أخنوش إرحل… أو فخ تركيز السخط على حكومة الواجهة

سياسة15 سبتمبر، 2022

منذ اشتداد طوق الغلاء حول أعناق قاعدة المجتمع العريضة، تكاثرت علاماتُ السخط المتصاعد رغم تدابير الترقيع التي اتخذتها الدولة بموازاة دعاية ضخمة.

تركَّز جزء كبير من تعبيرات الاستياء على الارتفاع غير المسبوق لأسعار البنزين والغازوال.  وتطورت بسرعة حملة مطالبة بخفض هذه الأسعار، مستهدفة بوجه خاص رئيس حكومة الواجهة، لاسيما أنه من كبار تجار البنزين والغازوال.  اتخذت لها الحملة “شعار أخنوش … ارحل”.

هذه الدعوة، والتعبئة لها بوسائل التواصل الاجتماعي، مشروعة كآلية دفع لظلم صارخ-لكن مشروعيتها لا تضمن لها حتما الصواب من زاوية تحديد المسؤول الفعلي عن الويلات التي تطحن سواد الشعب الأعظم. فتسليط سهام النقد، وتوجيه موجة السخط إلى شخص أخنوش، يتجاهل أن هذا الشخص ليس في الحقيقة والواقع غير موظف أَوكَلت إليه الجهات الحاكمة فعلا، والواضعة للسياسات المضرة بغالبية المغاربة، مهمة الإشراف الشكلي على التنفيذ من جهة، ومن جهة أخرى القيام بدور الدرع الواقي من الغضب الشعبي ومن الحقد الطبقي المشروع الصاعد من الأعماق المسحوقة اجتماعيا.

وظيفة الدرع الواقي هذه سبق أن نهض بها بنكيران، واليوسفي، وعباس الفاسي، وغيرهم من كل الأحزاب [يمينا (ليبراليا وإسلاميا) و”يسارا”] المشاركة في تمويه الاستبداد ودعمه.

حكومة الواجهة عنصر ضمن أخرى في آلية سياسية يدير بها الحاكمون الفعليون البلد.

من الحاكمون الفعليون؟

ليس حاكما كل من يحمل هذا الاسم رسميا، ومن يوجد في الواجهة، بل من يضع السياسات المقررة مصير البلد والشعب. يحكم المغرب اليوم تحالف بين الإمبريالية والكتلة الطبقية السائدة [كبار الرأسماليين، من كومبرادوريين وغيرهم بكل القطاعات، والملاكين العقاريين الكبار]. هذه الكتلة تقبل الملكية حاكما نيابة عنها، ولا تسعى بأي وجه إلى ممارسة ذاتية للسلطة عبر مؤسسات، لأن ذلك السعي يجب أن يستند إلى قوة اجتماعية جماهيرية لا توجد سوى عند الشغيلة وكافة المقهورين. والبرجوازيون، حتى إن تضرروا من الملكية، يخشون تحرك تلك القوة خشيتهم من الموت.

الإمبريالية تتدخل لتوجيه اقتصاد المغرب لصالحها عبر المؤسسات المالية، صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وعبر منظمة التجارة العالمية، وثمة الإمبريالية الإمريكية والاتحاد الأوربي.

ليس من صالح الإمبريالية أن يوضع تدخلها في قفص الاتهام، ليس من مصلحتها أن يدرك ضحايا النيوليبرالية مصدر هذه السياسة الجهنمية اجتماعيا. من مصلحتهم أن تعزى أهوالها إلى هذا الشخص أو ذاك، وتنصب عليه النقمة الشعبية، وعندما تبلغ هذه ذروتها وتكتسح الشارع، يتم تغيير الشخص [أخنوش مثلا سيعود ذات يوم إلى مقاولاته وخزائن ماله…] وسط أبخرة الوعود المدوخة ويوضع مكانه شخص جديد. وأفضل ما سيُسعِد المستفيدين من الوضع، ويسعون إليه، هو أن يكون البديل عن الراحل من المعارضين “المعتدلين” أي دعاة إضفاء صبغة اجتماعية على النيوليبرالية] كي تستمر نفس السياسات البرجوازية المسنودة من الإمبريالية.

على غرار هذا ليس من مصلحة الرأسماليين المغاربة أن توضع الرأسمالية في قفص الاتهام وتحميلها مسؤولية المصائب الاجتماعية التي أحالت المغرب ميدان حرب ضروس على الطبقة العاملة وسائر الفئات الشعبية.

يبتهج الرأسماليون عندما يستهدف السخط الاجتماعي شخص رئيس حكومة الواجهة، إذ يسهل الاستعاضة عنه عند الحاجة بآلية انتخابات وبرلمان جديد وحكومة واجهة جديد. ألم تكن تلك هي الحيلة التي انطلت على الناس أيام موجة النضالات في 2011 من حراك 20 فبراير وموجة النضالات الاجتماعية الموازية له [دون أن تندمج معه مع الأسف]؟

أخنوش مجرد واجهة…  ورحيله لن يغير شيئا ما لم يتم اسقاط السياسات المضرة بأكثرية المغاربة. حتى تونس التي رحَّلت الكفاحات رئيسها بنعلي، لم يتحسن وضع ضحايا الرأسمالية فيها، لأن السياسات الاقتصادية والاجتماعية المسؤولة عن التردي الاجتماعي لأغلبية التوانسة لم توضع في قفص الاتهام، ولم يستهدفها شعار إرحل. وقس على ذلك في العديد من تجارب المقاومة الشعبية للسياسات الرأسمالية عبر العالم.

كي يكون رحيل وجوه الاستبداد العظمى انطلاقا لسيرورة تغيير فعلي، لا بد ان تكون طليعة النضال قد تربت على شعارات واهداف واضحة، وإلا يسهل على السادة البرجوازيين “المعارضين” تقنية الغضب الشعبي صوب الوجهة الضامنة لاستمرار دكتاتورية البرجوازية بأوجه جديدة مكان المرحلين.

لا تغيير حقيقي ينهي المآسي الاجتماعية لملايين مقهوري المغرب ومقهوراته سوى بإسقاط السياسة الرأسمالية النيوليبرالية السارية. طبعا بسقوط أخنوش وأمثاله لكن ليس باقتصار على تغيير أشخاص.

يجب إعادة النظر في الأساس الذي يقوم عليه بناء البلد سياسيا، يجب وضع دستور ديمقراطي من قبل هيئة منتخبة [مجلس تأسيسي]، دستور يسُّنُ اختيارات تلبي الحاجات الاساسية للجماهير الشعبية بما يضمن لها الحق في العمل والحياة اللائقين.

رفع مستوى الوعي السياسي للساخطين/ات بشرح منتظم ومنهجي لمجريات الحياة السياسية، واستعمال كل صنوف الظلم اليومي لفتح أعين المُستغفلين بربطها بالنظام السياسي، والانطلاق من النضالات من أجل المطالب الآنية لتوضيح شعارات النضال الكبرى الموحدة لضحايا الاستبداد والرأسمالية، وهذه مهمة الأقلية الواعية اليوم، وبطليعتهم مناضو/ ات الشغيلة المتقدمون/ات.

بقلم:   رفيق الرامي

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا