موقف جامعة التعليم-التوجه الديمقراطي من المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي… خطوة صائبة على طريق تعزيز الكفاحية النقابية

أعلنت الجامعة الوطنية للتعليم- التوجه الديمقراطي- في بيان لمجلسها الوطني الملتئم يوم 29 يناير 2022،  تأكيد رفض تمثيلها في  المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.

موقف نضالي  يجد مبرره فيما عبر عنه قرار المجلس الوطني للنقابة  بقوله إن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ” هيئة تمرر عبرها السياسات التعليمية التخريبية للتعليم العمومي”. وأكدت الجامعة “موقفها المبدئي الرافض لاستغلال المساهمات النقابية في ذلك المجلس لتبرير وهندسة السياسة التعليمية اللاشعبية وشرعنة  خوصصة التعليم العمومي من الأولى إلى العالي وضرب مجانيته ووحدته”.

هذا الموقف منسجم مع إعلان رفض السياسة النيوليبرالية التي تجعل التعليم سلعة، وتخرب التعليم العمومي لتوفير شروط نجاح التعليم التجاري. وهو مثال  جزئي عن ربط القول بالفعل، فما أكثر  مدعي معارضة سياسة الدولة المخربة للتعليم العمومي دون السير نحو ما يستوجبه إعلان هذا الاعتراض.

هذا الموقف الرافض لاستعمال نقابات الشغيلة  لتمرير سياسات معادية للجماهير الشعبية موقف ينقذ شرف النضال النقابي، وجدير بكل إشادة في اجواء الاستسلام شبه التام لخطط الدولة ،  ومزيد من جر منظمات الشغيلة إلى مستنقع “الشراكة الاجتماعية”، هذه الأجواء التي تكرسها يوما بيوم معظم القيادات النقابية.

 لماذا تسعى الدولة إلى تمثيل النقابات في هيئات رسمية؟

قد يبدو تمثيل النقابات العمالية في هيئات تابعة للدولة للبعض عنصر قوة، وعاملا مساعدا لبلوغ الأهداف النقابية.  الواقع على طرف نقيض من هذا الزعم.

فالغاية من تشكيل هذه المجالس واللجان هي تدجين الطبقة العاملة و الحركة النقابية، حيث أن تمثيل الهيئات النقابية في العديد من المؤسسات الرسمية   ما هو إلا سعي من الطبقة السائدة إلى إضفاء إجماع على سياسات تخدم مصلحة قسم ضئيل من المجتمع ضد مصلحة سواده الأعظم: الطبقة العامة وعامة المقهورين.

الدولة تبتغي وجود النقابات بعدد من المؤسسات من أجل جعلها تقبل الخطط الرسمية المتضمنة قرارات مؤلمة اجتماعيا، فهذا القبول يزيد تلك الخطط فعالية ويمنحها “شرعية” الغطاء النقابي.

ما يسمى “المشاورة” في إطار “الشراكة” عملية شكلية تظل خلالها الدولة سيدة قرارها. إذ تظل ماسكة بالزمام ، فهي المبادرة ، وتأتي حاملة مشاريع تسعى إلى تزكيتها من النقابات، فهي تختار المشاركين في هذه المجالس، وتروم من النقاشات امتحان  ردود الفعل، وقياس حجم المقاومة المحتمل، و تقرر  في نهاية المطاف فيما ستفضي اليه، بعد أن تكون “تنازلت” بما لا ينال من جوهر  المشروع وتماسكه، ماضية قُدما حتى إن لم تنل رضا النقابات.

التشاور، لايلزم الدولة بشيء، ولا يعني في نهاية المطاف غير تسييد موقف الدولة وتعميمه. أليس هذا ما جرى  في كارثة ميثاق التعليم، وفي ملف التقاعد، وملف التأمين الاجباري عن المرض، ومدونة الشغل، وحاليا فيما يسمى تعميم الحماية الاجتماعية، وهلمجرا؟

ومما يزيد هذا الطين بلة في الحالة المغربية افتقار النقابات العمالية إلى خبرة في الملفات المعروضة عليها، لانعدام سياسة جدية في تكوين الأطر داخلها، وفي التثقيف العمالي بوجه عام. وقد تجلى الأمر في العقدين الأخيرين عند طرح العديد من مشاريع الدولة، لعل اكثر الحالات كاريكاتورية ملف سمي  “اصلاح التقاعد”، حيث تكلفت الدولة نفسها بإرسال “النقابيين” ليتلقوا  التكوين اللازم في الولايات المتحدة الأمريكية، على يد خبراء صندوق النقد الدولي، إحدى الجهات الداعية إلى ضرب مكاسب الاجراء في انظمة التقاعد وفي استقرار العمل وفي الخدمات العمومية …

ومن  أعظم غايات هذا التمثيل/التوريط النقابي شل إرادة النضال لدى القاعدة العمالية بإيهامها أن ما يعد من سياسات هو موضوع تعاون وشراكة ويخدم “المصلحة العامة”. وكذا ترويج فكرة مفادها أن تواجد النقابة بتلك اللجان والمجالس يؤدي لمكاسب للشغيلة ويلطف من قساوة الإجراءات التي كانت ستتخذها الدولة.  هدف المأسسة  تفكيك منطق الاحتجاج لدى النقابات  وابعادها عن الميدان [افقادها هويتها]  والاستعاضة عنه بمنطق الادماج.

وقد تجلي اثر هذه السياسة في إضعاف الحركة النقابية ، بنتائجها السلبية على صعيد المكاسب وعلى صعيد افقاد اشكال النضال الاعتبار، بوجه خاص منذ اتفاق غشت 1996، الموقع في إطار ترتيبات النظام تحضيرا لما يسمى “إشراك المعارضة في الحكومة”، ما سيتخذ لاحقا شكل ذلك المسخ المسمى حكومة التناوب التوافقي، المستعمل لمواصلة الحرب الاجتماعية على شغيلة المغرب ومجمل طبقاته الشعبية.

اضعاف الحركة النقابية  شرط تقدم النيوليبرالية :خطر مزيد من ابتلاع الدولة  للأجهزة النقابية

ركزت الدولة  جوهر سياستها حاليا فيما سمي “نموذجا تنمويا جديدا”. تضمن تقرير هذا النموذج مضمون السياسة وكذا آليات تفعيلها.  حيث أوضح  أن  “مسؤولية التفعيل تقع على كاهل فاعلين …منهم النقابات”،  التي يجب “أن تتعبأ في إطار مهمة الوساطة التي تقوم بها” .  وسيجري هذا طبعا وفق المألوف من إشراك منظمات الأجراء، وتمثيليات “المجتمع المدني” و الأحزاب لإضفاء طابع الإجماع، ما سيكرس بــتوقيع “ميثاق”.

وقد برز مسعى استعمال النقابات العمالية هذا  في مشروع قانون النقابات [صيغة 2020 مثلا]، إذ تضمن ما يلي: “تشارك المنظمات النقابية الأكثر تمثيلية… في  بلورة السياسة الوطنية في الميدانين الاقتصادي و الاجتماعي عبر مختلف المؤسسات الوطنية التي هي عضو فيها ومن خلال الهيئات والمجالس الاستشارية ثلاثية التركيب [مادة 74]

ونص نفس المشروع في تفصيله لأهداف الحوار  الاجتماعي الوطني على  : “توسيع التشاور وطنيا وجهويا  في القضايا الكبرى وذات العلاقة  بالتوجهات والقرارات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي لها تأثير على الطبقة العاملة وعلى المقاولة وعلى اوضاع المواطنين عامة [مادة 90].

السياسات الاقتصادية والاجتماعية لا تضعها المؤسسات الرسمية، فهذه الأخيرة غرف تسجيل ليس إلا. مصدر السياسات هو الجهات الاستعمارية الجديدة (اتحاد أوربي، مؤسسات مالية دولية ،…) في تعاون مع حلفائها المحليين من كبار الرأسماليين.

إننا إذن، إزاء سعي إلى ترسيخ ابتلاع مجمل الأجهزة النقابية من قبل الدولة لجعلها مرافقة في تدبير للوضع بما يخدم مصالح رأس المال المحلي وربيبه العالمي.

من أجل ترسيخ الموقف النضالي وتطويره

إن موقف الجامعة الوطنية للتعليم من التمثيل في المجلس الأعلى للتربية والتكوين يطرح مسألة باقي المؤسسات الرسمية الممثلة فيها النقابات. لا معيار بهذا الصدد غير مصلحة الشغيلة، مصلحة الطبقة العاملة برمتها، وليس القسم المنظم او حتى هذه الفئة او تلك من هذا القسم.

فالنقابة بطبعها، اي كونها اداة دفاع عن مصالح الأجراء الآنية وتدبير اليومي من مشاكلها، ممثلة في صناديق الحماية الاجتماعية، وفي هيئات مثل اللجن الادارية متساوية الأعضاء، ولجان التفاوض  بشأن المطالب.  لا حاجة لتمثيل نقابة الأجراء في هيئات لا دور لها غير إضفاء الاجماع على سياسة الدولة وأرباب العمل. بينما يقتضي التفاوض والذود عن مصلحة الشغيلة الوجود بعدد من المؤسسات، وممارسة دور المعارض فيها لسياسة الدولة ببديل عمالي اجمالي. ومن فوائد دور المعارضة هذا استعمال تجسيداته في عمل اشعاعي لإيقاظ فئات الأجراء متخلفة الوعي الطبقي، والمساعدة على تنظيمها.

يجب بناء هذا على منظور للعمل النقابي يرسم الحدود الطبقية بين مصلحة الشغيلة ومصلحة أرباب العمل والدولة. إنه أحد أوجه استقلال المنظمة العمالية.

الاستقلال النقابي هو بدرجة أولى استقلال عن الدولة، وهذا الاستقلال ليس باعلانه كلاميا، بل في تجسيده في محاربة للسياسات المعادية للجماهير الشعبية. ابرز الامثلة الحديثة عن الكوارث الناجمة عن “الشراكة الاجتماعية، التي تجد إحدى تجسيداتها في المؤسسات حيث يجري تمثيل النقابات العمالية، ما سمي بــ”اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد” وتابعتها “اللجنة التقنية”. فقد تمثلت فيها النقابات العمالية ضمن خطة للدولة شملت إعداد رؤية متكاملة لضرب مكاسب المتقاعدين، مع حملة تضليل قوامها التهويل بشأن حالة الصناديق، لتبرير الاجهاز على المكاسب.  ماذا اثمر التمثيل  النقابي في عملية “اصلاح انظمة التقاعد”؟ أنتج ثمارا مرة يعاني من ضررها اليوم الموظفون والموظفات : انها ثالوث الضربات:  رفع سن التقاعد، وزيادة نسبة الاقتطاع، ومراجعة طريقة حساب المعاش. هذا مجرد مثال يضاف إلى العشرات من نظائره.

ليس الآنف سوى غيض من فيض الهزائم التي أُنزلت بالحركة النقابية بفعل سيادة منطق “الشراكة الاجتماعية” في سياسة النقابات.  وليس خط سياسة التعاون الطبقي الذي تنهجه جل القيادات النقابية وحده ممكنا. فبجهود المناضلين/ات يمكن الاستعاضة عن ذلك الخط بآخر مغاير جوهره استعادة الوظيفة النضالية للنقابة باستقلال فعلي عن ارباب العمل والدولة، وبمنظور كفاحي اجمالي يروم تغييرا عميقا لأجل غد أفضل خالي من الاضطهاد، لا مجرد تضميد جراح استغلال وقمع الحاضر.

ولا ريب أن المؤتمر الوطني  للجامعة الوطنية للتعليم /ت.د، المزمع عقده في مطلع الصيف المقبل، يشكل فرصة مهمة لنقاش مدى ضرر مشاركة نقابات التعليم في هيئات تصنعها الدولة لأغراضها، منها إضفاء صبغة إجماع على سياسة أضرت بشغيلة التعليم وبالتعليم بما هو خدمة عمومية. وذلك  بغية تعزيز المكاسب وتطويرها على صعيد خط النقابة وديمقراطيتها.

وإن تطويرا من هذا القبيل   يستدعي نظرا نقديا عميقا في منطق تعامل قيادة الجامعة مع قضايا الشغيلة توخيا لدقيق معالم نهج نقابي مناضل قاطع مع منطق التدبير المشترك مع الجهات الرسمية لشؤون الأجراء و الأجيرات.  هذا التدبير المثير لسخط القاعدة النقابية ، ما اضطر قيادة الجامعة الوطنية للتعليم- ت.د  إلى اصدار بيان توضيحي بشأن اتفاق 18 يناير 2022 مع الوزارة.

فصون الهوية النضالية للنقابة كل لا يتجزأ، وأبعد ما يكون عن اقتصار على وجه من قبيل الموقف من التمثيل في هذه المؤسسة أو تلك.

بقلم: م.ج

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا