ستّةُ أسئلة بشأن مناهضة الإمبريالية اليوم والحرب في أوكرانيا -بقلم جلبير الأشقر

بلا حدود28 مارس، 2022

بقلم جلبير الأشقر

فيما يلي ست أسئلة بصدد الموقف المعلن في نص جلبير الأشقر الموسوم “مذكرة حول الموقف المناهض للإمبريالية بصورة جذرية إزاء الحرب في أوكرانيا”

سؤال أول: هل يساند “الجنوب العالمي” روسيا؟

لنتفحص الوقائع. لننظر أولا جهة اليسار في الجنوب العالمي حيث المواقف متضاربة. ففي القسم الناطق بالعربية، والذي منه أتحدر، كانت الأحزاب “اليسارية” الوحيدة التي أيدت الاجتياح الروسي هي التي سبق أن ساندت نظام بشار الأسد الدموي، الخاضع لنظام الحماية الروسي. أما الحزبان الشيوعيان الرئيسان بالمنطقة، العراقي والسوداني، فقد نددا بالغزو الروسي بلا لُبس، مع تنديدهما كذلك (كما يجب) بسياسة الإمبريالية الأمريكية. فالحزب الشيوعي السوداني، بعد شجبه الصراعات بين القوى الإمبريالية، أعلن أنه “إذ يدين الغزو الروسي لأوكرانيا ويطالب بالانسحاب الفوري للقوات الروسية من أوكرانيا، يدين كذلك استمرار التحالف الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة في تأجيج التوتّر والحرب وتهديد السلام والأمن العالميين”. والحال أن شيوعيي السودان في موقع ملائم جدا لإدراك حقيقة الإمبريالية الروسية، إذ هي القوة العظمى الوحيدة المساندة صراحة للانقلابيين في بلدهم.
أما حكومات الجنوب، فقد امتنعت خمس وثلاثون منها في التصويت بالجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار إدانة الغزو الروسي. وقد صوتت كل دول الشمال لصالح القرار (كل البلدان الغربية وحلفائها)، أو ضده (روسيا ذاتها وبلاروسيا). بيد أنه لا حاجة إلى نفاذ بصيرة لإدراك أن بين الدول التي صوّتت تأييدا للقرار، وعددها 141، كانت ثمة أكثر بكثير من 35 دولة تنتمي إلى الجنوب العالمي ذاته. فلا يتعلق الأمر إذاً بـحالة “انشطار بين الشمال والجنوب”، بل بانشطار بين أصدقاء و/أو زبائن الإمبريالية الغربية، من جهة، وأصدقاء و/أو زبائن الإمبريالية الروسية، من جهة أخرى. وبما أن معظم هؤلاء الأخيرين هم أيضا أصدقاء و/أو زبائن للإمبريالية الغربية، آثروا الاستنكاف عوض إضافة أصواتهم إلى أصوات الدول الخمس التي عارضت القرار، وهي، فضلا عن الدولتين المنوه بهما أعلاه، كوريا الشمالية وسوريا وإريتريا.
صحيح أن البلدين الأكثر سكانا بين دول الجنوب العالمي، ألا وهما الصين – التي هي ذاتها موضوع نقاش بشأن طبيعتها الإمبريالية، بحيث ينجلي إلى أي حد يبقى منظور الشمال والجنوب منظورا اختزاليا في الشؤون السياسية – والهند برئاسة الزعيم الفاشي ناريندرا مودي قد اقتربتا من روسيا. لكننا نجد أيضا بين البلدان التي صوتت لصالح قرار الأمم المتحدة، دولا من قبيل مكسيك الرئيس التقدمي آملو، وأفغانستان الطالبان، وبرازيل بولسونارو (المعجب مع ذلك ببوتين)، وميانمار الجنرالات (الذين توفر لهم الصين الحماية) وفلبين دوتيرتي.

سؤال 2: أليس صمود أوكرانيا في وجه الغزو الروسي مفيدا للحلف الأطلسي؟

اول ما يتعين قوله هو: “ولو كان مفيدا، فماذا بعد؟” ينبغي ألا نجعل مساندتنا للشعوب التي تكافح الإمبريالية وقفا على أي معسكر إمبريالي يدعمها. وإلا استوجب نفس المنطق التضحية بالعدالة على مذبح المعركة السامية ضد “الكتلة الغربية” كما يدعو إليه بعض الناس في الأوساط الاصطفافية الجديدة لليسار الزائف. كتبت، من جانبي، أن نجاحا روسيًّا – وهو نتيجة تبقى مع الأسف إمكانا فعليا – من شأنه أن يُشجع الإمبريالية الأمريكية ذاتَها وحلفاءَها على مواصلة سلوكهم العدواني. وقد استفادت بالفعل الولايات المتحدة الأمريكية وحفاؤُها الغربيون أيما استفادة من جُرم بوتين، ولا بدّ لهم من الامتنان بحرارة لجميل الأوتوقراطي الروسي.
إن سيطرة روسية ناجحة على أوكرانيا من شأنها أن تشجع الولايات المتحدة الأمريكية على العودة إلى نهج غزو العالم بالقوة في سياق تفاقم القسمة الاستعمارية الجديدة للعالم واحتدام العداءات العالمية، فيما سوف يؤدي فشل روسيا – مضافا الى الاخفاقات الأمريكية في العراق وفي أفغانستان – إلى تعزيز ما يسمونه في واشنطن “متلازمة فيتنام”. فضلا عن ذلك، يبدو لي جليا أن نصرا روسيًّا سيعزز بنحو كبير النزعة العدوانية و الاندفاع نحو زيادة الإنفاق العسكري في بلدان حلف الناتو، وقد بدأ ذلك بحمية، فيما سوف تتيح هزيمة روسيا شروطا أفضل لمعركتنا لصالح نزع عام للأسلحة وحل الحلف الأطلسي. طبعا، لو أفلحت أوكرانيا في التخلص من النير الروسي، من المرجح أن تقع تحت هيمنة القوى الغربية، لكنها إذا لم تفلح فستخضع لنير روسي أقسى بكثير.

سؤال 3: كيف يمكننا، بصفتنا مناهضين جذريين للإمبريالية، أن نساند مقاومة تقودها حكومة برجوازية يمينية؟
هل ينبغي علينا ألّا نساند شعبا يقاوم غزوا إمبرياليا فائق التسلح سوى إذا قاد مقاومته الشيوعيون، ولم تقده حكومة برجوازية؟ هذا موقف “طفولي يساري” من المسألة القومية قديم جدا، حاربه لينين في زمنه وكان محقا في ذلك. إن نضالا عادلا ضد اضطهاد قومي، وكم بالأحرى ضد احتلال أجنبي، يستوجب المساندة أيا تكن طبيعة قيادته: إن كان هذا النضال عادلا، فالأمر يستتبع مشاركة نشطة من السكان المعنيين ويستحق المساندة، مهما تكن طبيعة قيادته.
فإن الرأسماليين الاوكرانيين ليسوا هم من ينظم التعبئة الكثيفة إلى جانب القوات المسلحة الأوكرانية في شكل حرس وطني مرتجل ونساء يعبئن الزجاجات الحارقة على طراز نساء كومونة باريس، بل إنه شعب أوكرانيا الكادح. ويستحق هذا الشعب دعمنا الكامل في كفاحه ضد الإمبريالية “الروسية الكبرى”، التي تقودها حكومة أوتوقراطية وأوليغارشية غارقة في الرجعية، تتحكم بمصير أحد أكثر بلدان العالم تفاوتا طبقيا. بالطبع، هذا لا يمنعنا من انتقاد حكومة كييف في الوقت ذاته.

سؤال 4: أليست الحرب الجارية حربا بين قوى إمبريالية؟

لو كانت كل حرب يلقى فيها كلا الطرفين دعما من إحدى القوى الإمبريالية المتخاصمة حربا بين قوى إمبريالية، لكانت كل حروب عصرنا حروبا من هذا الصنف، إذ يكفي، كقاعدة عامة، أن تقوم إحدى القوى الإمبريالية بدعم طرف ما كي يلقى الطرف المضاد دعما من القوى الإمبريالية المنافسة. هذه الحروب ليست حروبا بين قوى إمبريالية، بل لا ينطبق هذا الوصف سوى على حرب مباشرة، وليس بالوكالة، بين قوتين تسعى كل منهما إلى غزو المجال الترابي والاستعماري (الجديد) للأخرى، كما كانت بجلاء الحرب العالمية الأولى، التي كانت “حرب نهب” من الجانبين، كما وصفها لينين.
إن اعتبار الصراع الجاري حاليا في أوكرانيا، حيث لا طموح لهذه الاخيرة، ولا نية لها على الإطلاق، في الاستحواذ على أرض روسية، وحيث لروسيا نية معلنة في إخضاع أوكرانيا والاستيلاء على قسم من ترابها، إن اعتبار هذا الصراع صراعا بين قوى إمبريالية، عوض اعتباره حرب غزو إمبريالي، إنما هو تشويه بالغ للواقع.
لذا فإن الوظيفة الأولى، الأكثر مباشرة، لمد أوكرانيا بالسلاح، إنما هي مساعدتها على التصدي لاستعبادها، بالرغم من أنها، من جهة أخرى، تتمنى الخضوع للهيمنة الغربية ظنا منها أن في ذلك الضمانة الوحيدة لحريتها. يجب علينا طبعا أن نعارض ذلك الخضوع أيضا، لكن لا بدّ الآن من التصدّي لما هو الأشد إلحاحا.

طبعا، لو دخل المعسكر الإمبريالي الآخر في الحرب بشكل مباشر، من شأن ذلك أن يؤدي إلى تحويل الصراع الجاري إلى حرب بين قوى إمبريالية، بالمعنى الصحيح للمفهوم، وهو نوع من الحرب نعارضه قطعا. لكن حتى الآن، يصرح أعضاء الحلف الأطلسي أنهم لن يتخطوا الخط الأحمر المتمثل في إرسال قوات لمحاربة القوات المسلحة الروسية على تراب أوكرانيا، أو في إسقاط طائرات روسية في سماء أوكرانيا – رغم دعوات فولوديمير زيلينسكي المتكررة. ذلك أنهم يخشون، عن حق، تصعيدا كارثيا، بعد ما باتوا عليه من ارتياب إزاء عقلانية بوتين الذي لم يتردد في إشهار فوري للتهديد النووي.

سؤال 5: هل تجوز مساندة إمدادات السلاح الغربية لأوكرانيا؟

بما أن معركة الأوكرانيين ضد الغزو الروسي عادلة، فمن المشروع تماما مساعدتهم على الدفاع لصد عدو أقوى عددا وعدة. لهذا نؤيد بلا تردد مد المقاومة الأوكرانية بأسلحة دفاعية. لكن ماذا يعني هذا؟
مثلٌ للتوضيح: نحن بكل يقين مع مد المقاومة الأوكرانية بصواريخ مضادة للطائرات (من الطرازين المحمول وغير المحمول). فإن معارضة ذلك تعني أنه لا يبقى أمام الأوكرانيين غير الاختيار بين التعرض للذبح و تدمير الطيران الروسي لمدنهم، دون امتلاك وسائل الدفاع عن النفس، أو اللجوء إلى خارج بلدهم. لكننا، في الآن ذاته، نعارض الفكرة غير المسؤولة القاضية بفرض منطقة حظر جوي فوق أوكرانيا او قسم من أراضيها، كما نعارض أيضا تزويد أوكرانيا بالطائرات المقاتلة الذي يطالب زيلينسكي به. فالطائرات المقاتلة ليست أسلحة محض دفاعية، وقد يؤدي عمليا تزويد أوكرانيا بها إلى مفاقمة حادة لعمليات القصف الروسية. باختصار، نؤيد مد أوكرانيا بأسلحة مضادة للطائرات وللدروع، وكل الأسلحة اللازمة للدفاع عن أرضها. فإن رفض تزويدها بهذه الإمدادات إنما هو بكل بساطة بمثابة رفض مساعدة شعب في خطر! لقد طالبنا سابقا بمد المعارضة السورية بمثل هذه الأسلحة الدفاعية. وقد رفضت الولايات المتحدة، بل ومنعت حلفاءها المحليين من تسليمها للسوريين، لاسيما بسبب الاعتراض الإسرائيلي. ونعلم ما كانت العواقب.

سؤال 6: ما الموقف الواجب إزاء العقوبات الغربية ضد روسيا؟

كتبت في مذكرتي :”قررت القوى الغربية جملةَ عقوبات جديدة ضد الدولة الروسية بسبب غزوها لأوكرانيا. من شأن بعضها أن تقلص فعلا مقدرة نظام بوتين الأوتوقراطي على تمويل آلته الحربية، وقد يضر بعض آخر بسكان روسيا دون أن ينال كثيرا من النظام أو من أصدقائه الأوليغارشيين. إن معارضتنا للعدوان الروسي، مع حذرنا من الحكومات الإمبريالية الغربية، يعنيان أنه يجب ألا نساند العقوبات التي يتخذها هؤلاء ولا أن نطالب برفعها.”
إننا، بعبارة أخرى، نؤيد عقوبات تنال من مقدرة روسيا، وأوليغارشييها، على خوض الحرب، ونعارض العقوبات المضرة بشعب روسيا. هذه الصيغة سليمة من حيث المبدأ، لكنها تستدعي ترجمة ملموسة. والحال أننا لا نحوز على وسائل فحص مجمل العقوبات المتخذة من قبل القوى الغربية ضد روسيا، وهو ما جعلني ادعو إلى عدم مساندة العقوبات ولا المطالبة برفعها ما دام الغزو الروسي الاجرامي مستمرا.

المصدر: https://newpol.org/six-faqs-on-anti-imperialism-today-and-the-war-in-ukraine/
ترجمة : موقع المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا