حراك الريف، حراك نسوي أيضا من أجل مطالب عادلة ومشروعة

النساء19 أغسطس، 2017

انخرطت النساء بحراك الريف منذ انطلاقه، يوم 28 أكتوبر 2016.وشاركت النساء بمختلف أعمارهن في كل الاحتجاجات التي شهدتها مدينة الحسيمة، وكل مدن الريف وقراه. إن الانخراط القوي لنساء الحسيمة وامزورن وبوكيدان وأيت حذيفة وباقي المناطق بالريف، هي صرخة باقي نساء المغرب ونساء العالم في وجه الظلم عامة ورفض الانصياع لموروث ذكوري.
لقد تدفقت إلى الشوارع والساحات حشود من النساء كغيرهن من الكادحين والفقراء المكبلين بسلاسل الاستبداد والقهر لعقود طويلة من الزمن، ومن المهم ألا ننسى أن هؤلاء النساء على عكس غيرهن من المظلومين، يحملن في صدورهن قمع واضطهاد وظلم مجتمع ذكوري لقرون، ومازالت تقاليده مستمرة وتستوجب مقاومة طويلة لوأده.

إن نساء الريف خاصة ونساء المغرب عموما وهن يمشين في الشوارع ويصدحن بكل قوة في الاحتجاجات، عازمات على الخروج من كهوف مظلمة حفرتها عقلية ذكورية بالية.
نساء الريف في قلب الحراك، نصرة للمطالب الشعبية
برزت نساء الريف في مقدمة الاحتجاجات من أجل الاستجابة لمطالب السكان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وشاركن إلى جانب مقهوري الريف، معلنات عن إفلاس مشاريع الدولة التي أفضت إلى تعميق البؤس.
وقامت نساء الريف باحتلال الشوارع والساحات وخرجن في الأحياء الشعبية،لإيصال صوتهن الرافض لحرمانهن الكبير من ولوج خدمات أساسية، وازدياد معانتهن بسب انعدام الدخل وانسداد الأفاق أمام ساكنة منطقة، ظلت ضحية عقاب وحصار الاستبداد لسنوات.
ويكشف حراك الريف مرة أخرى عن استعداد النساء الهائل للتضحية من أجل انتصار الكادحين والكادحات في معركتهن ومعركتهم ضد الاستبداد والقهر، وأبان الحراك عن حضور النساء في كل مستويات التنظيم، بدء بقيادة مسيرات حاشدة، والتواجد بقوة في لجن التنظيم على طول المسيرات، وكن مبدعات الشعارات المدافعة عن مطالب الحراك، مؤكدات عزمهن المضي قدما في هذه السيرورة، وترددت زغاريد النساء في المسيرات والاحتجاجات تعبيرا عن بعد نسوي عميق مؤيد لكفاح الريفيين و الريفيات، وألقت المناضلات إلى جانب المناضلين الذكور كلمات في الساحات وأمام حشود من المشاركين والمشاركات.
يرمز الحضور القوي والبارز للنساء في معركة الريف من أجل الحرية والكرامة، إلى تطلع النساء إلى الفكاك من سلاسل الهيمنة الذكورية.
علاوة عن احتلال نساء الريف الفضاء العام والبروز بقوة في الحراك، أسقطت مقاومتهن القناع من جديد عن مشاريع الدولة التنموية اتجاه النساء، وكشفت بطلان شعارات مؤسسات الحكم الفردي حول المساواة بين الجنسين ومبدأ المناصفة(الفصل 19 من دستور 2011)وزيف المشاريع الليبرالية حول “تمكين النساء”.
إن مقاومة نساء الريف هي في جزء منها نضال ضد المشاريع الت يتقوم الدولة في إطارها بعقد شركات مع طيف واسع من جمعيات نسائية، هذه الجمعيات التي أصبحت منذ سنوات التسعينات ملحقات للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي، ومنخرطة في خطاباته حول التنمية ومحاربة فقر النساء وتحقيق “استقلالهن الاقتصادي”. هذه المؤسسات وسياساتها المفروضة من قبل نظام استبدادي هي أصل معاناة شعبنا.
لقد حرمت النساءولسنوات من التعليم ولازالت فتيات في سن التمدرس تحرم من متابعة دراستهن بسبب تقليص ميزانية التعليم وخوصصة ما تبقى من مجانيته وامتناع الدولة عن بناء مؤسسات تعليمية بأماكن سكنهن، وكم من النساء الحوامل يلدن أمام المستشفيات أو يمتن مع أجنتهن بسبب تعقيدات الحمل والولادة وانعدام المتابعة الطبية، كل هذا بسبب تبني الدولة للبرامج الاجرامية لهذه المؤسسات.
وتتحمل الجمعيات النسائية المساندة لتوجهات الدولة النيوليبرالية والمندمجة في مؤسسات الاستبداد قسطا كبيرا من المسؤولية فيما ألت إليه أوضاع النساء، اللواتي يقاومن اليوم في الشارع نتائج السياسات التقشفية. ولا معنى لشعار المساواة بين الجنسين دون النضال ضد خوصصة الصحة والتعليم والشغل وتفكيك الوظيفة العمومية وضرب السيادة الغذائية وإلغاء صندوق التقاعد والتخلي عن دعم أسعار مواد الاستهلاك الأساسية
وتناضل النساء اليوم وكل ساكنة الريف منذ أزيد من سبعة أشهر من أجل تلبية هذه المطالب التي تتعارض مع سياسات الدولة التقشفية.
نساء الريف، استمرار في الحراك وصمود في وجه القمع
صمدت النساء، بكل قوة في وجه الحملة القمعية التي جندت لها الدولة كل الوسائل، قاومن من جانبهن دعاية تشويه الحراك، وأعلن في لقاءات وأشرطة وتصريحات على مواقع الكترونية غير رسمية استمرارهن في المشاركة والتأكيد على مشروعية المطالب وعلى لزوم الشارع حتى الاستجابة لكل هذه المطالب، وتقاسمت النساء المناضلات مسؤولية توجيه وتسيير الحراك مع المناضلين، سواء في الدعوة إلى الاحتجاج او في نقل صوت الاحتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي، وأكدن تشبتنهن بمعركة الريف من أجل الكرامة.
ونالت النساء النشيطات في الحراك نصيبهن من التهديد والترهيب بل وصدرت مذكرات بحث في حقهن، عقب حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها الدولة لخنق الحراك.
وتعد نوال بن عيسى من بين أبرز الوجوه الصامدة والتي تلقت بدورها مذكرة بحث.وبالرغم من ذلك استمرت هذه المناضلة في كفاحها وتقوت عزيمتها في النضال. وليس من الهين أن تنزل أم لأربعة أطفال إلى الشوارع وتقاوم في ظل مجتمع ذكوري، يرى “أن مملكة المرأة بيتها”. لقد كسرت، إذن نوال وكافة النساء الشجاعات المنخرطات بقوة في نضال الريف الكفاحي طوق ثقافة متخلفة ومتجذرة في المجتمع.
ولم يستثن الاعتقال والتنكيل النساء، لقد جرى اعتقال سيليا الزياني، مناضلة شابة ونشيطة أيضا في حراك الريف، وتقبع الآن في السجن إلى جانب المعتقلين الذي بلغ عددهم أزيد من 200 معتقل.
لقد أزالت مقاومة نساء الريف الغطاء عما سمي “بمشروع قانون محاربة العنف ضد النساء” التي صاغته الدولة مؤخرا، ولم يمنع توقيع الدولة بانتقائية شديدة لمعاهدات حقوق الانسان واتفاقية محاربة التمييز ضد النساء، من ممارستها للقمع في حق النساء.إن انخراط النساء في النضال قد يكون نقطة انطلاق سيل جارف من النضالات لشعب بأكمله ضد حكم الاستبدادواللامساواة.
ليست نوال وسيليا سوى أمثلة عن آلاف النساء اللواتي لم تحملهن شبكات التواصل الاجتماعي إلى الواجهة، لكنهن يظلن حاضرات في الميادين، حيث انتفضن على شريعة المجتمع الأبوي، وأصبح دورهن رئيسيا في تصليب الحراك وامتداده إلى كل مدن وقرى الريف.
إن أكبر مثال ساطع عن تقدم نساء الريف خطوات كبيرة في كنس رواسب العقليات المحافظة هي تنظيمهن لأكبر مسيرة بالحسيمة، يوم 8 مارس تخليدا لليوم ألأممي للنساء. وعملت هؤلاء النساء على الاحتشاد في حديقة 3 مارس في هذا اليوم ذو الدلالة الكبيرة في تاريخ نضال نساء العالم من أجل المساواة والتحرر، لقد كانت مسيرة النساء بالحسيمة في هذا اليوم سابقة، حيث تنظمن خلف لافتة تحمل شعار لا للتمييز بين الجنسين، ورددن شعارات تؤكد على التشبث بمطالب الحراك. ورغم غياب مطالب دقيقة وخاصة بالنساء في هذه المسيرة، أعادت نساء الريف المضمون النضالي لهذا اليوم التاريخي الذي فصلته وسائل الإعلام البرجوازية عن جذوره. ودأبت النساء على نضالهن واكتساحهن لشوارع المدن والبلدات، وكانت آخر مسيرة خرجت فيها النساء لوحدهن هي مسيرة 3 يونيو تضامنا مع المعتقلين والمطالبة بإطلاق سراحهم. وواجهت النساء المحتجات قوى القمع بكل شجاعة ومنهن من كان مع أطفالهن.
مقاومة نساء الريف، بحاجة إلى حركة نسائية تكافح ضد جذور اضطهادهن واستغلالهن.
تصدرت نساء المغرب احتجاجات اجتماعية كبيرة، وكانت على رأس المطالبين بالخدمات الصحية في طاطا سنة 2005 وفي انتفاضة إفني أين بعمران 2008، ونضالات بن صميم ضد خوصصة ماء عين بن صميم، ومؤخرا نضالات النساء السلاليات ضد نزع الأراضي وانتزاع حقهن في استغلال الأرض، ولازالت مشاركتهن واسعة في كل النضالات التي عرفها المغرب منذ مطلع سنوات 2000.
ويكشف انخراط النساء في النضالات ضد تخريب الخدمات وارتفاع نسب الفقر والتهميش والبطالة، وعدم قدرتهن الولوج إلى الغذاء، أنهن الأشد تضررا جراء تطبيق وصفات التنمية الليبرالية المملاة من قبل المؤسسات المالية للامبريالية.
وعكس انخراط النساء الكبير في النضالات الاجتماعية، يظل غياب حركة نسوية منظمة ومستقلة ومكافحة تربط معاناة النساء بجذورها الثقافية والاقتصادية، هي ميزة واقع النضال النسوي في المغرب.
قامت الدولة بمأسسة قسم كبير من الحركة النسائية والتي كانت منذ ظهورها مقتصرة على المطالب المرتبطة بالجانب القانوني، وتميزت الحركة النسائية المغربية بغلبة طابع الاستجداء والترافع، بدلا من الانخراط المباشر في النضالات التي تشكل النساء قاعدتها الواسعة.
تحتاج نساء الريف وكل نساء مناطق المغرب المنخرطات في النضالات إلى التسلح بفكر نسوي معادي للنظام الرأسمالي وأغلال المجتمع الذكوري. ويرجع غياب مطالب خاصة بالنساء في الاحتجاجات رغم نزولهن إلى الشوارع إلى غياب حركة نسائية منغرسة في صفوف النساء الكادحات، تقوم بحفز مقاومتهن لشروط اضطهادهن واستغلالهن بشكل يومي. ويجب العمل على بعث حركة نضال نسوي مستقلة كليا عن مؤسسات الحكم الفردي، التي تحافظ على اللامساواة والظلم الاجتماعي مهما اخفت ذلك بإصدار قوانين ونصوص تدعي إنصاف النساء.
ويعد التصدي للبرامج التنموية للمؤسسات المالية والتشهير بها في صفوف النساء من بين المهام المباشرة والملقاة على عاتق المناضلات النسويات، لا يمكن ان يستقيم تحرر النساء من التخلف والمعاناة دون النضال من اجل فك الارتباط مع هذه المؤسسات ومحاربة منظورها الذي أصبح مؤطرا للجمعيات النسائية سواء في فكرها أو في عملها المباشر مع النساء.

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا