أضواء على جحيم ظروف عمال وحياة شغيلة الصيد البحري

غير مصنف20 يناير، 2024

بقلم، ابراهيم موناصير

ينهج رأس المال لحل ازمات نظامه الاقتصادية سياسة الهجوم على حقوق الشعوب الاقتصادية والاجتماعية، ويتم استعباد العمال، أي تشغيلهم في أسوء الظروف وبأجور زهيدة وحماية اجتماعية هشة، تحت شعار إنقاذ سفينة الاقتصاد بتحميل الشغيلة مزيد من الأعباء ومزيد من المرونة والهشاشة في التشغيل. نتيجة لذلك تسمح ألة الاستغلال بموت ما يقرب من ثلاثة ملايين عامل كل عام بسبب حوادث الشغل والأمراض المهنية *، أي بزيادة تزيد عن 5 بالمائة مقارنة بعام 2015.
تشكل الأمراض المهنية نسبة عالية من الوفيات أي 2.6 مليون وفاة، وتعد قطاعات الزراعة والبناء والغابات وصيد الأسماك والتصنيع من أكثر القطاعات خطورة، أذ تشكل 63% من جميع الحوادث المميتة في مكان العمل.
ظروف العمل بقطاع الصيد البحري بالمغرب
• الصيد التقليدي والساحلي
يشتغل معظم بحارة الصيد المغرب في ظروف جد قاسية تنعدم فيها أبسط شروط الصحة والسلامة والوقاية، خصوصا في مراكب الصيد الساحلي والتقليدي، وهذا راجع لعدة أسباب، ويرجع السبب الأول إلى طبيعة الأسطول وأغلبه مصنوع من الخشب وهذا ما يحتاج إلى صيانة صارمة للهيكل دوريا، أما الثاني فيرجع إلى ضيق مساحات العمل خصوصا بقوارب الصيد التقليدي، التي يتراوح طولها ما بين 5 إلى 6 امتار، وهي تشغل أربعة أفراد على الأكثر، ونعتبر الفئة العاملة بهذا النوع من الصيد مهمة جدا لقياس أوضاع عموم البحارة إذ يحتل الصيد التقليدي المرتبة الثانية من حيث التشغيل إذ يبلغ عدد شغيلته: 54127 .
إن لحجم القارب والسفينة دور أساسي في تحديد نسبة الأخطار وسلامة البحار. إن بحارة الصيد بالقوارب الصغيرة هم الأكثر عرضة للحوادث الشغل والأمراض المهنية، حيث تلزم ظروف العمل، البحار، البقاء في وضعية الوقوف/ الجلوس القار لمدة طويلة، علما ان السفرات تتراوح ما بين 24 ساعة وأحيانا تصل إلى أسبوع اي ما يسمى بـ «البياخي».
يعد أسطول الصيد الساحلي أول مشغل لليد العاملة بقطاع الصيد البحري، إذ يصل عدد البحارة العاملين بهذا الصنف إلى 64179 بحار، ويبلغ طول المراكب ما بين 16 و22 مترا والحمولة اقل من 150 طن. لكن رغم كبر سعة وحجم هذه المراكب مقارنة بالقوارب، فالبحارة العاملين بها هم أيضا معرضون لأمراض مهنية وحوادث الشغل أي أن جل بحارة الصيد بالمغرب يشتغلون في ظروف قاسية، وأهمها الاكتظاظ وضيق مسافة الاشتغال بين الاشخاص حيث يصل طاقم مركب السردين إلى ما يزيد عن ثلاثون بحارا من جهة وبين الاشخاص والمعدات كالشباك والملفاف والجرارات …الخ.
يعتمد قطاع الصيد الساحلي من أجل رفع الانتاجية على إطالة يوم العمل، فرغم تطور المعدات ومكننتها إلى حد ما، يلجأ أرباب المراكب إلى تمديد ساعات العمل أو السفرات بهدف جني محصول جيد، وقد ازداد طول العمل اليومي نتيجة بُعد المصايد وقلتها. ارتفعت في مراكب الصيد الساحلي/ سردين، ساعات العمل بفعل سياسة تدبير مصايد الأسماك السطحية الصغيرة التي أرغمت المراكب على تغيير طريقة العمل جذريا وذلك بإجبارها على استعمال الصناديق البلاستكية لتعبئة الاسماك، بدل الطريقة المسماة «لانفراك».
استطاع بحارة مراكب السردين كسب يوم راحة في الأسبوع منذ سبعينيات القرن الماضي، لكن كان يحاول أرباب المراكب دوما، خاصة في الموانئ الجنوبية، الاجهاز على هذا المكسب تارة علنا وتارة أخرى سرا، حيث يقومون بتأخير دخول المراكب إلى الميناء نهاية الأسبوع أو إبقائها في البحر أو بالعمل في ترميم الشباك مستغلين الفراغ القانوني في هذا الباب. كما يحاول بحارة مراكب السردين جاهدين خصوصا بميناء العيون تحديد ساعات العمل باحترام توقيت الابحار، دخول البحر في الساعة الثامنة ليلا، كل يوم ماعدا يوم السبت ابتداء من العاشرة ليلا. رغم التفاوت الحاصل بين الصيد التقليدي والساحلي، إلا أن هناك نقاط مشتركة بين البحارة العاملين بها، فهناك، فهم أجراء بالمحاصة أي الاعتماد على بيع محصول الصيد بعد خصم كل الصائر المشترك، لذا يحاول أرباب المراكب استغلال طبيعة تحديد الأجور في الادعاء أن البحارة شركاء وليسوا عمالا وبالتالي يجوز العمل بجهد من أجل رفع المحاصيل.
• المؤونة والمبيت
يعد شباب مناطق السواحل المغربية خصوصا منطقة «حاحا» أحد المكونات الرئيسة لبحارة مصايد جنوب المغرب، ومن أهم أسباب هجرة أبناء الفلاحين الفقراء لهذه المناطق خاصة مصايد منطقة «س» جنوب بوجدور هو هجرة الأسماك نحو الجنوب وبسبب استنزاف مصايد المناطق الشمالية، اما السبب الثاني هو غياب موارد قارة وكافية بتلك القرى لضمان عيش قار وكريم. إن أغلبية ساكنة هذه المناطق تعاني من هشاشة البنيات التحتية وضعف جودة الخدمات كالصحة والتعليم، ويعد هذا الأخير سببا قويا لهجرة شباب أمي أو دون مستوى تعليمي، بعيدا من أجل ممارسة عمل قاس بمراكب الصيد الساحلي أو بقوارب الصيد التقليدي، والذي يعتمد فقط على مهارات يدوية مكتسبة.
لازال يسكن جزء مهم من بحارة قوارب الصيد التقليدي بالجنوب قرى للصيادين، لا تتوفر على بنيات تحتية تضمن كرامة البحار وعلى رأسها السكن حيث يسكنون أكواخا خشبية أو براريك قد تعرض أمتعتهم وحياتهم للخطر كالحرائق، وعلى سبيل المثال، الحريق الذي شب مساء الأحد 19 نونبر 2023 بقرية الصيد «انتريفت»، وهو الثاني من نوعه، حيث اندلع الأول يوم 13 فبراير 2023، لتتعرض بذلك معدات وأمتعة البحارة للضرر مرتين في نفس السنة.
أما بالنسبة للبحارة العاملين بمراكب الصيد الساحلي/ سردين بالجنوب، كالعيون على سبيل المثال، فهم يستأجرون شقق أو منازل على حسابهم الخاص أما من لم يستطع منهم تحمل تكلفه سومة الكراء فيظل رابطا في المراكب إلى حين انتهاء مدة الصيد المحدد في فترات اجراء الحسابات على رأس كل 3 أشهر على الأكثر.
لا يتوفر بحارة القوارب وبعض أفراد طاقم مراكب الصيد الساحلي سردين على مكان للنوم، كما أن مراكب الصيد الساحلي لا تتوفر على مكان للأكل لأن المطبخ ضيق، والمرحاض غالبا ما تنبعث منه روائح كريهة، أما فيما يخص المؤونة فتعتمد مراكب الصيد الساحلي الجر ومراكب الصيد الساحلي/ سردين التي تعمل في جنوب اكادير على شراء الماء ووضعها في صهاريج معدنية غير أن البحارة يتجنبون شربها لعدم جودتها، ويشترون قنينات المياه أو يقومون بتعبئتها من اليابسة، وتتزود المراكب عند البقالة المتواجدة بالموانئ بالمؤونة، فيتم خصمها من الصائر المشترك وقد تعرف هذه الاخيرة نقصا خصوصا أثناء شح الاسماك وكذلك بسبب فعل غلاء الأسعار، وارتفاع أثمنة المحروقات التي تشكل جزءا مهما من الصائر المشتركة تلتهم جزءا مهما من مبيعات المراكب.
• معاناة بحارة الصيد بأعالي البحار
يُشغل أسطول الصيد بأعالي البحار 8271 بحارا، من بينهم 211 ضابط و5980 بحار، وهياكل أسطول الأعالي مصنوعة من الفولاذ ومجهزة بمحركات قوية ومعدات ذات تقنيات عالية وغرف تبريد ومجمدات…إلخ. كما أنها مجهزة بغرف نوم للراحة ومطبخ وحمام، ورغم حداثة هذا الأسطول الانه عرف مشاكل عديدة خصوصا بعد انهيار مصايد الاخطبوط وهذا مأثر سلبا على أوضاع البحارة العاملين به. استطاعت الدولة المغربية ان توفر يد عملة مؤهلة وذات مستوى عال لقيادة مراكب الصيد بأعالي البحار من ربابنة وضباط بعد ما كانت تعتمد كليا على يد عاملة اجنبية، وتتفاوت ظروف عمل هذه الفئة من صنف لأخر فهناك من البحارة من يشتغل 12 ساعة خلال 24 ساعة اعتمادا على الأفواج كـ «جيابات» الأخطبوط على سبيل المثال، بينما العامين بمراكب «الأربيان» فهم يشتغلون بالفوج الواحد24 س/24.
• أزمة مصايد الأخطبوط والأثار النفسية على البحارة
شهدت مصايد الأخطبوط انهيارا خطيرا سنة 2004، حيث وصل انخفاض المحصول إلى 88%رغم اعتماد الدولة سياسة تدبير مصايد الأخطبوط منذ العام 2001، والتركيز على تلك السياسة سنة 2004، ظلت الأزمة مستمرة إلى حدود الآن وفُقدت مناصب شغل كثيرة لنفس الأسباب وتفككت كبريات الشركات مثل مارونا والإمارات، ولازال الوضع يشتد سوءا، بحيث أثر بشكل مباشر على بحارة الصيد وخفضت الراحة البيولوجية من عدد أيام العمل الفعلية للبحارة لأن الدولة تُجبر البحارة على التوقف بين الفينة والأخرى، دون تعويض إجباري و قار، وتضطر بعض الشركات أحيانا لإعطاء بعض الفتات من أرباحها مخافة اندلاع الاحتجاجات. لا يقتصر حرمان البحارة من الأجر، بل يمتد إلى حرمانهم من الحماية الاجتماعية ما يُنتج اضطراب وضغط نفسيين شديدين، يؤثران على البحار أثناء العمل كما يؤثر لا محالة على توازن أسرهم وقد يسبب في شتاتها.
إن العلاقة الشغلية بقطاع الأعالي بصنفيه الأجنبي والوطني مختلفة إلى حد ما عن قطاع الصيد الساحلي والتقليدي، من حيث شكل العقود والأجور لكن رغم هذا الاختلاف فإننا نلاحظ أن أوضاع الصيادين عموما بالمغرب هي أوضاع مزرية وتتخللها مخاطر الشغل وأمراض مهنية رغم التباين بين الصيد الساحلي والتقليدي من جهة والصيد بالأعالي من جهة أخرى.

حوادث الشغل والأمراض المهنية بقطاع الصيد البحري
لا يمكن حصر حوادث الشغل والأمراض المهنية بقطاع الصيد البحري بدقة، لصعوبة ضبط حالات الأمراض المهنية وعدم دقة التصريحات بحوادث الشغل ما عدا تلك القاتلة منها.

  • الأمراض المهنية

يتحمل بحارة الصيد خاصة بالجنوب هجرة أهاليهم من أجل تحسين وضعهم الاجتماعي الهش ويتحملون عزلتهم عن التجمعات الحضرية طيلة مدد السفرات والعمل طوال اليوم وسط مجموعة محدودة من الأفراد، ما يؤثر على سلوكياتهم «العلاقات الاجتماعية» وعلى مستواهم المعرفي والثقافي… الخ. كما يدفع هذا الوضع غير المرغوب فيه إلى تناول المشروبات الكحولية أو التدخين بكل أصنافه. يعمل البحارة ساعات طوال متفرقة وغير منتظمة خلال 24 ساعة، وبفعل الضغط والقلق الشديدين تظهر لدى البحارة أمراض لها علاقة بالظروف النفسية من ضمنها اضطرابات شديدة في النوم.
يُنجز معظم البحارة عملهم بأماكن مكشوفة سواء في عرض البحر أو في اليابسة يكونون فيها عرضةً لكل التغيرات المناخية السريعة أثناء الصيد، كهيجان البحر والحرارة المفرطة نهارا، وبرودة قاسية ليلا، كما يتعرضون لأشعة الشمس. يشتغل البحارة واقفين مدة طويلة بغض النظر عن أحوال الطقس وأثناء تمايل المراكب ويتعرض جزء منهم الى درجات عالية من الضوضاء بفعل أصوات المحركات والمعدات. لهذه الأسباب وغيرها قد يتعرضون لأمراض مهنية، مزمنة نسرد بعضها: متلازمة النفق الرسغي (CTS): يصيب خاصة بحارة قوارب الصيد
إصابات الجهاز العضلي الهيكلي: فيما يتعلق بنشاط العمل البحري (يقدر بنسبة 50 في المائة). يمكن أن يؤثر على المفاصل (العضلات والأوتار والسينوفيا) التي تسبب ظهور التهاب الأوتار وآلام أسفل الظهر.
* حوادث الشغل
أثار موضوع حوادث الشغل القاتلة سنة 2019-2020 ضجة إعلامية كبيرة نظرا لهول ما جرى من حوادث، حيث غرقت العديد من المراكب (على سبيل المثال مركب اخواني 5/340 فقدان 11 بحار وانقاد 5 بحار، يوم الجمعة 27 شتنبر 2019، مركب مسناوي 22 نونبر 2019 فقدان ازيد 11 بحار، مركب مرمرة الاربعاء 08 يوليوز 2020 فقدان حوالي 11 بحارة، مركب الحمري 8-328، 31 دجنبر 2020 غرق 10 بحار ونجاة 3، وفي 17 أبريل في العام 2022 غرق مركب نيدو مغار وعلى متنه 10). أطلقت الدولة حملة ميدانية وإعلامية في منها محاولة للتخفيف من حجم المشكل وحصرت موضوع تدخلها في دورات تحسيسية وطنية دامت طيلة شهر يناير 2021، لتوعية البحارة على ضرورة وضع صدريات النجاة من أجل سلامتهم الجسدية. بيد أن المشكل أعمق من ذلك بكثير، لم تكن سنة2019 السنة الوحيدة التي فقدنا فيها بحارة كثر فرغم أن في هذه السنة حُطم رقم قياسي في الحوادث المتعلقة بالصيد البحري التي بلغت 314 حادثا وفقدنا فيها 55 بحارا، إلا أنه مقارنة مع نقص عدد الحوادث البحرية سنة 2014 الذي وصل الى 287 حادثا، إلا أننا فقدنا 67 بحار. إن الأرقام التي أدلت بها وزارة الصيد البحري ما بين 2014 -2022 تبين خطورة المشكل. سجلت في هذه السنوات تقريبا 1959 حادثا، خسرنا فيها أرواحا بشرية تُقدر بـ 414 بحار رغم إنقاد ومساعدة 12311 بحارا. لازالت لائحة ضحايا الغرق مفتوحة، ففي صبيحة يوم 21 مارس 2023 قرب بارباص غرق مركب هاجر 2 وكانت الحصيلة، انتشال 10جثت وفقدان بحارين فيما نجى خمسة بحارة.
يأتي على رأس أسباب حوادث البحر الاعطاب الميكانيكية خاصة بقوارب الصيد التقليدي التي وصلت إلى 70 حالة وبمراكب الصيد الساحلي 12 حالة ولم تشهد مراكب الأعالي إلا حالة واحدة حسب إحصائيات سنة 2022، وتتركز عموم الحوادث حسب نفس المصدر بالمصايد الأطلسية الجنوبية في حين يتعرض البحارة العاملين بالقوارب والصيد الساحلي أكثر من غيرهم لحوادث الشغل القاتلة.
* الوقاية والسلامة
نادرا ما تنظم اللقاءات والندوات والحملات من أجل نقاش مشكل الصحة والسلامة بقطاع الصيد البحري. في العام 2020 نظمت الدولة حملة وطنية تحسيسية من أجل السلامة والوقاية من حوادث الشغل، مختزلة إياها في ضرورة ارتداء الصدريات في حين أن معضلة حوادث الشغل والأمراض المهنية متجذرة في الصيد البحري.
يحتاج البحارة لحماية أنفسهم أثناء العمل لملابس واقية من الماء والبرد، ويتحمل بحارة الصيد الساحلي والقوارب تكلفتها التي تتراوح قيمتها ما بين 850 درهم الى 1750 درهم حسب الجودة، بينما الملابس الداخلية الخاصة يصل ثمنها إلى 500 درهم، ويجب استبدال الأولى كل ستة أشهر على الأكثر. واجب أرباب المراكب الصيد الساحلي تحمل شراء هذه الأخيرة أو إدراجها على الأقل في الصائر المشترك.
رغم مكننة مراكب الصيد الساحلي فإن البحارة لا يرتدون القفازات أثناء جر الحبال ولا يضعون القبعات الواقية للصدمات خاصة أن هناك جرارات تتعرض لضغط كبير وتُسبب حوادث قاتلة. كما حدث مؤخرا بمركب «بوريش» حيث تسببت إحدى الجرارات في إصابة البحار «محند أزكنى» على مستوى الرأس بشمال طرفاية على بعد 40 ميل، يوم 07 دجنبر 2023، ما أدى إلى وفاته في المستشفى يوم 11 من نفس الشهر. لا يقتصر عدم استعمال وسائل الوقاية في مراكب الصيد الصغير فحسب، بل نجده في الأعالي أيضا، فقد تعرض عدة مرات بحارة مراكب التبريدrsw–رغم التطور التقني الهائل لهذه المراكب وحجمها الكبير» والمدمرة للأسماك السطحية الصغيرة»–للاختناق بمادة الهيستامين أثناء العمل أو تنظيف الصهاريج، على سبيل المثال: تعرض يوم 24 أغسطس 2023، ثلاث بحارة للاختناق بعد سقوطهم تباعا في صهريج السفينة ASTRID ونقل اثنين منهم إلى مستشفى بالداخلة والأخر إلى اكادير، كما لقي ثلاث أشخاص مصرعهم يوم 22/11/2022 بمركب الصيد «“SAAD ALLAH.
إن خفض تكلفة الانتاج من أجل مزيد من الأرباح هي أحد السبل المستعملة في قطاع الصيد، لذا يتجنب أرباب المراكب شراء لوازم ومعدات الوقاية أو القيام بكل الإصلاحات الضرورية التي تحتاجها المعدات والمحركات، لذا نجد أن اعطاب المحركات تشكل أحد الأسباب الرئيسة في حدوث الحوادث.
تدخل الدولة من أجل إنقاد الأرواح البشرية
يشتغل بحارة الصيد على طول 3500 كلم من السواحل المغربية. غير أن حوادث الشغل المتكررة والمميتة وعلى رأسها حوادث الغرق القاتلة، تنقلنا إلى الحديث عن خلل منظومة الإنقاذ بالمغرب. رغم صيحات البحارة ومنظماتهم من أجل توفير لوجستيك قادر على تخفيف الأضرار التي تلحق البحارة وعائلاتهم، إلا أن المطالب المهمة والعاجلة لم تلب الى حدود اللحظة، إنه مطلب توفير مستشفى عائم قادر على التدخل السريع أثناء الطوارئ.
من إحدى الطرائف الأليمة أن فريق حزب التجمع الوطني دعى في تعقيب له على وزير الصيد البحري بجلسة المستشارين المنعقدة يوم 01 نوفمبر 2022»… إلى تخصيص ميزانية خاصة لتجويد خفر الإنقاذ البشرية، وتكوين العاملين على ظهر هذه البواخر، حيث أكد المستشار أن عدد كبير من سفن الإنقاذ يفوق عمرها 30 سنة، لم تعد قادرة اليوم على تنفيذ مهامها بالشكل المطلوب، بعد أن أصبحت غير قادرة على مجاراة التحديات المناخية.» مقال بتاريخ02 نونبر 2022 بموقع التجمع الوطني للأحرار.
بمباركة مؤسسات الدولة، سيطر أرباب العمل على جمعيات إنقاذ الارواح البشرية وجرى إقصاء البحارة الصيادين وتمثيلياتهم الحقيقية من الجموع العامة ومن تسيير هذه الصناديق المتواجدة بالموانئ المغربية، إن تقرير مصير هذه الجمعيات اليوم يشوبه غموض وكالعادة استشارت الدولة تمثيلة أرباب المراكب (الغرف البحرية) في حين أقصت تمثيلية البحارة من أجل إصدار مشروع قانون ينص على اعتماد رسم جديد يُقتطع من المستفيدين من رخص الصيد الذي سيدرج في قانون المالية برسم سنة 2024. وذلك لنفس الغرض التي كانت تقوم به صناديق الإنقاذ، اعتماد نفس اقتطاعات الصيد الساحلي والتقليدي المحدد في 0.25% من البيع الأولي لمحاصيل الصيد مع إضافة مساهمة 5000 درهم لكل من سفن الصيد الصناعي المغربية.
اهتم واضعو استراتيجية «أليوتيس» بالحفاض على عمليات الإنتاج في قطاع الصيد البحري حتى في أسوء ظروف العمل وفي عز وذروة جائحة كورونا، دون مراعاة قساوة ظروف عمل البحارة والتي لا تتوفر فيها معايير التباعد والسلامة، مما يفند كل ادعاءات الاهتمام بالسلامة البحرية. رغم توفر المغرب على موانئ صيد كبيرة تعج بألاف البحارة والعمال فإننا لا نجد مستوصفات التدخل السريع في المستوى من أجل إنقاذ الأرواح البشرية، كما أن المستشفيات بعيدة عن الموانئ بالجنوب بكيلومترات وأحيانا يُبعث المريض أو المصاب إلى مستشفى بعيد بمئات الكيلومترات، ولا غرابة في هذا الأمر لأن الدولة تسير في خصخصة خدمات الصحة العمومية.
رغم تنصيص مدونة الشغل في العام 2004 على إلزامية تطبيقها على البحارة في حالة فراغ قانوني أو حين تُحقق هذه الأخيرة امتيازا للبحار أثناء تطبيقها مقارنة مع قانون 1919، إلا أن المسؤولين على قطاع الصيد وإرضاء لأرباب العمل لا يتم تطبيق تلك الامتيازات. وأحيانا يتم إصدار قرارات لا تخدم مصلحة البحارة، بل تقصيهم كما حدث أيام الجائحة.
إن ضعف الحركة النقابية في المغرب على المستوى الميداني وقصر نظر طليعتها وعدم إلمامها بما تعده البرجوازية ودولتها من هجمات ضدها، يزيد من هجمات البورجوازية على مكاسب العمال، بل وتضليلهم، ما يجعل الحركة النقابية عاجزة عن صياغة مطالب تخدم مصلحتها لتبقى ضحية الحلول البورجوازية ودولتها.
تظل مقترحات الندوات والمؤتمرات الطبية التي تنظم في المدن الساحلية، والتي تتدارس السلامة بالقطاع وضرورة إحداث طب بحري وتحديد لائحة للأمراض المهنية، والتنويه بتواجد 22 وحدة طبية بالموانئ المغربية، مجرد كلام. يفنده أيضا ما جاء في تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن المغرب لا يتوفر على الكفاءات المتخصصة في طب الشغل وأن عدد الأطباء لا يتجاوز 1400 طبيب شغل وبأن هناك نقص كبير في الكفاءات المتخصصة في السلامة المهنية.
بإصدار الدولة مرسوما جديدا 2.23.303 يحدد شروط القدرة البدنية والمراقبة الطبية للبحارة، فإنها تريد توفير يد عملة قوية بدنيا لها القدرة على تحمل الاستغلال ومشاق الاشغال، يد عاملة بمراقبة طبية دائمة، وحين يتم عصرها لن تُسلم لها شهادة القدرة البدنية على الإبحار. فبدل أن يتم إحداث مرافق جاهزة لإنقاذ البحارة متوفرة على طاقم كاف فمثلا لا يتوفر الإنقاذ التابع لقطاع الصيد إلا على 112 بحار وضابط يشتغلون ب 19 خافرة إنقاذ.
يصدر هذا القانون في ظل هشاشة الحماية الاجتماعية التي لا تضمن إلا تعويضا جزئيا عن الإصابات التي يضمنها قانون 18.12 المتعلق بحوادث الشغل والأمراض المهنية، وفي ظل تعويضات هزيلة يقدمها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في الحالات غير المتعلقة بحوادث الشغل.

إنتهى

شارك المقالة

اقرأ أيضا