وضع نقابي مُزر في قطاع التعليم، من أجل فتح آفاق جديدة

يشمل قطاع التعليم قسمين من الشغيلة، قسم مرسم (توظيف مركزي) يشكل قاعدة النقابات التقليدية، ويمثل قرابة ثلثي العاملين بالقطاع؛ وقسم يتكون من المفروض عليهم التعاقد مع الأكاديميات، وقد بلغ عددهم 102000 متعاقد ومتعاقدة (حسب تقرير حول الموارد البشرية المرفق بمشروع قانون مالية 2022). وهم منظمون في إطار تنسيقية وطنية، بمثابة نقابة عمليا، وتحوز قاعدة واسعة رغم وجود منخرطين من قاعدتها بالنقابات. لكن كل النضالات الخاصة بالمتعاقدين هي عمليا بعيدة عن النقابات.

تتقاسم النقابات الست الأكثر أهمية نظريا تمثيل قاعدة من قرابة 230000 موظف وموظفة، حيث 40 في المئة يفوق عمرهم 50 سنة، و 27 في المئة فقط يقل عمرهم من 40 سنة (حسب تقرير حول الموارد البشرية المرفق بمشروع قانون مالية 2022). ما يعني أن القاعدة الاجمالية القادرة على النشاط النقابي، وذات حيوية للعمل النضالي والتنظيمي تضيق باستمرار (أقل من 70000) تتجاذبها ست نقابات. فبحكم وضعية القطاع وقسوة العمل به، يلاحظ أنه كلما اقترب الأجير / الأجيرة من سن التقاعد كلما تظهر عليه /ها الأمراض، ويدب الوهن في الجسد والمعنويات، وتتغير الأولويات عند فئة ليست بالقليلة بما فيها النقابيون/ات. إذن الشغيلة المفترض أن تتعبأ في العمل النقابي لتحسين الوضع المادي تتقلص وجزء منها وجد سبلا أخرى لرفع دخله (سرطان الدروس الخصوصية).

الانقسام النقابي بالغ، ست نقابات عدد مبالغ فيه، ولا يعبر عن تنوع سياسي ولا إيديولوجي. فجلها خاضع لقوى سياسية بورجوازية. الوضع أشد قتامة عند النظر إلى كون كل نقابة، وهي جسم نحيل، مجزأة إلى عدة فئات ونقابات وطنية أو تنظيمات مرتبطة بالجنس أو السن…ما يجعل الأشكال التنظيمية صَدَفة فارغة في أغلب الأحيان ووسيلة لتبديد الجهد وإحباط الطلائع.

يتحد الأجراء في نقابات ضد أرباب العمل في أماكن العمل وعلى مستويات تنظيمية متنوعة تتناسب مع مستويات السلطة البورجوازية التي من شأنها التنازل أمام النضالات، أي على المستوى الاقليمي والجهوي والوطني – على مستوى مقاولة أو قطاع أو وزارة. هدف الاتحاد هو دوما وأبدا رفع الأجور المباشرة (ما يحصل عليه الأجير آخر كل شهر) وغير المباشرة (كل مكونات الحماية الاجتماعية)، وكذا تحسين ظروف العمل (حفظ الصحة واتقاء المخاطر). جميع هذه المطالب تقتضي مالا لتلبيتها،  وهذا بدوره،  يقتضي بالضرورة حصول الشغيلة على حصة أكبر من القيمة المضافة المنتجة على صعيد كل مقاولة وعلى صعيد البلد برمته. وهذا يقتضي إنقاص حصة البورجوازية المتخذة شكل أرباح. وكذا سياسة أجور تضيق بين الحد الأدنى والأقصى وسياسة توزيعية عن طريق الخدمات العمومية الممولة بشكل تضامني يتناسب مع مقدرة كل واحد، لكن الاستفادة منها تجري على قدم المساواة وحسب الحاجة.

إن كل مطالب شغيلة التعليم (خارج السلم، الترقي بالشهادة، تغيير الاطار، التعويض عن العمل في المناطق النائية … الترسيم…. ) الهدف منها في المحصلة النهائية رفع الأجر الفعلي أي الحفاظ على القدرة الشرائية ورفعها. بما أن الهدف واحد والجهة المشغلة واحدة، وبما أن كل مطالب الشغيلة التعليمية تحتاج ميزانية فورية أو لاحقة لتحقيقها فلا بد ان تنتهي عند وزارة المالية. فمن الطبيعي، لكل عاقل، توحيد النضال وأشكاله بين كل نقابات القطاع التي تدعي الدفاع عن مصالح الشغيلة. أما على مستوى كل نقابة فلا مبرر مطلقا لتقسيم الأعضاء والعضوات إلى أشلاء فئوية تتنافس على نيل الهزائم على أعتاب أبواب الوزارة.  بحجة أن كل فئة (وخاصة قليلة العدد) يمكن للوزارة أن تحل ملفها. أما القيادة النقابية المركزية فتكتفي بالتضامن وإتاحة خاتم المنظمة على البيانات، بينما جل التنسيقيات تسب النقابة ولا تكن لها احتراما.

تحول النضال الفئوي إلى أداة لإضعاف النقابة، وإضعاف فرص الحصول على مكاسب. يغادر المنظمون النقابة، ويلتحقون بالتنسيقيات وهذا معناه ان النقابة أداة نضال غير صالحة. فأية مهانة هذه أن يترك نقابي النقابة وينخرط في تنسيقية. وبأي وجه سيدعو الشغيلة للانضمام للنقابة و هو أول من يغادرها عندما تكون ضرورة للنضال على مطالب تخصه.

في هذا السياق، يجب فتح نقاش جدي بين من تبقى من النقابيين قولا وفعلا داخل جل النقابات وتنسيقية المفروض عليهم التعاقد، على كافة المستويات التنظيمية الوطنية والجهوية والاقليمية، نقاش يفضي لإطلاق سيرورة توحيد جزء كبير من شغيلة القطاع في منظمة نقابية  تكون لها تمثيلية واسعة، للدفاع عن ملف مطلبي محين ومركز يتماشى ومتطلبات مواجهة السياسة التخريبية للدولة داخل القطاع وكذا لصون مكاسب الشغيلة وتطويرها.  هذه المنظمة النقابية تكون أداتها التنظيمية الرئيسة في أماكن العمل من خلال لجن المؤسسات، وأداتها النضالية الرئيسة الاضراب العام المعد جيدا، وطريقها لذلك الرفع الدائم لمستوى الوعي الطبقي لطبيعة السياسات المتبعة بالبلد وبالقطاع ومضمون الرد النضالي الواجب.

بدون ما سبق ستكون النتيجة الحتمية فناء النقابة بالقطاع، وتحولها بشكل فاقع إلى مساعد للموارد البشرية بالوزارة ومصالحها الخارجية. كما إن شغيلة التعليم من موقعهم في النقابة وكمواطنين ومواطنات مطالبون أن يكونوا في طليعة النقاش حول أي نظام تعليمي أفيد للمجتمع مضمونا ومسارا.

تشكل النساء أكثر من نصف شغيلة القطاع التعليمي، لكن تواجد النساء في القيادة الفعلية للنقابة وفي أدوار رئيسية يظل ضعيفا جدا ولا يتناسب مع أعداد الأجيرات بالقطاع. لا يمكن التقدم في النضال دون حل هذه المسألة.

على منظمات النضال التعليمية أن تبث روحا طبقية وسط الشغيلة وتجعل من التضامن والتعاون مع باقي شغيلة الوظيفة العمومية نقطة محورية في نقاشها وعملها…إضرابات وندوات وتنسيق تنظيمي … المشغل واحد، الدولة وتوابعها، وبالتالي لانتزاع مطالب يجب توحيد القوى.

إن نقاش إطلاق سيرورة توحيد الفعل النضالي قد تجد في المقترحات ادناه بعض عناصره:

  • تنظيم نقاش عمومي حول النظام الأساسي وسط الشغيلة لبلورة مواقف نقابية في خدمة الشغيلة..وتوفير الوسائل لتعميمه على كل الشغيلة، عبر نشرات وحوامل بصرية. لأجل الوصول لافكار تنتج مطالب تضمن القطع مع سيرورة تفتيت الشغيلة إلى فئات لإضعاف قدرتها النضالية.
  • نقاش حول الاكتظاظ في الأقسام، باعتباره شكلا من أشكال تكثيف الاستغلال، وهدرا مقصودا لمستقبل الشباب، منظم من طرف البورجوازية (أبناء البورجوازية لا يتعلمون في أقسام مكتظة….) يجب رفع عدد المشتغلين بالقطاع.
  • نقاش حول ساعات العمل وضرورة تخفيضها لحدود 20 ساعة كحد أقصى للأسلاك الثلاث.
  • بلورة موقف حاسم من الساعات الاضافية ومن الذين يقومون بها، ما جدوى انخراطهم في النقابة التي تعتبر وسيلة جماعية لتحسين أوضاع الشغيلة، وقد ذهبوا للحل الفردي على حساب التلاميذ.  يجب عدم السماح للممارسين للدروس الخصوصية وكذا كل من له نشاط “مقاولاتي” بالتواجد في أجهزة النقابة.
  • سن تقاعد للنساء في سن 55 سنة (يوم عمل المرأة مزدوج ، العمل المنزلي وتربية الطفل) وكذا سن تقاعد في 60 سنة بالنسبة للرجال.
  • فتح نقاش جدي حول هيكلة عمل نقابي موحد بالقطاع التعليمي الخصوصي، وضرورة نظام تعليمي عمومي وموحد وغير تجاري.
  • رفع الأجور بما يضمن مستوى لائق للعيش ، مع تحديد أجر ادنى وأعلى في الوظيفة العمومية من 1 إلى 3 مثلا… يحصل البعض على اجور خيالية بينما يحرم عدد كبير من الناس من ضروريات الحياة…
  • قروض السكن دون ضرائب ولا فوائد…

لم يعد الامر في السياق الحالي يحتمل مزيدا من التأجيل أو التحجج بحجج من أي نوع، الوضع النقابي في التعليم أضحى في أسفل سافلين، والشغيلة تتعرض لهجوم استراتيجي منذ سنوات يستهدف ليس فقط النيل من المكتسبات، بل كذلك إعدام فرصة تنظيم نقابي قادر على المجابهة والصمود وانتزاع مكتسبات.

يناير 2022

بقلم: نقابي بقطاع التعليم

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا