من كان ميخائيل سيرغييفيتش غورباتشوف؟

بلا حدود3 سبتمبر، 2022

 

 بقلم دانيال تانورو

تنقل الشبكات الاجتماعية الكثير من الحماقات بشأن غورباتشوف.

لم يكن غورباتشوف حفار قبر الثورة: فقد كانت هذه ميتة، بالأقل منذ استيلاء ستالين على السلطة في العام 1928.

الثورة هي السلطة الثورية للشعب المنظم ذاتيا في مجالس (سوفييتات).  عندما تولى غورباتشوف وظائفه، كان قد مضى زمن مديد على وقوع السلطة بين أيدي حصرية لشريحة من البيروقراطيين الذين يعيشون حياة رأسماليين.

لم تكن تلك الطفيليات تتظاهر حتى بالإيمان بالاشتراكية: كان حلمها تملك ملكية الدولة لنقلها إلى أبنائها وأحفادها، بقصد إتمام تحولها والتحرر من الالتزام الورع بالعقائد الجامدة لدين الدولة “الماركسي-اللينيني” (مسكين ماركس، ومسكين لينين).

وضعت زمرة الطاعنين في السن تلك غورباتشوف في السلطة، سعيا إلى انقاذ النظام من الانهيار. ذلك لأنهم كانوا يدركون أن الانهيار حتمي.

كانت خطة غورباتشوف تقوم على إدخال إصلاحات سوق لإعطاء دينامية للاقتصاد المخطط(بريسترويكا) واصلاحات ديمقراطية لأجل مد سلطة البيروقراطية بشرعية (غلاسنوست).  لم تكن الغاية تفجير الاتحاد السوفييتي و لا إعادة الرأسمالية.

أخفق غورباتشوف لجملة أسباب (أفغانستان، تشيرنوبيل، سباق ريغن الى التسلح…) وقد فاقم مناخ “نهاية نظام” حرب الكتل داخل البيروقراطية، وفاح التنافس على الغنائم، بسعي كل بيروقراطي إلى تأمين لسلطته للقادم من أيام بكل الوسائل.  وتعاظمت القوى النابذة للمركز، لا سيما على صعيد الجمهوريات المتحدة.

 

لكن جوهر المسألة كان أن  النظام الهائل لاقتصاد مُجَمَّع، المشتغل (بشكل بالغ السوء) لصالح فئة بيروقراطية وعلى حساب الطبقات الشعبية، غير قابل للإصلاح.

لم يكن ثمة سوى حلين: إما ثورة ضد البيروقراطية، مع إعادة ابداع سلطة شعبية مجالسية (سوفييتية)، أو  إعادة الرأسمالية عبر ديكتاتورية البيروقراطيين المُتَمِّمَة لتحولهم إلى رأسماليين يحققون ارتباطهم بالرأسمال العالمي.

بعد عقود من النظام التوتاليتاري والكذب بات الحل الأول ضئيل الاحتمال إلى درجة لامتناهية.

استنتج الحزب الشيوعي الصيني الدروس بسرعة من تجربة غورباتشوف: البريسترويكا نعم والغلاسنوست لا.  وبوجه خاصة لا حقوق ديمقراطية لقوميات الإمبراطورية.

بهذا النحو، أفلحت البييروقراطية في الحفاظ على السلطة، مع تحولها وتحويل الصين إلى قوة امبريالية كبيرة… والثمن ديكتاتورية حديدية يمارسها جهاز  بوليسي موروث عن الستالينية التي تستعمل أساليب ارقى تكنولوجيات سيليكون فالي.

كما استنتج بوتين الدروس. فبدل خطة غورباتشوف «الساذجة”، مع “الغلاسنوست”، وجب في 1998-1991 قطع الرؤوس، وإخضاع البولونيين والبلطيق والاوكرانيين و الجيورجيين.  وإرسال الدبابات، كما جري في براغ في 1968 وبودابست في 1956.

بنظر بوتين كان بالإمكان إرساء هذه الديكتاتورية منذ البداية، لأنها كانت المُكمِّل الطبيعي لتملك البيروقراطية لأملاك الدولة.  عندها كان يمكن تحويل البيروقراطيين الى أوليغارشية رأسمالية بطريقة ممركزة، تحت اشراف موسكو، بدل الطريقة الفوضوية والوحشية المتشظية في الجمهوريات المستقلة.

أراد بوتين إدارة عجلة التاريخ إلى الوراء – بقدر إمكان جيشه-كي يمنح الأوليغارشيين الامبراطورية الروسية التي كان عليهم، بحسبه، الا يفقدوها ابدا.  امبراطورية قائمة على الحبوب والطاقات الأحفورية. تلك دلالة الحرب في أوكرانيا، وهي فعلا حرب امبريالية.

إدارة عجلة التاريخ الى الوراء يحدد التوهم الرجعي. وفي عصر الامبريالية يتخذ هذا التوهم دوما سمات الفاشية. تلك دلالة الأيديولوجيا المرافقة لحرب أوكرانيا. وليس من قبيل الصدفة أن دوغين نصير للتنجيم ومعجب بإيفولا  Evola . وليس صدفة ان جريمة بوتين بوركت من قبل البطريرك  كيريرل Kyrill  الذي اعتبرها حربا صليبية ضد المثليين والمثليات جنسيا “منحطي الغرب” كما يسميهم.

واليسار؟ ما موقع اليسار من هذا؟  لقد أمسك به تاريخه.

من لم يفهموا شيئا من الظاهرة البيروقراطية، من لم يفهموا أن ستالين قاد ثورة مضادة، ويعتقدون بالعكس أن الغولاغ (معسكرات العمل القسري في ظل الستالينية)، ومحاكمات موسكو، والميثاق مع هتلر، أمور “انقدت الشيوعية” معوزون اليوم. برمجيتهم السياسية المعيبة تدفعهم إلى الاصطفاف في “معسكر” بوتين.

البعض يفعل ذلك صراحة، وآخرون نفاقا، باسم “السلم والتعايش السلمي” [يُخيل للمرء انه يسمع أوروشيوعيي القرن الماضي!- وأولوية مشاكل العمال الاجتماعية  لدينا ( لدينا هذه لا تعني شيئا ).  لكن النتيجة في كلتا الحالتين كارثية:  نهج سياسة مناقضة  لحقوق الشعوب، وللروح الأممية، وبالتالي للثورة بتدثر راية حمراء  داكنة (الداكن يرمز الى الفاشية) لـ”ماركسية -لينينية” مزعومة .

التاريخ كتابنا، هكذا كان ماركس يقول.  ان يخطأ المرء الكتاب أمر خطير.  مثل أن يخطأ التوجيه. أمر خطير لاسيما عند اعتقاد أن الكتاب مقدس.

دانيال تانورو

المصدر : http://www.europe-solidaire.org/spip.php?article63854

ترجمة المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا