معركة عمال دلفي تؤكد دروس معارك الأجراء السابقة: لا مناص من بناء نقابات الكفاح والتضامن والتسيير الذاتي الديموقراطي

 

  

مجددا، تفتح معركة عمال دلفي مسألة النقابة العمالية أهميتها ودورها. إنها دليل آخر بارز على الحاجة لنقابة ديمقراطية حقا، كفاحية ومستقلة.

توجد اتحادات نقابية لا تحمل من معنى الاتحاد إلا الاسم. غالبا ما تنتهي إضرابات عمالية مهزومة بفعل غياب التضامن المادي والمعنوي، من باقي قطاعات الاتحاد النقابي الواحد. صارت قيادات النقابات العمالية تشيد الأسوار بين قطاعات العمال والعاملات وفئاتهم، بل تحرص على ذلك أيما حرص.

النقابة أداة لا بد منها للعمال

إن النقابة العمالية اتحاد حر لعمال وعاملات يجدون أنفسهم في قطاعات مختلفة في مواجهة مع اتحاد محكم لمالكي وسائل الإنتاج، أي الرأسماليين. هذا الاتحاد النقابي هو أولى علامات يقظة العمال، ويفتح أبواب اكتشاف قوتهم، وحقيقة من هو سيد عالم الشغل ومحيطه الواسع.

مواجهة الرأسمالي الفرد مقاولة بمقاولة أول طريق العمل النقابي، وهو طريق يكتشفه العمال بأنفسهم ويبادرون بأشكال مختلفة إلى نهجه كما هو حال عمال شركة دلفي.

 وشيئا فشيئا يكتشف عمال وعاملات المعمل الواحد وحدة مصيرهم رغم اختلاف فئاتهم، وتنوع اختصاصاتهم، ويدركون أنهم يشتركون نفس المصير مع باقي عمال وعاملات القطاع الذي ينتمون له.

النقابة الكفاحية والديمقراطية قوة تنظيمية لحصاد المكاسب وصونها

دور الاتحاد النقابي أن يساعد في رفع وعي طبقة العمال والعاملات بأنهم يشكلون طبقة مضطهدة ومقهورة في مواجهة طبقة الرأسماليين المستغلين، طبقة لا تملك سوى بيع قوة عملها بأجر زهيد، لطبقة تملك السلطة ووسائل الإنتاج وتكسب الأرباح. ولن يحصل ذلك سوى بدك الأسوار المنتصبة بين قطاعات الطبقة العاملة المختلفة.

لقد شهدنا معارك عمالية بطولية تهزم (عمال الضحى في أيت ملول على سبيل المثال) لأن اتحادات العمال النقابية القائمة تخلت عن مبرر وجودها، فلا محيد عن تقوية الوحدة والتضامن والنضال المشترك لخلاص العمال من نظام الاستغلال والاستبداد.

لن يدوم هذا الوضع الكارثي فالعمال والعاملات لا يملكون سوى طريق الكفاح لتحسين وضعهم والسعي لانعتاقهم.

ما نشهده حاليا مع مجريات نضالات عمال شركة دلفي في طنجة والقنيطرة، يثبت حاجة طبقة العمال لاتحاد نقابي ديمقراطي وكفاحي، وجماهيري، ومستقل، وممركز، وسعيها لتحقيقه خطوة أولى على الطريق الصحيح. غير أن جماهير العمال والعاملات ينهضون للأمر معزولين، ومحرومين من خبرات الحركة العمالية وتقاليد نضالها الراسخة التي أثبتت فعاليتها. (يتوفر بموقع جريدة المناضل-ة على جزء هام من تاريخ نضال الطبقة العمالية المغربية)

شهدنا حركة إضرابية متنوعة وهامة وجزء مهم منها عبارة عن نضال عمالي خارج النقابات إما على شكل إضرابات عمالية برية أو بواسطة تنسيقيات وتنظيم فئوي… وكلها بما في ذلك إضرابات كبرى لعمال وعاملات منقبين ميزها حذر شديد من القمم المسيطرة على النقابة العمالية، وصلت ببعض الحالات إلى حرق بطائق الانخراط النقابي تعبيرا عن السخط من حال النقابات العمالية. ويجد النقابيون الكفاحيون و/أو متزعمو حركة إضرابية معينة أكثر فأكثر صعوبة في إقناع جماهير العمال والعاملات بالانخراط النقابي، لأن الأخيرة تفضل الإمساك بقرارها واستقلالها على أن يتم التلاعب بمصيرها من طرف سماسرة عمل نقابي تشهد العديد من المعارك النقابية على ضرره البالغ.

عمال سنطرال وعمال شركة دلفي مثال حي على أهمية النقابة الكفاحية

حاليا، يمكن التدليل على ذلك من خلال مثالين بارزين. الأول حدث المقاطعة الجارية التي رمت بعمال سنطرال دانون في لعبة الشركة المتلاعبة بمصيرهم لأن قيادات النقابات العمالية القائمة لم تبادر للتدخل دعما للمقاطعة من جهة، وهي تطالب بتحسين لأوضاع جماهير العمال والعاملات بمحاربة الغلاء المستشري، ومن جهة لتعضيد ساعد عمال الشركات المستهدفة بها ودعمهم كي ينخرطوا هم أيضا في المعركة ضد تلك الشركات، وغيرها، لأجل مطالبهم. كان على القيادات، وهذا مبرر وجود النقابة العمالية، أن تدعم المقاطعة وعمال الشركات المعنية سياسيا، وتدعمهم ماديا.

والثاني، هو الحركة الإضرابية لأزيد من 10 آلاف عاملة وعامل بشركة الكابلاج دلفي المغرب. معركة بلا تنظيم نقابي، وما أكثر غير المنظمين نقابيا، ما يساءل النقابة العمالية عن مبرر وجودها إن لم يكن السعي الدائم والدؤوب لخرط وكسب جماهير العمال والعاملات بالعمل النقابي.

 مرت المعركة ولم يصدر مجرد بيان نقابي داعم لها من أي من النقابات العمالية الكبيرة القائمة. وقد تتسابق قياداتها الآن على جر هؤلاء العمال والعاملات للانخراط بهذه النقابة أو تلك دون أن يعني ذلك استفاقة متأخرة لتدارك ما يلزم القيام به فعلا، بل قد يكون سعيا للجم الاندفاعة النضالية وحرفها عن مسارها الحافل بإمكانات النجاح.

معركة عمال دلفي تنير طريق العمال في ضرورة التنظيم والتسيير الديمقراطي

خلقت هذه المعركة، كما معارك عمالية سابقة، شعورا ملموسا بالوحدة والتضامن الطبقيين لدى العمال والعاملات، وكانت مشاركتهم جماعية في تسييرها وتقرير سائر خطواتها، وأدركوا الحاجة للتنظيم، وتدقيق المطالب، والكفاح لنيلها، وتبوأت العاملات النساء قيادة النضال والمشاركة بفعالية بمختلف أطواره.

باختصار، دلت كل المعارك العمالية النقابية وتلك التي جرت بلا تنظيم نقابي على أهمية وحدة العمال وتضامنهم. ولا يسع كل مناضل عمالي وأي نصير لحقوق العمال سوى التضامن، والقيام بواجب كشف حقيقة أرباب العمل ودولتهم، وتنظيم حملات التشهير بالاستغلال والاستبداد، ومص عرق الكادحين، وجني الأرباح الضخمة من كدهم. وعلى رأس أوجب الواجبات دل العمال والعاملات على طريق العمل النقابي وشرح كل مستلزماته القانونية والتقنية والتكوينية… وبسط الحقيقة أمام العمال أن وحدتهم، مكمن قوتهم، تتجسد أولى خطواتها في انتظامهم النقابي، لأنه يوحدهم باختلاف فئاتهم وأعمارهم وجنسهم ولغتهم ودينهم… وأن عليهم وهم يسعون لتأسيس نقابتهم أن يحرصوا أشد الحرص على أن تكون مصلحة العمال الآنية والمستقبلية فوق أي اعتبار، وبحقهم الكامل في تسيير شؤونهم بأنفسهم بلا وساطات، ولا تفويض حتى لأجهزتهم النقابية الخاصة، فما بالك بغيرها.

أخيرا، يحتاج عمال المغرب وعاملاته نقابة طبقية حقيقية، ومعبرا سياسيا فعليا عن تطلعهم للحرية والعدالة والكرامة والتحرر من قيود الاستغلال والاستعباد.

بثينة نعمان، 15 يونيو 2018

 

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا