الشهيد عبد الله موناصير: نموذج المناضل العمالي الاشتراكي الثوري الذي تحتاجه الثورة المغربية

سياسة19 أكتوبر، 2025

بقلم: سامي علام

“موناصير واخاك نغان أبريد نك أخ نتدو” / “موناصير ولو قتلوك نحن على عهدك سائرون”

عبد الله موناصير، العامل البحار، الاشتراكي الثوري هو أحد شهداء الطبقة العاملة المغربية، وهب حياته النضالية في سبيل بناء تنظيمات الطبقة العاملة الذاتية المستقلة من أجل دك ركائز النظام البورجوازي الاستبدادي وبناء نظام اشتراكي بديل.

بذل في سبيل ذلك جهدا لم ينقطع في فضح مخططات المؤسسات الامبريالية المطبقة في البلد بتواطؤ من قبل الحكام (سياسات إجهاز على حقوق وخدمات اجتماعية عامة لصالح تشجيع الرأسمالي الأجنبي والمحلي). وعارض سياسات التنظيمات السياسية المُدعية زورا مناصرة العمال/ات، والمُساهمة عمليا في تمرير السياسات المعادية لهم/هن والعاملة على تخبيل وعيهم السياسي. قام بالوقوف في وجه البيروقراطيات النقابية، والذين اعتمدوا في عملهم النقابي على تشجيع نهج التوافق والشراكة والسلم الاجتماعيين مع أعداء الشغيلة، عمل بجد لبلورة الخط البروليتاري الكفاحي في صفوف العمال/ات ساعيا رفقة رفاقه لوضع أسس بناء حزب العمال الاشتراكي.

كان موناصير عصاميا، مناضلا نقابيا منذ 19 سنة من عمره (التحق بنقابة القوات العمالية المغربية سنة 1978)، مر بتجارب سياسية (يسار الاتحاد الاشتراكي) وسرعان ما اكتشف زيفها ومحدودية أفقها السياسي، ثم تسلح بالماركسية الثورية بجهد خاص معتنقا برنامج الأممية الرابعة، فاتجه صوب تشكيل حلقات التكوين الماركسي من شباب حيه العمالي.

أثمر إلمامه النقابي ومتابعته لعمال البحر ومواكبته لنضالاتهم، تأسيس نقابة بحارة وضباط الصيد بأعالي البحار بالكدش سنة 1993، حيث قاتل من أجل ترسيخ تقاليد نقابية كفاحية وديمقراطية داخلها، وبناء تقاليد تضامن عمالي بين النضالات العمالية الجارية عبر التدخل لنصرة المعتصمين/ات والمضربين/ات، لكن سعيه الذي لا يفتر لترسيخ تقاليد نقابية جديدة بوعي ثوري مكافح، لقي اضطهادا من قبل البيروقراطية في نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ( كدش)، التي حاصرته وقامت بطرده من النقابة، فكان أن اتجه صوب نقابة الاتحاد المغربي للشغل رغم وعيه بفسادها وتبقرطها أكثر من كدش، قام فيها بتأسيس نقابة بحارة الصيد الساحلي سنة 1997، لكن قيادتها البيروقراطية لم تكف عن محاصرته بدورها. كرس الشهيد حياته لبناء نقابة جماهيرية كفاحية وديمقراطية، ممارسا ما يؤمن به نظريا على أرض الواقع، رغم ما واجهه من مطبات.

وجه الثوري عبد موناصير الدعوات إلى النضال المشترك وتنسيق الجهود والتواصل بين العمال المشتغلين والمطرودين والشباب المعطل ضد العدو الطبقي، مادا يديه للتعاون مع جميع من يتبنى القضايا العمالية والشعبية، فتعاون مع تجارب نقابية فتية محليا، شأن نقابيي شركة أومنيوم للصيد ونقابة الوكالة المستقلة للنقل الحضري بأكادير.

لم يتوانى موناصير عن دعم النضالات العمالية والشعبية، فانشغل ميدانيا إلى جانب عمله النقابي بالدفاع عن حق الفقراء في سكن لائق وتوفير المرافق الأساسية بالأحياء الهامشية، في إطار فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأكادير، إلى جانب جمعية الأطلس الاجتماعية والثقافية التي أسسها سنة 1995 بحي “تاووكت” بأكادير لمواجهة عمليات الهدم وابتزازات السلطة المحلية ضد ضحايا السكن غير اللائق، وناصر نضالات الحركة الطلابية وجمعية المعطلين محليا ومركزيا حيث ينشط العديد من رفاقه بالحضور في نضالاتها وأنشطتها.

خلف الشهيد إرثا من التقارير حول أوضاع العمال بمصانع أنزا والميناء وعن المعارك العمالية والاحتجاجات الشعبية ضد هدم المساكن بدعوى محاربة البناء العشوائي، وأثمر جهده الميداني والإعلامي رفقة رفاقه العمال والطلاب والمعطلين أعدادا من نشرة البوصلة وكراس أكادير النقابي سنة 1996 ومناشير بمقالات تشمل  أوضاع شغيلة قطاعات عديدة واستمارات حول أوضاع عيش العمال/ ات والكادحين البئيسة، أعد دراسة بعنوان ” اتحاد البحارة ونضالهم هو الطريق الوحيد لصون مكاسبهم ” نشرها بجريدة الأنوار في مارس 1997 حول مشكل تعاضدية بحارة الصيد الساحلي، الذي كان حينها يقض مضجع بحارة قطاع البحر، فتمسك به العمال ممثلا عنهم في لجنة لمحاسبة رئيس التعاضدية رغم مضايقته من قبل السلطات المحلية.

اغتال النظام المغربي الشهيد عبد الله موناصير يوم 29 اكتوبر 1997 بعد يومين من اختطافه وبعد أشهر من مطاردته وتشديد المراقبة البوليسية عليه (تعرض خلالها لمحاولة اختطاف أولى فاشلة). شكل اغتياله لحظة محاكمة شعبية لنظام الحسن الثاني المستبد من قبل رفاقه العمال. تحول موكبه الجنائزي إلى مظاهرات عمالية وشعبية تلقائية سارت بشوارع المدينة لما يقارب 6 ساعات، لم تفلح قوات القمع في التصدي لمشيعيه. لم يحض جثمان مناصر في مماته باهتمام الطبقة العاملة إلا لأنها اعتبرته من قادتها الثوريين الحقيقيين الذين تدخلوا لمناصرة معارك الكادحين في مختلف الجبهات.

حاول النظام المغربي طمس جريمة الاغتيال عبر فبركة تقرير حَّمل مسؤولية قتل مناصر لنقابيين منافسين لنقابة البحارة، لكن بفضل تمسك عائلته باتهام جهاز المخابرات رغم ضغوطات تعرضوا لها للكف عن ذلك، وكشف التشريح الطبي لتهافت الرواية البوليسية، وإضراب البحارة البطولي الذي شل موانئ الصيد من أكادير إلى العيون، جرت تبرئة المعتقلين المتهمين ظلما وأُطلق سراحهم، ليسقط القناع عن مسؤولية الدولة المغربية في قتل الشهيد.

كان الشهيد مؤمنا أن لا سبيل للانعتاق من الظلم والاستغلال الطبقيين سوى بتنوير وعي الكادحين وإطلاق مبادراتهم الكفاحية عبر تقوية تنظيماتهم الذاتية الجمعوية والنقابية والسياسية فكرس حياته من أجل ذلك.

إن عبد الله موناصير يمثل نموذجا للعامل النقابي الكفاحي الاشتراكي الثوري، مناضلا ماركسيا ثوريا قل نظيره، كرس حياته لمشروع بناء التنظيمات العمالية (النقابية والحزبية) المستقلة، لهذا اغتاله النظام المغربي. أولى الشهيد أهمية قصوى للإسهام في بناء حزب الشغيلة الثوري، وكانت حياته المكرسة لعمل نضالي دؤوب من أجل تحقيق هذا الهدف لأنه اشتراكي ثوري أراد وعمل من أجل بناء الحزب العمالي الاشتراكي الثوري بهدف الاسهام في تحقيق الثورة من أجل مجتمع خلو من أي استغلال أو اضطهاد، مجتمع آخر ينعم فيه البشر بالرفاهية والكرامة والمساواة والعدالة والحرية… لهذا اغتاله النظام.

شارك المقالة

اقرأ أيضا