إننا، أكثر من أي وقت مضى، في عصر “العولمة المسلحة”: مقابلة مع كلود سرفاتي، اقتصادي، وأخصائي في مسائل التسلح

بلا حدود16 مارس، 2022

مقابلة مع كلود سرفاتي، اقتصادي، وأخصائي في مسائل التسلح

° شهدت النفقات العسكرية العالمية، في العام 2020، رغم الانكماش الاقتصادي المرتبط بالجائحة، ارتفاعا بنسبة2,6% قياسا بالعام 2019. هل لك أن توضح الصورة بهذا الصدد؟

° بحسب معطيات معهدSIPRI [1]، بلغ الإنفاق العسكري العالمي 2000 مليار دولار  في العام 2020، ما يمثل ارتفاعا بزهاء 80% ( بالدولار الثابت) منذ العام 1995.  وكل مناطق الكوكب معنية بهذه الارتفاعات.  في العام 2020، كان 40%  من هذا الانفاق أمريكيا،  وتشارك بلدان الحلف الأطلسي بزهاء 60%/ .

وجلي أن المأساة التي يعيشها شعب أوكرانيا توقظ  ارتكاسات التضامن والاستياء بين السكان الأوربيين.  وهذا ما يزيد الطابع الكريه لسلوك قادة الدول الأعضاء بالاتحاد الأوربي.  وقد كانت  الحكومات “اللاليبرالية” في بولونيا  وهنغاريا ، وأيضا فرنسا، بمقدمة بلدان سياسة القلعة ضد اللاجئين/ات ضحايا الحروب في أفريقيا و الشرق الأوسط.

يجب ألا يحجب العدوان الروسي كون أكثر من 50 نزاعا مسلحا قد جرى في العالم، زهاء نصفها يمزق القارة الأفريقية.  وتمثبل هذه “الحروب الجديدة” مكونات دائمة “للعولمة”، وتشارك فيها  البلدان المتقدمة عبر قنوات مختلفة: حضور  المجموعات الصناعية الكبرى التي تستغل الموارد الطبيعية، وكبريات البنوك التي تعيد تدوير  ثروات النخب المحلية في فراديسها الضريبية، وبيع الأسلحة  التي يؤجج نار النزاعات، الخ. إننا، أكثر من ذي قبل، في عصر “العولمة المسلحة”.

° سيعزز عدوان روسيا على أوكرانيا الجنوح إلى  التسلح وإلى ارتفاع النفقات “الدفاعية” لبلدان الحلف الأطلسي.

°  كانت النفقات العسكرية لمعظم بلدان الحلف الأطلسي في ارتفاع منذ عقد 2010.  وشهدت  الموازنة العسكرية الأمريكية، بعد انخفاض طفيف، تصاعدا قويا: 616 مليار دولار في العام 2019، و715 في العام 2022، وكانت التوقعات قبل غزو أوكرانيا 780 في العام 2026.  وتبلغ موازنات البلدان الأوربية مجموع  378 مليار دولار.  وفي أثناء  العقد، تقدمت بنسبة 8,5% في أوربا الغربية، وبنسبة 31% في أوربا الوسطى، وبنسبة 74% في أوربا الشرقية (المصدر : SIPRI).

جرى الإبقاء على الحلف الأطلسي رغم حل حلف وارسو. وفي نوفمبر  العام 2021، وصفه ماكرون أنه في حالة “موت دماغي”. وتبدو اليوم مجمل دول غرب أوربا ساعية إلى اللجوء إلى حضنه. وتصل قوات أمريكية جديدة إلى أوربا.  ماذا يمكن القول عن هذا فيما يكرر  بوتين أن امتداد الحلف الأطلسي  شرقا يمثل خطرا على روسيا؟

جرى بناء الحلف الأطلسي  في العام 1949 كمنظمة مسلحة ضد المخاطر الناشئة في أوربا بفعل الاتحاد السوفياتي.  وقام بدعم حرب فرنسا في الهند الصينية، و الانقلاب في اليونان (1967)، والفاشية في البرتغال، الخ.  ولم يؤد زوال الاتحاد السوفياتي في العام 1991 إلى اضمحلاله،  بل إلى تحوله  في أمرين كبيرين منذ العام 1991  ثم في واشنطن في العام 1999 مع تبني “مفهوم استراتيجي” جديد. من جهة، قام الحلف الأطلسي بتوسيع مجال تدخلاته ليشمل الكوكب برمته. بدأ ذلك بالعراق في العام 1990، وفي يوغوسلافيا السابقة مع قصف صريبا (1999)، وفي أفغانستان (2001)، وفي ليبيا (2011)، وفي أماكن أخرى .  ومن جهة أخرى، اخترع الحلف الأطلسي، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، أجندة جديدة قائمة على “الأمن”، وهي كلمة غامضة لكن  كان رباطها الايديولوجي الثالوث التالي: اقتصاد سوق رأسمالي =  الديمقراطية= السلم.  وبالتالي فالأعداء المحتملون عسكر ومدنيون على السواء، والتهديدات مصدرها الدول وفاعلون غير دول، و قد يتضرر أمن أعضاء الحلف الأطلسي بأخطار عديدة منها “وقف النفاذ إلى الموارد الاقتصادية الأساسية”.  وكانت عقيدة الولايات المتحدة الأمريكية (1997) تُجهر بهذه الصيغة  بقول إن الولايات المتحدة الأمريكية تحتفظ لنفسها  بحق التدخل  العسكري بصورة أحادية بقصد “ضمان نفاذ بلا عائق إلى الأسواق الأساسية، والى مصادر التزود بالطاقة وإلى الموارد الاستراتيجية”.  يظل الحلف الأطلسي الدراع المسلح لما سميتُه ” الكتلة العابرة للمحيط الأطلسي” تحت هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية و الذي يُشرك البلدان الأوربية  في اندماج اقتصادي، وتحالف عسكري و “قيم” مشتركة (قيم الثالوث المنوه به آنفا).

كان توسيع الحلف الأطلسي نحو شرق أوربا يعبر عن ميزان  القوى بعد زوال الاتحاد السوفياتي.  واليوم يطالب بوتين  بتوزيع جديد للأوراق بين البلدان الامبريالية.  إن تنافس القوى العظمى الذي يجمع بين استعمال القوة الاقتصادية و المقدرات العسكرية  من قبل  القوى الامبريالية الكبرى مستمر.  إن عصر الامبريالي لم يَنْقَضِ.

يوكد إ. ماكرون مقدرته  على قول شيء، وفي “الآن ذاته” نقيضه في تسرعه ليصبح ذاك الذي سينقذ الكوكب.  اعتقد أن بوسعه أن يكون  البديل الغربي لدونالد ترامب. والحال أن هذا الأخير كان يريد تدمير الحلف الأطلسي، وكان يلح على تحمل الأوربيين قسطا أكبر من “عبء” الدفاع عن “العالم الحر”. وكان هذا موقف كل الرؤساء الأمريكيين. وقد هنأ  ترامب إيمانويل ماكرون على مجهود  فرنسا العسكري وأهان أ. ميركل على  نقص شهيتها العسكرية.  وقد شهدت الموازنة المخصصة لحضور القوات الأمريكية  في أوربا (l’European Defense Initiative) ارتفاعا كبيرا في فترة حكم ترامب، منتقلة من 800 مليون إلى 6 مليار دولار بين العامين 2016 و 2020.

° أعلنت ألمانيا نية رفع نفقاتها العسكرية إلى أكثر من 2% من الناتج الداخلي الاجمالي، فيما كانت من قبل مُتمهِّلة، مثيرةً مؤاخذات الولايات المتحدة الأمريكية.  وينخرط الاتحاد الاوربي في المساعدة العسكرية لأوكرانيا . هل يمثل هذا إعلانا لطور جديد من تاريخ الاتحاد الأوربي؟

هذا جلي. فالحرب في أوكرانيا ستسرع عسكرة الاتحاد الأوربي (والمملكة المتحدة طبعا)، لأن  الاتحاد الأوربي لا ينطلق من لا شيء.  وقد كان تبني  استراتيجية أمن أوربية في العام 2003، القريبة على الورق من تلك التي تبنتها قبل عام من ذلك إدارة ج.و. بوش، مرحلة هامة في وضع سياسة أمن ودفاع أوربية. وأحدثت اللجنة الأوربية  صندوق دفاع أوربي  سيقوم بتمويل البحث والتطوير العسكري لمجموعات التسلح بمبلغ 2 مليار يورو في العام 2022.

كانت فرنسا دوما الأشد تأييدا لعسكرة الاتحاد الأوربي، وغدا ذلك أجلى منذ سنوات 2010 وبركسيت.  ف”الشأن العسكري” يبدو أكثر فأكثر آخر “المزايا النسبية” – سواء في شكل تدخلات للجيوش أو في أبعاده الصناعية”- وتستعمله فرنسا وقادتها لتعويض التراجع المستمر لوزنها الاقتصادي.  فالمبادلات التجارية الفرنسية تشهد عجزا مع معظم البلدان الأعضاء.   ويمكن وصف الصناعة الفرنسية بـ”رجل أوربا المريض”.

دافع ماكرون بحمية أكبر ، منذ انتخابه، عن عسكرة الاتحاد الأوربي.  وذلك اقتناعا ومن أجل مواصلة التأثير في توجهات الاتحاد الأوربي،  اعتبارا  لتناقص وزن فرنسا  في عملية  القرار في المسائل الاقتصادية.

ويوطد الغزو الروسي موقف الداعين إلى عسكرة الاتحاد الأوربي.  ويمثل خطاب المستشار شولتس في  البوندستاغ تطورا ملحوظا في سياسة دفاع ألمانيا، بالأقل على صعيد التصريحات.  إذ يجب النظر إلى وتيرة وحجم تطبيق ما أُعلِن من  زيادة 113 مليار يورو في موازنة الدفاع.

يمثل الحلف الأطلسي الإطار “الطبيعي” لعسكرة الاتحاد الأوربي، وسيستلزم بلا ريب  تنامي التعاون مع المملكة المتحدة. منذ أمد بعيد قبل قادة فرنسا، يمينا ويسارا على السواء، هذا الواقع. وقد كان ه. فيدرين، وزير خارجية ميتران، قد لخص  موقف فرنسا بقول:” ليس الدفاع الأوربي جيدا  لأوربا فقط، بل  للحلف الأطلسي أيضا” .  وليس لالتفافات ماكرون بشأن ” السيادة الأوربية” دلالة أخرى ، مع أمل أن تنتفع من ذلك  مجموعات  صناعة السلاح الفرنسية.

كان الميل في فرنسا متجها نحو زيادة النفقات العسكرية. هل لك أن توضح هذا الميل واتساعه المحتمل؟ 

 الجيش مُعزَّزُ المكانة في الجمهورية الخامسة. بين العام 2000 و 2019، كان ارتفاع موازنة الدفاع أكبر بجلاء من ارتفاع الموازنات الاجتماعية (تعليم، سكن، الخ) ولم يتجاوزه سوى تقدم موازنة الشرطة.  وفي فترة حكم ماكرون، ازدادت النفقات العسكرية بنسبة 50%، وهذا مجرد بداية. فحتى قبل  الحرب في أوكرانيا، حصل العسكر  على التزامات بزيادة أقوى.  وقد قدر نائبان، (باتريسيا ميراليس و جان لويس ثييرو)، المكلفان بالترافع عن هذا المطلب بأن الانفاق العسكري يجب أن يرتفع ب40 إلى 60 مليار  في فترة -2022-2030 (تبلغ موازنة الدفاع في العام 2022 ، 50 مليار يورو).

تدل انتخابات الرئاسة أن لحظة الهدايا تصادف بالنسبة للجيش شهر أبريل. وباسم الوحدة الوطنية، تجتاح المزايدة العسكروية الفضاء الإعلامي بدون أي نقاش.  وقد أعلن ذلك الرئيس ماكرون بقول: “جاءت الحرب لتصدم حياتنا الديمقراطية”. والحال أن التنكر للديمقراطية في فرنسا غير ناتج عن الحرب، بل يندرج في  صميم منطق الجمهورية الخامسة،  فمسائل الدفاع مِلْكية للرئيس. ويتصرف بها بنحو غير مسبوق.  وقد بات شعار” سأحميكم” برنامجا انتخابيا وينبئ بمركزة متنامية للسلطة.

إن إعادة انتخاب ماكرون “بمواصلة ضمنية” لن يمحو الأزمة الاجتماعية.  إذ يجب دفع ثمن هدايا أعياد الميلاد، وسداد الدين العام المتفجر، والنجاح في تمويل عجز المبادلات التجارية.  إن التوفيق بين وحدة وطنية “وفي الآن ذاته” “حرب اجتماعية” لتمكين المقاولات الفرنسية من تجنب   الغرق، عبارة عن خيمياء صعبة.   ويهدد التحميس الأمني الذي دفع إلى اعتماد 13 قانونا قاتلا للحريات منذ الاعتداءات الارهابية  في العام 2015، بالاحتدام.

  • SIPRI :المعهد الدولي للبحث حول السلم- ستوكهولم

المصدر: Hebdo L’Anticapitaliste – 606 (10/03/2022)

ترجمة المناضل-ة

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا