الاممية الرابعة: تضامنا مع شعب أفغانستان، ضحية  الامبريالية وطالبان

بلا حدود4 سبتمبر، 2021

بعد عشر سنوات  من انسحاب الجيش الامريكي من العراق، مُنيت  الامبريالية الأمريكية من جديد باندحار حقيقي، في أفغانستان هذه المرة. يجب النظر في الحقبة المقبلة في مدى نيل هذا من ادعاءاتها القدرة على المناورة والهيمنة عالميا في المجال الجيوسياسي بصفتها القوة العالمية الأولى، كما فعلت قبل عشرين سنة مع احتلال هاذين  البلدين  بقوة عسكرية  اجرامية.

خلال الألفية الجديدة، كانت أفغانستان أول بلد  ضمن جملة بلدان تتعرض لهكذا هجمات عسكرية.  كانت مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية قد عينت الصين وإيران و روسيا  أهدافا للمراقبة.  كان قادة تلك المؤسسة إذن  واعين جيدا أن أفغانستان، على غرار باكستان، كانت جارة لإيران و للصين و للجمهوريات آسيا الوسطى الموالية لروسيا، حيث تتوافر أيضا موارد  بترول وغاز هامة غير مستغلة نسبيا.

كان استيلاء طالبان على كابول يوم 15 أغسطس/آب مطبوعا بحمام دم، واختطافات، وتهجير للسكان، تؤشر  على مستقبل غامض لأغلبية 38  مليون أفغاني.  إن استيلاء طالبان على السلطة من جديد-بأسرع مما توقعت الولايات المتحدة الأمريكية- ضربة قاسية  للصدقية  السياسية للإمبريالية الأمريكية.  وقد انهار خدامها الأفغان.

اضطراب سمته الفوضى بالنسبة للإمبريالية

لقي انتصار طالبان تيسيرا  متعدد الأوجه من الامبريالية الأمريكية.  فقد مهد اتفاق الدوحة مع طالبان الطريق لهذا الاستيلاء على السلطة. فبانخراط مباشر أو مداور لكل من قطر وباكستان  وروسيا  إيران والصين، أبرمت الولايات المتحدة وطالبان اتفاقا. ولم تعط الحرب التي شنتها الولايات المتحدة طيلة عشرين سنة أي شيء، وبمغادرة  القوات الامريكية لأفغانستان، بات البلد اليوم تحت رحمة طالبان أكثر جرأة. ولم يُشرَك الشعب الأفغاني قط، في أية لحظة، في القرار الخاص بمصيره. يوجه دونالد ترامب اللوم الآن لبايدن، لكنهما في الواقع متواطئين. ويواصل بايدن  سياسات ترامب الامبريالية، سواء إزاء أفغانستان أو إسرائيل ، وكذا كوبا  وفنزويلا وبلدان أخرى.

أطلق ترامب هذا الاتفاق، وطبقه بايدن. ويدل الانسحاب الأمريكي على اندحار الدعم “للحرب الأبدية” في هذا البلد، و أتاح للإمبريالية التخلص من الورطة الافغانية وتركيز مقدراتها  في أماكن أخرى.  أرادت الولايات المتحدة مغادرة أفغانستان مهما حصل. وانسحبت بأسوأ طريقة ممكنة، بلا تنظيم مسبق لإجلاء المدنيين.

صدم انسحاب الولايات المتحدة  بلا احتفال  حتى حلفائها. ويجري الحديث من جديد بين الساسة الأوربيين، الحانقين لعدم إشراكهم في خطط الانسحاب الأمريكية، عن تشكيل قوة عسكرية قد تعمل باستقلال عن الولايات المتحدة وعن حلف شمال الأطلسي.  وبينما كانوا احتفلوا  منتشين باستيلاء  القوات الامبريالية على كابول قبل عشرين سنة، أدت الهزيمة ولاسيما الانهيار السريع لنظامهم الدُمية إلى خلافات جدية بين الحلفاء.  وقد أدان توني بلير، أحد شركاء  بوش المنتشين في العام 2001، “التخلي” عن البلد، معتبرا إياه “خطيرا” و”غير ضروري” .

 الصين وروسيا  تكفلان نظام طالبان

تتيح عودة طالبان توطدا جديدا لنفوذ   منافسي الولايات المتحدة في المنطقة، من قبيل  روسيا والصين.  وبعكس فترة احتلال  الولايات المتحدة  لكابول في العام 2001، لم تعد الصين وروسيا  تقفان الى جانب الامبريالية الأمريكية. ويقوم البلدان بمفاوضات جدية مع طالبان حول  كيفية “تنمية أفغانستان” واستكمال المشاريع  التي تخلت عنها  الامبريالية الأمريكية.  وتبدي الصين وروسيا بكل وقاحة استعدادهما للاعتراف بدكتاتورية طالبان.  وليستا  حتى ملزمتين أمام شعبيهما بتوضيح مصير الشعب الأفغاني.  إن للدكتاتوريات “مزاياها” الخاصة”…

تبرز  انقسامات حلفاء الولايات المتحدة، وتعزز نفوذ منافسيها، أن اتفاق الدوحة كان مساومة  بالنسبة للإمبريالية الامريكية. لقد تبينت، ضمن أفولها البطيء والمتعرج، عجزها عن السيطرة على الأحداث بالنحو الذي توقعت حكومتها عند إطلاق ما يسمى “الحرب على الارهاب” قبل عقدين من الزمن.

أعقبت استيلاء طالبان على كابول عملية نقل جوية واسعة النطاق وفوضوية.  قامت قوات حلف شمال الاطلسي بإجلاء عشرات آلاف الاشخاص من مطار كابول. وفيما أدت الاضطرابات والهجمات الى سقوط عشرات القتلى،  ثمة آلاف اخرى تنتظر إمكان الافلات بمعجزة  من البلد تفاديا لفيالق الموت الطالبانية.  ورغم انتظار  آلاف الاشخاص بالمطار مساعدة من  الولايات المتحدة و حلف شمال الاطلسي، ظل الرئيس بايدن مصرا على إنهاء  عملية الاجلاء  المأساوية يوم31 أغسطس /آب.  هو ذا عدم اكتراث الولايات المتحدة بمصير الأفغان.

جمدت الولايات المتحدة 9.5 مليار دولار  من احتياطات العملة الافغانية المحجوزة في بنكها المركزي، بينما أوقف صندوق النقد الدولي صرف 450 مليون دولار الخاصة بأفغانستان ضمن برنامج محاربة  جائحة كورونا. ما يعني أن أفغانستان، سابع أفقر بلدان العالم، المتروك تحت رحمة طالبان، سيواصل الغرق في الفقر.

إن ما جرى إنفاقه في أفغانستان باسم التنمية و “الديمقراطية” وتكوين القوات المسلحة في العشرين سنة الأخيرة استثمار غير مسبوق. فقد  صبت الولايات المتحدة، حسب Cost of War Project،  2226 مليار دولار في أفغانستان. كان من شأن هذه الأموال أن تتيح تعليما وخدمات صحية أساسية في العالم برمته. وحسب تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية في العام 2020،  أنفقت الولايات المتحدة 815.7 مليار دولار مصاريف حرب.

يمكن تقدير عدد قتلى هذه الحرب،  حتى أبريل 2021 ،  بـ47235  مدني و 72 صحفي و 444 من العاملين في المساعدة الانسانية. كما بلغ عدد الجنود الأفغان ضحايا هذه الحرب 66 ألفا.

وفقدت الولايات المتحدة 2442 جنديا، و جرح 20666  آخرين. وفضلا عن ذلك، قُتل 3800 من عناصر الأمن الخاص. وقد شارك جنود 40 بلدا ضمن قوات حلف شمال الأطلسي الأفغانية. قتل منهم 1144 جنديا. وبلغ عدد الاشخاص طالبي اللجوء الى الخارج بـــ 2.7 مليون، فيما جر ى تهجير 4 مليون داخل البلد.  وقد اقترضت الامبريالية الأمريكية بلا حساب لتمويل هذه الحرب.  وأدت 536 مليار  دولار في سداد الفوائد وحدها. وأنفقت، فضلا عن ذلك، 296 مليار دولار مصاريف طبية وغيرها للجنود العائلين الى البلد، وأنفقت 88 مليار دولار  لتكوين 300 ألف جندي أ فغاني استسلموا دون قتال، و 36 مليار دولار في مشاريع إعادة إعمار  مثل السدود و الطرق السيارة، الخ.  و أنفقت 9 مليار دولار  تعويضات للأفغان كي لا يزرعوا  نبتة الأفيون و لا يبيعوا الهيروين.

استعملت الامبريالية الأمريكية خطر  طالبان والقاعدة مبررا  لإنشاء معسكرات وسجون سرية بقصد التعذيب ولاقتراف جرائم ضد الإنسانية ، ولسجن أشخاص دون  اجراءات قانونية في غوانتنامو،  ولتعزيز  وكالة الاستخبارات الأمريكية ووكالة الفضاء الأمريكية  و لتبني القانون ضد الارهاب Patriot Act الخ

انهيار نظام عنيف وعديم الكفاءة وفاسد

كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها قد وعدوا بأن يجلب احتلالهم التنمية ويحرر النساء من نظام طالبان القاهر. لكن ذلك لم يحدث. ومنذ البداية استند الاحتلال على الفساد، والعنف، وعلى اتفاقات مع ماسكين بالسلطة قمعيين وأمراء حرب سابقين عوض دعم محلي حقيقي. وكما أكدت الجمعية الثورية للنساء الأفغانيات “لم يجلب الاحتلال غير اراقة الدماء، والدمار، والفوضى.  وجعلت بلدنا أكثر الأمكنة فسادا، وقلة أمان، وعرضة للمافيا، والأشد خطورة، لاسيما على النساء”. أخفق الاحتلال، بنحو مثير للرثاء، في زعمه القضاء على الفقر. وتبلغ نسبة البطالة حاليا في أفغانستان 25% ، ونسبة الفقر 47%  بحسب تقديرات البنك العالمي. وقد تورط أشرف غاني ومن معه في عمليات فساد هائلة. وكان الانقسام الطبقي بالغ الحدة.

لم يحارب الأفغان من أجل الأمريكيين، فلماذا قد يحاربون من أجل عملائهم المحليين؟ لم يكن لدى الشعب والجنود الأفغان أي منطلق ايديولوجي ليحاربوا  طالبان باسم النظام. لم يسقط النظام نتيجة دعم ساحق يحظى به طالبان، بل لأن عنفه وعدم كفاءته وفساده جعل الناس المستعدين للقتال من أجله قلة.  إن درس أفغانستان التاريخي هو أن قوات يشكلها تدخل أجنبي لا يمكن أن تدافع عن البلد أو تحسن بنحو هام ظروف حياة الأغلبية. طيلة عشرين سنة رست قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أفغانستان، لكن الجيش الذي شكلته تشتت دون قتال. وكان الاحتلال السوفييتي السابق – الذي نددنا به بكيفية ممثالة-  أخفق هو أيضا في إرساء نظام طويل الأمد.

يمثل أشرف غاني وشركاؤه أسوأ شكل من الرأسمالية.  أما طالبان قد اتقنوا استغلال الدين. إنهم يسعون إلى دولة دينية.  ولم يسبق لأشرف غاني أن أوضح نمط الدولة الذ ي يريد.  إن الأمل ضئيل في بزوغ معارضة جدية لطالبان في افغانستان في مستقبل قريب. معظم أمراء الحرب (في الغالب مجاهدون سابقون) الذين انحازوا الى واشنطن في العشرين سنة الأخيرة والباقين في افغانستان، انخرطوا مع طالبان في مفاوضات سميت مفاوضات “حكومة وحدة لتقاسم السلطة”. قبلوا هزيمتهم وهم حاليا متلهفون لقبول ما قد يمنحهم طالبان من فتات. سيستعلم طالبان هكذا أمراء حرب، لتجري متابعتهم لاحقا من قبل “عدالتهم” ويُستعمَلوا  عذرا لعجزهم عن مساعدة السكان. ما يُزعم أنه “مقاومة مناهضة لطالبان”، المحتفى به  حاليا من طرف بعض وسائل الاعلام، مكون من قادة حرب طغاة عديمي الصدقية و ليسوا بديلا.

طالبان يوطدون سلطتهم بالعنف

يوطد طالبان سلطتهم باستراتيجيات متنوعة.   من جهة يستعدون ومتورطون في اغتيالات منتقاة لمعارضيهم بمختلف مناطق أفغانستان، ويسعون من جهة أخرى إلى كسب دعم زعماء القبائل وموظفي الحكومة السابقين.  القصد الايهام بوجود حكومة دامجة.  لكن هذا مجرد أحبولة ليس إلا. يمكن لطالبان، وهم مسيطرون على كابول، ان يمنحوا أنفسهم ترف تقاسم سلطة رمزي  مقابل اعتراف بنظامهم.

لحد الآن، لا يزال طالبان  يعملون بحذر في كابول، لكنهم  أبانوا منذ شهور، وأينما وُجدوا، عن عنفهم المعتاد .  وقد نشرت  منظمة الامم  المتحدة و هيومان رايتش  تصريحات بشأن جرائم حرب ارتكبها طالبان في الاسابيع الأخيرة.

“طالبان” تعني “الهمجية سياستنا”. تقوم استراتيجيتهم الحقيقية على إبقاء الناس في خوف وتطويعهم بالإرهاب.  وبالتالي ممارسة عقوبات وحشية (كقطع الأنف أو الأيدي  والرجم والاعدامات أمام الملأ، والاسقاط من طائرات مروحية) لنشر الخوف قدر المستطاع. ويحطمون المقاومة بالإرهاب.

في المرة السابقة، وحدها الامارات العربية والمملكة السعودية وباكستان اعترفت بنظام طالبان.  وحاليا، تبدي تركيا وروسيا والصين وباكستان وبلدان أخرى  عزمها على التعاون مع طالبان.  وإن كان ساسة البلدان الامبريالية ينددون منافقين بعنف طالبان، فإنهم  يبقون أيضا قائما إمكان “التزام” معهم مستقبلا.  إن التاريخ طافح بأمثلة دعم  الولايات المتحدة لحركات رجعية، سواء في أفغانستان أو في المنطقة.  أقامت الولايات المتحدة تحالفا مع  ديكتاتورية ضياء الحق اليمينية في باكستان ومع النظام  الرجعي السعودي لمساندة شبكة عالمية من الجهاديين ضد الحكومة الأفغانية المسنودة من السوفيات. وبعد  إطاحة حكومة نجيب الله، استولى طالبان على السلطة في افغانستان بعد حرب أهلية دامية  ومديدة.  إنهما الجيوسياسة والتنافس الإمبرياليين في  أقبح صورهما. وسيكون الثمن مطلوبا من الأفغان ومن سائر شعوب العالم.

طور جديد من الحرب الأهلية

لا تعني هزيمة الامبريالية الأمريكية في أفغانستان نصرا للقوى المناوئة للإمبريالية. تلقت الإمبريالية ضربة من قوة رجعية لا صلة لها بالديمقراطية، ولا بحقوق الانسان، ولا بحماية البيئة ولا بالتنمية الاجتماعية للشعوب.  لقد كانت فترة حكم طالبان الاولى ،من 1996 إلى 2001، كابوسا للأقليات، وللنساء، وللرأي العام في أفغانستان. وطالبان لم يتغيروا.  بل ازدادوا مهارة، ويتصرفون بنحو أشد تعقيدا مما مضى.  إن لدى طالبان برنامجا اجماليا “للنصر الاسلامي”. سيكررون، بأشكال مختلفة، ما فعلوا خلال سنواتهم السابقة بالسلطة في أفغانستان.  وسيتمكن طالبان هذه المرة من البقاء في السلطة مدة أطول.

لذا ليس انتصار طالبان أَمارة سلم، بل بداية طور جديد من الحرب الاهلية.  إن إقامة دولة  دينية متعصبة  أخرى في جنوب آسيا يعني الاضطهاد داخل حدودها ونشر التعصب الديني  بالمنطقة برمتها. سيظل السلم بعيد المنال.  انتصار طالبان خبر سيء لتقدميي العالم برمته.  إن نقدنا  لعملاء  الولايات المتحدة لا يعني بأي وجه مساندة لطالبان.

ستصطدم كل مقاومة شعبية بقمع شرس وبعقبات كأداء. مع ذلك نرى أَمارات مقاومة.  ولا يمكن إخضاع الشعب الافغاني بالبنادق.

يجب أن تستمر  معارضة الامبريالية ونظام طالبان الرجعي . ووحده انتصار قوى ديمقراطية حقيقة واشتراكية من شأنه أن ينهي حمام  الدم في أفغانستان.  يجب على القوى الأممية التقديمة و الجذرية القيام بما في وسعها لتخفيف الكارثة الجارية وتمهيد طريق بديل مستقبلا.  إن مساندة  القوى الاجتماعية في أفغانستان و الحقوق الاجتماعية والسياسية  للأفغان المنفيين خارج بلدهم أمر أساسي  لبناء بديل للإمبريالية ولطالبان.

  • يجب ألا يعترف أي بلد بنظام طالبان كحكومة ممثلة لأفغانستان
  • لا لأي تقليص يضر بالأشخاص الباحثين عن ملجأ أو ملاذ، مع وجوب اتخاذ تدابير ملائمة ليتمكنوا  من البقاء أو  الاستقرار حيث يشاؤون.
  • يجب أن تمر المساعدة الانسانية عبر منظمات السكان المحليين، بدل حجزها واستعمالها عملة مع طالبان،
  • يجب على القوى الأممية التقدمية و الجذرية أن تسعى إلى  ربط علاقات مع المنظمات التقدمية للأفغان أينما ظهرت، وبوجه خاص  مساندة  نداءات منظمات النساء الأفغانيات.
  • يجب على هذه القوى أن تتصدى لكل محاولة لتنظيم تدخل امبريالي جديد. يجب أن تعارض الدعاية العنصرية التي  تعتبر طالبان نتاجا “للتخلف الاسلامي” فيما هم نتاج الامبريالية وتدخلها.
  • لا للإمبريالية و لا لطالبان.

المكتب التنفيذي للأممية الرابعة

 30 اغسطس/آب 2021

 

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا