جوانب من أوضاع استغلال، وتنظيم، شغيلة الزراعة بخميس ايت عميرة والنواحي في مقابلة مع الرفيق حمزاوي ميلود
أكبر فرع تشغيل بالقطاع الخاص في سوس هو الزراعة، ومعظمها موجه للتصدير. استقطبت يدا عاملة كثيفة من ربوع المغرب، لا سيما المناطق ضحية الإفقار و التهميش. بروليتاريا فتية، بنسبة كبيرة من النساء. خاضت كفاحات ضارية ضد فرط الاستغلال في العقود الأخيرة. وعانى التنظيم النقابي الخاص بها، على غرار مجمل الحركة النقابية المغربية، من مصاعب ومشكلات، منها الناتج عن هجوم أرباب العمل ودولتهم، ومنها الناجم عن المعضلات الذاتية للنقابات. من أجل استجلاء بعض جوانب هذا الواقع، الموضوعي و الذاتي، نلتقي بالرفيق ميلود حمزاوي، المسؤول النقابي في النقابة الديمقراطية للفلاحة (فيدرالية النقابات الديمقراطية) عضو مكتبها الوطني وكاتبها الاقليمي. قضى 20 سنة في ممارسة النضال النقابي، منها 13 في اطار الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحيFNSA –الاتحاد المغربي للشغل، عضو سابق في مكتبها الجامعي، وكاتب اقليمي سابق للجامعة في اشتوكة ايت باها، كاتب عام وطني سابق للنقابة الوطنية للعمال الزراعيين (ج.و.ق.ف)
نبدأ بأساس علاقة الاستغلال القائمة بين أرباب العمل و الشغيلة، أي كيفية التشغيل، ما السائد ، التشغيل بعقد العمل الدائم أم العلاقة الهشة غير المستقرة؟
علاقة الشغل السائدة في القطاع الزراعي هي علاقة هشة، سمتها عدم الاستقرار، مع ما يعنيه ذلك من مستتبعات على حياة الأجير/ة. فقد أصبح اللجوء إلى الوسطاء في استخدام الشغيلة هو القاعدة الغالبة إلى حد كبير جدا. بات مفروضا على العامل/ة التعاقد من وسيط، لا سيما الشركات الكبرى. هنا تتدخل مقاولات الوساطة المهيكلة بإبرام عقود عمل محدودة المدة، تقطع كل صلة بين الأجير/ة ورب العمل. وعند رغبة رب العمل في الاحتفاظ بالأجير يتم التعاقد معه عبر مقاولة تشغيل أخرى بقصد تفادي تراكم أقدمية الأجير/ة. وفي حالة التشغيل عبر هذا الصنف، أي مقاولات التشغيل المؤقت المنصوص عليها في مدونة الشغل، يجرى العمل بالحد الأدنى من الحقوق القانونية، من حد أدنى للأجر وضمان اجتماعي، …
لكن هناك إلى جانب مقاولات التشغيل المهيكلة وسطاء تشغيل أفراد. غالبا ما يكونون عمالا سابقين، يتوسطون في «الموقف» ( ساحة تجمع الشغيلة طلبا للعمل ). يقوم هذا الوسيط باستجلاب عمال/ت لرب العمل بمقابل عن كل فرد، يتراوح بين 10 و20 درهما أو حتى 30 حسب وضعية سوق العمل. وقد دخل مجال السمسرة هذا في اليد العاملة أصحابُ وسائل نقل الشغيلة. فباستثناء وسائل النقل التي تشرف عليها الشركات الفلاحية الكبرى، أصبح كل أصحاب وسائل النقل من سيارات (بيكوب) وحافلات صغيرة (مينيبيس) وغيرها من وسائل النقل وسطاء سماسرة في خدمة أرباب العمل كأدوات لتعميم هشاشة علاقة الشغل.
الوسيط هو الذي يدفع الأجور. العامل علاقته قائمة مع صاحب وسيلة النقل، وكذلك رب العمل لا يعرف سوى الوسيط. عند إيصال فريق العمل يذهب الوسيط الى العمل، وقد يكون من رؤساء العمل (كابران).
أما عقود الشغل التي يُصادق على توقيعها بمقرات الجماعات الترابية، فهي تحايل يضع العامل/ة تحت رحمة رب العمل المطلقة، حيث توقع على بياض (تحت ضغط الحاجة إلى فرصة عمل) كي تضع لها الإدارة حدا ساعة تشاء التخلص من العامل، بلا كلفة بختمها بتاريخ ينهي علاقة الشغل بلا لزوم تعويض. ويتم تجديد هذا النوع من العقود، بعد مدة انقطاع، كي لا تتراكم أقدمية الأجير/ة. ورغم انتشار هذا التحايل وعلم الجهات المعنية بمراقبة تطبيق قانون الشغل به، لا يبذل أي جهد لإنهائه، وهذا طبعا من التسهيلات الممنوحة لرأسمالي الفلاحة.
هذه الوساطة في التشغيل بمختلف أصنافها هي ما يتيح لرب العمل التهرب من قسم من تكاليف قوة العمل، حيث لا يدفع سوى الأجر المباشر، فلا مكملات أجر ، من منحة أقدمية او منح أخرى يستفيد منها الاجراء في القطاع الصناعي و الخدماتي (منح سكن، ونقل، وقفة، أعياد…) ولا أعمال اجتماعية لفائدة العامل وأسرته، ولا اشتراكات ضمان اجتماعي، ولا تأمين حوادث الشغل وأمراضه. كما تتيح الهشاشة تحقيق مطلب أساسي طالما سعى إليه أرباب العمل، ألا هو ما يسمونه مرونة التشغيل، اي تكييف اليد العاملة حسب المتطلبات الآنية للمقاولة، بانعدام علاقة شغل مستقرة، ما يتيح خفض الكلفة وبالتالي تضخيم الأرباح، وهذه هي الغاية والهاجس أصلا.
وتؤدي علاقة الشغل الهشة هذه إلى إضفاء هشاشة على حياة العامل، حيث لا يضمن دخلا مستمرا من جهة، ويعاني هزالة الأجور (المتفاقمة بفعل استمرار حيف الحد الأدنى الزراعي)، ويحرم من الاجر غير المباشر (الحماية الاجتماعية)، وتنعدم القدرة على التنظيم النقابي.
الشركات كلها تسعى الى التخلص من اليد العاملة القديمة المرسمة، لتعميم الهشاشة.وفئة الشغيلة المستقرة في تقلص مستمر بفعل التقاعد و المرض او والاستعاضة عنهم ومن أبرز الامثلة شركتي ديروك ودونا … القاعدة هي التخلص بكل طريقة ممكنة للاستعاضة بعمال الوساطة .
غاية بورجوازيي الزراعة تعظيم الأرباح، فما هي أساليب رفع مردودية الشغيلة؟
الوسيلة الرئيسية لرفع مردودية الأجير، أي اعتصار أكبر قدر من العمل، هي خدعة العمل بالقطعة: يتفق مع العامل على اعتبار انجاز قدر من العمل معادلا ليوم عمل، مستحقا لأجره. انها الطريقة المعروفة لدى العمال بـالعمل بـ»العطش» Travail à la tache. مثلا في أشغال جني الخضر والفواكه، تحدد كمية العمل بعدد الصناديق، وفي أشغال العناية بالنباتات بعدد صفوفها، وهكذا حسب نوع الأشغال . يؤدى الأجر عن كمية العمل المحددة بهذه الطريقة، وكل عمل فوقها يدفع عنه أجر إضافي. هذا التحفيز المخادع يجبر العامل على مضاعفة الجهد وإنهاك قواه وصحته، لا سيما بسبب ضغط هزالة الأجور والغلاء الفاحش. هذا فضلا عن كون العمل المحفز بهذه الطريقة تحت ضغط الوقت يكون محفوفا أكثر بخطر حوادث الشغل.
لو كانت الاجور لائقة،والسلم المتحرك للأجور و الأسعار مطبقا، لما اضطر العمال إلى الوقوع في فخ خدعة التحفيز هذه. التحسين الذي يحققه العامل بالعمل بالقطعة ضئيل وغير دائم ومكلف صحيا. ففترات الحاجة الملحة الى اليد العاملة التي يضطر فيها رب العمل الى التحفيز فترات وجيزة، تتم بعدها العودة الى المألوف حيث الحد الأدنى للأجور. ورب العمل يتحمل كلفة هذا التحفيز بسهولة، وينال بالمقابل ارتفاعا أعظم في الأرباح.
الوسيلة الأخرى الفعالة لإجبار العامل على أقصى بذل للجهد هي التهديد بالطرد، وهذا ما يخضع له بوجه خاص ضعيفو/ت القدرة على تحمل فترات الحرمان من العمل، اي العمال /ت ذوو التحملات العائلية و الاجتماعية الكبيرة (الابناء والوالدين…).
أخير ثمة تقنية أخرى لرفع مردودية العامل/ت: انها تحديد معايير عمل، اي مجموعة من الشروط والمواصفات في انجاز العمل، لا يحتسب يوم العمل كاملا إلا باستيفائها. منها مثلا، تحديد عدد من المهام، أو قدر معين من المنجز مقابل الاجر اليومي . إنها طريقة مخالفة للقانون ومهلكة لصحة العامل . ويكابد العامل لبلوغها حتى بالاستعانة برفاقه في العمل . بعض الضيعات لا وقت عمل محدد ولا حد ادنى للأجور … ولا حاجة تضغط على رب العمل لتطبيق القانون وبالتالي اليد الباطرونا طليقة في الاستغلال.
أشكال التحفيز هذه لا تترك خيارا للعامل/ة ، فهو يرى فيها فرصة لتحسين الدخل الهزيل، وبالتالي يتحمل، ويدفع ذلك العمال الى التنافس لمضاعفة دخل اليوم، العامل يدرك انه يستنزف قواه ويهلك صحته لكنه يتطلع الى تحسين الدخل. بالتالي لا ينظر الى كونه يستغل وانها وسيلة تكثيف الاستغلال. الحاجة تدفع الأجير الى عصر نفسه، الغلاء ومتطلبات الحياة ضاغطة نحو قبول هذا الاستغلال المضاعف. والالتزامات العائلية … بالتالي العامل يبحث عن الشركات التي تعمل بطريقة المحفزات.
ما هي مخاطر الشغل الخاصة بالقطاع الزراعي، لا سيما مع وجود نسبة عالية من النساء. الى اي حد وجود احتياط ووقاية وارشاد؟ هل فيه حد ادنى من هذا في الشركات الكبرى؟
أخطر المخاطر في القطاع هي المبيدات، اي السموم. ثمة شركات يشتغل عمالها بينما الرش بالمبيدات جار داخل البيوت البلاستيكية، كل أنواع الأشغال والرش جار بدون استعمال معدات الوقاية: القناع و الجزمات و القفازات والبدلة الواقية…احيانا الباترون يدعي انها المواد المرشوشة مجرد مخصبات زراعية غير ضارة . معدات الوقاية تعطى فقط في حالات افتحاص ( اوديت). وغالبا ما تكون تلك الأدوات غير فعالة، مثل مصفاة القناع التي لا تبدل بعد استعمالات متعددة، أو عدم ملاءمة المعدات… حتى عند استعمالها بضغط النقابة، فهي غير ملائمة لظروف العمل، يفضل العامل عدم استعمالها. هذا فضلا عن انعدام جودة معدات الوقاية حيث يتم اقتناء الأرخص، وبالتالي الأردء، اقتصادا للنفقات.
الخطر الآخر الاكثر انتشارا والمؤدي إلى أمراض مزمنة: حمل الأثقال والعمل في وضعية وقوف طيلة 8 ساعات، و الانحناء. وغالبا ما ينفذ العمل بمقياس القطعة (العطش)… تنتج عن هذا إصابات وأمراض المفاصل و الظهر والكليتين.
وتحدق مخاطر عديدة بصحة الأجراء وحياتهم، منها بارتباط مع مشكلة المبيدات، انعدام أماكن لائقة للأكل، ومشكلة جودة ماء الشرب. كما يلاحظ تزايد حوادث سقوط العمال المشتغلين بالأرجل الحديدية ( سيقان حديدية يعتليها العامل لبلوغ طول يتيح العمل في أعلى مستوى تبلغه النبتة، لاسيما الطماطم والقرعيات…)
وثمة مخاطر النقل غير الآمن. حيث البنية التحتية الطرقية مهترئة، غير معدة أصلا لما تتحمله حاليا. فبفعل توسع الإنتاج الزراعي في سهل سوس، شهدت أعداد العمال/ت تزايدا هائلا، يتطلب نقلهم مزيدا من وسائل النقل، فاكتظت الطرقات والمسالك الضيقة، قسم منها غير معبد، بأسطول كبير من مختلف أنواع العربات، معظمها مهترئ خطير. ضيق الطريق يجبر على الخروج منها عند تقابل عربتين سائرتين، ما يرفع احتمال انقلابهما. مشكل النقل هذا الذي خلف العشرات من القتلى و المئات من المعطوبين، يجعل العامل/ة يواجه الخطر فور مغادته البيت.
طبعا يترافق انعدام سبل الوقاية هذا مع غياب أي التحسيس بخطورة المبيدات، ثمة حالة استثنائية في شركة دولية واحدة. ولا رب عمل يجمع العمال لتنبيههم بالمخاطر ، بل يتركونهم في جهلهم لها، ما يعرضهم لأمراض مهنية لا تظهر فورا. وبعد سنوات لما يستفحل المرض لن يجد العامل من يتحمل مسؤولية مرضه المهني، بسبب هشاشة علاقة الشغل التي جعلته ينتقل بين عشرات المشغلين.
ثمة حالات نادرة جدا من الشركات المتعاملة بصرامة لاحترام معايير السلامة و الصحة في أماكن العمل، وأشهرها شركة دولية خاضعة لمعايير على صعيد دولي، حالة ينطبق عليها قول الاستثناء المؤكد للقاعدة.
في ظل غياب قدرة على مقاومة الاستغلال المكثف بالتنظيم: ما أساليب احتماء العمال من الاستغلال و القهر، هل يجبر العجز عن مقاومة جماعية على اللجوء الى مقاومة فردية؟
العمال/ت المرسمون/ت يوجدون نسبيا في موقع قوة في هذا المجال حتى عند انعدام تنظيم. خشية المشغل من أن يتنظموا يضعف قدرته على فرض المردودية المرتفعة عليهم. أنهم يرفضون معايير رفع المردودية لشعورهم بصعوبة التخلص منهم بفعل استقرار علاقة الشغل بعقود دائمة. يمكن للعامل الفرد في هذه الحالة التعبير عن رفضه. الضحية هو الاغلبية المشغلة بالوساطة.
تتجلى المقاومة الفردية للاستغلال عندما تكون ممكنة في تخفيض وتيرة العمل وجودته، لكن هذا لا يدوم لانهم عرضة للضغط والمراقبة. وفي هذه الصدد تم تعميم كاميرات المراقبة فوق رؤوس عاملات محطات التلفيف.
يحاول بعض الشغيلة الاحتماء من قهر الاستغلال المفرط بتملق رؤساء العمل، والسعي لنيل رضاهم، بما ذلك من ادخال أمور أخرى خارج علاقة الشغل … أحيانا يخفف العمال/ت على بعضهم البعض وطأة الاستغلال بنوع من التضامن في انجاز عمل القطعة (العطش). اجمالا لا حيلة فعالة لاتقاء الاستغلال المكثف غير العمل الجماعي عبر التنظيم.
كيف يتحمل شغيلة القطاع الفلاحي واقع القهر متعدد الابعاد، و كيف يتكيفون معه ؟
اغلبية العمال/ت نزحوا من العالم القروي، بما يعنيه ذلك من أمية ومن نقص التعليم، وسيادة عقلية دينية قدرية. عقلية أن الحياة كلها قدر لا يد للبشر فيه … يعملون ياكلون و يعيشون بصبر، ويحاولون توفير بعض المال لبناء سكن في بلدتهم الأصلية، وقد يشترى بعضهم ماشية هناك، الخ.
ولأجل هذا يوظف العامل/ة صحته، لا يهتم بنوعية الحياة فوق الحد الأدنى، مستسلاما لحاله باعتبار الأرزاق مقسمة، وأن واقع الحياة كما هو طبيعي، لا سبيل الى تغييره. هذا التصور طبعا ناتج عن تغلغل الايديولوجيا البرجوازية في الطبقة العاملة بفعل جهود الدولة بأجهزتها، المسجد و المدرسة ووسائل الإعلام، لكن ايضا بفعل ضعف الحركة العمالية النقابية، وانعدام قوة سياسية عمالية منغرسة في الطبقة.
مكمل آخر لتحمل شظف العيش وشتى صنوف المعاناة، في العمل وخارجه، هو الانشغال بفرجة كرة القدم، وليس ممارستها، والانسياق مع كل ما يلهي في وسائل تواصل اجتماعي، واستهلاك الوقت في المقاهي . وثمة طبعا المخدرات، كالحشيش. وللنساء العاملات عالمهن الخاص، يحاولن توفير المال لتلبية الحاجات الخاصة بهن مما تغذيه الثقافة السائدة في الوسط النسائي الشعبي، وسيلتهم الرئيسية في ذلك تنظيم التوفير المالي بتقنية «دارت» لتحقيق بعض الرغبات الآنية التي تتعذر بالدخل الشهري.
بوجه الاجمال العقلية السائدة، رغم الشعور بالظلم، هي أن واقع الظلم والقهرة مكتوب و لا فكرة نضال للتغيير… خليها على الله . … هذا ما اراد الله و الحمد لله، وهذه ارضية خصبة لتكاثر الانتماء الى الجماعات الدينية بمختلف تنويعاتها .
أقلية قليلة جدا اكتسبت حدا أدنى من الوعي الطبقي، وهي التي تناضل نقابيا.
كيف هي الحالة النقابية حاليا: نوع الشركات التي ما زال فيها عمل نقابي. مقارنة مع الماضي، هل نشهد تراجعا او ركودا او تقدما؟
يعاني العمل النقابي من ركود، فلا تقدم يتجلى في ظهور مكاتب نقابية جديدة، و لا وجود لينامية نضالية حيوية. ماهناك هو استمرار النقابة في الشركات التي كانت فيها، مع وجود حالات عديدة انتفت فيها النقابات في وحدات انتاجية كبيرة، بفعل الإغلاق، مثل حالتي سوبروفيل وشركة الدرهم. او شركات أوقفت العمل للتخلص من النقابة بتسريح الجميع، واستجلاب عمال جدد، مثل محطة تلفيف وشركة روزا فلور.
وفي الشركات المستمرة نقابيا، يعاني العمل النقابي من ضعف، اي بقاءه في حدود الدفاع عن أمور بسيطة. ويقع جزء من مسؤولية هذا على الأجهزة النقابية القائمة ذاتها، حيث تقوم بكبح تطلع الشغيلة الى تحسين اوضاعهم في حدود بعض الحقوق الأساسية المكرسة قانونيا، (الاجر القانوني، ضمان اجتماعي…) كأن النضال النقابي مقتصر على تطبيق هذه الجوانب من قانون الشغل، وأن لا مجال للمطالبة بما ليس في القانون. ألم يتطور القانون بالنضال من أجل ما ليس واردا فيه؟ عندما يتحقق حد أدنى من القانون، يصبح المكتب النقابة ديكورا، و العمال غير مكثرتين، و رب العمل يستعمل النقابة لإطفاء نار الاحتجاج، و إبراز ان العمال لهم حقوق ونقابة في حين ان النقابة غير فاعلة .
يمكن والحالة هذه الحديث عن ركود التنظيم النقابي، لاسيما بالنظر لطاقة النضال التي ولدتها شدة الاستغلال، تلك الطاقة التي تفجرت في حراك 25 نوفمبر 2024، الذي صنعه العمال/ غير المنظمين، قسم كبير منهم من شغيلة «الموقف».
ظاهرة المكاتب النقابية المتعاونة مع الباترون، ما حجمها ؟ هل تصنعها الإدارة او تستقطبها بعد ان كانت نضالية؟ وما الامتيازات التي يحصل عليها التابعون للادارة وما تعامل العمال مع نقابات الادارة ؟
هذه الظاهرة في تزايد، يساعد عليها التسيير غير الديمقراطي للمركزيات النقابية ذاتها. ثمة حالات يستقطب فيها رب العمل الممثلين النقابيين إلى جانبه بمنحهم امتيازات: نوعية منصب العمل، وتساهل في الغياب، عبء عمل أقل، وحتى منحة مثل ما كان في شركة سوبروفيل. في بعض الشركات تجد الممثلين النقابيين من رؤساء العمل (كابران ، شاف…) اي يد رب العمل في ترويض الشغيلة. واقع وصل الحضيض في بعض الحالات. هذا ما يصرف الشغيلة عن النضال، وحتى محاولات تأسيس نقابة مناضلة لا تنجح بفعل جهود نقابة رب العمل التي تصبح أداة محاربة العمل النقابي الحقيقي، حيث يضغط الكابرانات على العمال للانخراط في النقابة المسخ تحت التهديد بالعمل الشاق وأشكال التمييز وحتى الطرد.ينخرط العمال تحت الاكراه، لكن ذلك لا يقيهم من معاناة الاستغلال المفرط والقهر و الإذلال.
عند وجود نقابة مناضلة ذات قاعدة قوية، تبحث الإدارة بين العمال عن حاذقين تصنع بهم مكتبا نقابيا لتشتيت العمال. ولتقوية النقابة التابعة له يعمد رب العمل إلى جعلها ذات فائدة للعمال في أمور بسيطة غير مكلفة، كحل بعض الميشكلات البسيطة، او منح فتات، ومزايا تافهة، وليس مكاسب حقيقية. بالضغط وبهذه الاستمالة يقوي رب العمل الموالين له لإعدام إمكانية نضال نقابي فعلي.
المشكلة ان عددا من المكاتب النقابية لم تصنعها الإدارة، لكنها تنساق بسلبية مع الإدارة، لا سيما عندما تكون حقوق دنيا قد اكتسبت، ويتم اقناع العمال/ت بأن المطالبة بأمور غير الواردة في قانون الشغل غير ممكن، ويتحول المكتب النقابي الى مساعد لرب العمل في تدبير شؤون اليد العاملة وضبطها. هذا ما يسهله التسيير غير الديمقراطي للنقابة، حيث يجري مند البداية تعويد الشغيلة على تسيير فوقي بلا اجتماعات منتظمة وبلا مراقبة للأجهزة، وبلا حياة داخلية نشيطة، وايهام الشغيلة ان النقابة نوع من المحامي ينوب عنهم، و لا يستدعي مشاركتهم. هذا يكرسه محليا ووطنيا بيروقراطيون لا مصلحة لهم في أن تكون النقابة أداة نضال.
هذا ما يجعل نسبة كبيرة من النقابات كاريكاتورا وأداة لنسف النضال النقابي.
حالة النقابة في شركة ديروك: مكتب نقابي موحد يشمل جميع ضيعات الشركة… ثم تأسست نقابية أخرى. وقام تنافس على من يخدم الإدارة أكثر لضبط القاعدة وتسابق لخدمتها في إطفاء نار العمال/ت وتدجينهم لقبول طرق الاستغلال …
ومن الأمثلة الشاهدة على هذا التخريب، ما وقع في تجربة الرفيقة عتيقة فزازي المطرودة، حيث تواطأت النقابة التي تنتمي اليها مع الإدارة، والتزمت نقابة أخرى موقفا سلبيا حال دون تضامن قسم من الشغيلة. يطول الحديث في تناول هذه الظاهرة التي تشكل احد أدوات قمع النقابة، لكن الأكيد أن السعي إلى بناء نقابات مناضلة وديمقراطية لا بد أن يؤتي أكله.
حدثنا عن علاقة جهاز النقابة المحلي مع المكاتب النقابية : هل للمكاتب حرية عمل في الدفاع عن المطالب وتسيير النقابة ام ان الجهاز متحكم وقد يصطدم مع الشغلية التواقين لتسيير انفسهم؟ ما العلاقة بين القيادة الوطنية و التنظيم المحلي : هل تتصرف التنظيمات حسب ما ترى ام ان موقف المركز هو حاسم الامر … لا سيما ابان المعارك ؟
علاقة الفروع الإقليمية بالمكاتب النقابية في وحدات الإنتاج علاقة تبعية مطلقة، علاقة تلميذ مع الأستاذ … هذا الأخير هو الذي يعرف كل شيء، ومصدر اليقين، وهو الملاذ في كل معضلة تواجه القاعدة … هذا واقع مقصود ناتج عن طبيعة القيادات النقابية، الساعية الى التحكم في التنظيم وفي النضالات، والمعادية لكل تسيير ذاتي لهما. الخوف من القاعدة ومبادراتها، ومنطق التعاون مع ارباب العمل لحفظ السلم الاجتماعي هو الذي يحكم العلاقة داخل النقابات بين الأجهزة و القاعدة. ويكون العمال/ت الجدد الملتحقون/ت بالنقابة بلا سابق تجربة نضالية ضحية لهذا النوع من العلاقة التي تبدو عادية، يتربون عليها، وعلى انهلا علاقة اخرى ممكنة غيرها. يتم تكريس فكرة ان النقابة جهاز وساطة، نوع من المحامي، له مقدرات خاصة لحل المشاكل يستمدها من علاقاتها بالدوائر العليا المعنية، ومن وجوده بعدد من المؤسسات (البرلمان، عدد من المجالس الاستشارية …) ، كل هذا يخلق لدى الشغيلة عقلية الاتكال و السلبية و انتظار المنقذ. هذا النوع من النقابة يتصيد طاقة النضال التي يعبر عنها العمال/ت ويقوم بالتحكم فيها كي لا تتحول الى نقابة فعلية ديمقراطية وكفاحية. تصور أن النضالات لا تخاض الا عند نفاذ طاقة تحمل القواعد، وليس نتيجة برنامج مدروس ضمن خطة نضالية. وحتى عندما يفرض العمال/ت معارك يتدخل الجهاز الإقليمي لإطفاء الحريق مقابل فتات …
نفس الشيء على صعيد علاقة الوطني بالمحلي : يأتي مسؤولون نقابيون من فوق يلتقون بارباب العمل، في اثناء معارك محلية، ويتفقون معهم على حلول دون رأي القاعدة، غالبا ما تكون لصالح رب العمل. نموذج ذلك ما جرى بتعاونية كوباك للحليب.
وهذه الممارسات أسهمت كثيرة في تشكيل الصورة الرائجة في القاعدة العمالية العريضة: صورة تبرز النقابة كجماعة من السماسرة المنتفعين على ظهر الشغيلة. وهي صورة يروجها بقوة اعلام البرجوازية، ومع الأسف لا نتصدى لها كفاية. إنها أحد أسلحة محاربة النضال النقابي وقد برز مفعولها بجلاء في حراك شغيلة الزراعة المنطلق في 25 نوفمبر 2024 . باختصار هذا أحد اوجه الازمة النقابية التي تستدعي جهودا جبارة.
في ظل التشتت النقابي الذي تفرضه القيادات، ما مدى وجود ميل وحدوي لدى العمال، وما توجيه القيادات في هذا الصدد، لا سيما ان الانتخابات المهنية تخلق تنافسا بين الشغيلة أنفسهم.
العمال/ت لايميزون بين النقابات، وبالتالي التضامن مع عمال من نقابات أخرى أمر عادي عندهم، باستثناء الانتفاعيين الذي لهم مصالح ذاتية خاصة يتشبتون بالنقابة التي يوجدون فيها ويتعصبون لها حفاظا على مصالحهم. العمال ميالون للتضامن تلقائيا، لكن المسؤولين النقابيين الكبار في الأجهزة والمكاتب الجهوية يحاولن كسر الوحدة ، و محاربة فكرة ان لا فرق بين العمال بالقبعات النقابية … يحاولون كسر الميل الوحدي باي مبرر بما فيه الاكاذيب، التي قد تؤثر على الشعور الوحدوي.
الوحدة والتعاون بين اجهزة نقابية محلية نادر، ومعركة مشتركة على ملف كبير منعدمة. كل جهاز نقابي يسعى لاضفاء مصداقية على نفسه، بادعاء ان الفضل يعود اليه في تحقق مكاسب عمالية. مثلا كل نقابة تدعي انها منتزعة التعويضات العائلية لفائدة شغيلة الفلاحة. ومحليا كل جهار ينسب الى نفسه بعض المكاسب المحققة في مضمار النقل اللائق، لاغيا نضالات دامت سنوات مديدة. محاولة اظهار ان الجهاز هو الذي حقق المكاسب يجعل الشغيلة لا يكتسبون الثقة في النفس ولا يرتبطون بتاريخهم النضالي، ويضعف الاقتناع بأن المكاسب ثمرة الوحدة و التضامن والتضحيات العمالية.
التعصب للانتماء (فخر الانتماء) سائد عند الانتهازيين المرتبطين بالبيروقراطيين المحليين او الوطنيين ومع الأسف حتى لدى بعض اليساريين. احيانا تحصل صراعات بين العمال في الضيعات بسبب الانتماء ات النقابية المتباينة . لكن التوق الى الوحدة قوي . لاحظنا ان نداءنا الى جميع العمال من كل الانتماءات مؤخرا لقي تجاوبا عريضا من قبل عمال كانوا معنا وكفوا عن النضال، او هم في نقابات اخرى … ما يدل على الحس الوحدوي عند الشغيلة
كيف ترى مستقبل العمل النقابي في ظل اساليب التشغيل السائدة؟
حدث تحول تحول كبير بالمنطقة متمثل في استشراء التشغيل بالوساطة. وكما هو معلوم فهو ناسف لإمكانية التنظيم النقابي. بل إن هذا النسف هو إحدى غاياته الرئيسية. أصبحت غالبية الشغيلة في وضع هشاشة، لا حول و لا قوة لهم إزاء رب العمل.
الآن لا يمكن تأسيس النقابة لعدم استقرار علاقة الشغل، هذه الحالة موجودة أصلا في منطقة بركان حيث يقوم صاحب وسيلة النقل (بيكوب) في اوقات الجني باستجلاب العمال وأداء اجورهم يوما بيوم. لذلك لا تجد النقابة في المنطقة سوى لدى عمال صوديا .
العمال ضحايا الهشاشة طبعا لديهم مطالب، لكن المخاطب لم يعد رب العمل بعد ان انتفت به العلاقة. المخاطب عمليا هو الدولة باعتبارها تسن القوانين وهي المسؤولة عن هذا الوضع، بما فيه مسؤولية قصور جهاز تفتيش الشغل .
الوضع يسير نحو سيادة مطلقة للهشاشة، مع انتقال تدريجي للمرسمين الى التقاعد.
هذا لا يعني انتفاء المقاومة العمالية، بل ستتخذ اشكالا وصيغا مغايرة، دل على ذلك حراك 25 نوفمبر ببيوكرى وخميس ايت عميرة.
سيناضل ضحايا الهشاشة بسبب تكاثر وتفاقم المشاكل التي تدفع الى المقاومة. المناضلون/ الصادقون/ت مطالبون بالانفتاح والتواصل مع هذه الفئة وتنظيمها. سيجد العمال طريقا للرد ، عند نفاذ طاقة التحمل. على النقابات المناضلة تنظيم حملات لرفع الوعي الطبقي، بابراز اصل البلاء وأسباب المشاكل، وبتبديد الأوهام. النقابات عليها ان تقوم بدورها رغم تغير اشكال التشغيل، حاجة العمال الى النضال تظل قائمة. العامل بحاجة دائمة الى أداة مقاومة.
الرفيق ميلود، شكرا، ما أكثرها من شؤون وشجون، لم نتناول أمورا جوهرية عديدة، لا سيما أوضاع العاملات ورفاق الكدح من أصول افريقيا جنوب الصحراء، وكذا البدائل على صعيد تسيير النضال وادواته، نأمل ان نعود إلى ذلك في مقابلة أخرى للافادة من تجربتكم الغنية.
اقرأ أيضا