الأمازيغية واستجداء ما بعد الدسترة

الامازيغية11 يناير، 2015

كل ما تنازل عنه الاستبداد في فترات المد النضالي وتحت ضغط المناخ الثوري يعود ليستعيده في فترات الجزر، وما يعطيه باليد اليسرى يعمل بالقوة والخداع على استرداده باليد اليمنى، فما يمنح يسهل استرداده عكس ما ينتزع بالنضال.

اضطر النظام تحت وقع السيرورة الثورية بالمنطقة وامتدادها في المغرب؛ حراك العشرين من فبراير، للتنازل على مطالب كان يعدها من سابع المستحيلات عندما كانت تستجديه المعارضة الليبرالية أن يمنحها، وكل ذلك لما فيه مصلحة الاستبداد في نهاية المطاف وليس مصلحة جماهير الشعب.

تنازل جاء في نفس سياق مكتسبات الثورتين الليبية التي اعترف فيها المؤتمر الوطني الليبي بالهوية الأمازيغية، والسورية التي فرضت على النظام تجنيس آلاف الأكراد.

ربع انتصار

بعد زهاء العقدين من التماسات الحركة الأمازيغية التي قدمتها للملكية قصد دسترة اللغة الأمازيغية، كفت تظاهرات الشارع بعد 20 فبراير لترغم الملكية على تضمين اللغة والهوية الأمازيغيتين في الدستور الممنوح والذي مرر بتزوير فاقع في فاتح يوليوز 2011.

يعتبر هذا التنازل عما رفضته الملكية سابقا ربع انتصار لحركة الشارع ونضال الميدان، لكن قبوله- إما صراحة أو ضمنا- في إطار الدستور الممنوح يفرغ ربع الانتصار ذاك من كل محتوى.

الحركة الأمازيغية بعد الدسترة واستمرار الاستجداء

تناسلت الأصوات المتملقة لإدماج الملكية اللغة الأمازيغية في الدستور بطريقتها الخاصة، أي بصيغة تحيد بها الحركة الأمازيغية عن نضال حراك 20 فبراير الذي استمر بعد تمرير الدستور الممنوح، وكان في مقدمة هذه الأصوات مرة أخرى أحمد عصيد الذي أكد أن الترسيم “كان انتصارا جميلا للديمقراطية ذاك الذي حققته الأمازيغية بعد نصف قرن من المعارك النضالية السلمية”.

وواصل عصيد ما اعتاده من استجداء المعنيين بـ”القضية الوطنية” قصد تحصين “المكتسبات الديمقراطية” التي منت بها الملكية؛ “إن التحرك في المرحلة الحالية، يقوم على أساس صدور القانون التنظيمي لإنزال اللغة الأمازيغية كلغة رسمية في كل مجال الحياة العامة.. نحن نعمل مع حلفائنا بالحكومة، وهم حزب التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية وتيار داخل العدالة والتنمية… كما نعمل مع أحزاب المعارضة”.. فالأمازيغية بالنسبة لليبرالي الذي يخشى الجماهير هي دوما قضية نخبة.

في الجهة الأخرى، الأصوات الرافضة للدستور الممنوح لكن دون أن تقرن رفضها بنضال ضده أو حتى الاستمرار في الانخراط في نضال حركة 20 فبراير. ونموذج هذه الأصوات هي “الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة” التي أعلن بيان مؤتمرها الثالث المنعقد في سبتمبر 2011 “الدستور الحالي لا يستجيب لتطلعاتنا، ورفضه تبعا لذلك للصيغة الغامضة التي تمت بها دسترة الأمازيغية”.

لكن ذلك لم يمنع الشبكة الأمازيغية من الدخول في حملة ترافعية قصد استصدار القوانين التنظيمية التي ستفعل هذا الترسيم الذي “لا يستجيب لتطلعاتها”.

قدمت الشبكة في ديسمبر 2012 مشروع مسودة قانون تنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في لقاء مع الفريق البرلماني لحزب التجمع الوطني للأحرار، بعد أن استبق فريق هذا الحزب النيابي الأمر وطرح سؤالا شفويا بالبرلمان حول نفس الموضوع.

الاستبداد لا يرضخ بسهولة

بعد مرور عامين على الصيغة التي أدمجت بها الأمازيغية في الدستور، لا زال إدماج الأمازيغية في كل قطاعات الحياة العامة مجمدا. وهذا ليس جديدا، فبعد التملق الذي انصب على تأسيس المعهد الملكي للأمازيغية لم يعرف إدماج الأمازيغية منذ ذلك التاريخ أي تقدم؛ فإذا كان مقرّرا تعميمها في التعليم، فإنها لم تنجح منذ 2003 إلا بنسبة 14% وأبدى المسؤولون المحليون عن التعليم، عدم التِـزامهم بما تقرر، ومثله قرار الاستعانة الاختيارية بمترجمين في المحاكم، واستمر منع إطلاق أسماء أمازيغية على المواليد وتسجيلها في الحالة المدنية.

كيف لا والاستبداد يخضع مثل هذه القضايا لتوافق مع الأحزاب التي ساعدته على تجاوز مرحلة الخطر، وتجعلها أخرى مجرد ورقة انتخابية، وهذا يصدق على حزب التجمع الوطني للأحرار الذي سارع إلى سحب مسودة القانون التي تقدم بها إلى البرلمان بمجرد إشراكه في النسخة المعدلة لحكومة العدالة والتنمية بعد انسحاب حزب الاستقلال منها، مبررا سحب مسودة القانون بضرورة التوافق عليه مع الأحزاب الأخرى.

أما بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة فإن ترسيم الأمازيغية جاء “لكي لا يبقى هناك سبيل للتشويش على العربية”، كما صرح بنكيران في الجلسة الافتتاحية لندوة علمية دولية حول اللغة، المعرفة، والتربية، وأضاف “أن بلاده اختارت العربية لغة رسمية ولا مجال للتشويش عليها عبر التفريق بينها وبين اللغة الأمازيغية بإثارة النعرات والتشويش.. وأمتنا اختارت اللغة العربية منذ القدم في التعامل فيما بينها..لأن النهر لا يغلب البحر” على حد قوله. لقد أدمجت الأمازيغية في الدستور ويجب أن تكتفي بذلك بدل أن تزاحم العربية في الحياة العامة (التعليم، الإعلام، القضاء..) هذا هو مغزى خطاب بنكيران.

وللاستجداء تتمة

بعد خيبة الأمل هذه لا زالت الساحة الأمازيغية تراهن على التوافق مع الاستبداد وخدامه، فهذا أحمد عصيد- رغم أنه كعادته ينمق خطابه بلفظية ثورية- يصرح بعد فوات الأوان أن المطلوب “كان إصلاح ثوري ينقل المغرب بشكل حاسم إلى الدولة الديمقراطية في صيغة ملكية برلمانية، لكن الحراك المغربي لم يتمخض عن أكثر من جرعة من الديمقراطية، في شكل تعديلات تمّ فيها تنازل الملك عن بعض المهام الثانوية، مع البقاء في وضع الإمساك بزمام الأمر من أعلى، وهو ما يعني أن الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية لم يأت في إطار دمقرطة شاملة وحقيقية كما كنا نتمنى”.

وماذا بقي لليبرالي بعد أن خدعه الاستبداد- وهذا ليس للمرة الأولى- إلا التمني.

بدوره أحمد أرحموش المنسق الوطني لفدرالية الجمعيات الأمازيغية، يعبر عن تفاجئه وباقي مكونات الجسد الأمازيغي من سحب فريق التجمع الوطني للأحرار، أخيرا، لمشروع القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية من لجنة العدل والتشريع بالغرفة الأولى للبرلمان. وأبدى أرحموش “أمنيته” في أن يتم التراجع عن قرار السحب، وأن “يتحمل 231 نائب ونائبة برلمانية بالغرفة الأولى مسؤولياتهم المتعاقد عليها أثناء لقاءاتنا بهم طيلة الستة أشهر الأولى من مسنة 2013، في إطار التعريف والتحسيس والترافع الخاص بمقترح جمعيتنا ذي الصلة بالقانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”.

من أجل حملة جماهيرية وشعبية

حتى الحملة الترافعية الأولى التي أطلقتها الشبكة الأمازيغية نحو مدن وارزازات وزاكورة وتنغير أيام 10- 11-12- يناير 2014، يغيب عنها الطابع الشعبي (شكلا ومضمونا)، فبشراكة مع جمعية تاودا للثقافة والتنمية وحقوق الإنسان بورزازات وشبكة جمعيات تنغير للتنمية والديمقراطية وفرع أزطا أمازيغ بزاكورة، ستقتصر هذه “الحملة الترافعية” على أنشطة “نخبوية”؛ معارض وندوات وحفل عشاء بفندق، وبحضور سفارات كل من سويسرا النرويج والولايات المتحدة الأمريكية!..

كان على الحملة الترافعية والتحسيسية أن تتوجه نحو الأحياء الشعبية والقرى حيث تكتوي الجماهير بنار الاضطهاد والاستغلال، وبدل إقامة حفل عشاء بفندق كان على الحملة التحسيسية أن تأخذ طابع التضامن أيضا مع عمال الوحدات الفندقية المسرحين بوارزازات. وبدل التعويل على نخب عاجزة- إلا عن الاستجداء- لا زالت الحركة الشبيبية (الطلابية والتلاميذية) رافعة أساسية للنضال الجماهيري من أجل الحقوق الأمازيغية… فقط بإضفاء الطابع الشعبي على الحملة التحسيسية نكون قد قطعنا شوطا ابتدائيا في الضغط على دولة الاستبداد.

إن منظور “الأمازيغية قضية وطنية” الذي سطر منذ بدايات الحركة الثقافية الأمازيغية، لا زال الكابح الفعلي أمام تطور نضال جماهيري وشعبي من أجل الحقوق الأمازيغية. فالجماهير صاحبة الحق والمطلب هي الكفيلة بنضالها الحازم أن تفرض على الاستبداد الاستجابة لمطالبها، أما التعويل على أحزاب دجنها الاستبداد ومؤسسات هذا الأخير من برلمان وفرق برلمانية.. فلن يؤدي إلا إلى المزيد من تهميش الأمازيغية وحرمان فئة واسعة من الشعب المغربي من حقوقها الثقافية واللغوية.

الثورة قاطرة التاريخ وضمانة تحقيق المكاسب

يعبر مآل القضية الأمازيغية عن حدود السيرورة الثورية التي تشهدها المنطقة، وهو ما يؤكد مسلمة أثبتها التاريخ وهو أن الثورات التي تتجه نحو الاستراكية هي التي تضمن حلا ديمقراطيا جذريا لقضايا القوميات المضطهدة؛ “إن العلاقة لهجة/ لغة تجد حلها الشامل في مسلسل ثورات القوميات الناشئة… إن الثورات الحقيقية (الراديكالية) تميل نحو الاشتراكية وفيها تجد “اللهجات” مكانتها أي السلطة (فيتنام الصين) وتحترم وتكتب لغات الإثنيات وتصبح لغة محلية، لكن مع عدم نبذ اللغة الوطنية”. (بوجمعة هباز).

رغم التضحيات الجسام لشعوب المنطقة لم تستطع الثورات التي أسقط بعضها رؤوس أنظمة الاستبداد بينما الأخرى وقفت عاجزة عن ذلك، لم تستطع هذه الثورات تمتيع الأمازيغ بحقوقهم القومية، ففي ليبيا أعلن الأمازيغ رفضهم للتهميش الذي قالوا إنه طالهم في لجنة صياغة الدستور الليبي، فأعلنوا حملة لجمع مليون توقيع لترسيم الأمازيغية في ليبيا، وفي تونس طرح الأمازيغ مطالبهم الحقوقية عقب رفض لجنة الدستور دسترة الهيئات الأمازيغية ونفس الشيء في المغرب الذي أعلنت فيه أطراف داخل الحركة الأمازيغية حملة لجمع مليون توقيع من أجل المطالبة بتفعيل ترسيم اللغة الأمازيغية.

فليستمر الحالمون في حلمهم التوافق مع استبداد وخدامه من أجل إدماج سلس للأمازيغية، فالحياة الاجتماعية والاقتصادية لا تتسم بهذه السلاسة أصلا.

وحدها ثورة شعبية- نحن واثقون أن تباشيرها تلوح في الأفق- تستطيع أن تضمن حقوق الأمازيغ القومية، وأيضا حلا جذريا لكل القضايا الديمقراطية التي لا زالت على جدول النضال بالمغرب (قضية الصحراء، حقوق النساء، الحريات…”.

الثورة قادمة لا محالة فلنعد لها العدة

أزنزار

شارك المقالة

اقرأ أيضا