تشغيل الأطفال: إدانة ما بعدها إدانة للنظام الرأسمالي

  «بمقدار ما تجعل الآلات القوة العضلية زائدة عن اللزوم، فإنها تغدو وسيلة لاستخدام عمال يفتقرون إلى هذه القوة العضلية، أو لم يبلغوا بعد تطورهم الجسدي، لكنهم يتوافرون على أعضاء أكثر مرونة.»  (استحواذ رأس المال على قوى عمل إضافية . عمل النساء و الأطفال )  كارل ماركس في كتابه الرأسمال .

   يشهد  العالم تطورا تكنولوجيا هائلا ووفرة هائلة من مخزونات الحاجيات الأساسية الضرورية لإشباع حاجات أفراد كوكبنا. إن التوزيع العادل للخيرات والثروات بين الأفراد وتمكينهم من تلبية متطلباتهم اليومية والرفاهية سيسمح للإنسان بتنمية القدرات الكامنة فيه.  ذاك ليس حال النظام الرأسمالي السائد الواقع تحت سيطرة مالكي الثروات و الرساميل. إن نظام الملكية الخاصة يخلق الفقر المدقع  والجوع والبطالة ويدفع بجماهير المجتمع ( الكبار) الفقيرة إلى كدح يومي مقابل الحصول على لقمة العيش، وهو نفسه الذي يدفع أبنائهم إلى العمل بأجور زهيدة وفي ظروف مأساوية يندى لها الجبين في عز التبجح الرأسمالي بالتطور والرفاه الموجود.

   إن الوضع الطبيعي هو أن يمضي الأطفال حياتهم بين التعلم واللهو والاستمتاع بملذات الحياة الترفيهية والحرص على تنمية القدرات الكامنة، لكن هيهات؟ فالرأسمالية  التي تنتج أوضاع الفقر والبؤس والبطالة  تدفعهم لعيش تلك الحياة نفسها: فمنهم من يقوم بأعمال شاقة دون قدراته الجسدية  في ظروف قاسية ومنهم من يؤدي أعمال خطيرة مقابل أجور جد زهيدة كل هذا بهدف سد رمق الأسر التي خرجوا للعمل من أجلها .

  علاوة على أن الدولة مرتبطة عضويا بالمركز، أي أن سياسات البلد الاقتصادية تخدم مصالح الشركات متعددة الجنسيات ومؤسسات قرارها العالمية بهدف واحد هو خفض الميزانيات الاجتماعية وفتح القطاع العام بوجه أصحاب الرساميل من أجل الاستثمار. فقد أنتجت سياسة الديون المنتهجة من قبل الأقلية الحاكمة منذ عقود، فقر وغلاء وبرز البؤس  بشكل صارخ لا استطاعة للمعدمين على تحمله. إن خفض ميزانية قطاع التعليم يعني انعدام المدارس، وبعدها عن المنازل وقلة طاقم التدريس النتيجة المنطقية إذا هي حرمان فئة عريضة من الأطفال من مواصلة تعليمهم. إن انعدام تعليم مجاني إلى جانب فقر مدقع سيعجل بدفع الأباء لأبنائهم للعمل لمساعدتهم في تحمل أعباء الحياة اليومية القاسية .

القوانين تشرعن عمل الأطفال

    خص قانون الشغل الرأسمالي المغربي الأطفال (الأحداث) بعناية «لائقة» في الباب الأول من القسم الثاني تدوخ القارئ بمواد تعنى بمصالح الأطفال وتحد من استغلالهم. لكن «قانون الاستغلال» شيء وتطبيقه شيء أخر. فحسب المندوبية السامية للتخطيط في تقريرها السنوي لعام 2018، بلغ عدد الأطفال العاملين 247.000 من بين 7.049.000 طفل متراوحة أعمارهم ما بين 7 و17 سنة، ومنهم 162.000 يزاولون أعمالا خطيرة. لم تستطع زيارات مفتشي الشغل سنة 2017 سوى الكشف على 70 طفل عامل لا يبلغون من السن 15 سنة و 158 يزاولون أعمالا خطيرة حسب وزارة الشغل والتكوين المهني. الدولة تضع مرغمة القوانين لتخفيف حدة الانتقادات الموجهة لـ «قساوة» الاستغلال الرأسمالي من جهة وتفرغها من محتواها عبر  تقليص أعداد مفتشي الشغل لمراقبة مدى تطبيق هذا القانون. وعلاوة على ذلك، لم نسمع ولم نشهد متابعات قضائية لأرباب عمل خرقوا قانون الشغل من مادته 143 حتى المادة 151 المتعلقة بتشغيل الأطفال.

  كما شرعن القانون رقم 19.12 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين في سنة 2016 تشغيل الأطفال في المنازل وحدد الأشغال التي سيقومون بها. وما زاد الطينة بلة أنه. كل الكلام واللغط المدافع عن كرامة العاملات المنزليات والطفولة المغتصبة  فيما يخص الاعتداءات والعنف الذي تتعرض له تلك العاملات ذهب أدراج الرياح. فقد سمح هذا القانون بتشغيل الأطفال الذين يصل عمرهم 16 بعد مرور 5 سنوات من تاريخ صدور القانون. إن جل مضامين القانون لا تغدو أن تكون ذرا للرماد، فقد تم حصر نطاق تدخل مفتش الشغل بموجب المادة 22 من القانون في القيام بتلقي الشكايات، والسهر فقط  على إجراء عملية التصالح . إنه شرعنة استغلال الأطفال بموجب القانون.

ختاما

يتوفر بلدنا على ثروات هائلة تستغلها أقلية حاكمة. لو تم توزيع مداخيل الاقتصاد بالعدل والمساواة على أفراد المجتمع لما اضطرت الأسر المغربية لتسليم أبنائها لأرباب العمل  للقيام بأعمال وضيعة وقاسية لقاء بضع دريهمات .

إن نظام العمل المأجورـ  النظام الرأسمالي ـ وضع مسؤولية إعالة الأطفال على كاهل الطبقة العاملة بأجور البؤس القليلة التي لا تلبي حتى الحاجيات الأساسية من مأكل وملبس وترفيه يليق بهم وبالتالي لا يستطيع الأطفال الاستمتاع واللهو كما ينبغي. فقد استغل أرباب العمل الأطفال من خلال تشغيلهم من جهة، كوسيلة للضغط على العمال من أجل خفض الأجور ومن جهة أخرى باعتبارهم سلعة قليلة التكلفة. تلك هي الطريقة لخفض تكلفة الإنتاج وبالتالي تعويض ارتفاع أثمان المواد الأولية وهو ما يعني الحصول على أرباح أكثر. الأرباح مقابل القتل البطيء لطفولة الأبرياء الصغار.

لا يمكن أن تستغني الرأسمالية عن تشغيل الأطفال فهو خاضع لمنطق الرأسمالية: قانون بيع وشراء قوة العمل. فأرباب العمل يستعملون عملهم كوسيلة للضغط على الطبقة العاملة عن طريق الخفض من الأجور. يجب النضال من أجل إلغاء عمل الأطفال وهو ما يعني النضال من أجل أجور عادلة حقيقة وتعليم مجاني وصندوق إعانات فعلي لفائدة العائلات الفقيرة ممول بواسطة مداخيل الضرائب التصاعدية على الثروات. إن استغلال الأطفال يسير جنبا إلى جنب مع حياة البؤس والاستغلال الذي يعيشه أبائهم. لذا فإن دور الطبقة العاملة من خلال نقاباتها هو النضال لكي يتمكن الأطفال من عيش حياة المتعة واللعب واللهو و  الحصول على تكوين ينمي مهارتهم وأفكارهم لا حياة الاحتراق في أفران الاستغلال الرأسمالية.

مهما توالت تصريحات الحاكمين ومهما تضمنت القوانين مواد الدفاع عن الأطفال والحد من استغلالهم، ومهما ذرف الإعلام المتلاعب بالعقول من دموع النفاق على وضعهم المزري، فالهدف ليس سوى خداع جماهير المحكومين وإظهار الخوف الكاذب على الأطفال. فالواقع وتقارير مؤسسات البورجوازية نفسها تضرب عرض الحائط  تلك القوانين . لا القوانين و لا التقارير المتتالية ولا التصريحات تحوز القدرة على منع تشغيل الأطفال، لأن وضع الفقر والبؤس الذي يدفع بهؤلاء الأطفال للجوء للعمل وهم صغار سببه الحاكمين الفعليين، مالكي المعامل و المقاولات الكبرى، واضعي نفس تلك القوانين.

مهما تكاثرت الإدانات لتشغيل الأطفال والدعوات للحد منه (منظمة العمل الدولية و الأمم المتحدة) في اليوم العالمي لمناهضة تشغيل الأطفال الذي يخلده العالم (12 يونيو من كل سنة)، فلا شيء يقف أمام شجع السوق الرأسمالي ومنطق الاستغلال والبحث عن الربح. فأرباب العمل الرأسماليين هم أصحاب الأمر والنهي . للقضاء على تشغيل الأطفال يجب القضاء على الرأسمالية.

بقلم،‭ ‬العاصي

شارك المقالة

اقرأ أيضا