يهود مغاربة ضد الصهيونية: إيفلين سرفاتي Evelyne Serfaty

النساء2 مارس، 2024

بقلم ألما راشيل إيكمان* Alma Rachel Heckman

كانت إيفلين سرفاتي إحدى أنشط أعضاء الحزب الشيوعي المغربي. بعد طردها من الثانوية بناء على التشريع المعادي للسامية في ظل حكومة فيشي، تجذرت مواقف إيفلين، وكذا شقيقها أبراهام وانضما إلى الشبيبة الشيوعية بالمغرب، وناضلا من أجل انعتاق المغرب من السيطرة الاستعمارية الفرنسية والاسبانية. وفي ظل الاضطهاد الاستبدادي التي تلا استقلال المغرب، واصلا أنشطتهما السرية داخل الحزب الشيوعي المغربي وحزب التحرر والاشتراكية. وتعرضت أيفلين للاختطاف والتعذيب بسبب أنشطة شقيقها السياسية في مطلع سنوات 1970.

ولدت ايفلين سرفاتي في أسرة بيضاوية (نسبة الى الدار البيضاء) ذات جذور في مدينة طنجة، شمال المغرب.  تاريخ ميلادها الدقيق مجهول، لكن من المرجح أن تكون في سنوات 1920. كان أخوها ابراهام سرفاتي المولود في العام 1926 أكثر شهرة منها بسبب نشاطه السياسي الصريح وسنوات سجنه، وتكاد كل المعلومات المتوافرة عنها تأتي من مصادر مرتبطة به.  توفيت إيفلين سنة 1974، سنتين بعد اختطافها من شوارع الرباط وتعذيبها بوحشية لانتزاع معلومات عن مكان وجود أخيها التي كان متواريا آنذاك.  ما لم يقدر حق قدره هو أن إيفلين، التي وصفها أبراهام بـ «الصغيرة والهشة”، كانت إحدى النساء اليهوديات المغربيات اللائي ناضلن من أجل استقلال المغرب عن النظامين الاستعماريين الفرنسي والاسباني، قبل أن تصبح شهيدة أقصى اليسار في ظل النظام الاستبدادي لما بعد الاستقلال.

السنوات الأولى

 كان والد إيفلين سرفاتي يهوديا معاديا للصهيونية في طنجة، قضى قسما من شبابه في العمل في البرازيل قبل أن يدخل إلى المغرب.  ورث الإخوة سرفاتي، أبراهام وإيفلين، على الأرجح عن والدهما مناهضته للصهيونية وقريحته السياسية. وعلى غرار مغاربة كُثر، استقر سرفاتي الأب في الدار البيضاء في مطلع القرن العشرين كي يستفيد من فرص العمل الجديدة التي تتيحها الاستثمارات الفرنسية الحديثة في هذه المدينة، وهي العملية التي بدأت حتى قبل الإعلان الرسمي عن نظام الحماية في 1912 (أقام الإسبان نظام حماية أصغر شمال المغرب، بينما أصبحت طنجة منطقة دولية). ليس واضحا ما إن كان سرفاتي الأب قد تزوج قبل وصوله إلى الدار البيضاء، وليس واضحا مكان ميلاد إيفلين، مع أننا نعلم أن أبراهام ولد في الدار البيضاء، ما يجعل هذه المدينة مكان ميلاد ايفلين المحتمل. كانت الدار البيضاء، فيما بين الحربين، مدينة ضاجة بالصناعة والغليان الأيديولوجي، لا سيما بين الشيوعيين الإسبان والفرنسيين، ما كان له تأثير كبير على تطور الإخوة سرفاتي السياسي.

بعد وقوع فرنسا في أيدي القوات النازية الغازية في مطلع العام 1940، جرى تقسيم فرنسا بين منطقة احتلال ألمانية، بما فيها باريس، ومنطقة غير محتلة في الجنوب، عاصمتها فيشي. هذه المدينة المعروفة أكثر من قبل بمياهها الحرورية ذات الفائدة العلاجية، أعارت اسمها للنظام الفرنسي المتعاون مع المحتل الذي تشكل في ظل المارشال فيليب بيتان. وفي فرنسا والمستعمرات الفرنسية، سنت تشريعات فيشي المناهضة للسامية، بما فيها من حصيص اليهود في مؤسسات التعليم العمومي.  جرى طرد إيفلين سرفاتي من الثانوية بناء على ذلك التشريع، بينما تمكن أبراهام من البقاء في المدرسة في إطار حصيص اليهود. بعد إنزال الحلفاء في شمال أفريقيا الفرنسية في إطار عملية تورش Torch في نوفمبر 1942، بدأ تفكيك أسوأ ما خلفه نظام فيشي، لكن ليس بالسرعة التي كان يتمناها البعض. دفعت تجربة فيشي وكذا الاحتكاك السابق بالشيوعيين الإسبان والفرنسيين إلى تجذر الإخوة سرفاتي الذين انضما إلى الشبيبة الشيوعية بالمغرب.

نضال مناهض للاستعمار وللاستبداد بعد الاستقلال

من متم العام 1940 إلى مطلع سنوات 1950 ظهر الإخوة سرفاتي في تقارير مراقبة الحزب الشيوعي المغربي التي يضعها نظام الحماية الفرنسي. وفي 1946، بعد بعض التحفظات الأولية، تبنى الحزب برنامج تحرر وطني من السيطرة الاستعمارية الفرنسية والاسبانية.   وبصفتهم أعضاء في الحزب الشيوعي المغربي، كان الشباب الراديكاليون يوزعون المناشير، ويضعون ملصقات الدعاوة على الجدران، ويحضرون الاجتماعات الحزب الشيوعي المغربي وتظاهراته وينقلون رفاقهم. وكان الإخوة سرفاتي منغمسين بعمق في أنشطة الحزب، ولذلك طردتهم الحكومة الفرنسية نحو فرنسا في العام 1952، بذريعة أنهما في الحقيقة مواطنان برازيليان، بسبب سنوات العمل التي قضاها والدهما في هذا البلد. وفي فرنسا كان بوسع الشرطة أن تراقب بدقة أكبر الإخوة.  وعندما حصل المغرب على استقلاله في 1956، عاد الإخوة إلى بلدهم، في خضم لحظة نشوة الاستقلال لكافة المغاربة، حتى اليهود. وفيما كان زهاء 90 ألف يهودي هاجروا إلى إسرائيل بين 1948 و1956، تباطأت وتيرة الهجرة بشكل كبير.

لكن سرعان ما أخلت نشوة ما بعد الاستقلال المكان للاستبداد، لاسيما في ظل حكم الحسن الثاني (1961-1999). جرى منع الحزب الشيوعي المغربي في العام 1959 في ظل حكم محمد الخامس، ثم عاد للظهور تحت اسم حزب التحرر والاشتراكية، قبل منعه من جديد في 1969. وفي أثناء هذه الحقبة برمتها، انخرط الإخوة سرفاتي في أنشطة الحزب الشيوعي السرية الذي غدا حزب التحرر والاشتراكية. قطع ابراهام سرفاتي مع حزب التحرر والاشتراكية في 1969 وأصبح من المشاركين في تأسيس الحزب الماركسي-اللينيني إلى الأمام.  وفي إطار دوره في منظمة إلى الأمام، ومساندته الصريحة لجبهة بوليساريو، المنظمة المطالبة باستقلال الصحراء الغربية، اصطدم ابراهام سرفاتي بسلطات الدولة. اعتقل لفترة وجيزة في العام 1972 قبل أن اضطراره للاختباء.

اختطاف وتعذيب

بقصد الحصول على معلومات عن مكان وجود شقيقها، اختطفت الشرطة المغربية إيفلين سرفاتي من الشارع في أثناء خروج للتبضع في الرباط، العاصمة.  وعندما سُئلت أين يوجد أخوها، لم تجب. والحقيقة أنها لم تكن تعرف. وتعرضت بعد ذلك للتعذيب، خاصة بالطريقة المعروفة باسم “مجثم الببغاء”، حيث تُربط الضحية معلقة بعمود وتُرش بماء جافيل الممزوج بالماء.

 أُخضعت إيفلين للتعذيب بهذه الطريقة طيلة أيام، متحملة تهديدات لها ولوالديها المسنين أيضا. وفي لحظة معينة، عصبت عيناها وقيل لها إنها “ستلقى في البحر” بعد “حبسها في كيس”، قبل إعادتها إلى زنزانتها. وأخيرا أطلق سراحها بعد أسبوع من هذه المعاملة وعادت إلى بيتها بالدار البيضاء، وقد أُشبعت ضربا و”بالكاد قادرة على السير”.

توفيت ايفلين سرفاتي سنة 1974 بمرض التهاب الكبد، قال عنه ابراهام سرفاتي لاحقا إنه ناتج عن التعذيب. واعتقل أبراهام من جديد في السنة ذاتها ولم يخرج من السجن سوى في مطلع سنوات 1990.

خلاصة: ما يُنسى غالبا في تاريخ عذابات ايفلين سرفاتي من أجل شقيقها هو أنها كانت هي نفسها وهجا سياسيا يساريا، نشيطة لاسيما إبان نضال التحرر الوطني.  واسمها في الغالب الاسم الوحيد الذي يظهر في تقارير مراقبة الشرطة للأنشطة اليسارية، وتوقيعها كانت غالبا التوقيع النسائي الوحيد في العرائض اليهودية اليسارية التي تدعو الطائفة اليهودية إلى عدم الإنصات للدعاية الصهيونية. ومع ذلك لا يتم تذكرها سوى لتضحياتها من أجل شقيقها.

 ترجمة جريدة المناضل-ة

مراجع:

Serfaty, Abraham. Le Maroc, du noir au gris. Paris: Éditions Syllepse, 1998.

Serfaty, Abraham and Mikhaël El Baz, L’insoumis: Juifs, Marocains et rebelles. Paris: Desclée de Brouwer, 2001.

Heckman, Alma Rachel. The Sultan’sCommunists: MoroccanJews and the Politics of Belonging. Stanford: StanfordUniversityPress, 2021.

  • تشغل ألما راشيل إيكمان كرسي نيفيلد-ليفين في دراسات الهولوكوست في جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز. وأستاذة مساعدة في قسم التاريخ. تشمل اهتماماتها البحثية التاريخ اليهودي الحديث، وتاريخ العمال، والنشاط السياسي اليهودي العابر للحدود، والاستعمار، والقومية، والعالمية الثالثة، والتوفيقية، وشمال أفريقيا والشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، تعمل هيكمان على رقمنة ونسخ ونشر مقابلات مع لاجئين يهود أوروبيين من الحرب العالمية الثانية وجدوا ملاذًا آمنًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بهدف توسيع نطاق دراسات الهولوكوست إلى ما هو أبعد من السرد الأوروبي المركزي.

حصلت إيكمان على درجة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس وحصلت سابقًا على منح دراسية في متحف ذكرى الهولوكوست في الولايات المتحدة وفي مركز الدراسات اليهودية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس.

من كتاباتها:

The Sultan’s Communists: Moroccan Jews and the Politics of Belonging (Stanford University Press, 2021).

شارك المقالة

اقرأ أيضا