شبه الجزيرة الكورية: أمل هش لإحلال السلم بعد لقاء كيم وترامب

بلا حدود19 سبتمبر، 2018

الخميس 21 يونيو 2018، بقلم بيار روسيه

شهدت العلاقات القائمة بين واشنطن وبيونغيانغ تحولا جذريا بمناسبة انعقاد قمة سنغافورة، يوم 12 حزيران الأخير. هذه أخبار سارة، رغم معارضي دونالد ترامب.

تختلف تماما النبرة السائدة في الصحف الأنجلوساكسونية عن تلك الخاصة بالصحف الاقليمية (باللغة الانجليزية) «الكبيرة». بالنسبة للأولى، تشكل قمة سنغافورة كارثة، بل «خيانة» من قبل ترامب. وبالنسبة للثانية، تشكل القمة نقطة تحول غير متوقع: يتلاشى خطر الحرب ما يشير إلى إمكانية تحقيق سلم دائم في شبه الجزيرة.

من الأفضل الاستماع إلى المعنيين الأوائل، أي الكوريين، بدل محبي الحرب، ولو كانوا يساريين. من المؤكد أنه من السابق لأوانه الاحتفاء فرحا بذلك، لكن الشعور بالارتياح جلي. قدم رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن، «أحر تهانيه» وأشاد «بنجاح القمة التاريخية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية». وفي أعقاب انعقاد القمة نُظمت انتخابات اقليمية ومحلية وبلدية (إضافة إلى حوالي اثنتي عشرة عملية انتخابية جزئية خاصة بمجلس النواب). حقق الحزب الحاكم انتصارا ساحقا؛ وانهزمت أحزاب المعارضة واليمين المتطرف ومناصرو النزعة العسكرية الذين يعارضون ما ينهجه مون جاي إن من سياسة نزعة سلمية.

وفي عام 2017 كان التوتر شديدا في كوريا وما من أحد كان يجرؤ على استبعاد انزلاق يؤدي إلى نزاع قاتل، بل نووي. وكانت المسألة الملحة المطلقة تتمثل في بسط التهدئة؛ وهذا ما جرى فعله، أبعد من المتوقع. يجب الحكم على هذه القمة في المقام الأول بناء على هذا المقياس.

قدرة سيول-بيونغيانغ على المبادرة

أقدم الثنائي سيول-بيونغيانغ على التهدئة منذ يناير عام 2018، في غفلة من واشنطن. أعاد مون جاي إن تقديم عروض النقاش التي تجاهلها كم جونغ أون سابقا، ما أدى إلى المشاركة المذهلة لكوريا الشمالية في الألعاب الأولمبية الشتوية في كوريا الجنوبية.

من جانبه، نفذ كيم جونغ أون جملة تدابير تمتد من وقف إطلاق الصواريخ إلى تدمير موقع تجارب نووية. وبشكل واضح، برزت الرغبة في تطبيع العلاقات بين النظامين أثناء انعقاد قمة بانمنجوم، يوم 27 أبريل 2018، على خط ترسيم الحدود بين الكوريتين.

وبتجاهله هذه الدينامية والتغيرات الجارية في كوريا الشمالية، ظل ترامب مدة طويلة أكثر تشددا، مقتنعا بأن العقوبات الاقتصادية الدولية والضغط العسكري قد تكفي لإخضاع كيم جونغ أون: لا مفاوضات، استسلام وفقط! إزالة الأسلحة النووية دون شرط بسرعة وبشكل كامل وعلى نحو يمكن التحقق منه؛ وتسليم الوثائق لواشنطن أو تدميرها وإبعاد العلماء من كوريا للقضاء على المعرفة النووية هي بالذات. ويتمثل الهدف المعلن فيما يلي: تغيير النظام والانتصار بالضربة القاضية.

التحول الكبير

من الأرجح جدا أن تشديد العقوبات والتهديد العسكري كان لهما تأثير قوي على قرارات كيم جونغ أون السياسية القريبة العهد، لكن ليس إلى درجة تجميدها أو جعلها تفقد القدرة على المبادرة. ذهب شخصيا إلى بكين للقاء شي جين بينغ واعادة خلق ظروف تعاون مع الصين، واستقبل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وأكد أنه كان مستعدا للتفاوض حول مسألة نزع السلاح النووي وبعث أحد الشخصيات الوازنة في النظام، كيم جونغ تشول، لزيارة واشنطن.

وفي الواقع، في قمة سنغافورة، قدم دونالد ترامب دعمه للإطار الذي كان كيم جونغ أون يقترحه: سيرورة تفاوض تعالج نزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة (وليس في كوريا الشمالية وحدها)، وتهدف إلى توقيع اتفاق سلم (لم يحدث ذلك منذ عام 1953، في نهاية الحرب الكورية) دون حاجة إلى تغيير النظام. بل اعترف دونالد ترامب، أثناء مؤتمر صحفي، بالطابع «الاستفزازي» للمناورات العسكرية المشتركة التي تشنها دوريا واشنطن وسيول قبالة سواحل كوريا الشمالية –مستحضرا التعابير نفسها التي تستعملها عادة بيونغيانغ.

كان العرض العلني للقمة فرصة لإخراج مشهد متقن يضع رئيسي الدولتين على قدم المساواة: نفس عدد الأعلام المعروضة ونفس عدد خطوات الرئيسين وهما يسيران نحو بعضهما البعض. وهنا أيضا، حقق كيم جونغ أون هدفه، إذ حصل على اعتراف صريح على الساحة العالمية.

لماذا إذا غير دونالد ترامب رأيه؟ أكيد أن دوافعه عديدة وبوسع المختصين في دونالد ترامب وحدهم توضيحها –علاوة على ذلك، لا يعرف أي شيء أيضا على الجزء السري من المفاوضات الجارية. إذا جرى الاكتفاء بجيوسياسية عقلانية، يمكن الرد كما يلي: لأن الضغط الدولي لتطبيق تهدئة في كوريا كان قويا للغاية؛ ولأن العدو الرئيسي هو بيكين؛ ولأن الهيمنة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية جرى إعادة بسطها في شمال المحيط الهادئ؛ ولأن بؤر التوتر الرئيسية في المناطق باتت هي تايوان وبحر الصين الجنوبي. لم يعد امتحان القوى ممركزا حول شبه الجزيرة الكورية.

حالة الحرب وحقوق الانسان

يظل نظام كوريا الشمالية ديكتاتورية سلالية فظة، ما من أحد يشك في ذلك، ولا يمكن تجاهل المسألة الحارقة للحقوق الانسانية والاجتماعية والديمقراطية –لكن التهديد الدائم بالحرب المفروضة على البلد منذ عام 1953 ساعد بيونغيانغ على تبرير تثبيت حالة قمعية دائمة ضد كل معارضة محتملة، وأيضا ضد السكان.

لا يمكن حل مثل هذه المسألة عبر تدخل امبريالي. ولا تشكل شرطا أوليا لتطبيق التهدئة وتنفيذ سيرورة سلم. ويلزم عدم تجاهل أن الديمقراطيين الذين ينتقدون دونالد ترامب لعدم فعل ذلك ليسوا من دعاة السلم، بل العكس. نهج باراك أوباما بوجه خاص وهيلاري كلينتون سياسة عدوانية خاصة بشأن الملف الكوري، وواصل ترامب تطبيقها ثم بالغ في تثبيتها.

لا يمكن تناول مسألة الحقوق الانسانية والاجتماعية والديمقراطية سوى في الإطار الخاص بشبه الجزيرة الكورية، وبالتفاعلات بين الشمال والجنوب وبالتعبئات الشعبية المحلية. وبإزاحة التهديد العسكري، قد تساهم قمة سنغافورة في تحرير هذا الفضاء.

وبشكل واقعي، في الوضع الكوري، يشكل بدء تنفيذ دينامية سلم شرطا ضروريا للنضال من أجل نيل الحريات الأساسية في شبه الجزيرة –وليس العكس.

ديناميات نابذة وجاذبة للمركز

مع ذلك، فنحن في بداية سيرورة لا يزال مسارها غير مؤكد.

تتذرع سياسة (متقلبة) إدارة ترامب بمبررات يتجاهلها المنطق الكوري.

لم يعد نظام بيونغيانغ «المملكة المنعزلة» كما في السابق. أدى التطور المتسامح معه لاقتصاد سوق إلى نخبة اجتماعية تطمح إلى «تطبيع» ومن الممكن أن تكون مرحلة انتقالية «على النمط الصيني» نحو رأسمالية جديدة على جدول الأعمال –ما دفع كيم بالأحرى إلى التفاوض حول السلم. لكن إذا ما تأكد ذلك، فليس ثمة ما يثبت أن مثل هذا الانتقال سيحدث دون أزمة كبيرة.

ستحاول الصين وروسيا التأثير على مجرى المفاوضات والدفاع عن مصالحهما الخاصة. إن اليابان، الحليف الذي تجاهله ترامب، يفضل حاليا عوض السلم حالة حرب تمكن الوزير الأول شينزو آبي من نهج سياسة عسكرية مفرطة في الوطنية. تدعم سيول السيرورة، لكنها تشعر بالقلق تجاه هذا الرئيس ترامب الذي لا يرى ضرورة اخبارها مسبقا بقراره القاضي بتعليق المناورات الجوية البحرية المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية.

لا تجري المفاوضات سوى بين طرفين اثنين: واشنطن وبيونغيانغ. وحسب طريقة تطورها، قد تعزز دينامية نابذة وكذلك جاذبة للمركز. وقد يسعى كيم في الوقت نفسه إلى تعزيز تعاونه مع بيكين أو موسكو وزيادة حدة استقلاله تجاه كبار جيرانه.

في الوقت الحاضر، شكلت قمة سنغافورة فرصة لشي جين بينغ للعودة إلى اللعبة الديبلوماسية، بعد مرحلة طويلة من التوترات كان فقد فيها المبادرة. ويتبين ذلك من سفر كيم جونغ أون إلى بيكين يوم 19 يونيو، بعد أسبوع من لقائه مع دونالد ترامب.

نهج نظاما كوريا الشمالية والجنوبية سياسة تقارب تدريجية للغاية، تستبعد «النموذج الألماني» القائم على وحدة مفاجئة. قد يساعدهما ذلك على العمل المتضافر لتعزيز دينامية السلم. لكن موقف مون جاي إن حول مستتبعات نزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة يظل غامضا –ملف نظام الدفاع الصاروخي ثاد (منظومة دفاع جوي صاروخي من نوع أرض-جو) أو ملف استعمال الأسطول الأمريكي السابع للقاعدة البحرية في جزيرة جيجو ملفين مهددين بالانفجار. وقد يميل كيم جونغ أون إلى الانفراد بالتفاوض وترتيب تسويات مع ترامب بغض النظر عما تطمح إليه سيول.

في أواخر عام 2017، أوقف برنامجه النووي مباشرة قبل أن يدخل مرحلة التشغيل الكامل فعليا؛ أي عن طريق تصغير حجم الرؤوس النووية بما يكفي لوضعها في الواقع على صواريخ عابرة للقارات (وهذا قد يطرح مشاكل تقنية لم تحل). ما مدى استعداده حاليا لتفكيك الأسلحة النووية في كوريا الشمالية ومقابل أية ضمانات؟ في الوقت الحالي، يظل بيان سنغافورة غامضا للغاية حول هذه المسألة.

لا تنقص علامات الاستفهام!

في حين أن الجيوسياسية الكورية تكتسي أهمية عالمية.

ملف من المطلوب تتبعه، والحالة هذه…

تذييل

*صيغة ثانية، مُستكملة ومُحَيَّنة، من هذا المقال.

شارك المقالة

اقرأ أيضا