الصين وإسرائيل، الشكل و المضمون

بلا حدود17 نوفمبر، 2025

بقلم:  أندريا فيرارو* Andrea Ferrario

يُبرز موقف الصين إزاء غزة أن بكين اختارت الحفاظ على ”مسافة استراتيجية“ من الصراع، مفضلةً مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية على أي التزام ملموس بالقضية الفلسطينية. (في الصورة أعلاه، سفيرة إسرائيل لدى الصين إيريت بن-أبا، التي حلت محلها إيلي بيلوتسيركوفسكي، مع نائب وزير الخارجية الصيني دنغ لي في حفل استقبال للاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس دولة إسرائيل)

فيما تُظهر الصين نفسها بكونها مساندة للحقوق الفلسطينية في المنتديات الدولية، تحكي حقيقة الوقائع قصة مغايرة: قصة بلد يقيم علاقات اقتصادية ودبلوماسية قوية مع إسرائيل، ومواصلا تكثيف التجارة والتعاون الثنائي حتى في أثناء الإبادة الجماعية الجارية في غزة. الحقائق واضحة وتكشف الموقع الفعلي لأولويات بكين.

يتجلى هذه اللبس بوضوح في سلوك الصين في اللحظات الحاسمة. فعندما حاول فلسطيني من غزة الحصول على اللجوء في الصين بعد فراره من القطاع المحاصر، رفضت بكين طلبه دون تردد وأعادته إلى مصر. ويوضح هذا المثال بشكل تام الفجوة بين تصريحات الصين العلنية الداعمة للفلسطينيين وممارساتها الدبلوماسية الفعلية. رفضت الصين الاعتراف بالوضع في غزة على أنه إبادة جماعية، وتفادت بعناية اتخاذ تدابير ملموسة مثل استدعاء سفيرها من إسرائيل، أو خفض العلاقات الدبلوماسية، أو فرض عقوبات اقتصادية. والأعظم دلالة من ذلك أن بكين لم تقدم مساعدات إنسانية جوهرية للفلسطيني غزة، برغم أن السكان المدنيين يتعرضون لما اعتبرته لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة إبادة جماعية.

يبدو التناقض مع الماضي صارخاً عندما ننظر إلى تاريخ العلاقات الصينية الفلسطينية. فعلى مدى عقود، منحت الصين الدعم الدبلوماسي والمالي والعسكري للقضية الفلسطينية، مجسدة روح تضامن عالم- ثالثي حقيقية. اليوم، تحول هذا الإرث التاريخي إلى مجرد خطاب رنان. تكتفي بكين بإيماءات رمزية، مثل تأكيدها أمام محكمة العدل الدولية على حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في المقاومة المسلحة، دون أن تصاحب هذه التصريحات إجراءات دعم قانوني أو سياسي ملموسة.

يستمر ازدهار  المصالح الاقتصادية الثنائية مع إسرائيل برغم الخطاب المعادي لإسرائيل في المنتديات متعددة الأطراف. بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وإسرائيل 9.78 مليار دولار في يونيو 2025، بزيادة قدرها 11.5٪ عن الفترة السابقة. أصبحت الصين ثاني أكبر مصدر للسيارات إلى إسرائيل بعد الاتحاد الأوروبي، بحصة سوقية تزيد عن 23.5٪. وتضاعف عدد العمال الصينيين في قطاع البناء الإسرائيلي ثلاث مرات بين عامي 2020 و2024، ليصل إلى ما يقرب من 24000 عامل، ما يدل على أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لا تزال قوية برغم بعض المواقف السياسية الشكلية التي اتخذتها بكين.

شكل تعيين السفير شياو جونزينغ في نهاية عام 2024 تحولًا إضافيًا نحو دبلوماسية تصالحية في العلاقات الثنائية مع إسرائيل. اتخذ الممثل الدبلوماسي الجديد موقفًا مختلفًا تمامًا عن سلفه، حيث اتسم بلغة ودية ولقاءات متكررة مع قطاعات الأعمال والمؤسسات الإسرائيلية. تعكس هذه الاستراتيجية رغبة بكين في تشكيل الرأي العام الإسرائيلي عبر قنوات إيجابية وغير سياسية، وتجنب الخلافات.

موقف الصين هو استراتيجية ”حياد جزئي“ ماهرة وذكية تسمح لبكين بتعظيم المزايا في كلا الاتجاهين على المحور مع تل أبيب، مع تقليل المخاطر إلى الحد الأدنى. من ناحية، تراكم الصين رأس مال رمزيا في العالم العربي، وفي ما يسمى بالجنوب العالمي، بإعلان دعمها للفلسطينيين، وعرض نفسها كبديل أخلاقي للغرب. ومن ناحية أخرى، تحافظ الصين على علاقاتها الاقتصادية والتكنولوجية مع إسرائيل وتعززها، معترفة بالقيمة الاستراتيجية لهذه الشراكة لمصالحها على المدى الطويل، ومتجاهلة الإبادة الجماعية الجارية في غزة.

المصدر:

شارك المقالة

اقرأ أيضا