مسيرة الجماهير الشعبية في ايت بوكماز في حوار مع الرفيق هشام أزرو

طلعت البشرى من أعماق جبال الأطلس لتثلج صدور المناضلين والمناضلات، ولا شك كل مقهوري المغرب ومقهوراته ممن علموا بها بالمسيرة الشعبية العارمة التي اتجهت الى أزيلال رافعة مطالب الحياة اللائقة والكرامة. هذا لاسيما أننا نعيش، منذ إخماد حراك الريف المجيد بالقمع، مناخا خانقا من إعدام الحريات، وتراجع النضالات الشعبية، ما خلا استثناءات نادرة كان منها حراك مدينة أزمور و مؤخرا حراك مدينة فجيج . إقليم ازيلال تاريخيا بؤرة كفاح شعبي، نتذكر منه مثالا لا حصرا مسيرة أيت بلال في متم التسعينات.
بقصد إلقاء ضوء على الخطوة النضالية التاريخية لجماهير ايت بوكماز الشعبية يومي 9 و10 يوليوز، أجرت جريدة المناضلة الحوار التالي مع المناضل هشام أزرو ، نائب كاتب فرع فيدرالية اليسار الديمقراطي في أزيلال، وعضو المجلس الوطني لشبيبة اليسار الديمقراطي، بصفته مشاركا في الكفاح الشعبي وفاعلا سياسيا من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ينفتح إعلام المناضل-ة على كل مناضلي الطبقات الشعبية ومناضلاتها ضمن منظور تعاون قوى اليسار وتوحيد فعلها، ونصرة لكافة الكفاحات العمالية والشعبية التي ولا شك ستتبلور في معمعانها طليعة النضال من أجل تغيير شامل وعميق، تغيير جذري يضع المغرب على طريق بناء مجتمع الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية .
نشكر الرفيق هشام، مؤكدين التزامنا بالعمل يدا في يد مع كل قوى الشعب الكادح المقاومة للظلم الطبقي والتواقة لبديل يحقق الكرامة و الحياة اللائقة

*ما السياق النضالي لمسيرة 9 و 10 يوليوز ؟ هل شهدت المنطقة احتجاجات في الأشهر القليلة الماضية ؟
أول ما يلاحظ في المطالب، بفعل طبيعة المنطقة القروية، غياب ما يتعلق بالنشاط الفلاحي ( زراعة وتربية ماشية ) ما عدا مطلب السدود التلية لتفادي الفيضانات، هل يعني هذا غياب مشكلات على هذا الصعيد؟
– – تحية الرفيق. المهم إجابة على السؤال الأول، السياق الذي جاءت فيه مسيرة 9 و10 يوليوز 2025 لساكنة أيت بوكماز هو سياق نفاذ صبر الساكنة وشعورها بنوع من الحكرة، ونوع من تصفية الحسابات السياسية. لأن جميع المشاريع متوقفة، أو تم توقيفها بسبب الانتماء السياسي لرئيس الجماعة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، منذ وصول العامل الجديد، عامل إقليم أزيلال، وهو يواجه الكل بأبواب موصدة، فمثلا نحن في فيدرالية اليسار وجهنا له رسالة من أجل لقاء حول ملف المعطلين بإقليم أزيلال، فإلى يومنا هذا، منذ 3 أشهر أو 4 أشهر ، لم نتلقى أي جواب سواء بالإيجاب أو بالسلب. عدم التجاوب من قبل العامل الجديد أدى إلى حالة الاحتقان وإلى حالة الشعور بالإهمال والنسيان هذا من جهة.
– الشق الثاني من السؤال فالنشاط الذي تعتمد عليه في منطقة أيت بوكماز هو النشاط الفلاحي. بالنسبة إليهم المياه موجودة لكن مثلا قبل شهرين أو ثلاث أشهر في أبريل وماي كانت هناك فيضانات جارفة في أيت بوكماز فأخذت للناس كل حقولهم بما زرعوا. وهم يعتمدون أساسا على حقول التفاح لأنها هي مورد رزقهم الوحيد. وعندما تأتي السيول تضر بهذه الحقول فيصبح وجودهم وتصبح حياتهم مهددة لأن مورد رزقهم الوحيد هو التفاح إلى جانب تربية المواشي. فمثلا يربون الماعز ويربون الأغنام ويربون كذلك الأبقار لكن الأبقار تكون معيشية فقط. يأخذون الحليب يستهلكونه ويوزعونه على أقاربهم، ليست هناك شركة كبرى تأخذ الحليب من عين المكان.
– لهذا كان المطلب ذو أسبقية طلبوا في هذا الصدد هو بناء سدود تلية تحمي حقول المواطنين من الفيضانات. فالمطالب التي وضعتها الساكنة محكومة بمنطق الأولويات. بالنسبة إليهم ست مطالب أو سبع مطالب التي تداولوا حولها مع العامل اليوم ليست كل المطالب بل هي المطالب ذات الأولوية والأهمية القصوى الآن بمنطقة أيت بوكماز.

• 2 كيف تم التحضير للمسيرة ؟ وكيف يتم التواصل مع الجماهير الشعبية للإنصات لتظلماتها ومطالبها ؟

-النسبة لتنظيم المسيرة كان هناك عدة لقاءات، من أهمها لقاءين في الأسبوع الماضي. لقاء كان في مقهى، تسمى مقهى السلام في منطقة أيت بوكماز. اجتمع الكل لكي يقرروا. فقرروا في البداية أن يكون هناك حوار مع السيد العامل بحضور ممثلين عن المجتمع المدني. فرفض العامل لقاء يكون فيه رئيس الجماعة ومعه المجتمع المدني. أراد أن يلتقي فقط رئيس الجماعة. هذا ما رفضه رئيس الجماعة. فأُغلق باب الحوار. لهذا في الاجتماع الموالي رفضت الساكنة أن تُعامل بهذا النحو، وأكدت أن من ينظم المسيرة ومن ينظم هذه الأعمال الاحتجاجية السلمية هو الأولى وهو الذي يفهم طبيعة المنطقة ويفهم أولوياتها، ويعرف كيف يترافع عن المنطقة. لهذا تقرر تنظيم مسيرتين. أما فيما يخص الجوانب التنظيمية للمسيرة كان هناك جمعية لأعمال اجتماعية في ازيلال هي التي تكلفت بإعداد الأكل. وأما المبيت فكان المواطنون يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.

* ما هو النطاق الجغرافي المعني بهذه المطالب ؟ وهل ثمة دينامية مطلبية شبيهة في المناطق المجاورة ؟
بالنسبة للنطاق الجغرافي، فكل إقليم أزيلال منكوب بالمعنى الحرفي للكلمة. فلا يوجد أي شيء. هناك دواوير تحتج، هناك دواوير تنتظر، وهناك دواوير تربي الأمل كما قال درويش.
فبالنسبة لأيت بوكماز، فإنه وصل السيل الزبا، وتعبت من كثرة الوعود والتأجيلات والمماطلات، لهذا نظمت هذه المسيرة. في نفس الوقت جرى تنظيم مسيرة أخرى اتجهت نحو ورزازات من أيت اومديس، وهي منطقة جبلية أخرى أقرب إلى ورززات منها إلى أزيلال، لهذا اتجهت إلى مدينة ورزازات، ويمكن أن أقول بدون مبالغة، إن المسيرات التي تأتي من الجبال، ومن السفوح نحو عمالة أزيلال تكون بشكل شبه أسبوعي، أو مرتين في الأسبوع، تكون هناك مسيرات حول الماء، حول تغطية شبكة الهاتف النقال، أو تغطية الأنترنت، وكذلك حول التطبيب، حول ملاعب القرب، أو دور الشباب، إذن بشكل شبه يومي أو بشكل شبه أسبوعي تكون هناك مسيرات متجهة نحو عمالة أزيلال. فأقليم أزلال هو إقليم منكوب بكل معنى الكلمة. وهو بحاجة إلى مشروع تنموي على المستوى المركزي الكفيل وحده بإنصاف هؤلاء السكان.

• لوحظ في المطالب غياب ما هو خاص بالنساء ، مثلا نادي لتعلم الحرف او محو الأمية او حضانات للأطفال عند انصراف النساء لإشغال الحقول ؟ هل يعني هذا نوعا من نسيان النساء؟

– و بالنسبة لمنظمي لهذه المسيرة ، أي جمعيات المجتمع المدني هناك أولويات. فمثلا النساء في أيت بوكماز يستعن بجاراتهن أو ببناتهن الصغيرات لكي يهتموا بأطفالهم الصغار أثناء انصرافهن إلى الحقول. وهذا لا يعني نسيانا للنساء. فعندما نتحدث عن الطبيب فنتحدث عن المرأة والرجل. عندما نتحدث مثلا عن شبكة الأنترنت إنها هي مطلب للمرأة والرجل، عندما نتحدث مثلا عن سدود تلية لحماية الحقول، فالذي ينتفع من هذه الحقول أو يجني بهذه الحقول ومنها، هو في نهاية المطاف المرأة والرجل والأسرة بأكملها. المطالب وضعت بمنطق الأولوية والاستعجال ويمكن التداول في المطالب الأخرى .

• كيف هي علاقة المجلس القروي بالسكان؟ وهل يتواصل المتنخبون بإنتظام مع الناخبين؟ وكيف هو دور مختلف المنتخبين في التعبئة الجارية؟
– بعض المنتخبين، ومن ضمنهم رئيس الجماعة، كان جزءً من هذه المسيرة. بالنسبة إليه يقول أنا جزء من هؤلاء الناس. هم من قاموا بالتصويت علي. هم من وضعوني على كرسي المسؤولية. ولكن عندما أبحث عن أي مصلحة أو عن أي مشروع سيفيدهم فإنني أجد كل الأبواب موصدة أمامي. إذن الحل النهائي بالنسبة إلي هو الذهاب مع هؤلاء. ولكن تجدر الإشارة كذلك إلى أن الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الجماعة يتحمل المسؤولية فيما وصلت إليه الأوضاع. فحزب العدالة والتنمية في المغرب كان في موقع القرار. كان له قرار لعشرة سنوات وهو في المسؤولية، سواء في الجماعات، أو في الجهات، وكذلك على المستوى المركزي في الحكومة. ولم يقدم أي شيء لهؤلا .الناس. وهناك فيديو لرئيس الجماعة وهو يطالب بإنصاف الجبل. وهو في البرلمان كنائب برلماني أمام حكومة من العدالة والتنمية التي ينتمي إليها هو كذلك. إذن حزب العدالة والتنمية جزء من هذه المشاكل. لكن لا يمكن أن نأخذها كذريعة لعدم إنصاف هؤلاء الناس بل يجب إنصافهم، ولهم الحرية في نهاية المطاف في اختيار من يرونه مناسبا لتمثيلهم، لأن الحق في الاختيار هو حق دستوري، وحق في كل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

• عادة ما يتم نعت الاحتجاجات بان وراءها قوى سياسية وذلك بقصد النيل من مصداقيتها، وتنفير الجماهير منها، فهل ينطبق ذلك على احتجاج ايت بوكماز ؟

– نعم ظهرت هناك مجموعة من التقارير ومجموعة من البلاغات منسوبة إلى سكان أيت بوكماز تقول أن وراء هذه المسيرة حزب العدالة والتنمية. وأقول أنا كنائب فيدرالية اليسار الديمقراطي، أقول لو أن الدولة المغربية، أيا تكن الحكومة، أعطت الأولوية للجبل، وأنصفت الجبل، ولم تُشعر هؤلاء الناس أنهم غير مرغوبٍ فيهم بسياساتها تجاه الجبل، لما وجد من يُقال عنهم أنهم يجيشون الناس، لما وجدوا ما يجيشونه. لو وجدت أيت بوكماز الطبيب، والطريق، وشبكة الأنترنت، وسدوداً تلية، وملعباً، ومدرسة جماعاتية… فلن الساعي الى التجييش ما يُجيش.
إذن هناك دائما هذه الأقاويل، غايتها النيل من المطالب المشروعة للناس عندما يشعرون بالقهر.
فعندما يشعر المواطن المغربي بالقهر فإنه يتجه بالأساس سلميا بمطالبه نحو المسؤولين، لأن المواطن المغربي نضج بما فيه الكفاية لكي يستطيع التحاور مع من يمثله ويستطيع كذلك التحاور مع من يحكمه حول مشاكله وحول ما يريده.

• لوحظ غياب النساء في المسيرة بخلاف ما شهدت تعبئات اخرى للجماهير القروية ، فما مرد ذلك الغياب ؟

– تم الاتفاق حول أن هناك وقفة احتجاجية ستبرمج فيما بعد للنساء. ومرد غياب النساء هو التخوف من الإضرار بسلامة النساء. الخطر يتحمله الرجل الذي يريد دائما حماية بناته ونسائه وأمه وأخواته. ولأن المسالك وعرة، ولأن الطريق شاق جدا، كله جبلي، حوالي80 كيلومترا من الجبل ما بين مركز أيت بوكماز ومركز أزيلال. لهذا قرروا أن تبقى النساء في المنازل حماية لهن، ويحضروا هم ويواجهوا كل المخاطر.
فمثلا أمس أحد المحتجين لسعته عقرب وهو نائم في مركز أيت محمد. فجاءت سيارة الاسعاف وأخذته في حالة حرجة نحو مدينة أزيلال. إذن مرد غياب النساء هو محاولة حمايتهن من الأخطار التي قد تواجههن في الطريق وهم متوجهين راجلات نحو مقر العمالة بأزيلال

• كيف كان تجاوب السكان مع المسيرة على طول مسارها من ايت بوكماز إلى أزيلال؟

أثناء اتجاه المسيرة نحو العمالة تعرضت لمضايقات في الطريق؛ بل كل السيارات و عربات النقل المزدوج وكذلك الشاحنات التي كان يركبها المجتجون تم حجزها في الطريق أو توقفت في الطريق عند حاجز للدرك الملكي، أما المحتجون فقد تجاوزوا هذا الحاجز راجلين.
إذن كانت هذه الطريق صعبة جدا، وكانت هناك عوائق طبيعية، وكذلك عوائق سلطوية لكي تحول دون وصولهم إلى أزيلال. لكن قدر الحكرة وقدر المأساة كبير جداً لا يمكن أن يوقفهم أي شخص أو أي شيء لكي يصلوا إلى وجهتهم، مركز أزيلال.

• كيف تم تيسير الاحتجاج ، بتشكيل لجان مكلفة بمختلف جوانبه ؟

– الجمعيات التي تعمل بأيت بوكماز هي التي تكلفت بكل الجوانب التنظيمية والإعلامية وكذلك الجوانب اللوجستيكية من أجل تنظيم هذه المسيرة على أحسن وجه.

• كيف جرى اللقاء مع عامل الإقليم وما نتائجه وهل ستتم لقاءات مع السكان لشرح هذه النتائج وافاق العمل ؟
– عند وصول المسيرة إلى أزيلال كان لقاء مع عامل الإقليم . نتج عن اللقاء برمجة زمنية، من بينها لقاء سيكون مع رئيس الجماعة وأعضاء المجلس، سيذهب العامل إلى جماعة تبانت كي يلتقي مع ممثلي الساكنة، مع المنتخبين في تلك الجماعة. كما تمت برمجة مجموعة من الاجتماعات مع المصالح الخارجية. سيعقدها رئيس جماعة تبانت مع مصالح العمالة. وتعهد العامل بنقط أولى في عشرة الأيام الأولى: منها شبكة الانترنت في أسرع وقت. كذلك ملعب بتابنت. والمطالب الأخرى ستتم برمجتها كل في حينه. حسب قول لجنة الحوار التي كانت مع العامل اليوم في هذا اللقاء.

شارك المقالة

اقرأ أيضا