انتصار أنوال: خطوط عريضة لفهم التجربة

المكتبة23 يوليو، 2018

 

 

 

تحل ذكرى انهزام الجيش الإسباني في معركة أنوال 20 يوليو 1921، ونظام الاستبداد السياسي الذي أرسى الاستعمار أسسه الحديثة ينكل بكادحي الريف وطلائعه حراكه الشعبي.

“التاريخ يكتبه المنتصرون”، ورغم ذلك لم تتح الفرصة للمنتصرين في أنوال لكتابة تاريخ ملاحمهم العسكرية والسياسية التي سطروها منذ بداية القرن العشرين حتى سنة 1927، عام الإخضاع النهائي للثورة الريفية.

لم يتبق من الملحمة إلا انطباعات عاطفية تمجد طرائق الكفاح المسلح، وتعلي شأن الأبطال الفرديين، وتتغاضى عن دور الجماهير. وهي ردة فعل نفسية ضد النفي الجسدي والمعنوي الذي تعرض له قادة التجربة التحررية الريفية، من طرف النظام الاستعماري ووريثه نظام الاستبداد السياسي.

لا يمكن فهم التجربة الريفية استنادا على “نفسية” الريفيين وطبائعهم القتالية، ولا بناء على شخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي المتفردة عن مجايليه. يستدعي تفسير “الملحمة الريفية” وضعها في سياقها الدولي (المنافسات الاستعمارية، الاتفاقيات بين القوى الإمبريالية، وزن الإمبريالية الإسبانية)، و”الوطني” (تفكك دولة المخزن بسبب الضغوطات الاستعمارية)، والمحلي (وضع الريف الطبيعي والاقتصادي، دور جماهير الفلاحين الفقراء، وزن الأعيان…).

إسبانيا: إمبريالية متخلفة

كانت إسبانيا إمبراطورية استعمارية عظيمة، لكنها تعرضت للانحطاط بفقدان مستعمراتها لصالح القوى الإمبريالية الأخرى: طردتها الولايات المتحدة من آخر مستعمراتها (كوبا والفلبين) سنة 1898.

أدى فقدان المستعمرات إلى إعاقة تطور قوى الإنتاج وانتعاش التجزئة الإقليمية، فأضحت إسبانيا أقرب إلى الدول المتخلفة منها إلى الدول الرأسمالية المتقدمة.

تزامن انحطاط إسبانيا الاقتصادي والاستعماري، مع اشتداد التنافس لتقاسم العالم بين الإمبراطوريات الاستعمارية الأخرى: خاصة بريطانيا وفرنسا.

استطاعت فرنسا ضمان تغلغلها الاستعماري بإفريقيا منذ وقت مبكر، حين احتلت الجزائر سنة 1830، وألحقت هزيمة ماحقة بجيش السلطان في معركة إسلي سنة 1844، وكان المغرب ثمرة ناضجة لكن تدخل بريطانيا أوقف فرنسا على الحدود الشرقية.

توقفت المنافسات الاستعمارية بتوقيع الاتفاق الودي سنة 1904، تنازلت بموجبه بريطانيا على المغرب لفرنسا، مقابل حيازة بريطانيا لمصر.

فرضت بريطانيا على فرنسا التنازل على شمال المغرب لصالح إسبانيا، لأن بريطانيا كانت تخشى على مستعمرتها جبل طارق وعلى مدينة طنجة من تواجد قوة استعمارية من حجم فرنسا بشمال المغرب.

انجرت إسبانيا إذن إلى المغامرة الاستعمارية بشمال المغرب رغما عنها، فالمنافسات الاستعمارية هي التي أجبرتها على بسط احتلالها على منطقة لم تستطع طيلة قرون تجاوز ثغري سبتة ومليلية.

كانت إسبانيا إمبريالية متخلفة ستجد نفسها عاجزة على فرض احتلالها على جزء من “تراب” مخزن متهالك…

المغرب: بلد منهك بالضغوط الاستعمارية

كان المغرب بدوره إمبراطورية كبيرة: شملت شمال إفريقيا وجزء من أوربا في عصر المرابطين والموحدين. ومنذ الهجمة الإيبيرية المضادة انكمش على نفسه وفقد السيطرة على سواحله المتوسطية والأطلسية.

اشتدت الضغوط الاستعمارية خلال القرن التاسع عشر باحتلال الثغور الشرقية والصحرواية من طرف فرنسا المستقرة بالجزائر منذ 1830.

أنهك المغرب ماليا بالغرامات المالية المفروضة عليه نتاج المعارك التي انهزم فيها: إسلي أمام فرنسا سنة 1844، وحرب تطوان 1859- 1860.

كانت الإصلاحات الإدارية والعسكرية في عهد السلطان الحسن الأول آخر محاولات نظام عتيق للتكيف مع التغيرات الدولية ولمجاراة التفوق الحضاري الأوربي.

فضل المخزن مجاراة القوى الاستعمارية والرضوخ لإملاءاتها والتنازلات الترابية والاقتصادية التي فرضتها عليه. صدمه هذا مع التطلعات المعادية للاحتلال من طرف القبائل المغربية، الريفية منها بالخصوص.

جعلت هذه التحولات من المخزن، نظاما غير قادر على مواجهة الضغوطات الاستعمارية ومستسلما أمام التغلغل الاستعماري الاقتصادي والعسكري.

فتح عجز إسبانيا الإمبريالية المتخلفة عن فرض احتلالها وعجز المخزن عن رد الاستعمار، ثغرة انسلت منها ثورة الريف منذ مقاومة الشريف محمد أمزيان (1909- 1912) انتهاء بالثورة الريفية التي قادها محمد بن عبد الكريم الخطابي.

الريف: طليعة النضال التحرري ضد الاحتلال

لكن هذا لا يفسر لماذا بالضبط الريف وليس غيره من مناطق المغرب الأخرى. ويفرض هذا دراسة الريف اقتصاديا وسياسيا، للوقوف على العوامل المفسرة لتفرد التجربة الريفية.

كان الريف طيلة قرون طليعة “المغاربة” في مواجهة الاحتلالات الإيبيرية، وتصادموا أكثر من مرة مع الجيوش الإسبانية، وقد ضمن هذا تمرسا وإدراكا دائم الحضور لقوة أوربا واستعدادها للانقضاض على المغرب.

الريف منطقة وعرة من الناحية الطبيعية، تغلب عليها التضاريس الجبلية ولا تحتل السهول سوى نسبة ضئيلة تقتصر على أشرطة ساحلية ضيقة وقليلة الخصوبة.

وعلى غرار كافة مناطق المغرب كانت وسائل الإنتاج متخلفة وتعود إلى قرون خلت (المحراث الخشبي المجرور القوة الحيوانية، انعدام الطرق، ثروات معدنية غير مستغلة…). ساهم هذا في انعدام ظهور الملكية الكبيرة التي تعد القاعدة الطبيعية والاقتصادية لظهور القياد الكبار على غرار السهول الكبرى في المغرب. وانعدم هكذا أشباه الكلاوي والمتوكي والكندافي الذين اعتمدت عليهم فرنسا لإرساء هيمنتها بسهولة على منطقة حمايتها.

كان أعيان الريف “صغارا” مقارنة بنظرائهم بالجنوب، ولم يستطيعوا فرض هيمنتهم على بقية السكان، الذين يكون الفلاحون الفقراء أغلبيتهم.

ضمن هذا تشكل “حركات” لمقاومة أي محاولة للتغلغل العسكري الإسباني خارج حدود مدينتي سبتة ومليلة. وطبع هذا المقاومة الريفية منذ بدايتها بطابع اجتماعي/ طبقي واضح: كانت مقاومة الفلاحين الفقراء والخماسين أو ما يطلق عليه في القاموس الإسباني آنذاك: “حزب العامة” أو “المتطرفين”، في مواجهة “حزب الخاصة” أو “أصدقاء إسبانيا” الذين حاولوا مساعدة إسبانيا على فرض حمايتها على المنطقة الشمالية وفشلوا في ذلك فشلا ذريعا. وكانت أسرة القاضي عبد الكريم الخطابي عنصرا فاعلا في حزب “أصدقاء إسبانيا” قبل أن ينقلب عليها مرغما.

محمد بن عبد الكريم الخطابي: تجربة فريدة

انتمى محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى أسرة من أعيان الريف. لكنها أسرة فرضت مكانتها في الريف ليس اعتمادا على إمكانات اقتصادية أو وسائل هيمنة قسرية، بل على المكانة الدينية والعلمية لأفرادها.

على غرار “النخب الدينية والفكرية” بالعالم الإسلامي آنذاك، كان القاضي عبد الكريم وابنه محمد واعيين بمأزق المغرب والريف: فقر اقتصادي وتخلف فكري وثقافي في مواجهة أوروبا المستقوية علما واقتصادا وسلاحا. وكانا مدركين أن الانفلات من السيطرة الاستعمارية مستحيلة دون التخلص من هذا الفقر والتخلف. لكنهما أدركا أيضا أن هذا التخلص لا يمكن أن يتم دون مساعدة أوربا.

في بداية القرن العشرين ومع توقيع معاهدة الجزيرة الخضراء سنة 1906، أدركت أسرة الخطابي أن المغرب واقع لا محالة تحت السيطرة الاستعمارية، لذلك فضلت التعاون مع إسبانيا، كونها دولة إمبريالية ضعيفة لن تستطيع فرض احتلالها بالوسائل العسكرية عكس فرنسا، وستضطر إلى التعاون مع الأعيان الذين سيحكمون الريف تحت الحماية الإسبانية.

انخرط القاضي وابناه عن وعي في خط سياسي واضح: التعاون مع إسبانيا من أجل تحديث الريف. لذلك توجه محمد للعمل في مليلية بينما توجه أخوه امحمد لاستكمال التعليم في إسبانيا.

تفتحت الآفاق أمام الأسرة، أصبح محمد يمارس مهنة الصحافة وتعلم اللغة الإسبانية، وتصور أن هبات إسبانيا التي منحت لشخصه يمكن أن تمنح لشعب الريف كافة، ودافع عن الآثار التحديثية لإسبانيا في الريف في الوقت الذي هاجم فيه وبحدة غير معهودة الاستعماري الفرنسي بالجنوب.

كان هذا التعاون يضمر نزوعا تحرريا: الحماية الأوربية ظرفية، ما أن ينعتق الريف من تخلفه حتى يستطيع حكم نفسه ويرمي عنه جبة الحماية الاستعمارية.

ظهر هذا النزوع التحرري بالخصوص بعد الثورة السياسية التي عزلت السلطان عبد العزيز الذي قبل باتفاقية الجزيرة الخضراء وتولية أخيه عبد الحفيظ بشرط قيادة الجهاد ضد الاحتلال.

كانت هذه أول ثورة سياسية حديثة في تاريخ المغرب، سطر مشروع دستور نزع السلطة السياسية من السلطان ووضعها في يد “ممثلي الأمة”. كان هذا انبجاسا سياسيا لشعب طالما نعث بالتخلف والجهل، وأقنع محمد بن عبد الكريم الخطابي بإمكان التخلص من الاستعمار.

لكن الدول الإمبريالية رفضت الاعتراف بالسلطان عبد الحفيظ ما لم يقبل باتفاقية الجزيرة الخضراء. وكان السلطان متخوفا من الثورة السياسية ومشروعها الدستوري لذلك جاراها في البداية، ولما حصل على اعتراف الدول الإمبريالية بسلطته انقلب ضدها وأعدم زعيم الحركة الدستورية “الفقيه الكتاني” جلدا، ووقع في الأخير معاهدة الحماية سنة 1912.

استعاد الخطابي تصوره حول عجز المغاربة عن التخلص من التخلف والاستبداد دون مساعدة أوروبية، وفي هذه الفترة طلب هو وأبوه الجنسية الإسبانية، التي قوبلت بالرفض لدواعي استعمارية. وانخرط القاضي وابنه عميقا في تسهيل فرض الحماية الإسبانية على شمال المغرب (اشتغال محمد في مفوضية الشؤون الأهلية، تعاون الأسرة مع مخططات الإنزال العسكري الإسباني في شاطئ الحسيمة التي آلت كلها إلى الفشل).

أثار هذا التعاون سخط المقاومين وقاموا بعقاب الأسرة أكثر من مرة: إحراق أملاكها وتهديد بقتل أفرادها، ما اضطر القاضي إلى الهروب نحو تطوان بعد فشل إنزال سنة 1913.

قامت الأسرة بتقييم نتيجة تعاونها مع إسبانيا: عجز إسبانيا عن فرض احتلالها العسكري وعن ضمان الحماية الشخصية للمتعاونين معها، فقدان المصداقية في عيون الريفيين، تأخر المشاريع التحديثية الموعود بها… وجاءت الحرب العالمية الأولى لتلقي بخشبة النجاة لأسرة الخطابي.

الحرب العالمية الأولى: تغير في موازين القوى

اندلعت الحرب العالمية الأولى سنة 1914، وتعلقت أنظار أسرة الخطابي بالتناقضات بين القوى المتصارعة. وقف القاضي وابنه إلى جانب ألمانيا، وحاولا تنظيم حركات لمقاومة الاحتلال الفرنسي بالجنوب لغايات مركبة:

– استرجاع الهيبة المفقودة في أعين الأهالي الريفيين بتزعم المقاومة ضد دولة أجنبية (فرنسا) تحتل جزءا من المغرب.

– إبلاغ إسبانيا أن المقاومة ليست موجهة ضدها، بل توجيه لأنظار الريفيين ضد عدوتها التاريخية، أي فرنسا.

– التعويل على انتصار ألمانيا حليفة العثمانيين، ووعودها بأنها ستمنح للريف استقلاله بعد انتصارها على فرنسا.

لكن ذلك لم يؤد إلى النتيجة المأمولة:

فلا الريفيين جاروا الخطابي وابنه في مخططهما، ولم يفهموا لماذا مقاومة فرنسا في الوقت الذي تحاول إسبانيا فرض احتلالها على أراضيهم. ولم يكن المقاومون يميزون بين القوى الاستعمارية: فكلها بالنسبة لهم “قوى مسيحية” تحاول احتلال أراضيهم، ولا فرق بين إسبانيا أو فرنسا أو حتى ألمانيا التي تدعي نصرتهم.

ولا إسبانيا المكبلة بالاتفاقيات الاستعمارية، والتي كانت محايدة في الحرب اطمأنت إلى مبررات أسرة الخطابي، رغم أن إسبانيا كانت متعاطفة مع ألمانيا.

أثمرت احتجاجات فرنسا ضد تسامح إسبانيا أمام مناورات ألمانيا في المنطقة التي آلت إليها وفق الاتفاقيات الاستعمارية. وقامت إسبانيا باحتجاز محمد بن عبد الكريم وسجنه، ولن يجري إطلاق سراحه إلا مقابل العودة للتعاون مع إسبانيا والتوقف عن دعم المؤامرات الألمانية.

انتهت الحرب بهزيمة ألمانيا وتبخرت آمال أسرة الخطابي، وعادت إلى التعاون الصريح مع السلطات الإسبانية، ما جر عليها مرة أخرى انتقام المقاومين وإحراق أملاكها وفقدان هيبتها. فضلت الأسرة التوقف عن التعاون بمجرد عودة الابنين إلى الريف، لكنها تعهدت بأنها لن تقوم بأي عمل عدائي ضد إسبانيا.

حملت فرنسا المنتصرة في الحرب مطالبها للحصول على شمال المغرب إلى مؤتمر فرساي، مدعمة مطالبها بعجز إسبانيا عن فرض احتلالها على المنطقة. لكن بريطانيا المتخوفة على جبل طارق ضغطت على إسبانيا لإخضاع منطقة حمايتها.

أرسل الملك حمية الجنرال سلفيستري ليقوم بما عجز عنه أسلافه، وظهر أن إسبانيا عازمة على احتلال الريف. بدأت الحركات بالتكون، ولم يعد الوضع يسمح بموقف الحياد الذي أعلنته أسرة الخطابي.

لم يقبل المقاومون بخيار اللا تعاون وفي نفس الوقت اللا عمل ضد إسبانيا الذي انتهجته أسرة الخطابي. لذلك فرضوا عليها قطع العلاقة نهائيا مع إسبانيا والخضوع لواجب المقاومة العسكرية، معلنة تخليها عن خيار “حزب الخاصة” وانضمامها إلى “حزب العامة”.

وحتى في هذه المرحلة لم يتخل محمد بن عبد الكريم عن أمل الوصول إلى تسوية مع إسبانيا، وفي الوقت الذي كان المقاومون يستولون على ظهر أوبران، كان عبد الكريم غائبا ينتظر عودة أخيه محمد من جولة مفاوضات سرية مع مبعوث سلفيستري على شاطئ الحسيمة.

أنوال: انتصار خيار حزب العامة

فرضت الهيبة القومية المجروحة على إسبانيا ضرورة احتلالها للريف، فمكانتها في المنتظم الاستعماري متوقفة على استكمال المهمة الموكولة إليها في مؤتمر الجزيرة الخضراء.

ورثت إسبانيا جيشا كبيرا عن حروبها الاستعمارية، جيشا بعقيدة قومية منذ الحرب ضد الاحتلال النابليوني بداية القرن 19، لكنه يعكس التخلف الاقتصادي والتقني لإمبريالية إسبانيا المنحطة.

أدى هذا، إضافة إلى التسرع الذي فرضته ضغوط القوى الاستعمارية الأخرى، وما كان يخترق الجيش الإسباني من رشوة وفساد وابتزاز سياسي، إلى الزحف لاستكمال احتلال الريف دون إعداد سياسي وعسكري، وهو ما نبه إليه المقيم العام آنذاك “برنكير” والمشرف على مفوضية الشؤون الأهلية “العقيد ريكيلمي” الذي كان رئيس محمد بن عبد الكريم أيام اشتغاله بالمفوضية.

تمكنت حركات المقاومين الريفيين من السيطرة على المواقع المشرفة على الطرق التي ستمر منها حملات الجيش الإسباني. سيطر المقاومون على ظهر أوبران وبعده موقع إغريبن، وأحس الجنرال سلفستري بأنه وقع في شبكة يصعب الفكاك منها.

أمر سلفستري بإخلاء موقع أنوال، بعد إعلامه بقدوم حركة ريفية كبيرة العدد. جرى الإخلاء دون استشارة الضباط وضباط الصف، وتحول إلى هروب جماعي مذعور، سقط على إثرها سلفستري صريعا واستولى الريفيون على موقع أنوال يوم 20 يوليو 1921.

وكانت هذه المعركة فاتحة النضال التحرري الذي حمل اسم “الثورة الريفية” التي أسست نظام دولة جديد “جمهورية الريف”. وخوفا من تداعيات ذلك على مجمل النظام الإمبراطوري الاستعماري، خلفت فرنسا خلافاتها الجزئية مع إسبانيا واتحدت معها لإنزال هزيمة ساحقة بهذه التجربة التحررية، ولم يتأت لها ذلك دون التعاون الصريح للمخزن الممثل آنذاك في السلطان يوسف، الذي خاطب فرنسا قائلا: “خلصونا من هذا المحتال”.

لم تكن معركة أنوال محض عثرة في طريق التوسع الاستعماري، بل كانت فاتحة النضال الوطني التحرري الذي انتهى بنزع الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية.

لم تفتح أنوال فقط أفاق التحرر أمام شعب الريف أو المغرب، بل كانت منطلقا لمنظور الكفاح المغاربي ضد الاستعمار، الذي حافظ عليه عبد الكريم الخطابي حتى مماته. هذا المنظور المغاربي هو ما خانته أحزاب الحركة الوطنية بقبول التفاوض على أساس استقلال ممنوح يحافظ على مصالح الاستعمار الفرنسي وتواجد العسكري.

إن مضمون التجربة التحرري (السياسي والاجتماعي) هو الذي يرعب ورثة نظام الاستبداد الذي تحالف مع الاستعمار لهزيمة الثورة الريفية. استحضار التجربة ضروري، ليس فقط من منظور الافتخار بعمل الأسلاف، ولكن لاستخلاص الدروس والعبر.

أزنزار

 

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا