كتاب: عندما كان لسان يسمى فرناندو؛ حياة مناضل أممي مغربي في حرب الغوار السلفادورية ووفاته: الطفولة والمراهقة

الشباب و الطلبة24 نوفمبر، 2025

بقلم: لوسيل دوما

ترجمة: م. إسماعيل

على امتداد سنوات 1980، توجه العديد من الشباب الثوريين/ت، من مختلف البلدان، إلى السلفادور لدعم نضال شعب هذا البلد ضد أوليغارشية شرسة مدعومة من الإمبريالية الأمريكية.

انضم العديد منهم/ن إلى صفوف جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني (FMLN) في حربها الغوارية، بينما دعم آخرون السكان، لا سيما في مجالي الصحة والتعليم. كان هؤلاء الأمميون يأتون بشكل أساسي من أمريكا الجنوبية وأوروبا. ولكن ماذا كان يفعل بينهم لسان الدين بوخبزة، المعروف باسم فرناندو في منظمة حرب الغوار، والذي كان بالتأكيد الأفريقي الوحيد والعربي الوحيد في صفوف الجبهة؟ كيف قرر هذا الطبيب المغربي الشاب السفر إلى السلفادور والانضمام إلى صفوف مقاتلي حرب الغوار؟ ما هي الذكريات التي احتفظ بها رفاقه في النضال؟ في أي ظروف لقي حتفه؟

يحاول هذا الكتاب أن يجيب على هذه الأسئلة، وأن ينقذ من النسيان تجربة خاصة من تجارب النضال الأممي الثوري، خاضها مناضل مغربي لم يتردد في عبور المحيط الأطلسي ليضيف حصاته الصغيرة إلى التاريخ البطولي للشعب السلفادوري.

قضت المؤلفة، لوسيل دوماس، أكثر من 45 عامًا من حياتها في المغرب. شاركت في نشر العديد من المؤلفات الجماعية ونشرت العديد من المقالات حول حياة البلد الاقتصادية والاجتماعية.

********************************

لسان؛ الطفولة والمراهقة

لسان الدين، سأدعوه من الآن فصاعداً لسان، كما كنت أفعل عندما كنت أراه – ولد لسان بوخبزة في تطوان يوم 13 شتنبر 1956.

كان المغرب، سنة ميلاد لسان، قد احتفل لتوه باستقلاله وإعادة توحيده. ثم بدأ صراع بين الملكية والحركة الوطنية، التي ناضلت من أجل طرد القوتين الاستعماريتين، للسيطرة على مقاليد الحكم. انتهى هذا الصراع [1] بانتصار الملكية، التي تحكم البلاد منذئذ بقبضة من حديد.

في العام 1956، كانت تطوان، عاصمة “المغرب الإسباني” المستقل حديثًا، مدينة مطبوعة بشدة بالتأثير الإسباني (بقي فيها قسم كبير من المستعمرين، من أصل شعبي، حتى عام 1973، عام صدور قانون مغربة الاقتصاد)، وكان جزء كبير من سكانها يتحدثون الإسبانية. وهذا يفسر لماذا كان لسان، الذي لم يدرس الإسبانية كثيرًا خلال دراسته، يتحدث هذه اللغة بطلاقة، ما أثار دهشة رفاقه السلفادوريين بعد ثلاثين عامًا.

قضى لسان طفولته في مدن مختلفة في شمال المغرب، حسب تعيينات والده، الذي عمل قاضيًا طوال حياته المهنية. وُلد في تطوان، ثم انتقلت العائلة إلى شفشاون، ثم إلى الناظور. لم يلتحق بروضة الأطفال، وقضى سنته الأولى في المدرسة الابتدائية في تطوان، وواصل دراسته في تازة والرباط. أمضى السنة الأولى من المرحلة الإعدادية في مدينة القصر الكبير، حيث شاهد بالتأكيد مظاهرات الطلاب في مارس 1965، التي انتهت في 23 مارس بمذبحة راح ضحيتها عشرات، بل ومئات التلاميذ في الدار البيضاء. كما خرج تلاميذ إعدادية المحمدية حيث كان لسان يدرس إلى الشوارع [2]. ويروي عبد الإله المنصوري أن هذه المدرسة تعرضت لاقتحام من قبل قوات النظام التي أشعلت فيها النيران جزئياً، ما أدى إلى تدمير جزء من معداتها. يبدو من غير المرجح أن يكون لسان قد شارك مباشرة في المظاهرات في الشوارع، نظراً لصغر سنه، ولكن هذا التاريخ لا يزال محفوراً في ذاكرة المغاربة، ولا يمكن لهذا الدمار الذي خلفته هذه المذبحة إلا أن يؤثر عليه، برغم أن عمره 9 سنوات فقط.

انتقلت العائلة بعد ذلك إلى طنجة، ومنها إلى تطوان مرة أخرى بعد فترة وجيزة، حيث أكمل سنوات دراسته الثانوية، وحصل على شهادة البكالوريا في يونيو 1973، بفضل والد أحد زملائه الذي أجبره هو وبعض أصدقائه على التقدم إلى للامتحان على الرغم من السنة البيضاء التي أثرت على المدارس الثانوية في العام الدراسي 1972-1973.

تعلم الشاب لسان، في أثناء كل هذه الانتقالات، كيف يتكيف مع أماكن وأشخاص مختلفين في كل مرة، وكيف يكوّن صداقات جديدة. وهي صفات، كما سنرى لاحقًا، كانت مفيدة له جدًا في تجربته في السلفادور.

كانت السنوات الأولى من عقد 1970 سنوات مضطربة للغاية في المدارس المغربية، حيث كان عدد أيام الإضراب فيها أكثر من أيام الدراسة [3]. كان معظم رفاقه في الفصل، وأصدقائه في ذلك الوقت ممن قابلتهم، قد شاركوا بدرجات متفاوتة في هذه التحركات. لكن بعضهم يتذكره أكثر شابا غير منخرط في الإضرابات (ربما بسبب تحفظه وتواضعه)، وكان أكثر انشغالًا بالاحتفال و”التودد”؛ بينما يصفه آخرون بأنه كان عنصرًا نشطًا في نضالات تلاميذ الثانوية، حيث كان يحضر الاجتماعات ويشارك في الأنشطة، ولكن ليس من موقع القائد، دون أن يضع نفسه قط في المقدمة. هذا هو رأي سهيل، الذي يضيف قائلا: “كانت له سمعة ثوري، وشارك بنشاط في التحركات الطلابية. لكنه لم يتصدر المشهد أبداً، كان يشارك لكنه لم يتصدر ولا تأخَر. كان نشطاً، كان يحضر الاجتماعات، لكنه لم يكن قط قائداً لأي حركة [4]”.

كان لسان، بحسب سفيان، أحد أصدقائه المقربين في سنوات الدراسة الثانوية، يتبع الحركة، ويُضرب مع الآخرين، ويشارك في المظاهرات، لكنه لم يكن سياسيًا في ذلك الوقت. ووفقًا له، فإن تسيُس لسان سيحدث إبان سنوات دراسته الجامعية.

بالطبع، لم يكن هذان الجانبان من نشاطه وشخصيته متناقضين حتما. كان لسان طالباً مجتهداً طوال مسيرته الدراسية، وعلى الرغم من أنه كان ابن شخصية مرموقة وعاش في وسط المدينة، كان كريماً، ويشعر بالتضامن مع الفقراء، ويسعى إلى صداقات مع شباب الأحياء الشعبية، لا سيما بفضل كرة القدم، رغم أنه لم يكن موهوباً في هذه الرياضة، ولا في أي رياضة أخرى. كان يفضل القراءة والتحدث مع الأصدقاء، وارتياد السينما، والاستماع إلى الموسيقى، مثل ناس الغيوان وجيل جيلالة، وهما فرقتان موسيقيتان شعبيتان كانتا تحظيان بشعبية كبيرة في أوائل السبعينيات، وقليل من موسيقى الروك والموسيقى الإسبانية، «ولكن ليس أسلوب الصنج، ولا الموسيقى العاطفية المبتذلة» [5]. كان يحب أيضًا الاحتفال مع بعض أصدقائه، والنبيذ، والفتيات، والحفلات المفاجئة، والمرح. “نحن كنا أطفالا مدللين لا نفكر إلا في الاستمتاع، وكان هذا أيضًا حال لسان” [6]. لكن لسان كان يتميز بتحفظه وخجله، وقلما كان مغازلَ فتيات. “كان قليل الكلام، ولم يكن يحب التقاط الصور لنفسه، ولا أملك أي صورة له”، يقول سفيان بحسرة، وهو يتذكر أنه قضى مع شقيقاته، ولسان وأربعة أصدقاء آخرين، “مرحلة مراهقة سعيدة إلى حد ما، وجريئة نسبياً مقارنة ببيئة تطوان”.

كان ابناً وأخاً حنوناً، ولم يتردد في الدفاع عن أخته إذا تعرضت حقوقها لانتهاك، وكان يساعد في الأعمال المنزلية، وتصفه أخته بأنه “لا تشوبه ذرة واحدة من الذكورية“. [7]

 في الصيف الذي أعقب حصوله على شهادة البكالوريا، اشترى مع صديقه المقرب سفيان تذكرتين “كيلومتريس”، التي كانت تسمح، مثل تذكرة inter-rail، بالسفر في جميع أنحاء أوروبا بالقطار، مع عدد غير محدود من الكيلومترات. كان هذا النظام، الذي يحظى بشعبية كبيرة بين الشباب عامة والشباب المغاربة بوجه خاص، يتيح لهم إمكان السفر بكلفة زهيدة والتعرف على الشباب والثقافات الأوروبية [8]. كانا يعتزمان القيام بجولة في أوروبا، لكن ضياع جواز سفر لسان في اليوم التالي لوصولهما إلى إسبانيا أجبر الصديقين على البقاء في هذا البلد، حيث تنقلا من مدينة إلى أخرى عشوائياً بالقطار، واستغلا الفرصة، عندما سنحت، لحضور مباريات كرة القدم لفريقيهما المفضلين، حيث كان لسان يشجع ريال مدريد وصديقه يشجع فريق برشلونة [9].

 هكذا سنحتفظ من تلك السنوات بصورة شاب من عائلة محترمة، مهذب وجاد ومجتهد، ولكنه أيضًا مرح ومؤنس ومحب للنبيذ والموسيقى والحفلات. لم يكن سياسيًا في ذلك الوقت، ولكنه كان نشطًا في النضالات الطلابية ومهتمًا بالآخرين على الصعيد الاجتماعي والثقافي، متضامنًا وكريمًا، دون أن يبرز نفسه أبدًا.

ملاحظات

  • تميزت هذه المواجهة بعدد هائل من المحاكمات السياسية، وأحكام الإعدام، والإعدامات خارج نطاق القضاء، والصراعات بين مختلف مكونات الحركة الوطنية نفسها، مع ما صاحب ذلك من انقسامات وتصفية حسابات.
  • عبد الإله المنصوري، المقال المذكور.

Jacques Lardennais, L’école marocaine dans l’impasse, Esprit Nouvelle série, No. 419, 12 déc., 1972, pp. 950-962.

  • مقابلة مع سهيل، طنجة، 15/01/2019.
  • المرجع نفسه.
  • مقابلة مع سفيان، الرباط.
  • مقابلة مع إجلال، طنجة، 08/02/2019.
  • أدى فرض تأشيرات الدخول على المغاربة الراغبين في دخول أوروبا منذ توقيع اتفاقية شنغن Schengen في عام 1985 إلى إنهاء هذا النوع من الرحلات التي كانت تتيح للشباب المغربي الانفتاح على العالم. هذه الإجراء، الذي حصر هؤلاء الشباب داخل بلدهم، ليس غريباً بوجه الانكفاء الهوياتي والأسلمة التي شهدتها الجامعات منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي.
  • لا يزال معظم الشباب في تطوان وباقي أنحاء المغرب حتى اليوم يتماثلون مع أحد هاذين الناديين الإسبانيين.
شارك المقالة

اقرأ أيضا