صعود حركة النساء الجديد- لجنة النساء في الأممية الرابعة 

صعود حركة النساء الجديد-pdf

24 شباط/ فبراير 2021

لجنة النساء في الأممية الرابعة 

مقرر صادقت عليه اللجنة العالمية للأممية الرابعة 53 صوتا و 3 امتناع عن التصويت.

تعريب: جريدة المناضل-ة

“يجب علينا، من أجل تغيير ظروف الحياة، تعلم النظر إليها عبر عيون النساء”

من مقال ليون تروتسكي، منشور يوم 14 أغسطس/آب 1923 في البرافدا، أورده بيار برويه في الفصل السابع والعشرين من كتابه عن تروتسكي.

شهدنا في السنوات الأخيرة صعودا جديدا للحركات النسوية التي اكتست في بلدان عديدة طابعا جماهيرياً، وفي الآن ذاته تنامي مشاركة النساء ودورهن القيادي في حركات احتجاج جماهيرية واسعة وفي انتفاضات شعبية. من زاوية النظر هذه، وبالنظر إلى مختلف نماذج هذه النضالات، قياسا بسابقاتها في متم القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، أو سنوات 1960 و1970، وتطورها تزامناً مع غيرها من سيرورات تعبئة عالمية جماهيرية، نعتبر أننا إزاء موجة جديدة من الحركة النسائية، سيكون لها تأثير دائم على أشكال الصراع الطبقي ومتطلباته، لاسيما مع الأداة الجديدة المتمثلة في إضراب النساء النسوي.

1.السياق
خلقت جائحة كوفيد19- في العام 2020 سياقا جديدا كليا، مبرزةً خصائص الوضع الجوهرية. وقد أبان نص مؤتمرنا العالمي السابع عشر في العام 2018 عن الفوضى والأزمة الجيوسياسية العامة القائمين حاليا. وتمثل الجائحة توضيحا ناطقا للعولمة بانتشارها السريع في العالم برمته وبالفوضى الناشئة عن عجز كل الحكومات الرأسمالية عن تدبير الازمات الصحية والاجتماعية والاقتصادية المترتبة.

جرى خلق توتر بين المتطلبات الاقتصادية والصحية العاجلة بقصد تضليل وتغليط قسم كبير من السكان بشأن خطورة وعمق طور هذه الأزمة الحضارية الراهن. وذاعت بنحو واسع فكرة أن الجائحة قد تكون سبب الأزمة الاقتصادية، فيما كانت الرأسمالية المتأزمة تسعى في الواقع إلى إعادة تنظيم نفسها بالتواري خلف الجائحة. ترتب عن ذلك إظهار التدابير ضد العواقب الاجتماعية للجائحة على أنها عابرة ستُخلي المكان بوجه السرعة لسياسات “عادية”. ما يمكن أن نستشفه من فترات الحجر الصحي الشامل أو الجزئي هو أن الجائحة حلت في ظل رأسمالية لم تتجاوز الأزمات المركبة (المالية، والاقتصادية-الاجتماعية، و البيئية، والجيوسياسية) المستمرة بعد 2007-2008.
وتضر هذه الأزمات المترابطة بالنساء بوجه خاص، ويتعزز ذلك بعواقب الجائحة التي تسبب تقهقرا معمما قياسا بما يدعى عادة “أطول ثورة”، تلك التي أنمت حقوق النساء في القرن الماضي.
هذا التناقض بين تطلعات النساء إلى حياة تستحق عيشها من جهة، وتفاقم الوضع الراهن من جهة أخرى، هو أساس الصعود الجديد لتعبئات النساء، وهو ما يفسر غلبة الطابع الإجمالي في البرامج التي بزغت وكذا تطور الإضراب النسوي وتجارب في مناطق وجماعات كمناهج عمل ترمز إلى رفض النظام برمته.

1.1 جائحة كوفيد -19
جائحة كوفيد-19 نتاج تلاقي الأزمات الايكولوجية والاجتماعية الكامنة: توتر علاقة المجتمع البشري مع الطبيعة (تدمير الغابات، انهيار التنوع الاحيائي، تجارة الحيوانات البرية، الزراعة الصناعية، التعديل الوراثي في إنتاج الحيوانات والأغذية) وعجز الحكومات الرأسمالية، التي لا يحركها سوى الربح، عن بناء خدمات صحة وخدمات عامة أخرى فعالة وصيانتها. كما كانت الجائحة برهنة عنيفة على التفاوت العالمي في مجال الإفادة من العلاجات وموارد الصحة، مثال ذلك تخصيص90% من اللقاحات المتوافرة لبلدان الشمال.
لجأت الحكومات إلى إجراءات قمع بفرض الحجر الصحي ومنع التجول، المطبقين غالبا فيما الجائحة متواصلة بنحو غير متماسك وغير مبرر لأن خدمات الصحة تعرضت لتقليص وكانت عاجزة عن المواجهة؛ وحتى بعد الموجة الأولى، لم يكن ثمة ضخ لموارد جديدة ترقبا للموجة الثانية (أو الثالثة) المحتمة. وشهد أيضا هذا الوضع تطور نظريات المؤامرة حول الفيروسات المصنعة وحملات مضادة للتلقيح، لدرجة تهديدها للصحة العامة ببعض البلدان.
النساء هن من يتحمل العبء الأعظم من الكلفة الاجتماعية للجائحة. أبرزت الجائحة بنحو مُعبر من هم “العاملون الأساسيون”: الضروريون/ات لمواصلة الحياة البشرية مثل عمال وعاملات الصحة والعلاجات، ومستخدمي النظافة، وعمال وفلاحي توزيع وإنتاج الأغذية، والمدرسين وإدارة التعليم، وعمال/ات النقل. كما أن النساء أغلبية في القطاعات المتضررة بالحجر الصحي ومنع التجول، أي السياحة والتجارة والقطاع غير المهيكل. كل هذه القطاعات مضفى عليها طابع عرقي بشدة وتعمل بها نسبة كبيرة من العمال الأهالي. كما طالت هذه التطورات بقوة مجتمع الميم [المثليات والمثليون ومزدوجو الميول الجنسية والمتحولون والمتحولات جنسيًا] -LGBTIQ – المُركز أكثر من سواه في القطاعات الأساسية أو الهشة.
وعند إغلاق المدارس والحضانات، تزايد العبء المنزلي الذي ينيخ على النساء، فضلا عن الإجهاد والقلق الناتجين عن ضرورة السهر على تعليم التلاميذ عن بُعد، وتوفرهم على التجهيزات والشروط اللازمة بنحو لائق. ويؤدي نقص الموارد المتاحة إلى نسبة توقف عن الدراسة متنامية. وتزايدت مسؤوليات النساء بما هن معالجات لأعضاء الأسرة المرضى والمسنين .
ويطال تقليص العلاجات الطبية الأخرى، بسبب إيلاء أسبقية للمصابين بكوفيد-19، العديد من الأشخاص، من مصابين بأمراض مزمنة، وبالسرطان، وآخرين بحاجة إلى علاجات منتظمة، مثل الأشخاص حاملي فيروس السيدا والمتحولين جنسيا المحتاجين إلى أدوية منتظمة. كما تحتاج الحوامل إلى عناية طبية منتظمة قبل الوضع وأثناءه وبعده. ويطال بوجه خاص النساء المحتاجات إلى مساعدة طبية فورية لوقف حمل غير مرغوب فيه.
واستمر عند مئات ملايين النساء تحت خط الفقر الحاد اللجوءُ اليائس إلى الاستدانة لتأمين البقاء، لا بل تفاقم.فنسبة 80% من 250 مليون من زبائن القروض الصغرى نساء في فقر مدقع يتعرضن للنهب بنسب فائدة فاحشة.
وتعرضت للطرد من مواقع عملها قبل الجائحة آلافُ المهاجرين والمهاجرات، الداخليين والدوليين على السواء، ومنهم آلاف النساء العاملات، لاسيما في البيوت وفي صناعة النسيج. كانت هجرتهم/هن نتيجة استحالة فرص عمل ببلدانهم/هن ، وفاقم الانكماشُ الاقتصادي الناتج عن الجائحة هذا الوضع، تاركا إياهم/هن في الغالب في جماعات قروية دون مورد عيش.
كما يمثل الحجر الصحي تهديدا إضافيا للنساء في وضع حجر مع شركائهن أو أفراد أسرهن العنيفين، فتزايد تأثير العنف المنزلي في هكذا ظروف. وقد جرى ببعض البلدان اتخاذ تدابير لتمكين النساء من الإشعار بتلك الحوادث وإيجاد سكن بديل، لكنها كانت غير كافية وقصيرة الأمد. واضطر العديد من أفراد مجتمع الميم، لاسيما الشباب، إلى العودة إلى أسرهم/هن الأصلية، ما أدى غالبا إلى تعرضهم/هن لأشكال عنف وقمع متزايد.
فيما سعت الحكومات إلى مواجهة الجائحة بواسطة وسائل قمعية وسلطوية، جرى تشكيل شبكات محلية للمساندة على صعيد محلي، وكانت في الغالب بمبادرة من نساء. ونهضت تلك الشبكات بمهام من قبيل التبضع للأشخاص المسنين والضعاف أو صناعة أقنعة واقية، وفكَّت بهذا النحو العزلة التي يفرضها الاحتماء في البيت والعمل فيه، متيحة دعما نفسيا عندما يخشى الناس أن يقتلهم الفيروس آو يقتل أقاربهم. ودعمت المنتجات القرويات الانتاج الغذائي المحلي والمديني.
تبرز الأزمة الصحية بجلاء مركزية عمل إعادة الإنتاج الاجتماعية الذي تقوم به النساء، وأكدت مطالب تثمين مهن الرعاية. كما بينت بجلاء الحاجة إلى التضامن العالمي وإلى العدالة في الإفادة من العلاجات وموارد الصحة.

2.1 النيوليبرالية

أدت العولمة الرأسمالية وتنامي التمييل financiarisation[*] وتدويل سلاسل الإنتاج إلى تقليص مقدرة الحكومات على تنفيذ سياسات اقتصادية تخدم المصلحة الجماعية للطبقات الحاكمة. لا تزال البلدان الإمبريالية تبذل الجهد لضمان ظروف مواتية لتراكم الرأسمال، لكن الرأسمال العالمي يشتغل على نحو أكثر استقلالا من ذي قبل. وقد كشفت الأزمات المالية في أعوام 1997 و2007-2008 التناقضات المتأصلة في العولمة الرأسمالية مع عواقب وخيمة- سياسية واجتماعية وهيكلية- منها انفجار الديون، وإنعاش الجريمة المنظمة، وحتى انبعاث عبودية البشر. واقتحمت مصارف خاصة كبيرة أسواق وزبائن جديدة بالتوجه عبر القروض الصغيرة إلى ملايين النساء ممن لا حساب مصرفي لديهن.

وكان للبطالة ونقص الاستخدام والعمل الهش، والانخفاض الهائل في الخدمات الأساسية (السكن والتعليم والمساعدة الاجتماعية، وما إلى ذلك)، وأيضاً الأزمات الزراعية، تأثير كبير على مقدرة ملايين الأشخاص على البقاء على قيد الحياة.
وبسبب نمو رؤوس الأموال المعولمة وغير المنظمة بقانون، وكذا الفساد وعدم كفاءة الحكومات، وإفقار أقسام عريضة من السكان، باتت الجريمة المنظمة فاعلا اقتصاديا واجتماعيا كبيرا في الساحة العالمية. ولا تقتصر على التهريب وتجارة المخدرات، بل امتدت إلى الاتجار في البشر لأغراض استغلال جنسي وللعمل، وهي ثاني مصادر دخلها، وكذا إلى تجارة السلاح التي تجذب آلاف الشباب إلى صفوفها وتؤدي إلى مستويات عنف غير مسبوقة.

كان لكل ذلك تأثير خاص على النساء، في العمل المأجور وغير المأجور سواء بسواء. والنساء هن الأكثر عددا في قطاعات العمل الهشة، أو في القطاع غير المهيكل أو في قطاعات شهدت ارتفاع البطالة بشكل هائل. ويؤدي تدهور الخدمات العامة إلى زيادة حجم العمل المنزلي الضروري لإعادة إنتاج الأسرة – وهو عمل يقع قسط غير متناسب منه على كاهل النساء.

3.1صعود اليمين المتطرف والأصولية الدينية والاستبداد ومعاداة «إيديولوجية النوع الاجتماعي-(الجندر)»

إن لصعود تيارات الأصولية اليمينية المتطرفة والسلطوية والدينية، المترابطة غالبًا دون أن تكون متماثلة، عواقب خاصة وضارة على النساء.

يعزز تجدد اليمين المتطرف اندفاعة رجعية تهدف إلى تقويض حقوق المرأة والمثليين والمثليات وثنائيي وثنائيات الميل الجنسي والمتحولين والمتحولات جنسياً [مجتمع الميم] والإجهاض وقانون الأسرة وحملات اضطهاد منظمة ضد أفراد مجتمع الميم.

وتهاجم بعض الحركات بوضوح النساء ومجتمع الميم، معتبرة في الغالب المثلية الجنسية وحقوق مجتمع الميم صادرات إمبريالية. ويستهدف بعض آخر، بمبرر الدفاع عن النساء وأشخاص مجتمع الميم، المهاجرين و/أو المسلمين، بمنع الحجاب وبالاتهام بالاغتصاب أو بحجة أن الإسلام مناهض للمثلية الجنسية. وقد يشهد اليمين المتطرف، بفعل ذلك، توترات بين الراغبين في استعمال ما تتبناه قواعده من تمييز على أساس الجنس وميل جنسي غيري، ومن يستعملون حقوق النساء ومجتمع الميم في خدمة كُره الاسلام والأحكام المسبقة المناهضة للمهاجرين. ومع ذلك، يعزز كل منهما الآخر في واقع الأمر.

تعتمد القوانين الدينية بشكل كبير على الأسرة وفصل أدوار الجنسين، فارضةً علاقات سلطة قمعية على جسد النساء، ومعرضة حياتهن للخطر. وغالبا ما يستهدف الأصوليون حضور النساء في أماكن العمل، ساعين بوجه خاص إلى منعهن من العمل في المصانع.

وتبرز تيارات يمينية متطرفة أخرى كأصولية دينية في جميع الديانات «الكبرى» (أو كأصولية «دينية وطنية» مثل اليمين الصهيوني المتطرف). وهي تمارس تأثيرا على حكومات هامة منها في الولايات المتحدة والبرازيل، وتضطلع بدور مركزي في بعض بلدان أوروبا الشرقية. وتسبب التيارات المسيحية، انجيلية أو كاثوليك متطرفة، ضررا بالغا في أمريكا اللاتينية وأفريقيا بسياسات معادية للنساء رجعية إلى حد كبير – فيما يتعلق بوجه خاص بمسألة الإجهاض وحق النساء في الاختيار- ولمجتمع الميم مع تبني أيديولوجية مناهضة للجندر (النوع الاجتماعي) تسعى إلى دعم أدوار تقليدية للذكور والإناث ومهاجمة مجتمع الميم وخاصة المتحولين والمتحولات جنسيا. ويتميز العالم الإسلامي ببعد دولي خاص، مع وجود حركات «عابرة للحدود» مثل داعش أو طالبان. وتستخدم الحركات الفاشية الدينية العنف الجنسي المنظم ضد النساء والقاصرين في مناطق سيطرتها، بشكل رئيسي في شكل اغتصاب واستعباد جنسي. وتستعمله لتجنيد الأعضاء ومحاربة الجماعات الأخرى.

وقد أدت النزعة المحافظة النيوليبرالية التي تروم تعزيز الأسرة الأبوية إلى زيادة العنف ضد النساء بشكل كبير. وفضلا عن الإفلات من العقاب الذي يحظى به مرتكبو هذا العنف، يخلق تقليص المساعدة المادية الضحايا بيئة اجتماعية تشجع عنف الذكور.

4.1 كارثة المناخ

إن الكارثة المناخية المعتبرة في حكم المستقبل هي أمر واقع في مناطق عديدة من العالم. فتغير المناخ، والأزمة الغذائية، وأزمة الماء، والعنصرية البيئية، وتقدم الشركات العابرة للأوطان على المجالات الترابية ومواردها، والنظام الاستخراجي-استغلال الموارد الطبيعية من أجل الربح- و “تمييل الحياة”، كلها عناصر هامة في واقع بلدان الجنوب.

تقف الشعوب الأصلية والفلاحون/ات والشباب في طليعة النضالات البيئية، وتنهض النساء بدور رائد في هذه القطاعات الثلاث. هذا الوضع نتاج اضطهادهن الخاص، وليس نتاج نوع جنسهن البيولوجي -كما أبرزت مناضلات الحركة النسائية البيئية غير الجوهرانية. يفرض النظام الأبوي على النساء وظائف اجتماعية مرتبطة مباشرة بـ «الرعاية» ويضعهن في طليعة التحديات البيئية.

تنتج النساء القسم الأعظم من الأغذية الأساسية في بلدان الجنوب، ما يجعلهن يواجهن مباشرة كوارث تغير المناخ والنظام الاستخراجي والزراعة الصناعية [agrobusiness]. ويضطلعن كذلك بمعظم مهام تعليم الأطفال وصيانة المنزل، وبالتالي يواجهن بشكل مباشر آثار تدمير البيئة وتسميم جماعاتهم على الصحة والتعليم . إن التنظيم الذاتي لضحايا الفوضى المناخية والدفاع عنهم/هن جزء من النضال ضد تغير المناخ، وتتبوأ النساء في جماعاتهن قلب هذه التعبئات.

5.1 هجرة كثيفة

هناك نزوح سكاني كبير: 250 مليون مهاجر/ة عالمي/ة، و750 مليون مهاجر/ة داخلي/ة (نازحون، إلخ) غالبًا بسبب التغيرات الاقتصادية الهيكلية مع تباينات إقليمية هامة. وثمة أيضًا عمليات نزوح دائم بسبب الحروب وعنف الجريمة المنظمة، والآن بسبب تغير المناخ. يجري ثلثا الهجرة العالمية بين بلدان ذات مستوى تنمية متماثل.
تهاجر النساء، سواء على صعيد عالمي أو داخلي، سعيا إلى ظروف حياة أفضل لهن ولأسرهن، أو بسبب اضطهاد سياسي أو بعد حروب وممارسات عنف محلية، أو بسبب عنف منزلي. وتؤدي الهجرة، في سياق أزمة، إلى مفاقمة اضطهاد النساء، ولها أثر على استغلالهن. إنهن يعانين من إفقار حاد جدا ومن فقدان حقوقهن، وتواجهن الميز الجنسي والعنصرية والاستغلال. كما تعاني النساء من أشكال عمل «جديدة» شبيهة بالرق: الاحتجاز والبغاء والاتجار بالبشر.

تحتاج البلدان الصناعية اليد العاملة المهاجرة في القطاعات المهيكلة وغير المهيكلة. بيد أن أن المهاجرين/ات غالبا ما يغدون هدفا لحملات كره أجانب تعتبرهم أعداء. وتقوم قوانين قمعية حاصرة للهجرة بتحطيم الأسر، سواء بإسناد مسؤولية العناية بالأسرة إلى المرأة وحدها عند هجرة ذكور الأسرة، أو بالعكس بإجبارهن على الهجرة من أجل العمل لكسب مال للأسرة. عندها تلقي سلسلة الهجرة حملا متزايدا على نساء الأسر المهاجرة كي ينهضن بالعناية بمن بقي منها بالبلد الأصل.

6.1 أزمة اعادة الإنتاج
كان على الرأسمالية دوماً أن تؤمن إعادة إنتاج اليد العاملة التي لاغنى لاشتغالها عنها: إن إعادة إنتاج اليد العاملة جزء لا يتجزأ من دورة إنماء قيمة رأس المال.

إن الشكل الأبوي للأسرة الرأسمالية، المعزز بأفكار «أجرة رب الأسرة»، وإسناد مسؤولية مهام إعادة الانتاج داخل الأسرة للمرأة، قد أتاح للرأسمالية إعادة الإنتاج هذه بأقل كلفة.

يتعلق الأمر بسيرورة متفاوتة، ليس لتفاوت نمو الرأسمالية نفسه وحسب، لدرجة أننا نرى اليوم آثار ما قبل رأسمالية باقية في بعض أجزاء العالم، ولكن أيضًا لأن نماذج متباينة تطورت، لأسباب اقتصادية وسياسية، في أوضاع مختلفة.

لمَّـا كانت الرأسمالية بحاجة إلى كتلة النساء لتكون جزءا من اليد العاملة المأجورة، خاصة إبان الحرب العالمية الثانية ثم أثناء فترة ازدهار ما بعد الحرب في البلدان الرأسمالية المتقدمة، اضطرت، بطرق مختلفة حسب موازين القوى والطبيعة الدقيقة للاقتصاد المحلي، إلى إتاحة بعض الخدمات عبر الدولة: التعليم والصحة والسكن ودار الحضانة، إلخ. هذا العمل، الذي يُعتبر نسائيا لأنه يطابق دور النساء في الأسرة، كان ولا يزال متدني الأجور وتمارس معظمَه النساءُ، المتحدرات غالبًا من أقليات إثنية و/أو مهاجرة.

لكن الرأسمالية اضطرت، مع وقوعها في أزمة اقتصادية عميقة، إلى مهاجمة هذه الخدمات بالذات بالتقشف، مع سعي إلى إبقاء النساء في إطار العمل المأجور، ولكن مع محاولة مزيد من تقليص أجورهن وظروفهن. هذا ما أثقل أكثر كاهل عبء نساء عديدات، مجبرا إياهن على القيام بعمل كانت الدولة تضطلع به سابقاً. ودفع نساء عديدات إلى ترك سوق العمل أو الاشتغال في فرص عمل أكثر هشاشة. وخلق كذلك طلبًا متزايدًا على نساء أقل أجراً وأكثر هشاشة إلى حد كبير -بما فيهن المهاجرات دون أوراق ثبوتية- للقيام بهذا العمل من أجل تمكين نساء أخريات من الاحتفاظ بمكانهن في سوق العمل.

2. ما هي العوامل المسببة لهذا الصعود؟

1.2 مكاسب الموجات السابقة

تمكنت الأجيال الجديدة من الاستفادة ــ بنحو متفاوت لكنه مركب على صعيد العالم – من المكاسب التي حققتها الحركة النسائية في أثناء الموجات السابقة: أولا على صعيد الحقوق الشكلية، والقوانين، واستفادة النساء من التعليم والصحة، ثم على صعيد الحقوق والحريات الإنجابية والجنسية، والانفتاح في العالم المهني والأكاديمي والثقافي والسياسي والإعلامي. وفي بلدان عديدة، ناضلت اتجاهات نسوة اشتراكية (نضال طبقي) بنجاح داخل الحركة العمالية ومعها من أجل تحسين قانون العمل.

2.2 تأنيث العمل

تعمل النساء في كل مكان أكثر من الرجال… لكن جزءا من عملهن مطموس: لا تزال النساء يمثلن أكثر من ثلاثة أرباع عمل الرعاية غير المؤدى عنه في العالم، بالجنوب وبالشمال على السواء.
ورغم استمرار الفارق بينهن وبين الرجال، تلج النساء أكثر فأكثر سوق العمل العالمية، فنسبة 40% من شغيلة العالم نساء. وهذا الارتفاع مسجل في كل المناطق رغم أن في بعضها، مثل افريقيا الشمالية و غرب آسيا، نسب أدنى (أقل من 30%) مما في مناطق أخرى بالجنوب العالمي.

تعاني النساء أكثر في كل مكان من ساعات عمل دوام جزئي مفروض، وهو ميل ازداد مع جائحة كوفيد-19.وقد تصل ساعات هذا العمل الناقص إلى نصف إجمالي ساعات عمل الإناث. وعلى صعيد العالم، يشتغل ما يناهز نصف عدد العاملات فيما تسميه منظمة العمل الدولية بـ«عمل هش»، خاصة في المقاولات الزراعية والصناعة التقليدية والتجارة. في جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء، تفوق نسبتهن 70٪.

لقد غيرت العولمة النيوليبرالية إلى حد كبير هيكلة الاقتصاد وفرص العمل.

اجمالاً، انتقلت فرص العمل خلال عشرين سنة من الزراعة إلى الصناعة، ثم إلى الخدمات التي تشغل حوالي نصف اليد العاملة.

لا يزال ربع اليد العاملة النسائية في العالم يشتغل في الزراعة، التي تظل أول مصدر لتوظيف النساء في جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء. وفي أمريكا اللاتينية والكاريبي، بات تأنيث القرى ظاهرة متنامية. وبما أن 60% من المنتجات التي ترد إلى المدن قادمة من الزراعة الأسرية والفلاحية، بات دور النساء أساسيا للاقتصاد لكن السياسات الاقتصادية تفضل القطاعات الموجهة للتصدير، ومعظمها تستخدم الذكور، على حساب الزراعات المعيشية. وتمثل النساء معظم صغار المزارعين في العالم، ما يزيد وضعهن هشاشة.

تقلص وجود المرأة في الصناعة منذ العام 1995. ويتركز وجودهن بشكل عام في قطاعات مثل النسيج والملابس. وفي المناطق الاقتصادية الخاصة (المناطق الحرة)، تشغل الصناعات الموجهة للتصدير غالبية من النساء، غالبًا ما تكون فتية جدا وتجمع بين أجور منخفضة وغياب حماية اجتماعية وظروف عمل مأساوية وأشكال عنف قائم على أساس الجنس.

ومن العام 1995 إلى العام 2015، أصبحت حصة الخدمات في تشغيل الإناث أغلبية في العالم. ويقتصر نشاط النساء في كل مكان على قطاعات معينة من النشاط: التجارة في البلدان متوسطة الدخل، والصحة والتعليم في البلدان ذات الدخل المرتفع. إجمالا، يرتبط تركز النساء العالي بارتفاع وتيرة العمل بدوام جزئي وبالأجور المتدنية نسبيًا، خاصة في البيع والتنظيف والمطاعم. ويرتبط تمثيلهن الزائد في قطاعات الصحة والتعليم والعمل الاجتماعي ارتباطًا مباشرًا بتمثلات نمطية جندرية تبخس قيمة المؤهلات المطلوبة في هذه الفروع. ولكن بوجه أعم، يتم فيها فرض المرونة وظروف عناء خاصة، بما في ذلك القدرة على ضمان تعدد المهام والانخراط العاطفي، وهي “خاصيات أنثوية نموذجية”، ترسم أشكال عبودية جديدة .

يُقدر متوسط فرق الأجور العالمي بين النساء والرجال بنسبة 23٪. ولا يستفيد زهاء 40٪ من النساء في الحماية الاجتماعية بسبب عملهن (في القطاع غير المهيكل، وسوق العمل السوداء والعمل المؤقت وفي البيت). ونتيجة لذلك، لا تستفيد 200 مليون امرأة في سن التقاعد من أي معاش  تقاعد. وتشكل النساء في المجموع نسبة 70٪ من فقراء العالم.

وفي أثناء الجائحة، تزايد العبء البدني والذهني على النساء بفعل اللجوء إلى العمل عن بعد الذي يجمع في نفس المكان، البيت، العمل المأجور والعمل المنزلي المتعاظم. وبسبب الاضطرار الى مغادرة العمل بفعل الانهاك بعبء العمل الفائق، أو التسريح أو المنع من ممارسة نشاطهن، أصبحت نساء عديدات محرومات من وسائل تلبية حاجاتهن بنحو مستقل.
وتعوزنا حاليا الاحصائيات الكافية لتقدير تام لما يعني ذلك لمكانة النساء في سوق العمل، لكن بوسعنا الجزم أن التفاوتات القائمة تفاقمت.
ويعني تأنيث العمل، في الآن ذاته، تزايد مساهمة النساء عدديا في سوق العمل وكذا ميلا، ناتجا عن السياسات النيوليبرالية، إلى تعميم الظروف المميزة لوضع النساء في العمل – هشاشة وعدم استقرار ونقص استخدام وغياب حقوق وحماية اجتماعية وضعف تنظيم نقابي…- على مجمل البروليتاريا.
ما انفك إضفاء الهشاشة على التشغيل يتقدم، وبات يشمل زهاء نصف التشغيل الاجمالي، على غرار الاقتصاد غير المهيكل الذي يشمل 60% من عمال العالم.
وثمة ميل الى انمحاء الحدود بين العمل المؤدى عنه والراحة – على غرار عمل إعادة الانتاج (ضرورة خدمة أرباب العمل 24 ساعة على 24- وكذا الحدود بين الحياة الشخصية والحياة المهنية. يُطلب تفعيل المقدرات والخصائص المنسوبة للنساء من هيئة رائقة و إغواء وتعهد العلاقات  وتفهم شخصية الغير والنهوض بمهام متعددة …لخدمة المقاولة.

2.3 تزايد العنف القائم على أساس الجنس 

يحظى العنف ضد النساء، الذي خلقته الدولة وأقلمته، بالإفلات من العقاب. وتندرج الوفيات العنيفة في شبكة معقدة من الميز ضد النساء واستغلالهن، على أساس جنسهن، ولكن أيضًا حسب الطبقة الاجتماعية والانتماء العرقي وحالات المخاطر المتعددة ، من تهميش وانعدام أمان وعسكرة وهجرة، إلخ.

أكثر من ثلث نساء العالم معرض للعنف الجنسي أو الجسدي في حياته. معظم النساء القتيلات هن ضحايا شريك أو شريك سابق. ويُلاحَظ تصاعد حدة الجرائم القائمة على أساس الجنس وتفاقمها بسبب أزمة العام 2008 مع تدمير الخدمات العامة والحماية الاجتماعية وتزايد المسؤوليات ومهام الرعاية، وتقليص إمكانات الإفلات من العنف، فيما تخفض سياسات التقشف تمويل المراكز والملاجئ الخاصة بالنساء ضحايا العنف. كما أن استقلال الشابات الاقتصادي والنفسي والجنسي المتنامي يجعلهن عرضة «لانتقام» ذكور من أفراد أسرهن. ويقوم دعاويو اليمين السياسي والديني بإضفاء شرعية على جرائم الكراهية الرامية إلى «تصحيح» سلوك نساء مجتمع الميم اللائي «يخُنّ» القوانين المحافظة.

إن قتل النساء، المعترف به اليوم كأحد أشكال العنف الجندري المتطرفة، هو قتل النساء وموتهن لمجرد أنهن نساء ونتيجة مختلف أشكال العنف: جسدي وجنسي ونفسي وأسري ومهني ومؤسسي. لوحظ شكل العنف هذا منذ سنوات 1980، وجرى توثيقه في مدينة سيوداد خواريس بالمكسيك في العام 1993، وتم تتبعه في جميع أنحاء البلد ويُعرف الآن بأنه ظاهرة عالمية وإقليمية في أمريكا اللاتينية. إن شعار Ni Una Más! (ولا واحدة إضافية) الذي أبدعته نساء المكسيك، وأصبح بعد 22 عامًا Ni Una Menos( و لا واحدة منتقصة) شعار النساء في الأرجنتين- وبات اليوم رائجا في المنطقة وفي العالم – دليل ملموس على استمرار وتزايد هذا النوع من العنف الكاره للنساء والذكوري، وعلى الإفلات من العقاب وانتهاكات حقوق الإنسان. تنظم النساء أنفسهن، في بلدان عديدة، بحثاً عن بناتهن المفقودات ولمطالبة الدولة بالعدالة في قضايا قتل الإناث. وبإبراز أسماء الضحايا، غالبًا ما تصبح هذه الحملات رمزية.

كان لحركة أنا أيضا #MeToo، التي تفجرت في الولايات المتحدة الأمريكية، تأثير عالمي. تناولت النساء الكلمة لإدانة التحرش الجنسي في مختلف المجالات الثقافية والمهنية والاجتماعية والتحرش في مكان العمل. لقد كسرن حاجز الصمت، ما أبرز عوائق القيام بذلك بالطرق النظامية، كما كان ذلك دفاعا عن شرعية التنديد العلني.
رد جيل جديد من النسويات الشابات على العنف الجنسي في الجامعات من خلال مواجهة سلطات الجامعة والمطالبة بإجابات وسبل التصدي لهذه الاعتداءات الجنسية.

وتُختطف النساء ،في بلدان عديدة، لاستغلالهن كإماء جنس وللعمل القسري من قبل شبكات دولية للإتجار بالبشر والجريمة المنظمة. ويُستخدم الاغتصاب في نزاعات عديدة سلاحَ حرب. وله غايات متنوعة، من الإذلال الطائفي إلى التطهير العرقي، مروراً بترهيب السكان المدنيين.
ظروف هجرة النساء تجعلهن أكثر عرضة للعنف الجنسي والاختطاف والبغاء والاتجار بالبشر والابتزاز والانفصال عن عائلاتهن (تسافر نساء كثرُ مع الأطفال) والاحتجاز التعسفي والمرض والحوادث وقتل النساء. وبفعل كونهن مسؤولات عن الأطفال المسافرين معهن، يصبحن هدفًا مزدوجًا وتزداد الصعوبات لأن وضعهن كعاملات بلا أوراق ثبوتية يصعب عليهن وعلى أطفالهن الحصول على عمل أو خدمات.

سنت دول عديدة، في العقدين الأخيرين، تحت ضغط الحركة النسوية المطالبة بتحمل الدولة مسؤولياتها وإنشاء أطر قانونية جديدة لمواجهة العنف، قوانينَ وسياساتٍ عامة بوجه انعدام المساواة والعنف ضد المرأة وجرائم قتل النساء. ومع ذلك، لم تتمكن في الواقع من القضاء على العنف. لا بل يزداد كلما أصبح جلياً بفضل طاقة النساء واصرارهن على التنديد به.

ترتبط العوائق التي تواجهها نساء ضحايا العنف في الوصول إلى العدالة بالتمييز الجنسي، والأحكام المسبقة القائمة على دونية النساء، والصور النمطية التي تدعم ثقافة وأيديولوجية منهجيتين. يتعرض المناضلون/ات والمدافعون/ات عن حقوق الإنسان والنسوانيون/ات الذين يناضلون دفاعاً عن النساء ضحايا العنف للعداء والتهديد والتجريم وفي بعض الحالات يضطرون إلى الهروب إلى المنفى.

4.2 تنامي دور النساء في المجتمع و في الحركات الاجتماعية

شاركت النساء دوما بحيوية في حركات الاحتجاج ضد النظام القائم. لكن فقط في هذه العقود الأخيرة برزت النساء بجلاء كذوات سياسية في طليعة التعبئات بجميع أنواعها.
نشير إلى القليل منها وحسب: ماكسيما أكونيا ومعركتها ضد أنشطة المناجم في بيرو؛ بيرتا كاسيريس، المدافعة عن حقوق الإنسان في هندوراس؛ وآلاء صلاح من قائدات الثورة الديمقراطية في السودان. وأليسيا غارزا و باتريس كولورس و أوبال تومتي في حركة حياة السود مهمة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وغريتا تونبرج من حركة الشباب العالمية ضد تغير المناخ ؛ وداياماني بارلا، في جهارخاند  بالهند على رأس تعبئة جماهيرية ضد آرسيلورـ ميتال أكبر شركة عالمية للصلب؛ والمجلس الرعوي لنساء الماساي في لوليوندو، الذي يقود النضال من أجل الأرض؛  وحركة  النساء المتحدات النشيطات MujeresUnidas y Activas (MUA)، وهي منظمة قاعدية من المهاجرات اللاتينيات في خليج سان فرانسيسكو، ذات دور رئيس في إقرار قانون حقوق عاملات البيوت في عام 2013.

تقود النساء مقاومات مجتمعات أصلية، مثل مسيرة النساء، المطالبة بحماية الأرض والصحة والتعليم، والمنتمية إلى أكثر من 100 شعب أصلي في البرازيل. أو الدور الرائد لنساء الشعوب الأصلية في الإكوادور الثائرات ضد تدابير اقتصادية تروم إنهاء دعم المحروقات، والتي لها تأثير على حياتهن اليومية. ونساء الأمم الأولى في كندا ونساء هنود أمريكا اللائي أفلحن في وقف استغلال الموارد الطبيعية لأقاليمهن.
شاركت النساء الشابات والطالبات في تشيلي في انتفاضة مذهلة أطاحت دستور بينوشيه  وأبانت زيف تقديم تشيلي كنموذج نيوليبرالي قدوة. وقد قامت المنسقة النسوية 8M بدور أساسي في هذه السيرورة، لا سيما بتنظيم تجمعات ووضع برنامج نسوي.
وفي شمال أفريقيا والشرق الأوسط، تضطر النساء اللائي يقدن الحركات ضد الانظمة المستبدة وضد الانهيار الاجتماعي إلى خوض المعركة الايديولوجية ضد الأصولية الدينية النافذة في المجتمع وفي جهاز الدولة.
وفي البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية، كانت النساء في مقدمة الاحتجاجات ضد التدبير الكارثي للجائحة من قبل حكومة البلدين برئاسة بولسونارو وترامب، الذكوريين والمستبدين.
وتقود النساء نضال الجماهير الشعبية في بلدين من الكتلة السوفييتية السابقة ضد الانظمة الاوتوقراطية والفاسدة. فقد قمن في بولونيا بتعبئة ملايين الأشخاص ضد النيل من حق الاجهاض – المحدود أصلا- ما أفسح في المجال لتنام ديمقراطي عام للمطالب. وكن في روسيا البيضاء، في طليعة النضالات الشعبية من أجل احترام نتيجة الاقتراع وطرد الحكومة الغاصبة.

أتاح الصعود النسوي الجديد وتنامي دور النساء في الحركات الاجتماعية ظهور شخصيات سياسية نسائية جديدة. منها على سبيل المثال انتخاب أدا كولاو أو رفيقتنا تيريزا رودريغيز في الدولة الإسبانية، ونائبات جدد – غير بيض- من يسار الديمقراطيين في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز ورشيدة طليب،  أو مارييل فرانكو في البرازيل.
يشهد دور النساء النشيط والقائد في الحركة الاجتماعية والسياسية، والحالة هذه، نموا ملحوظا، بانخراط تام في السيرورات السياسية الوطنية المقاومة للإفقار الكثيف للفئات الشعبية بفعل السياسات النيوليبرالية.
نرى الأمر يتعلق بنضالات مرتبطة بمسألة الدفاع عن الحياة، وعن إعادة الانتاج الاجتماعية بمحتوى ايكولوجي واقتصادي واجتماعي وثقافي وروحي أحيانا. وهي تسير موازية لدى الاشخاص المنخرطين في هذه النضالات مع ارتقاء إلى وعي التفاوت الجندري والعنف البطريركي السائد في المحيط كما في المجتمع برمته.

2.5 المقدمات الدولية للموجة الجديدة

بُذلت في أثناء موجة الحركة النسائية السابقة جهود لخلق تنسيق عالمي. في أواخر سنوات 1970، تأسست الحملة العالمية للحق في الإجهاض، وتطورت لتصبح الشبكة النسائية العالمية لحقوق الإنجاب ولا تزال نشطة. وعُقدت أول اللقاءات النسائية في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي في كولومبيا في العام 1981، وهي لقاءات نصف سنوية وما زالت نشطة. قرر هذا المؤتمر جعل 25 تشرين الثاني/نوفمبر يوم مكافحة أشكال العنف ضد النساء، وقد تبنته منظمة الامم المتحدة في العام 1995 يوما عالميا للقضاء على العنف ضد النساء.

نشأت المسيرة العالمية للنساء ضد الفقر والعنف في العام 1998 في أعقاب مؤتمر الأمم المتحدة للنساء في بكين في العام 1995، لكنها توجهت نحو المرأة الشعبية والفعل في الشوارع. وحققت بعض النجاح في أثناء حقبة المنتديات الاجتماعية، ولا تزال قائمة في بعض البلدان.
تزامنت محاولات التنسيق العالمي هذه مع لحظات صعود الحركات الاجتماعية على صعيد العالم، وعانت من نفس تراجع هذه الحركات. لكن، رغم إضفاء طابع المنظمة غير الحكومية، أتاحت هكذا بنيات مواصلة تنسيق دولي. وقد جرت لقاءات عالمية للنساء الريفيات حول مسألة السيادة الغذائية (Nyeleni نيلني في العام 2007 في مالي) وتنامي الموقف النسوي لمنظمة بياكمبسينا Via Campesina، وهي شبكة الفلاحين العالمية الرئيسة التي شهدت تطورا.

في الوقت ذاته، شهدت جميع الانتفاضات أوالثورات الاجتماعية التي اندلعت في العقود الأخيرة مشاركة قوية من النساء اللائي طورن إطار تحليل وفعل خاص بهن داخل هذه الحركات: من قانون المرأة في حركة زاباتيستا إلى حضور النساء في حركة ميدان التحرير بمصر، وحركة احتلوا بالولايات المتحدة الامريكية، وحركة الساخطين في الدولة الاسبانية، وفي «الربيع العربي» والنموذج المشرق للمقاتلات الكرديات. لم يعد المقصود في كل هذه الحركات ترتيب بالأولوية للنضالات الديمقراطية والمناهضة للاستعمار والرأسمالية والعنصرية والأبوية، بل على العكس بدأ بروز جلي لحركة نسوية تقاطعية تتناول كل أشكال الاضطهاد على نحو مركب.

2.6 تيارات النسوية الأخرى

أصبحت النسوية الليبرالية والإصلاحية، في بلدان عديدة عالية التصنيع ودرجة معينة من دولة الرفاه في فترة ازدهار ما بعد الحرب، نتيجة فرعية للموجة النسائية الثانية.

تتميز الحركة النسوية الإصلاحية بدمج مطالب نسوية، وحتى مناضلات في الغالب، في أحزاب اشتراكية ديمقراطية وأحزاب إصلاحية أخرى، خاصة عندما تكون في حكومة محلية أو وطنية، وذلك بتبني سياسات و مشاريع ممولة مستوحاة من الحركة النسائية ولكن مع قليل من التنظيم الذاتي أو بدونه. ولا تتيح خطط التقشف سوى حيز ضيق لهذا النمط من النسوية.

تركز النسوية الليبرالية جهودها على تأنيث المنشآت والإدارات والثقافة السائدة، دون طعن في طابعها الطبقي و «العرقي»، بل تتخذها بالعكس عذرا لاستغلال شرائح اجتماعية أخرى: المهاجرات والفقيرات وضحايا الميز العنصري. وقد كانت هذه النسوية في حقبة ما كابحا لتماهي الأجيال الجديدة والشرائح الأخرى من النساء غير الميسورات مع النسوية.

كان يتطور في الجنوب العالمي إضفاء طابع منظمات غير حكومية، أي تكييف الحركات النسائية وتحييدها تدرجياً داخل المنظمات غير الحكومية وفي إطار مواعيد منظمة الأمم المتحدة، هذه التي أضفت الطابع المهني عليها ومولتها على حساب تجذرها وتسييرها الذاتي.

بالنظر إلى تدهور الظروف المعيشية والهشاشة، في أعقاب أزمة العام 2008، وخلافاً لهذه الأوهام التدرجية، تطورت الحركات التي نشأت في سنوات 2010 في إطار معارضة واضحة لهذه المقاربات.
ويمثل انبعاث تيار نسواني قائم على الحتمية البيولوجية، بارز بوجه خاص في الحملات الرجعية الرامية إلى تقليص حقوق النساء المتحولات جنسيا في الفضاءات العامة، عقبة أخرى إشكالية.

3. ما هي خصوصيات هذه الحركة؟

إن لدورة التعبئات الراهنة مميزات خاصة بها، مستمدة من السياق الذي تحدث فيه. فمن ناحية، نجد مسائل خاصة بالمرحلة التاريخية (أزمة اليسار، والذوات السياسية، والفردانية النيوليبرالية المتسللة إلى جميع المجالات، وعدم الثقة بالشأن السياسي، وفقد الاستراتيجية ، وإعادة الاهتمام بها، إلخ.) ومن ناحية أخرى، نتواجد بأشكالنا النضالية الخاصة، بقواعد جديدة للحركة النسوية. الحركة النسوية حركة مبدعة قادرة على طرح نقاشات جديدة وأدوات جديدة لتغيير العالم.

1.3 امتداد جغرافي متنام ومضمون مُوسَّع

امتدت التعبئات عبر العالم، واكتسبت ملاءمة أعظم في أمريكا اللاتينية وأطراف أوروبا. وتقود الأرجنتين والبرازيل وإسبانيا والمكسيك مؤخرًا هذه التعبئات التي امتدت إلى بلدان أخرى. وتندرج في التطور ذاته المظاهرات الضخمة من أجل حق الاجهاض في بولونيا في العام 2020- والتي تجددت في العام 2021-.ضد تجريم يكاد يكون تاما لحق النساء في الاختيار. وقد احتفي في العالم برمته بالنصر التاريخي لنساء الارجنتين في الترخيص القانوني للإجهاض في متم العام 2020. وكانت محاور التعبئة الرئيسة متمثلة في النضال من أجل الحق في تصرف الفرد بجسده، ومن أجل الحق في اتخاذ القرار وإلغاء تجريم الإجهاض وكذلك مكافحة العنف الذكوري (ولا سيما ضد قتل الإناث والعنف الجنسي).

أصبح الإضراب النسوي محورًا مركزيًا لتمفصل الحركة النسوية على صعيد العالم، وامتد ليشمل الكوكب بأسره. لكن الأمر الأهم هو فهم كيف أن هذا الإضراب النسوي برز فيما النساء في الخطوط الأمامية، كطليعة مقاومات للسياسات النيوليبرالية، وإدراك أن لهذه المقاومات شكلها الخاص في كل منطقة. فقد تمفصلت في الولايات المتحدة حول رفض ترامب. وفي شمال إفريقيا والشرق الاوسط، لا يمكن إنكار ما تضطلع بها النساء من دور في التعبئات الاجتماعية والسياسية.

كما نجح النضال ضد العنف الذكوري في مفصلة الحركة على صعيد العالم، بالتعرف ببعضها البعض، من أمريكا اللاتينية إلى الهند وأفريقيا وأوروبا. تتميز مبادرات حركة أنا أيضا (هاشتاج) #MeToo  ببُعدها الإعلامي، لكن هذا التعرف المتبادل والتركيز على العنف الجنسي يتجاوزان هذه المبادرات، في عمل مستمر للبروز والإدانة والتنظيم بوجه هذا العنف.
ومن المهم أيضا التعريف بنحو أفضل على صعيد عالمي بأشكال المقاومة الأخرى التي لا تستعمل الإضراب: انتفاضات و اعتصامات سلمية و نضالات ثقافية.

2.3 أجيال جديدة وقطاعات جديدة

يتزايد تدفق النساء الشابات إلى التعبئات، وتجلب معها هذه الأجيال الجديدة طريقة جديدة لفهم النسوية والعمل السياسي، بناءً على تجربتها الشخصية الخاصة مع العنف الذكوري اليومي. وترافق هذا الاقتحام، في حالات كُثر، مع وضع موضع سؤال النسوية المؤسسية السائدة، إذ تنشأ التعبئات من أزمة إجابات هذه النسوية على مشاكل النساء وحاجاتهن.
ليس الأمر جديدًا في الحركة النسوية، حيث كان الشأن الشخصي سياسيًا دوما، لكن له علاقة بطريقة تماثل الأجيال الشابة مع السياسة وبناء نفسها كذوات، وتأكيد هويتها الشخصية والجماعية، وبمتطلباتها من مساحات التنظيم الذاتي للحركة، وببناء مساحات للتعاون النسوي، إلخ. كل هذا يعبر عن الحاجة إلى ذات نسوية تستجيب للتحديات الراهنة، وتدمج تلك المتطلبات، وتساءل نفسها وتعيد اختراع ذاتها ، إلخ. كما يستتبع ضرورة صنع تعبير سياسي جماعي عن تمرد النساء، ما يستوجب حاجة الحركة إلى بنيات وفضاءات تتيح للنساء النقاش الديمقراطي لكفية البناء، وكيفية التطبيق الفعال للتغيير وجذب عدد متنام من النساء. عند غياب هذه الفضاءات، أو اقتصارها على العالم الجامعي، تغدو إمكانات خلق فكر استراتيجي حقيقي محدودة.

3.3 انشغالات جديدة

ينشأ هذا الاهتمام بالشأن المعتبر “شخصيا” عن انشغالات مجددة ومعززة مثل الحاجة إلى فضاءات دعم متبادل داخل المنظمات النسوية، وكيفيات اتخاذ القرار وطريقة النقاش، وبناء مساحات دامجة وقائمة على المشاركة… وأيضًا في ما يهم كل واحد منا: مدى ملاءمة الجوانب العاطفية والجنسية والهويات الجندرية، والتعبير عن طريقتنا في عيش هويتنا، والحاجة إلى تثمين حياتنا اليومية، وإعادة التفكير في طريقة التعامل بيننا… يتعلق الأمر في النهاية بوضع حياتنا في المركز، وبأهمية التأثيرات، وبالرعاية، والنقاشات حول الأمومة، وكل ما يهم أجسادنا وحياتنا الجنسية، وطريقة استعمالنا لوقتنا، إلخ. قد تؤدي عمليات التفكير هذه إلى تركيز على التجربة وردود الفعل الفرديين بدلا عن الهوية والفعل الجماعيين، لكنها تساعد في مناسبات أخرى على إبراز في المقدمة لمسائل كانت قائمة حتئذ في النسوية، ولكن بلا مكانة كبيرة، وغائبة عمومًا في غيرها من الحركات الاجتماعية والسياسية.

برزت انشغالات جديدة على الساحة الاجتماعية والسياسية، مثيرة العزم على دمج وإبراز هذه المواضيع التي كانت غير مرئية، أخذا بالحسبان مسائل العنصرية والهوية العرقية والحياة الجنسية والهوية الجندرية وكذا مسائل أخرى من قبيل الإعاقة، والمرض العقلي والأشخاص المسنين، والعلاقة بين القرية والمدينة، الخ.
وقد كان دور النساء، لاسيما الشابات، ملحوظا في حركة حياة السود مهمة، وكذا في التعبئات الخاصة كحركة حياة السود المتحولين جنسيا مهمة.
تشتغل حركة التعاضد، ومعظمها بقيادة النساء، على قاعدة مبادئ العناية الذاتية فيما يخص العناية المتبادلة التي ثمنتها سابقا النسويات، لاسيما أجيالهن الشابة، والفلاحات والسكان الأهالي وغيرهم من الاشخاص المنظمين في مناطقهم. كما يقمن بتطوير مبادئ واعية لمحاربة التمييز وللمقاومة الجماعية. ويكتسي شعار “التضامن لا الصدقة”، في سياق الطعن في مأسسة بعض قطاعات الحركة .
وقد كثَّفت نقاباتٌ أحدثُ أو أشدُّ راديكالية تنظيمها في قطاعات ” أساسية” تم ابراز تبخيسها خلال الجائحة، وقامت باستقطاب قوى عديدة و أنشأت بنيات جديدة. وتم احراز انتصارات، صغيرة لكن رمزية، في سياق نجحت فيه الطبقة السائدة في تحميل كلفة الجائحة للطبقة العاملة، لاسيما لأعضائها من النساء والمصنفين عرقيا. كما يطعن هذا التنظيم في كون الاحزاب التقليدية تقتصر على مساندة جوفاء لهذه القطاعات المؤنثة والمصنفة عرقيا، ولا تطالب نهائيا بحصولها الى ما تستحق من دعم مادي بفعل إسهامها في الرفاه الجماعي، سواء كأجور أو ظروف عمل.

4.3 طرق نضال جديدة – الإضراب النسوي وتجارب أماكن النساء

يبدو الإضراب النسوي طريقة النضال الجديدة في دورة التعبئات هذه ببلدان عديدة، ليس بسبب قدرته على خلق التمفصل وحسب، بل أساساً لأنه يستتبع وضع الإضراب موضع سؤال وتوسيعه كأداة نضال. يزيل الإضراب النسوي الفصل بين دائرتي الإنتاج وإعادة الإنتاج، بالتأكيد على الروابط بين الاثنين، وخاصة بالتشديد على إعادة الإنتاج كاستراتيجية لوضع الحياة في المركز.

ما كان الإضراب الكلاسيكي قط مستقلاً عن الجانب المتعلق بإعادة الإنتاج، إذ أن استمرار الإضراب يستلزم تموينا، وفي إضراب عام انتفاضي يجب خلق تمفصل بين آليات تموين، وإعادة إنتاج الحياة، وتنظيم الحياة بنحو مغاير. وتكشف نضالات مديدة، شهدت تنظيم النساء الذاتي دعما للإضراب، عن عديد من هذه المشاكل؛ ومن أمثلتها إضراب عمال المناجم البريطانيين في 1984-1985. في الواقع، تحتاج مقدرة الإضراب هذه على بناء سلطة بديلة، وعلى تشكيل مجتمع موازٍ مع أشكال تنظيم العمال/ات في كل مجال من مجالات الحياة، إلى بُعْد إعادة الإنتاج هذا. بيد أنه لم ينل قط اعترافا.

يأتي الإضراب النسوي لإعادة التفكير في الإضراب كأداة لا تكتفي بدمج ما كان حتى الآن غير مرئي، بل تضع أيضًا في المقدمة ما صاغته الحركة النسوية.
أفضت مبادرة إضراب النساء العالمي في العام 2017 إلى اقتراح جديد بتنظيم تمفصل عالمي، وتجسد بالإضراب الكثيف لستة ملايين شخص في العام 2018 في الدولة الاسبانية، والإضرابات في إيطاليا، وبلجيكا، وسويسرا بتعاون بين حركة النساء والحركة النقابية، بعد إضرابات العام 2016 في الأرجنتين ضد العنف الجنسي وفي بولونيا من أجل حق الإجهاض. ليست النساء منظمات بكل مكان حول مقترح الإضراب بحد ذاته. وثمة تعبيرات تنظيمية بالغة التنوع، منها مثلا ببعض البلدان تقليدٌ قويٌ من مطالب و نضالات جماعات وقوميات أهلية.
ما ندعوه “تجارب مناطق” طريقة لإبراز كيفية تنظيم النساء لأنفسهم في مناطقهن الحضرية والقروية،  وهن ينظمن نضالات مشتركة هامة لبناء المقاومة من أجل حقوقهن. ويخلق هذا أيضا الشروط المادية للبقاء على قيد الحياة، والبقاء في مواجهة الجائحة، لأن بعض الحكومات لا تكترث لمصير أفقر السكان. ثمة تجارب مختلفة بأماكن عديدة حيث القيادة للنساء، لاسيما في الجنوب العالمي، وحتى في أطراف مدن مراكز الرأسمالية. هنا تبزغ السلطة الشعبية بالعمل الجماعي والتنظيم الذاتي والتضامن ومُتَّحَدات العمال ضحايا الهشاشة والبطالة، والنساء والشباب الأطراف والزراعة الفلاحية والايكولوجية والمدارس العمومية والمدرسون المناضلون.
هذه التجارب المعايشة والمستشعرة والمفكر فيها والمحولة قائمة في 500 سنة من مقاومة الاجتياح الاستعماري المغتصب لأراضي الكوكب والأجسام المضطهدة، وفي حكمة ثقافات الأجداد، وفي ذاكرة الذوات الجماعية المناضلة. ولها مكانة هامة لتجاوز الأوضاع القصوى. وكلها ملائمة لبناء مجتمع مغاير: البناء على أساس تاريخنا، بتحديد التجارب ذات الأهمية والمغيرة لحيوات النساء المتجذرة في أماكن عيشهن وتنظيم مقاومتهن. تبرز هذه التجربة أهمية النطاق المكاني في هذه النسوية الشعبية التي تتطور في العالم ودورها اليوم.

5.3 أوجه فهم نظري جديد

تقوم إسهامات النسوية البيئية المناهضة للرأسمالية والاقتصاد النسوي بتناول نظري لكيفية اصطدام رأس المال بالحياة ولمقدرة النسوية، عبر إعادة تنظيم الوقت والعمل، على القطع مع هذا المنطق ووضع النظام (أو مجمل أنظمة الاضطهاد) موضع سؤال، وذلك باقتراح طريقة مغايرة للارتباط بالطبيعة، ولتحديد حاجاتنا الأساسية ولتلبيتها. يرفض هذا المنظور مُسَلّـمة وضعتها النسوية البيئية «الجوهرانية» مؤداها علاقة خاصة للنساء بالطبيعة بفعل دورهن في الانجاب. إن الطريقة التي لبت بها الرأسمالية تاريخيًا حاجتها إلى تأمين إعادة إنتاج اليد العاملة، واسناد عمل اعادة الانتاج هذا للنساء، تجعل النساء أكثر وعيًا بحاجات الحياة وبالحدود والأسس المادية، ومنها مجالهن الترابي.
تحيط نظرية إعادة الإنتاج الاجتماعية بحاجة الرأسمالية إلى عمل إعادة الانتاج، وقد تطورت انطلاقا من أعمال النسويات الماركسيات بصدد علاقة العمل المنزلي غير المؤدى عنه، اللازم لإعادة انتاج النظام الرأسمالي والمجتمع، والمنجز معظمه من قبل النساء، بمكانة النساء في سوق العمل المُركَّز هو ذاته في قطاعات تعكس دور النساء في الأسرة.
كما أن التقاطعية- بما هي نظَرٌ إلى تجربة تعدد أشكال الاضطهاد على أنها ليست مجرد تجميع لها-عززت تحليلنا الماركسي.
وحظيت النقاشات بصدد الميثاق الأخضر الجديد Green New Deals ، وضرورة إحداث قدر أكبر بكثير من فرص العمل المؤدى عنه في مجمل قطاع الرعاية، بانتشار أوسع بكثير في الاوساط المناضلة.

هكذا أصبح العمل والوقت والجسد والأرض/الطبيعة عناصر مركزية للنظريات قيد التبلور والتي تنطلق مما تم تعلمه بالتواجد في الخطوط الأمامية بوجه تعديات النيوليبرالية (هشاشة الحياة وأشكال الخصخصة وتدهور البيئة…) وبمجهود نظري لتوسيع نقد الرأسمالية ليشمل  تراكم رأس المال وبُعدَ إعادة الانتاج، إلخ.

4. ما هي أهميتها الاستراتيجية؟

شهد دور الحركة النسائية العالمية تغيرا كبيرا في السنوات الأخيرة. وفي الوقت الراهن، لم يعد ممكناً النظر إليه كمجرد مسألة قطاعية (مطالب ومقترحات تهم قسما معيناً من السكان)، بل ثمة سعي للتعبير عن كلية معينة. بوصفنا نسويات وماركسيات، علينا تحليل هذا التغيير، وإيلائه ما يستحق من أهمية، وتقويم فهمنا الاستراتيجي للحركة النسوية.

1.4 قيادة مقاومة مجمل الطبقات المخضعة للسيطرة
كانت العواقب المباشرة للخروج الرأسمالي من أزمة 2007-2008 اثنتين: من جهة، أدى تعميم وتدهور ظروف هشاشة الحياة، المؤثران على عدد متزايد من الأشخاص وفي أوضاع أكثر خطورة، إلى تقليص الهامش بين الهشاشة والإقصاء. ومن جهة أخرى، ظهرت أزمة إعادة إنتاج اجتماعية في بلدان الشمال العالمي، على غرار تلك القائمة أصلا في بلدان الجنوب، مرتبطة بظاهرة «اضفاء طابع طرفي على بلدان المركز». إن النساء هن اللائي تحملن الأزمة ونسجن شبكات أمان الملاذ الأخير، وذلك في الغالب مقابل انهاكهن والحد مدى الحياة من إمكانات صيرورتهن كائنات تامة ومستقلة. إنه على هذه الهوامش، وفي المجالات المرتبطة بإعادة الانتاج الاجتماعية وبالهشاشة المتنامية لاستدامة الحياة، تدور حاليا المعارك الرئيسية ويجري تنظيم دورة نضالات جديدة.

لا نتحدث والحالة هذه عن صعود للحركة النسوية وحسب، بل أيضًا عن ظاهرة «تأنيث الاحتجاج». ثمة بشكل عام، والأمر أصح منذ بداية الجائحة، خمس مجالات حيث تقود النساء النضالات والمقاومات: النضالات من أجل الخدمات العامة (وفي أوروبا، ضد تفكيك دول الرفاه)؛ والنضالات من أجل سكن لائق؛ والنضالات من أجل السيادة الغذائية والحق في الأرض والماء (والتي تقاطعت في الأشهر الأخيرة مع الحركات الجديدة من أجل العدالة المناخية وضد النظام الاستخراجي)؛ والنضالات لتحسين ظروف العمل وانتزاع الحقوق في مجالات كانت حتى الآن «هوامش سوق العمل» ولكنها باتت تنتشر، في الطور الراهن من الأزمة الرأسمالية، وتصبح الحالة العادية وتشكل باطراد القاعدة (قطاعات هشة، ربما بالسوق السوداء، أو مُرحَّلة جغرافيًا، وما إلى ذلك)، وكذا في فرص عمل اعادة الانتاج؛ ومقاومات النيوليبرالية، منها النضالات ضد الديون غير المشروعة، لا سيما القروض الصغرى الفاحشة، حيث تتعبأ أفقر النساء. بيد أن الجائحة نصبت عقبات خاصة بوجه مقدرة نساء الجنوب على التعبئة.

عديدة هي عواقب اقتران “تأنيث الاحتجاج” بتوطد الحركة النسوية كحامل أساسي للتعبئة في بلدان عديدة، قادر على الاندلاع في لحظات تراجع شديد وتفكك الروابط الاجتماعية، ومنطو على حس مناهض للرأسمالية بالغ العمق. ومن أهم تلك العواقب أن دينامية التشبيك والتعبئة الدائمة جعلت النسوية مدرسة تكوين نضالي لنساء يتطورن سياسياً بسرعة ويستطعن التدخل في مجالات أخرى، مع خلق مرجعيات نسائية ونساء قويات يمارسن نماذج قيادية مختلفة. ومن ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى تمفصل مطالب ونضالات ملموسة ليست نسوية محضا ولكنها أشمل بكثير: ضد الحدود بين البلدان بما هي أمكنة لمذابح منظمة ضد المهاجرين/ات، وضد تدمير الأراضي بالزراعة الصناعية، وخاصة تربية الحيوانات، وشركات الصناعة الاستخراجية متعددة الجنسية، ودفاعاً عن الحريات المدنية، وضد حكومات اليمين المتطرف أو الحكومات المستبدة، وردا على سياسات التقويم الهيكلي ومقاومتها، إلخ. ويعطي برنامج الإضراب النسائي العالمي في مختلف البلدان فكرة جيدة عن ذلك.

2.4 هل يدعونا هذا إلى إعادة نظر في فهمنا الاستراتيجي لدور الحركة النسائية؟

إننا نشاطر الحدسَ المتنامي باطراد داخل حركة النساء بأن المنظورات النسوية زاويةُ نظر مفضلةٌ لتحليل ظروف الاستغلال المعاصر. وتمثل أيضا زاوية نظر مميزة لتجريب أشكال تنظيم ونضال جديدة. الأمر الأكيد أن لكل ما تم تحليله حتى الآن عواقب استراتيجية هامة. وهكذا، نؤكد أن الإضرابات النسوية وإضرابات النساء يمكن اعتبارها تجربة مركزية للتفكير ليس في تنظيم النساء وحسب، بل في تنظيم معظم الطبقة العاملة. ومن ناحية أخرى، تتيح كيفية تمفصل التعبئات النسوية من أجل حق الإجهاض أو ضد قتل النساء والعنف الذكوري مجال مواجهة مباشرة كاملاً مع الدولة الطبقية ومؤسساتها: العدالة والجيش، والسلطات الدينية إلخ.

وقد تكون لسيرورة إضفاء ديمقراطية على أداة الإضراب عواقب في الأمد البعيد، تقطع مع احتكار البيروقراطيات النقابية لشرعية الدعوة إلى الإضراب. وقد أتاحت أيام 8  آذار/ مارس في 2018 و2019 و 2020 لعاملات كُثر تنظيم اضراب لأول مرة في حياة العديد منهن. وإنه من شأن الثقة بالذات والاستقلال والخبرة المتراكمة والشبكات التي أنشأتها آلاف النساء أن تمثل نقلة نوعية للطبقة برمتها لا يمكن تقييمها إلا بمُضي الوقت. ويتمثل عنصر إضفاء ديمقراطية آخر في تنظيم الإضراب في قطاعات غالبا ما تتجاهلها النقابات التقليدية، مثل الرعاية الصحية أو الاستهلاك، مع أنها كانت تحظى بأهمية في الحركة العمالية في مطالع القرن: إن الإضرابات ضد ارتفاع تكاليف المعيشة أو إيجارات السكن هي مثال جيد. بهذا المعنى، فإن إضفاء ديمقراطية على الإضراب تتيح لنا تجربة هذه الأداة على هامش سوق العمل التي ذكرناها آنفا؛ ما يعزز فكرة أن هذه الأنشطة هي أيضًا، وبوجه خاص، عملٌ.

إن استعمال أداة الإضراب، ومركزية النضالات من أجل إعادة الإنتاج الاجتماعية، والتطلع إلى فهم سيرورة الإنتاج وإعادة الإنتاج ككل مندمج، ودوره كوسيلة لتسييس الجماهير وتجذرها، كلها عوامل تجعل من هذه الحركة النسوية الجديدة سيرورة تطوير للوعي الطبقي. وعلى صعيد العالم، تعيد الحركة النسوية تحديد التناقضات، وتصبح حركة صراع طبقي نسوي. ولا تتوقف مقدرة النساء الكامنة على أداء هذا الدور في اللحظة التاريخية الراهنة على هوية جوهرية، بل تتوقف على دور النساء في سيرورة إعادة الإنتاج الاجتماعية الذي يجعل مصالح النساء تطابق مصالح الإنسانية عندما يدافعن عن حقوق لكافة النساء وليس لفئة ذات امتيازات فقط.

ليس القصد أن النسوية لم تكن لحد الآن مرتبطة بالصراع الطبقي، ولا أن الماركسية والنسوية أصبحتا شأنا واحدًا، ما يلغي استقلالية هذه الأخيرة. لكن أشكال إعادة إنتاج رأس المال الملموسة تاريخيًا تدمر، في سياق أزمة الرأسمالية الراهن، الاستدامة الاجتماعية للحياة في مناطق متزايدة من العالم، وتتعارض مع المطالب النسوية الأساسية، بحيث يفضي كل وعي نسوي إلى مواجهة ركائز تراكم رأس المال.

تتمثل إحدى التحديات الاستراتيجية حالياً في التفكير في الكيفية التي تتيح بها النسوية إعادة اكتشاف شعارات مثل تقاسم فرص العمل – بصيغة الجمع هذه المرة – وتقليص جذري ليوم العمل المرتبط بإضفاء الطابع  الاجتماعي على عمل إعادة الإنتاج، وإعادة التفكير في مناصب العمل الضرورية اجتماعيًا، وكذا في الأنشطة الاقتصادية الواجب الاستغناء عنها لأنها تدمر البشر أو الكوكب. يجب المراهنة، بوجه لاعقلانية الرأسمالية وما تسبب من هدر للموارد والطاقة البشرية، على إعادة تنظيم العمل في اتجاه إيكولوجي ونسوي. إنها مهمة أساسية في طورنا الحالي. لقد فتحت سيرورة التراكم وأزمة الحكامة النيوليبرالية دورة جديدة حادة وعنيفة في الغالب تروم إعادة تحديد آليات الاستغلال والسيطرة والاضطهاد. إن رفض هكذا إعادة تحديد سيكون عنصراً أساسياً ضمن نتائجها.

5. ما هو توجهنا، وما هي مهامنا داخل الحركة؟

نحن نؤيد بناء حركة جماهيرية دامجة، ونناضل حفاظاً على أوسع وحدة ممكنة، دون أن يعني الأمر أننا لا نناضل من أجل توجه سياسي للحركة.

1.5 مطالب تلبي حاجات الأشد عرضة للاضطهاد/الاستغلال مع بناء الوحدة بين (أ) أوسع مقاومة نسائية ضد اليمين، و(ب) النسوية بالنسبة لـ 99٪ (إضرابات نسائية، إلخ) و (ج) الثوريات.

إن كانت المطالب الأساسية المتعلقة بحقوق النساء في مصلحة جميع النساء، فإن جعلها واقعا لجميع النساء يعني ضرورة اهتمامنا بمطالب التمويل والموارد اللازمة لتصبح واقعاً حتى لقطاعات النساء ومجتمع الميم LGBTIQ الأكثر عرضة للحرمان والتهميش. هكذا، عندما نناضل من أجل انتزاع مكاسب قانونية تخص الحق في الإجهاض، وضد التعقيم القسري، لاسيما للنساء السود والأهالي وضحايا الإعاقة، أو لتحقيق العدالة للنساء المعنفات، كل هذا مثلا، يجب أن نناضل أيضا لتأمين الموارد للخدمات الصحية والقانونية والاستشارية التي تساعد النساء ومجتمع الميم على الاستفادة منها. كما يجب أن نناضل من أجل الحق في الوصول إلى هذه الخدمات، دون تمييز ضد المرأة بسبب القانون أو الموارد أو الأصل الاثني أو الهجرة أو النشاط الجنسي أو الهوية الجنسية. ويجب أن نناضل الى جانب النساء ضحايا القروض الصغرى الفاحشة وكل أشكال الفوائد الفاحشة.

نحن نناضل والحالة هذه من أجل أن تدافع الحركة ككل عن مطالب الفئات الأكثر عرضة للتهميش، وأيضاً ضد سلوك التمييز داخل الحركة نفسها. ونساند التنظيم الذاتي للنساء لاسيما ضحايا الميز، بما هو شرط قيام حركة وحدوية وشاملة.

ونناضل في الآن ذاته لنبرهن عمليًا على أن النظام الراهن عاجز عن تلبية مطالب النساء فعليًا، ما يجعل تنظيم النساء سيرورة تَسَيُّس وتجذر مستمرة.

5.2 العمل الجماهيري المنظم ذاتيًا

تتعزز سيرورة التسييس والتجذر هذه أيضا بتجربة التنظيم الذاتي في أسفل، سواء في الأحياء أو المناطق الريفية أو أماكن العمل أو أماكن الدراسة. نركز والحالة هذه على العمل الجماعي الذي تنظمه الفاعلات المعنيات.
عندما تُطلق مجموعات صغيرة أو مُتَّحَدات نسوية حملاتٍ، نناضل لتوجيهها نحو جمهور النساء في الأحياء وأماكن العمل، إلخ… من خلال تعميم المطالب بالوسائل المناسبة (منشورات، ومسرح الشارع، وتجمعات مفاجئة، ونقاشات مفتوحة، وعرائض، وشبكات اجتماعية) وباقتراح تحركات (اعتصامات وتظاهرات، إلخ) مفتوحة لجميع النساء ومُعزِّزة لمشاركتهن.
لا نساند، و لا ننظم، تحركات عنيفة طليعية تجنح إلى إقصاء أو إبعاد معظم النساء ومنعهن من المشاركة في الحركة الجماهيرية، كما أننا لا نساند قمعها من قبل الدولة. وعندما تكون الصلة بالمؤسسات ضرورية، نناضل من أجل اختيار ديمقراطي للممثلات والزامهن بكشوف حساب أمام المعنيات في إطار منتدى ديمقراطي.
يتيح مقترح الإضراب النسائي/النسوي هكذا توجها في الفعل الجماهيري لمخاطبة جميع النساء، في مواقع العمل، وفي القطاع غير المهيكل، وفي المنزل، بتناول جميع جوانب حياة النساء في عمل الانتاج وإعادة الانتاج. وندعو الرجال إلى دعم إضراب النساء، بالاضطلاع -بالأقل في 8 آذار/ مارس – بعمل الرعاية الصحية غير المرئي لتمكين شريكاتهم وصديقاتهم وزميلاتهم من المشاركة في جميع التحركات المرتقبة في هذا اليوم. ويعني ذلك، في مكان العمل، المشاركة في الإضراب. بوصفتنا ماركسيات ثوريات، نشرح أيضًا، ونأمل أن نظهر في الممارسة، وزن الفعل الجماعي في مكان العمل في النضال لبناء ميزان قوى ملائم.

5.3 أهمية التنسيق العالمي

في عالم حيث خصومنا -النظام الرأسمالي والقوى المستبدة واليمينية المتطرفة والأصولية الصاعدة، والشركات متعددة القوميات مدمرة المناخ- منظمون على صعيد عالمي، يجب على الحركة النسائية أيضًا بناء علاقاتها الدولية وتعزيزها.

إن غياب هياكل، مع أنه قد يكون مصدر قوة لحركة راديكالية، يجعل التنسيق العالمي- المتطلب مالا وموارد- أمرا صعبًا؛ ما يجعل بناء تنسيق دولي حقيقي بين الحركات الجذرية والمنظمة ذاتياً المتطورة اليوم مهمة يتعين إنجازها. ويجب علينا، بصفتنا تيارًا عالمياً، أن نكون في طليعة بناء علاقات والدفع بجميع إمكانات التنسيق العالمي.

4.5. التمفصل مع حركات اجتماعية أخرى

يجب ألا نقع في شرك وضع قائمة حركات كأن الحركة النسائية منفصلة ومنقطعة عن الحركة العمالية وحركة المناخ وحركة السلام، والسيرورات الثورية الجارية في الجزائر والسودان، والحركات المناهضة للعنصرية، إلخ.  توجد النساء في طليعة هذه الحركات ويطرحن داخلها مسألة مكانة النساء- بالتصدي لما يتعرضن له من عنف جنسي، مثلا.

لا غنى، في الحركة النسائية كما في جميع الحركات الأخرى، عن روابط بين جميع المتشاركين في نفس الطموح رجالا ونساء، طموح تغيير المجتمع كي يكون منظماً في صالح أكبر عدد وليس أقلية. وهذا يعني إبراز كيف أن تغير المناخ والسياسات العنصرية والمعادية للمهاجرين والمهاجرات، والحروب الإمبريالية، وسياسات التقشف والحرمان من الحقوق الديمقراطية وحقوق العمال والعاملات، والميز والعنف ضد مجتمع الميم LGBTIQ  ، تؤثر على النساء بوجه خاص وبطريقة جسيمة جدا، والسعي لإشراك الحركة النسائية، أو بعض قطاعاتها في تحركاتها.

ويعني هذا أيضا النضال في حركات أخرى، لاسيما في الحركة العمالية المنظمة، وبكيفية مغايرة في حركة مجتمع الميم LGBTIQ بقصد إبراز أن المطالب الخاصة بالنساء هي أيضًا مطالب هذه الحركات. ونساند تنظيم النساء المستقل (بمختلف أشكاله) داخل النضالات والمنظمات الاجتماعية، والنقابية و السياسية الاجمالية كشرط لنضالات مختلطة مطبوعة بالمساواة.

6. مهامنا الداخلية

ليس التدخل النسوي مجرد قطاع عمل في حد ذاته، ولكنه شأن يجب أن يؤثر على جميع مجالات عملنا الأخرى ومنظمتنا برمتها. يجب ارساء تعاون وثيق جدا مع لجنة الأممية الخاصة بمجتمع الميم LGBTIQ، وكذا مع لجنتها الخاصة بمناهضة العنصرية ولجنتها الخاصة بالبيئة/ تغير المناخ.

بوسعنا الادعاء بشكل مشروع أننا كنا في طليعة الماركسيين الثوريين الذين يأخذون قضايا المرأة بجدية –انطلاقاً من مقررنا في عام 1979، ومقرراتنا عام 1991، بما في ذلك مكانة النساء في الحزب، واسهامات لاحقة- لكن هذا غالبا ما كان هذا ثمرة جهد إرادوي من قبل عدد قليل من الرفيقات والرفاق.

يجب مواصلة تنظيم عملنا النسوي على أساس عالمي بدمج التنسيق الإقليمي (القاري) والتنسيق العالمي وربط علاقة قوية مع الهيئات القيادية الأممية -من خلال لجنة النساء التابعة للجنة العالمية، والعقد المنتظم لندوة نسائية، وأشكال أخرى مناسبة. ويجب أن يعكس ذلك عملاً منظماً على الصعيد الوطني.

أثبت لنا تاريخنا أنه في ظل غياب هيئات خاصة لتنظيم العمل النسوي، يجنح هذا الأخير إلى التراجع مع تراجع الحركة. يجب أن يترافق التزامنا بأهمية تحرر النساء في برنامج من أجل مستقبل اشتراكي مع التزامنا بمواصلة النشاط السياسي والتكوين في صفوفنا حول هذه المسألة.
24 شباط/ فبراير 2021
مقرر صادقت عليه اللجنة العالمية للأممية الرابعة 53 صوتا و 3 امتناع عن التصويت

شارك المقالة

اقرأ أيضا