من ذكرى إلى أخرى …على طريق نصر الشعب

الافتتاحية11 يوليو، 2025

ذكرى معركة أنوال الخالدة ضد الاستعمار الإسباني، ومعها ذكرى إحدى أكبر مسيرات حَراك الريف المجيد 20 يوليوز 2017 ضد الاستبداد وكيل الاستعمار الجديد. لا يخلو شهر من شهور السنة من ذكرى انتفاضة شعبية، أو نضال عمالي ضد الاستغلال الرأسمالي والاستبداد السياسي. لا يزال الشعب متمترسا ومستعدا للانقضاض ما أن تسنح له الفرصة لذلك، أو حين يبلغ الصبر مداه.
أكثر من سبعين عاما من الكفاح، المنتصر أحيانا والمهزوم أحيانا كثيرة، ضد نظام سياسي يخدم مصلحة قلة من الرأسماليين المحليين والأجانب. يستذكر الشعب ذاكرة نضالاته الغنية تلك، ليس بقصد التباكي على الكلفة العالية أو التغني بالبطولات، ولكن ليذكِّر الحاكمين بأن الإجماع الوطني خرافة جرى فرضها بمزيج من الخداع والقمع. إن استكانة الجماهير ليست مُطلقة، بل جمرة متقدة تحت رماد ذاك الخداع والقمع، وما أن يجد الكمون الشعبي والعمالي فرصة، تتقد الجمرة من جديد، لتُشعل نار النضال والكفاح في هشيم السطح السياسي الذي يبدو لحسير النظر هدوءا لا سبيل لتكعير صفوه.
قبل ثمانٍ سنوات هبَّ كادحو- ات الريف في نضال شعبي مجيد امتد أكثر من سنة (أكتوبر 2016-يوليوز 2017)، اضطرت الدولة في البداية إلى مهادنته وادعاء الاستجابة لمطالبه، قبل أن تقمعه بشدة. وبعده بأقل من عام اندلع حراك مشابه بمدينة جرادة، تمكنت الدولة مرة أخرى من قمعه، معتقدة أن الجماهير ستعتبر وتخلد إلى حظيرة الطاعة. لكن الجماهير تجد دوما سبلا للتعبير عن استيائها وغضبها، فكانت موجة مقاطعة لشركات كبرى تحتكر تسويق مواد استهلاكية (الماء، البنزين، الحليب ومشتقاته). وفي نفس السنة استئأنف شغيلة التعليم، عبر أفوجهم الجديدة، المفروض عليهم- هن التعاقد نضالا ضد تفكيك الوظيفة العمومية، وامتد نضال هذه الأفواج، من سنة 2018 حتى بداية سنة 2023، لتلتحق بهم الأفواج القديمة من شغيلة التعليم في حراك عظيم من أكتوبر 2023 حتى يناير 2024. وما أن توقف حراك شغيلة التعليم، حتى انطلقت نضالات شغيلة الصحة بنفس المطالب.
وقبل كل هذا كان حراك العشرين من فبراير، الامتداد المحلي للحريق الثوري الذي شب في المنطقة، بعد سنوات من نضالات شعبية في المناطق الريفية والمراكز الحضرية الصغيرة (زاكورة 2000، طاطا 2005، بوعرفة 2006، سيدي إفني 2005- 2008، صفرو 2007، إكديم إزيك بالعيون 2010). وكانت هذه النضالات ذروة تلك التي انطلقت من العالم القروي في منتصف التسعينيات منذ مسيرة آيت بلال بإقليم أزيلال، فضلا عن نضالات حاشدة خاضتها الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، والحركة الطلابية ضد الإصلاح الجامعي.
إنه هدير لا يتوقف، يظهر للسطح صارخا ليغوص كي يظهر مرة أخرى أكثر قوة ومستفيدا من دروس سابقه، وإن كانت تلك الاستفادة لم تبلغ بعدُ المستوى المرجو، بسبب غياب القوة السياسية التي ستتولى مهمة بلورة تلك الدروس ومركزة تلك النضالات.
إنها أمواج مدِّ وجزر، تتوالى على ضرب جدران الاستبداد السياسي والاستغلال الرأسمالي، تتمكن أحيانا من إحداث شروخ في تلك الجدران، يسارع الحاكمون إلى ترميمها مخافة توسعها.
يستفيد الحاكمون من وضع الجماهير الذاتي ، الطبقة العاملة بشكل خاص. فهذه الأخيرة مقطعةٌ أوصال قسمها المنظم بين نقابات تستحوذ على قيادته بيروقراطيات تنتمي إلى أحزاب غير عمالية؛ أحزاب معارضة برجوازية (ليبرالية ورِجعية دينية) كانت تستعملها في مناوشة الاستبداد، والآن تعتبرها احتياطيا انتخابيا، وأخرى موالية مباشرة للقصر (الاتحاد المغربي للشغل). بينما أقسام أخرى كبيرة جدا من الطبقة العاملة، ضحية البطالة والهشاشة، تتخوف من أي عمل نضالي/ نقابي قد يؤدي إلى تسريحها من العمل. وتظل هذه الأقسام فريسة سياسية الإحسان العمومي المسمى حماية اجتماعية، منتظرة قسائم الدعم الحكومي البائسة، لتسد بها رمق الجوع اليومي. ظهر وزن هذا العامل السلبي في حرَاك شغيلة التعليم، فمنذ سنة 2018 تصدى المفروض عليهم- هن التعاقد لمهمة مواجهة تفكيك الوظيفة العمومية، ولم يلتحق بهم الشغيلة النظاميون إلا في فترة لاحقة متأخرة. وعندما انطلق حراك الشغيلة نهاية 2023، بقي معزولا عن بقية الجسم العمالي، ما أدى إلى نهايته المعروفة: مكاسب زائلة وتمرير هجوم أقسى (نظام المآسي).
الوجه الآخر لتشتت الطبقة العاملة، الذي يمثل أكبر عائق أمام انتصار نضالاتها، هو تشتت اليسار وضعفه. اليسار الإصلاحي (الحزب الاشتراكي الموحد وفيدرالية اليسار) الذي يهيمن على قسم من الحركة النقابية، يركض وراء الوهم الاتحادي القديم حول إمكان التوافق مع الملكية من أجل إصلاح سياسي ودستوري. واليسار الثوري، تفاقمُ عزلتَه وضعفَه، العصبوية ورفض التعاون بين قواه.
لا يمكن للشعب أن ينتصر في نضاله التاريخي ضد الاستغلال الاقتصادي وحاكمه الاستبداد السياسي، بينما قوته الطليعية: الطبقة العاملة، مشتتة وأدوات نضالها (النقابات) تحت هيمنة قوى سياسية غير عمالية، ويسارها ضعيف وهزيل ورافض لكل تعاون.
إن استعادة أدوات النضال تلك (النقابات) لتفي من جديد بعلة وجودها: قيادة النضال واستنهاض الأقسام المتأخرة من الطبقة، والقطع مع سياسة الشراكة الاجتماعية مع البرجوازية ودولتها، هي المهمة ذات الأولوية القصوى، لتتمكن الطبقة العاملة من لم شملها، كي تكون قادرة فعلا على أن تكون قائدة بقية طبقات الشعب. وهذا بدوره لن يتأتى إلا بتجاوز اليسار الجذري لمآزق التشتت التي يعاني منها حاليا. فقط تعاون يساري- يساري حقيقي ورفاقي، مبني على النقد الذاتي وليس على المجاملة والنفاق، هو ما سيفتح أمام اليسار الجذري إمكان أن يكون بوصلة تهتدي بها الطبقة العاملة والكادحون- ات في نضالهم- هن ضد الرأسمالية وخادمها الاستبداد السياسي.
على هذا النحو سيكون اليسار الجذري وفيا لذكرى النضالات العظيمة للشعب المغربي وطبقته العاملة، منذ النضالات ضد الاستعمار انتهاء بالحراكات الشعبية والنضالات العمالية في العقدين الأخيرين. هكذا فقط ستكون تلك النضالات لبنات في الطريق العظيم لانتصار الشعب.

المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا