكرية أو كوارث طبيعية، ليتم تسليط الضوء على الحدث الطارئ ويحل الصمت من جديد مكان صخب الفضائيات الحريصة على الأخبار الساخنة.

 لموريتانيا تاريخ عمالي مجيد يجب الالتفات إليه والاهتمام به، رغم شح المعطيات وهزالة اليسار الجذري الموريتاني إلا أن هناك غالبية عمالية تكدح لصالح أقلية من رجال الأعمال . بتجاهلنا لتاريخ كفاح الطبقة العاملة الموريتانية نساهم في طمس نضال شعبنا وطبقتنا.

 لم تكن فرنسا وحدها تغلي في ماي سنة 1968، بل انتفض عمال منجم الشركة الأوروبية  ” ميفرما ” المستغلة  لقطاع مناجم الحديد، بعد أن امتد الحريق الثوري ليصل إلى عمق الصحراء الموريتانية، كان عمال المنجم يعيشون فصلا عنصريا أقامه المستعمرون عن طريق تشييد جدار خرساني يفصل بين سكن الموظفين الأوربيين في إدارة الشركة (متنزهات و ملاعب …إلخ )، وبين سكن العمال الكادحون في باطن الأرض في المنجم المنتج لمادة الحديد، وكانت الشركة تقدم تعويضات سخية للقاطنين الأجانب بالقرب من حي العمال، في مقابل الأجور البائسة والسخيفة التي يحصل عليها المنجميون.

 طالب العمال  بتحسين وضعهم والرفع من الأجور المتدنية، لكن الشركة الأوروبية أوصدت باب الحوار، لتنطلق الشرارة الأولى للإضراب العام في المنجم يوم 27 ماي 1968، قامت شركة ” ميفرما ” بمناورات عديدة لكسر الإضراب وذلك باستمالة بعض الوجوه الموالية للسلطة الحاكمة، وبعض النقابيين البيروقراطيين، في محاولة منها لإجبار العمال على العمل بنفس شروط الاستغلال.( الوضع النقابي حينها كان متردي وضعيف بحكم حداتثه وغموض توجهات قيادييه).

أمام هذه المناورة الفاشلة رد العمال بقبضة موحدة وحازمة، حين قاموا بوضع المتاريس في كل مدينة ازويرات، وتنظيم مظاهرات حاشدة قادها العمال المنجميون بقوة وإصرار، الوضع المستجد أرعب الحكام والمستبدين، لتتدخل الدولة للمرة الثانية في محاولة جادة لكسر الإضراب وتركيع كفاح العمال، عن طريق إبرام صفقات ( رشاوى ) وحلول مشبوهة مع شخصيات قبلية وأخرى موالية للنظام ولسياسة الشركة، لكن رد العمال كان صارما هذه المرة أيضا.

تأجج الوضع أكثر من السابق والتحقت حشود بشرية تحت راية العمال، قدرت بنحو 5000 متظاهر وهو رقم غير مسبوق في تاريخ المدينة العمالية الصغيرة، عاطلون عن العمل ونساء وشباب ومتضررون من سياسة الدولة، دعموا مطالب العمال وناضلوا إلى جانبهم ضد سلطة رأس المال وقهر الدولة والشركات المتعددة الجنسيات، إذ تساهم مجموعة من الدول في رأس مال شركة ” ميفرما ” مثل دولة الكويت التي ساهمت ب  بمبلغ 44 مليونا دولار و بفائدة 13% .

لم تستطع الدولة وقف زحف المارد العمالي، رغم كل ما قامت به من مناورات للالتفاف على المطالب المشروعة لعمال منجم الحديد  ” ميفرما ” ، إلا أن الخوف والرعب من العمال دفع السلطة لاستعمال الرصاص الحي لذبح الكادحين واعتقال المتضامين.

 “نحن، أحمد ولد أبّا، مندوب الحكومة، نأمر باسم القانون السيد النقيب قائد الدرك الوطني في نواكشوط، الموجود في ازويرات، بالقيام بما هو ضروري من أجل استخدام السلاح لإعادة النظام الذي زعزعه إضراب عمال ميفرما، وأن يطلعنا على تنفيذ هذا الأمر.. ازويرات 29 مايو 68”

 راح ضحية المجزرة 8 عمال شهداء و24 جريحا، حسب الإحصاء الرسمي للدولة، وهو رقم مشكوك في صحته تماما.

خلف هذا التدخل الهمجي المجرم في حق العمال حالة استياء وتعاطف عام في كل موريتانيا، حيث نظمت مسيرات تضامنية ووقفات ومهرجانات خطابية نددت بحجم المجزرة، لتقوم الدولة تحت الضغط الشعبي بتأميم شركة ” ميفرما ” سنة 1974. لم يكن التأميم برقابة شعبية وتسيير ذاتي من أسفل، بل أعلن عنه الرئيس المختار ولد داداه في يوم عيد الاستقلال الشكلي لموريتانيا، لصالح الدولة في إطار الشركة الوطنية للصناعة والمناجم “اسنيم”

عاشت الطبقة العاملة تخلفا سياسيا بسبب غياب حزبها الثوري المستقل عن الايديولوجيا البورجوازية  وعن عصابة الحاكمين المدججين بالسلاح، تخلف دفع أحد المناضلين الشباب يتساءل لماذا تدخلت الدولة لقتل العمال، بدل إنصافهم ضد الشركة المستعمرة والناهبة لخيرات بلادهم، في قصيدة شعرية معبرة عن حالة التخلف السياسي بفعل غياب الحزب الثوري .

 مختار يا رجل البلاد …. مختار يا بدر السنين

ماذا دهاك وأي شيء …. قلته للائمــين

نطق المدافع ضدنا …. في صالح المستعمرين

يا أيها الإنسان ما …. أغراك بالمستضعفين

هم طيبون لأنهم ثاروا …. على المستوطنين

لم يلحقوك بشرهم لم …. يمسسوا القصر الثمين

طلبوا الزيادة في …. الأجور وراحة للمتعبين

فتحت مجزرة “ميفرما” باب الكفاح العمالي لأجيال من المناضلين من أجل العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة، والمطالبة بمعاقبة المجرمين عن المجزرة وغيرها…،  إذ تعيش موريتانيا هزات اجتماعية دورية تارة تقودها الطبقة العاملة وتارة أحزاب أصولية رجعية في غياب تام لأي تدخل يساري جذري وضعف التضامن ألأممي مع فقراء هذا البلد الغارق في الديون والفقر والديكتاتورية، فالاهتمام بقضايا الكادحين وعلى رأسها قضية العبودية قد يساهم في خلق جسور تواصل مع مناضلي طبقتنا في موريتانيا.

فودة إمام

===================

هوامش:

–       اعتمدنا على المعطيات الواردة في مقال: ذكرى مذبحة ازويرات: دماء لم تذهب سدى
–       مواقع على الانترنيت
–       خطاب الرئيس الموريتاني : المختار ولد داداه سنة 1974 بمناسبة عيد الاستقلال و إعلان تأميم شركة ” ميفرما “

شارك المقالة

اقرأ أيضا