آيت بوكماز: دفاعا عن حق رئيس الجماعة المنتَخب في قيادة الاحتجاجات

بقلم : سعيد الريشة

بعد أن اضطر إلى قيادة احتجاجات آيت بوكماز، تعرض خالد تيكوكين رئيس تبانت (آيت بوكماز) بإقليم أزيلال لهجوم شرس من طرف رئيس حكومة الواجهة، عزيز أخنوش. اتهم هذا الأخيرُ رئيسَ الجماعة، في قبة مجلس المستشارين التي تضم أيضا منتخَبين، بأنه “يؤجج السكان”، ولقَّنه دروسا في صلاحيات المنتخَبين: “إن رئيس الجماعة باعتباره وسيطا منتخَبا كان عليه أن يسعى إلى سلك المساطر المعمول بها لحل مشاكل الساكنة، وليس أن يحرضهم على الاحتجاج”، ودعاه “أن يغادر منصبه إن أراد قيادة الاحتجاجات”.

كل كلمة نطق بها رئيس حكومة الواجهة، عزيز أخنوش، أضاليل وأكاذيب، الغاية منها تجريم نضالات سكان آيت بوكماز، وفي نفس الوقت رَدْعَ أي رئيس جماعة سيضطر مستقبلا إلى قيادة احتجاج ونضال، خصوصا، عندما حاول أن يصدم رئيس جماعة آيت بوكماز مع الدولة، بقوله: “المشاكل المطروحة في أيت بوكماز في متناول الدولة وأن حلها ليس صعبا”.

حجم الأضاليل في هذه المقتبسات القليلة ضخمٌ جدا، وهو يعكس الخوف والرعب الذي يعتري الحاكمين عندما يقف الكادحون- ات على أقدامهم- هن للنضال وإمساك أمورهم- هن بأيديهم- هن، فما بالك عندما يجبرون من يوجد في “موقع مسؤولية” على قيادة الاحتجاجات. وهو حال خالد تيكوكين رئيس جماعة تبانت/ آيت بوكماز، الذي أشار في حوار مطول مع موقع “العمق”، أكثر من مرة، أنه كان مُجبَرا على قيادة تلك المسيرة. [13-07-2025، https://www.youtube.com/watch?v=_KZ8SZ_PRCY&t=2213s]

عن سلك المساطر المعمول بها لحل مشاكل السكان

كان هذا ضمن الهجوم الذي شنه عزيز أخنوش، رئيس حكومة الواجهة، على الرئيس المنتخَب خالد تيكوكين، إذ قال: “إن رئيس الجماعة باعتباره وسيطا منتخبا كان عليه أن يسعى إلى سلك المساطر المعمول بها لحل مشاكل الساكنة”.

طبعا لأن المسألة سياسيةٌ بامتياز، فإن عزيز أخنوش، لا يهتم بالحقائق والوقائع على الأرض، بل بالنتيجة السياسية لاتهاماته: ردع رئيس جماعة منتخَب عن الاحتجاج وقيادته.

في الحوار مع موقع “العمق”، بسط خالد تيكوكين، “المسار الترافعي والمساطر المعمول بها لحل مشاكل الساكنة”، بقول:

* “تقدمنا بطلب مقابلة ما يزيد عن شهر، لنبدأ العمل مع الإدارة الإقليمية الجديدة، ولم يكن هناك أي حديث عن المسيرة”؛

* “أنا كنت انتظر استدعائي من طرف السيد العامل لعقد اللقاء الذي طلبناه في دورة رسمية بحضور السلطة المحلية، وأودعناه في ديوانه… عملنا تذكيرا حول الموضوع للسيد الكاتب العام مرتين على الأقل”.

يبدو إذن أن رئيس جماعة تبانت/ آيت بوكماز، كان حريصا على أداء “دور الوسيط المنتخَب”، لكن إدارة وزارة الداخلية (عامل الإقليم)، هي التي رفضت هذا الدور، أو تلكأت عن الاستجابة له، حتى اضطرت هي الأخرى إلى ذلك، بعد أن تبين أن السكان مصرون على تنفيذ المسيرة، وهو ما أقره به رئيس الجماعة: “لأنه بعد أن تبين أن الأمور تنضج، وأن هناك لجان التنظيم وتسطير الملف المطلبي واقتراب الحسم في موعد المسيرة، تلقيت مكالمة من ديوان السيد العامل يخبرنا بأن الموعد قد حُدد”. وبعد عقد ذلك الاجتماع، حمل رئيس الجماعة ردود عامل الإقليم إلى السكان الذين رفضوها، وصرح رئيس الجماعة بدوره ، أنها لم تُقنعه ، لأنها “لم تتضمن مُددا محددة لتحقيق المطالب”.

أما عن دور الوسيط، فقد صر رئيس الجماعة، على التنفيذ الحَرفي لما يوجد في الوثائق الرسمية للدولة وعلى رأسها الدستور، من إشراك المجتمع المدني، مُقترحا أن يوسَّع الاجتماع مع العمالة ليضم “ممثلي المجتمع المدني”، ويقصد بهم رئيس الجماعة “الناس الذين بدأوا يفكرون في المسيرة”. وحسب هذا الأخير: “كان لدى العمالة تحفظ على حضور المجتمع المدني. وفي نهاية المطاف بُلغت يوما قبل اللقاء، بأن السيد العامل سيقابل الرئيس وحده”.

ماذا يريد رئيس حكومة الواجهة أكثر من هذا من رئيس الجماعة المنتخَب؟ إنه يريد الطاعة التامة، أي أن يصطف رئيس الجماعة المنتخَب إلى جانب السلطة ضد السكان المطالبين بحقوقهم. إن ما يلام عليه رئيس الجماعة المنتخَب ليس “عدم سلوكه للمساطر”، بل الإفراط في ذلك مفوتا على الاحتجاج وقتا طويلا، لدرجة أنه حاول إقناع السكان بتعويض المسيرة بوقفة في مركزة آيت بوكماز.

هل أجج رئيس الجماعة السكان على الاحتجاج؟

هذه تهمة أخرى وجهها رئيس حكومة الواجهة إلى رئيس الجماعة المنتخَب. فهل تجد سندا لها في الواقع؟ هذا ما قاله خالد تيكوكين بالحرف في حواره مع موقع “العمق”: “أنا لدي موقف من هذه الأشكال الاحتجاجية، ويعرفه الجميع، وطالبتُ الإخوان بالتريث وأن الوقت غير مناسب…”، “السكان والسلطة المحلية كانوا يعرفون موقفي من المسيرة منذ البداية، وهو أنني غير متفق مع المسيرة. لدرجة أنه عندما قُررت المسيرة، طلبتُ منهم أن نقوم بوقفة في مركز تبانت ونطلب من المسيؤولين القدوم إلينا. ولم يوافقوا”. ولحسن حظ النضال أنهم لم يوافقوا.

يُعَد هذا جزءا من الخلفية السياسية لرئيس الجماعة، فكونه عضوا في حزب العدالة والتنمية، هذا الحزب الذي كان دائما يقف ضد الاحتجاجات الشعبية، وأمرَ شبيبته بعدم الانخراط في مسيرات حركة 20 فبراير سنة 2011، كما نادى بعدم المشاركة في حَراك الريف، بل ووقف ضده. يفضل هذا الحزب، “سلوك المساطر المعمول بها” و”العمل داخل المؤسسات”، وهو ما أكده إدريس الأزمي (النائب الأول للأمين العام للحزب)، في رده على تصريحات أخنوش: “دورنا أن نرشِّد. حزب العدالة والتنمية كان دائما كذلك، وليسأل السلطات المحلية والجهوية والمركزية، عن الأدوار الدائمة لمنتخبي حزب العدالة والتنمية، وهي دائما الترشيد وامتصاص الغضب والوساطة، وليست يوما في التأجيج”، راميا في نفس الوقت تهمة تأجيج الأوضاع في وجه عزيز أخنوش، بتدخلاته داخل المؤسسة التشريعية (تهديد المستثمرين، تهديد رئيس الجماعة). [15-07-2025، https://www.youtube.com/watch?v=TY_C9mZsU8c]

في تصريحات رئيس جماعة آيت بوكماز، ما يؤكد ذلك: “هناك مسألة اتفق فيها مع أولئك الذين يتساءلون عن: “لماذا رئيس جماعة يخرج في مسيرة احتجاجية؟”، واتفق معهم حول “أن رئيس الجماعة دوره التدبير وليس قيادة الاحتجاجات. عندما ننتخب شخصا يكون منصة للترافع ومسؤولا عن التدبير والحوار المؤسساتي”.

يتفق إذن رئيس الجماعة المنتخَب مع رئيس حكومة الواجهة، على أن دور المنتخَب هو “التدبير المؤسساتي” و”الوساطة”، وليس قيادة الاحتجاجات. وما أتاه خالد تيكوكين هو سلوك منافٍ كليا لسياسة الحزب، وكان ذلك اضطرارا وليس اختيارا، كما صرح هو نفسه.

قيادة المسيرة: إجبارٌ لا اختيار

بعد اتفاق خالد تيكوكين مع عزيز أخنوش على هذا الدور، اضطر إلى قيادة مسيرة سكان آيت بوكماز الاحتجاجية. صرَّح خالد تيكوكين: “أنا عرفتُ أن قرار المسيرة ما دام قد اتُّخذ فإنه سيُنجَز”، وكتب تدوينة على الفايسبوك بعد ذلك القرار: “إن ساروا في مسيرتهم سأمشي فيها”.

هل كان رئيس الجماعة مضطرا؟ نعم، وهذا ما أكده بنفسه: “متى سأصبح قائدا مُجبَرا لمسيرة آيت بوكماز؟”، وأجاب: “عندما تدخلت السلطة مانعة مرور السيارات، وحدث خلل في تنظيم المسيرة. في تلك اللحظة بالذات أصبحتُ مُجبَرا على قيادة المسيرة، بموافقة السكان”.

قبل ذلك كان يساوره أمل بأن السلطة المحلية ستتدخل لنزع فتيل الاحتقان، بالمعهود من آليات إطفاء الاحتجاجات، وهي الحوار. قال رئيس الجماعة: “شاركتُ في المسيرة وكان تقديري هو أنها ستقف في نقطة معينة لإجراء حوار ينفس الأوضاع”. وهو نفس السلوك السائد لدى بيروقراطيات النقابات: التلويح بالمناوشات على أمل أن تفتح الدولة الحوار “تفاديا لأي انفلات”.

وعندما أُجبر على قيادة المسيرة، أتى سلوكا يتنافى مع اتهامات أخنوش له بأنه “يؤجج السكان”، إذ عِوض أن يؤجج سكان الدواوير الأخرى لينضموا إلى المسيرة، أتى بالعكس، وهو ما صرَّح به بنفسه: “هذا الشكل من الاحتجاجات بهذ العدد من الناس، إذا لم يكن مؤطَّرا بالشكل الجيد في الاتجاه الجيد، يمكن أن يحدث فيه انفلات. وكان مسار المسيرة مُجِهدا، سرنا في طرقات جبلية وعرة. اخترقنا الجبال لكي لا يحدث التماس مع سكان لا نعرفوهم”.

طبعا يتفادى من يريد “تأجيج الاحتجاج” عكس خالد تيكوكين، انفلاتَ الأمور بشكل يعطي للسلطة مبرر التدخل القمعي، لكنه يعمل على “انفلات” من نوع آخر: توسيع دائرة الاحتجاج لتشمل قطاعات أخرى من السكان، وهو ما لم يقم به خالد تيكوكين، عندما “تفادي التماسَّ مع سكان لا يعرفهم”. أي تفادي توسيع الاحتجاج وتطويقه في حدود “جماعته القروية”، كي لا يتحول إلى حراك مثل حراك الريف، وقد صرَّح تيكوكين بأن اضطراراه لقيادة المسيرة كان لقطع الطريق أمام بروز قيادات أخرى. إن رئيس جماعة تيكوكين وهو يقود مسيرة السكان مضطرا قد قدَّم خدمة جلية للدولة. ومن شأن بروز قيادات فعلية منتخَبة للاحتجاج أن تضمن عدم تكرار الأمر.

محاولة صدم الرئيس المتخَب مع الدولة

هذا ما قاله عزيز أخنوش رئيس حكومة الواجهة، أمام قسم من ممثلي الأمة بمجلس المستشارين: “المشاكل المطروحة في أيت بوكماز في متناول الدولة وأن حلها ليس صعبا”، في إحالة منه إلى أن رئيس الجماعة المنتخَب يتحدى الدولة. فهل هذا صحيح؟

لم يتحدَّ رئيس الجماعة المنتخَب الدولة، بل كان ما قام به قبل المسيرة وطيلتها وبعدها من صميم ما تريده الدولة: تأطير استياء السكان كي لا ينفلت ويتجاوز سقف المؤسسات، وتنفيذ نفس السياسات النيوليبرالية التي تجعل من الجماعة المحلية ومنظمات المجتمع المدني طرفا يقدم الخدمات العمومية والاجتماعية بدلا من الدولة. أكثر من ذلك، عزا عبد الله بوانو أوضاع جماعة تبانت، بل إلى قرار سياسي لمحاصرة الجماعة التي يقودها منتخَب من حزب العدالة والتنمية، في الوقت الذي تستفيد فيه الجماعات القروية الأخرى، مانحا هكذا صكَّ تبرئة للسياسات العامة للدولة. [[17-07-2025، https://www.youtube.com/watch?v=prg0qlC07ek&t=1s]

قال خالد تيكوكين في حواره مع جريدة “العمق”: “كنتُ أفضل في إطار التأطير الجيد، أن يكون لقاءً موسَّعا، لأن أعضاء المجلس الجماعي أيضا لديهم أدوراهم، وتمثيلية الألوان السياسية، وهذا يساعدنا على تأطير المواطنين تأطيرا جيدا”، وهو المنطوق الحرفي للفصل 7 من دستور 2011. لكن رفض العمالة هذه المنهجية هو “ما سرَّع قرار تنفيذ المسيرة الاحتجاجية” واضطراره إلى قيادتها، حسب تصريح خالد تيكوكين.

منطوق الفصل 7 من الدستور هو إضفاء الطابع المؤسساتي على مشاكل السكان، وتفادي، بقدر الإمكان، اندلاع الاحتجاجات، وهو ما أقره خالد تيكوكين، عندما أكد أنه أُجبر على قيادة المسيرة، وعندما قال بأن “المسيرة سلاح المضطر”.

الأمر يتعدى هذا الجانب. فسياسة الدولة منذ مدة قائمة على عكس ما قاله أخنوش من أن “المشاكل المطروحة في أيت بوكماز في متناول الدولة وأن حلها ليس صعبا”. فمنذ عقود كانت تروَّج مقولة أن الدولة ليست المسؤولة الوحيدة عن تقديم الخدمات العمومية والاجتماعية، وهو ما كرسه دستور 2011. وفي عز احتجاجات حراك الريف، صرح المستشار المَلكي محمد القباج قائلا: “إنّ الدولة ليس بمقدروها أن تلبي كل حاجيات المواطنين، ولا بد أن يساعدها المجتمع المدني”.

لقد رأينا كيف أن ممثل الدولة (عامل الإقليم) هو من رفض الشق الأخير من تصريح مستشار الملك؛ أي إشراك المجتمع المدني. فهذا الإشراك تريده الدولة فقط عندما تقوم منظمات المجتمع المدني بالبحث عن تمويلات لإنشاء مشاريع تقوم مقام الدولة في تقديم الخدمات. أما الشق الأول من تصريح القباج فهو يكذب تصريح أخنوش من أن “المشاكل المطروحة في آيت بوكماز في متناول الدولة وأن حلها ليس صعبا”.

أكثر من ذلك، لم يقم رئيس الجماعة المنتخَب، بتحدي الدولة، بل قام بتنفيذ روح دستور 2011. فعند الحديث عن مطلب الطبيب، أكد خالد تيكوكين أنه قبل المسيرة الاحتجاجية، كان هناك “مسار طويل من الترافع بسنوات. الطبيبُ أُدرجَ في جدول أعمال دورات المجلس الجماعي مرارا وتكرارا، وكانت هناك محاولات لم تنجح، لدرجة أننا بحثنا عن أطباء وطلبناهم ورغبناهم ووفرنا مسكنا للطبيب، كان مخصصا لموظفي الجماعي ووضعناه تحت إشارة الطبيب… وهذا في إطار سعينا لحل المشاكل التي نقدر عليها”. لقد طبق رئيس الجماعة المنتخب منطوق الفصل 31 من الدستور: “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية ولجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: “العلاج والعناية الصحية”… إلخ”.

الاحتجاج يعصف بكل الترتيبات المؤسسية

تعكس تهجمات أخنوش على تيكوكين حقيقة اجتماعية/ سياسية مفادها: في لحظات الهدوء، أو ما يُطلق عليه في رطانة السياسة المغربية: “السلم الاجتماعي”، تشتغل المؤسسات بشكل عادٍ لا يعكر صفوَها شيء. وتكون الترتيبات المؤسساتية والتفاهمات الانتخابية في شكلها العادي. ولكن ما أن تندلع الاحتجاجات، حتى تعصف بكل هذا المشهد، وتتقاذف الأحزابُ المسؤوليةَ مثل كرة نار تحرق راحة يد من توجد في يده. أثناء حراك الريف حاول حزب الأصالة والمعاصرة تحميل مسؤوليته لحزب العدالة والتنمية الذي كان في موقع المسؤولية الحكومية آنذك. وعندما اندلعت حملة مقاطعة السلع الاستهلاكية سنة 2018، التي كان عزيز أخنوش المستهَدف الرئيسي منها، اتهم هذا الأخير حزب العدالة والتنمية بالوقوف وراءها، ووصف المقاطعين بأنهم “غير متربين” ووعد بـ”عادة تربيتهم”. وبذلك ليس خروجا عن العادات السياسية أن يستغل حزب العدالة والتنمية، وهو في معارضة الواجهة، احتجاجات آيت بوكماز “لتصفية حسابات سياسية” لحزب في حكومة الواجهة. كل هذه الأحزاب تتناوب على تقاذف المسؤولية، ولكنها حريصة دوما على تفادي اتهام المسؤول الفعلي: النظام الرأسمالي وحاكمه السياسي.

نفس الشيء وقع حاليا مع مسيرة آيت بوكماز، حينما حاول رئيس حكومة الواجهة ترهيب رئيس الجماعة المنتخَب لأنه “قاد مُجبَرا مسيرة احتجاجية، مطالبا إياه “مغادرة منصبه إن أراد قيادة الاحتجاجات”. ولو كان حزب العدالة والتنمية في موقع مسؤولية حكومة الواجهة، وقاد رئيس جماعة منتخَب (من فيدرالية اليسار أو الحزب الاشتراكي الموحد مثلا) مسيرة احتجاجية، لكن بنكيران (أو غيره من الحزب) صرَّح بنفس تهديدات واتهامات عزيز أخنوش.

يدفع النضال، بعصفه بالترتيبات المؤسساتية، إلى أمور لا يتوقعها أحد، مثل إجبار رئيس جماعة منتخب ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية، إلى قيادة مسيرة احتجاجية. وليس خالد تيكوكين سابقة عن رئيس جماعة يقود احتجاجا، فقبله نظم مستشارون ورؤساء جماعات بدائرة أوطاط الحاج، يوم 08 يناير 2024، وقفة احتجاجية أمام المستشفى المحلي احمد بن ادريس الميسوري، للمطالبة بالأطباء، وإعادة الاعتبار للمستشفى المحلي، في ظل توالي حالات الوفيات جراء غياب الأطقم الطبية المختصة.

كانت احتجاجات سابقة، قد انتهت إلى حمل قادة الاحتجاج إلى موقع تسيير الجماعات المحلية، كما كان الأمر في سيدي إفني بعد انتفاضة سنة 2008، وجرادة بعد نضالات سنة 2018، وفجيج 2024 و2025 على خلفية النضال ضد تفويت المياه). وها نحن إزاء أمر معكوس: احتجاج يُجبر رئيس جماعة منتخَب على قيادة المسيرة… والحبل على الجرار.

ما ينقص في المغرب، هو منظمات نضال تستعمل المُتاح من “الهامش المؤسساتي” لحفز نضالات السكان وتنظيمهم. ولأن الطبيعة، مثلها مثل السياسة، تخشى الفراغ، فإن قادة من أحزاب موالية للدولة، قد يجدون أنفسهم (مثل خالد تيكوكين)، إما صدفة أو اضطرارا، للحلول محل منظمات النضال تلك. وهذا ما سبق وفعله قادة حزب العدالة والتنمية، عندما استغلوا منبر البرلمان لتوسيع إشعاعهم السياسي وتأثيرهم الجماهيري.

شارك المقالة

اقرأ أيضا