أوضاع عمال سنطرال دانون بين حقائق الواقع وأباطيل الدعاية.

  

وجهت حملة المقاطعة الشعبية ضربة قوية لأرباح ثلاث شركات كبرى (إفريقيا للمحروقات وماء سيدي علي وحليب سانطرال)، مهددة وجودها إن تواصلت الحملة، وهو أمر مرجح طالما لم تخفض تلك الشركات فعليا أسعار منتجاتها.

أقفلت الحملة شهرا ونصف، وتأكد للجميع نجاحها وتوسعها المضطرد. لقد انتشرت كالنار في الهشيم بالمدن والأحياء الشعبية، وحتى بالقرى. وخلقت محرضيها وساهرين على سريانها، وصارت نموذجا للاقتداء. وانتبهت الدولة والشركات إلى أبعادها الخطيرة مستفيقة على حرب بأسلحة حديثة غير مألوفة.

يتظاهر رؤساء شركات إفريقيا وسيدي علي بعدم اهتمام وبتجاهل خادع لحملة المقاطعة الشعبية، بخلفية عدم إعطاء إشارات توحي بتضرر مصالحهم، مما قد يضطرهم للخضوع.  إنها سيكولوجيا أبناء أثرياء الاستبداد يحتقرون الشعب ولن يقبلوا أن يخضعوا لإرادته، وإن أجبروا فسيكون مغلفا بكونه لفتة إحسانية لمحتاجين لا تنازلا لشعب مناضل. لكن الحقيقة الأكيدة أن الأرباح الطائلة التي أدمنوها والمعاملات التجارية التي بوأتهم ريادة الأسواق تنحو لتراجع شديد، إنهم يتألمون بصمت ومنافسيهم يفتكون بالأرباح وبضاعتهم تبور، إن ترنحات شركة حليب سنطرال وتجند وزراء حكومة الواجهة لتسويق حججها مقدمة لما ستلجأ إليه الشركتان ولو بعد حين.

شركة سنطرال: من العجرفة والاحتقار إلى الابتزاز

مستهينة بحجم المقاطعة واقتناعا منها أنها مجرد سحابة صيف، واجهت الشركة المقاطعين بإشهار تهم خيانة الوطن والمشاركة في الإضرار بالاقتصاد الوطني. لكنها سحبت التهم لاحقا واعتذرت عنها دون أن تفك المقاطعة قبضتها عن عنقها. لقد استخفت بالشعب اعتقادا منها انه جمهور جائع بلا كرامة، وأغرته بالشراء والاستفادة من منتوج زائد فارتد عليها الأمر فضيحة، فالتجأت إلى خدمات حكومة الواجهة التي انتصب وزرائها كمحامين لتسويق حجج الشركة والتماس الأعذار لها، لم يأت وزراء خدمة الشركات والاستبداد هؤلاء قط على ذكر تلبية مطالب المقاطعين، إنهم أعدائنا على المتراس الآخر. الآن انتقلت شركة الحليب سنطرال إلى ابتزاز حملة المقاطعة الشعبية والضغط عليها بإجراءين، الأول من خلال التهديد بتسريح أعداد من عمال الشركة (الحديث عن 900 عامل) والثاني تقليص كمية الحليب الذي تقتنيه من الفلاحين بنسبة 30 بالمئة. تريد الشركة تقسيم الحملة الشعبية للمقاطعة بإذكاء تضارب المصالح وسطها واستهدافها في أحد مبرراتها الرئيسية: الدفاع عن مصالح الشعب المادية، لكنها لن تفلح في تحقيق غايتها تلك، مهما لجأت إلى الأكاذيب والخداع ولا خيار لها، في الأخير، إلا بتخفيض فعلي للأسعار أو استمرار المقاطعة وتوسعها. فلنبحث قرار طردها المرتقب لحوالي 900 عامل الذي تبرره بتأثيرات المقاطعة ولنرى حقيقة ادعاءها الكاذب.

أوضاع العمال بين حقيقة القهر اليومي واباطيل دعاية سانطرال دانون.

تقصف شركة حليب سانطرال عقول المغاربة بوصلات إشهارية تظهر شبابا في صحة جيدة ولباس أنيق وابتسامة لا تفارق الوجه حين يصبحون لجمع الحليب وحين يمسون ليوزعوه معلبا على المتاجر، لكن ذاك هو عالم الإشهار الكاذب أما واقع العمال الحقيقي فيكشف أننا إزاء شركة استعمارية تجنى أرباحا طائلة وتعتصر عمالها بشكل فظيع، ولا تتردد في انتهاك حقوقهم بشكل خطير، وتواجه كل مطالبهم بإجراءات قمعية ومحاربة مستمرة للعمل النقابي.

تشغل الشركة حوالي 3000 عامل وتعتبر الشركة الأولى في إنتاج وتوزيع الحليب وطنيا حيث تستحوذ على السوق بنسبة 65 بالمئة، ويصل رقم معاملاتها السنوية 650 مليون دولار وتنتشر في جميع أنحاء المغرب، وعدد نقاط البيع لديها 75000 نقطة، وتتوفر على محطات لتجميع الحليب في مناطق الحوز-دكالة-الشاوية-الغرب-لوكوس-سايس-زمور.  تتزود الشركة بمادة الحليب من 112000 منتج، ولها أربعة معامل تعليب وتصنيع في مدن سلا- الجديدة –مكناس- الفقيه بنصالح، وأسطولها للنقل يضم 550 شاحنة.

قررت الشركة سنة 2017 تطبيق “مشروع طارق”، وهو خطة جديدة لتنظيم العمل ترتكز على تحقيق هدفين: الأول تقليص عدد العاملين في أداء نفس المهام مع رفع الإنتاجية، والثاني ربط نسبة العلاوة والمنح بنتائج المردودية حسب معدلات محددة. الشركة تريد جعل العمال يلهثون وراء تحقيق أهداف بغض النظر عن تقلبات السوق تحت طائلة الحرمان من دخلهم الشهري الذي تعتبر فيه المنح ملاذا وحيدا لهم من هزالة الراتب الأساسي.

إن “مشروع طارق” سلاح لتقليص العمال مع رفع الإنتاجية، إنها خطة لدفع العمال للخضوع للاستغلال الكثيف بإشهار سلاح الطرد. ولتمرير المشروع جندت الشركة كل طاقمها الإداري في جولات إقناع العمال بقبول خطتها الخطيرة وجالت كل المناطق لأجل ذلك. روجت الشركة لكذبة لا أحد يعلم زيفها إلا العمال أنفسهم مفادها أن الشركة تعاني من أزمة تراجع الأرباح بسبب منافسة شركات أخرى وهو ما تكذبه العائدات المالية اليومية التي يجمعها العمال من نقاط البيع، وهو ما يكذبه أيضا توسع حجم ونوع المنتجات التي تكتسح السوق يوميا، الحقيقة التي يعرفها العمال جيدا أن الشركة تريد تقليص كلفة الإنتاج وزيادة حجم التسويق لمراكمة أرباح إضافية بالتضحية بأوضاع العمال المادية والصحية.

معركة العمال لمواجهة مخطط التسريح وتكثيف الاستغلال.

انطلقت شرارة المعركة ضد “مشروع طارق” بوكالة وجدة على إثر طرد الكاتب العام للنقابة ومندوب العمال “العيد الرحماني” بسبب مراسلته للمدير العام لشركة سانطرال دانون بشأن “مشروع طارق” السيء الذكر. اتحد العمال في وجه قرار الإدارة ودخلوا في اعتصام أمام باب الشركة للمطالبة بإلغاء قرار الطرد والاستجابة لمطالبهم بوقف تنفيذ “مشروع طارق”.

بعد انصرام بضعة أسابيع من دخول “مشروع طارق” حيز التطبيق، بدأ العمال يفهمون حقيقة الخطة التي روجت لها الإدارة بكلام معسول ، فها هم المئات من زملاءهم يتعرضون للضغط لإجبارهم على قبول مغادرة العمل مقابل تعويض زهيد، وآخرون تنزل عليهم قرارات الطرد لأتفه الأسباب وفي مقدمتهم النقابيين، ولاحظوا أن العمل اليومي زاد شقاء بسبب تقليص عدد العمال في كل شاحنة من ثلاثة إلى اثنين فقط، والقيام بكل المهام من إيصال المنتوج للمتجر وإرجاع السلع منتهية الصلاحية  وتحصيل المال وتسليم الفاتورة وتسجيل الطلبات، وما يسببه كل ذلك من إرهاق شديد وجهد جسماني وذهني هائل، حيث يطول يوم العمل أحيانا لأزيد من 12 ساعة يوميا .

 أعلن عمال باقي المحطات تباعا اضرابا عن العمل في مختلف المدن وكان مطلبهم الرئيسي سحب “مشروع طارق” وتلبية مطالبهم التي رفعوها لسنين عديدة، فالتحقت مدن تازة وجرسيف ووجدة ومكناس والرباط وسلا والدار البيضاء … وغيرهم وخاضوا معركة تاريخية ضد عدوان شركة سنطرال الجشعة وكشفوا حقيقة واقع بشع كانت تخفيه الواجهة المزيفة التي تروجها الشركة عن نفسها إعلاميا.

 بمدينة طنجة دخل عمال الشركة في اعتصام مفتوح تنديدا “بمشروع طارق” الذي بموجبه سيتم تسريح ثلث العمال، وبعد أسابيع من الاعتصام هجمت قوات القمع بعنف شديد على المعتصمين، مما أسفر عن اصابة خمسة عمال نقلوا على إثرها إلى المستعجلات، كما تم طرد نقابيين ينتمون إلى الاتحاد الوطني للشغل بالجديدة ويتعلق الأمر بالكاتب النقابي “عبد الرحيم خراف” ونائبه “عبد العزيز فاضلة”.

 اضطرت الشركة، بعد توسع الحركة الاضرابية وفشل كل أساليب ترهيب العمال وشق صفوفهم وكسر إرادتهم، إلى فتح حوار مع العمال عبر نقابة الاتحاد المغربي للشغل بدءا بتاريخ 18 يوليوز 2017 برئاسة عامل عين الشق، أسفر عن بروتوكول اتفاق لم تسحب بموجبه الشركة “مشروع طارق” بل أجبرت فقط على الحد من اندفاعها الأرعن وإبطاء دكاكها وإلزامها بالتراجع عن قرارات الطرد الظالمة مع إبقاء نقاط عديدة تحت سلطة الوعود أو التفاوض المستقبلي.

لقد اتاحت معركة العمال تلك وقفا مؤقتا لمخطط بشع يريد فرض مزيد من تدهور شروط العمل وتشريد مئات الأسر العمالية، لكنها لم تستطع فرض مفاوضات حقيقية تنتهي باتفاقية جماعية تضمن مكاسب للعمال في حماية ممارسة العمل النقابي وترسيم المؤقتين وتحسين ظروف العمل وزيادة الأجور وسحب نهائي “لمشروع طارق”.

توظيف المقاطعة الشعبية لتنفيذ “مشروع طارق”

تحاول الشركة ربط تهديدها بطرد 900 عامل بتداعيات أزمتها جراء الحملة الشعبية الناجحة ضد منتوجاتها، ان قول الشركة ذلك تغليط للرأي العام وخدعة دنيئة للإيقاع بين عمال الشركة وحملة المقاطعة الشعبية، إن قرارها المعلن ليس جديدا بالمطلق، بل الأكيد أن مخطط تقليص عدد العمال اتخذ منذ 2017 وبدأت الشركة بتنفيذه حينها بشتى الطرق بالإقناع تارة وبالإرغام تارة أخرى، وهو ما واجهه عمال الشركة في معركتهم التي دامت أسابيع عديدة. إن عملية الطرد الحالية هي استئناف لقرار قديم جمده نضال عمال الشركة وتحاول الأخيرة إعادة تمريره في سياق المقاطعة الحالية. لأجل ذلك علينا فضح الأكاذيب والشرح الدائم حتى لا تنطلي الحيلة على عمال الشركة ولا على المنخرطين في حملة المقاطعة.

بديلنا للرد على خدع شركة سنطرال دانون.

دعت بعض التنظيمات النقابية لعمال حليب سنطرال للاحتجاج أمام البرلمان وتروج الصحافة العدوة لحملة المقاطعة الشعبية لمثل هذه الأخبار في محاولة منها لكسر إرادة شعبنا العازم على انتزاع مطلبه بتخفيض فعلى للأسعار دون المس بالجودة والأوزان. طبعا الشركة تراهن على جعل قسم من الشعب يتضرر من المقاطعة ليطالب بوقفها بمبرر تضرره المادي لكنها لن يتحقق لها المراد.


إننا نساند نضالات عمال سنطرال ضد ما يتهدد مصيرهم المهني، مثلما نساند إطلاق معركة نضال للدفاع عن مطالبهم بتحسين شروط عملهم وزيادة أجورهم وصيانة حقهم في ممارسة العمل النقابي وترسيم المؤقتين، وباقي مطالبهم عبر اتفاقية جماعية حقيقية. إن الحملة الشعبية للمقاطعة تعتبرهم إخوانا لها وتعتبر ما يتعرضون له دليلا على نهب جيوب المستهلك وعرق المنتج وسرقة العمال من طرف الشركة.


نرفض أي مسعى يحرف نضال العمال كسلاح مصوبا للاتجاه الخطأ، إن من يستغل العمال وينهب جيوبهم كمستهلكين هم أصحاب الشركات وليس كادحي شعبنا الذين يواجهون ما يتعرضون له من نهب بسلاح المقاطعة، نرفض زج الحركة النقابية بمبررات زائفة في خندق الأعداء فتلك خيانة متكاملة الأركان.


تصعد شركة سنطرال دانون من مكرها وخبثها وعلينا أن نصعد من نضالنا وان نحصن تماسك صفوفنا. لن تشق وحدة عمال سنطرال دانون والحملة الشعبية للمقاطعة وستنتهي للفشل كل المحاولات اليائسة لاستعمال العمال في مهام قذرة وستنتهي معركتنا إلى الانتصار، فإما الخضوع لإرادة الشعب أو المقاطعة المفتوحة.

.بقلم : شلبي سيف

———–

1 –  أنشئت سنة 1939 من طرف الشركة القارية المغربية في ظل الاستعمار الفرنسي، فأصبحت سنة 1953 أول فرع لمجموعة دانون في العالم. بعد الاستقلال عادت إلى ملكية الدولة، لكن  سنة 1981 أعطتها الدولة لمجموعة ONA..

سنة 2012 اشترت شركة دانون الفرنسية % 37.8 من أسهم شركة Centrale litière من الشركة الوطنية للاستثمار (SNI) التي اصبحت اونا فرعا من فروعها. أصبحت المجموعة الفرنسية تمتلك ثلثين من أسهم شركة Centrale litière .

يوم 3 نونبر 2014 قامت مجموعة دانون باقتناء % 22 من رأسمال شركة Centrale litière ب278 اورو من الشركة الوطنية للاستثمار(SNI) ،رفعت  بذلك حصتها في الشركة إلى % 90.9. يوم 24 أكتوبر 2015 غيرت الشركة اسمها إلى Centrale Danone

منتجات الشركة هي : أكتيفيا، Danette, Danino, Dan’Up, سنطرال، Lait de croissance، مفيد, جميلة (رايبي), دانون أصيل، Danone Velouté, عصيري يومي.

شارك المقالة

اقرأ أيضا