الحركة النقابية : استكانة ستجر علينا خسارة باهضة

الافتتاحية5 فبراير، 2024

باكتمال الشهر الجاري، تكون سنة انقضت على موعد مؤتمر وطني للاتحاد المغربي للشغل لم ينعقد، و لا حديث عن تأجيله، ولا عن عزم على تنظيم قريب له. كما انصرم عام وشهران عن موعد المؤتمر الوطني للكونفدرالية الديمقراطية للشغل الذي وجب بمقتضى قانونها الأساسي تنظيمه في نوفمبر 2022. هذه أبسط قواعد اشتغال سوي منتهكة وسط صمت مخيف.

وإذا وضعنا هذا إلى جانب مظاهر أخرى عديدة، منها  تسارع التدحرج إلى حضيض التعاون مع الدولة، مثالاه الصارخان اتفاق 30 ابريل 2022 بين قيادات المركزيات وأرباب العمل ودولتهم، وما شهد قطاع التعليم من استسلام النقابات الأربع التام بمسايرة على طول الخط لبرامج الدولة في وضع نظام المآسي ومجمل سياستها المدمرة للمدرسة العمومية، تزداد الصورة قتامة وإقلاقا.

هذا كله، مع خفوت شبه تام لأصوات القاعدة العمالية، وفي غياب تبلور معارضة منظمة، غياب جعل قسما من قواعد نقابات التعليم ينضم  إلى التنسيقيات المستجدة مع حراك أكتوبر-ديسمبر 2023. وهي ذات ظاهرة تكاثر التنسيقيات التي يشهدها قطاع الصحة.

تراكمت مشاكل الحركة النقابية على نحو مواز لتصاعد الضربات من جانب الخصم الطبقي، ولا يبدو في القواعد العمالية ما يدل على استشعار الخطر، فما بالك بالنهوض للتصدي له. وإن كانت المؤتمرات واجتماعات هيئات القرار قد كفت منذ زمن بعيد عن وظيفتها في رصد حالة الذات النقابية وتقييم الأداء واستشراف آفاق العمل، واقتصر  جل الإعلام النقابي على نشر البيانات، فقد تردى الوضع لدرجة انعدام أي نقاش حتى خارج الهياكل النقابية المتداعية. ومما يعظم الدلالة المأسوية لهذا الواقع ما بات متاحا من إمكانات التعبير، الفردي والجماعي، بواسطة إنترنت. مجمل القول إننا نعيش حالة استكانة عامة منذرة بمستقبل فاجع.

لا شك أن حالة اليسار المُؤسية فعلت في الواقع النقابي سلبيا، فانهيار اليسار التاريخي، الإصلاحي غير العمالي، انعكس على المنظمات العمالية التي يهيمن عليها. تجلى الانعكاس ذاك سياسيا بانزياح متزايد جهة البرجوازية ودولتها، ما أدى إلى تنفير الشغيلة من النقابات، وإلى ما يترتب على صعيد الديمقراطية الداخلية، إذ أن مسايرة الخصم الطبقي لا تُمكن سوى بمصادرة حرية التعبير وبإلغاء الديمقراطية والحياة الداخلية النشيطة في المنظمات. ثم إن عجز اليسار غير الإصلاحي عن بناء معارضة نقابية لخط القيادات البيروقراطية، وحتى عدم وعي الحاجة إلى تلك المعارضة لدي جُل هذا اليسار، أفسح في المجال لكل العوامل السلبية لتعيث خرابا في الوضع النقابي.

بات هذا الوضع في حالة يتعذر معها نعته بالجسم من فرط تشظِّيه، وما بلغ من تلاشى المنطق الجماعي، بحيث أن كل نقابة قطاعية، وحتى كل فرع أو فئة، منزوية ومنطوية على مُشيْكلاتها الخاصة، تتوسل “حوارا”، وتناوش بإضرابات متباعدة من أجل مطالب جزئية وحتى صُغيِّرة ، وجل النتائج انتكاس تلو آخر.

هذا على الصعيد المطلبي، صعيد الدفاع عن القدرة الشرائية وتحسين ظروف العمل؛ أما قضايا المجتمع الكبرى، وبمقدمتها الاستبداد السياسي والاختيارات الاقتصادية الاجتماعية، فلا دور للحركة النقابية، هذه التي ادعت ذات يوم أنها تساند حراك 20 فبراير، وتتبنى شعارات إسقاط الفساد والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ، الخ.

يتطلب الوضع الذي باتت عليه الحركة النقابية بالمغرب نقاشا شاملا وعميقا بين من لا يزالون، مناضلين ومناضلات، يرفعون راية نقابة النضال بكفاحية وديمقراطية. نقاش ينفذ إلى أسباب التردي الراهن، ويستجلي سبل الخلاص. سبق أن نظمت شبكة تقاطع للحقوق الشغلية ندوة عن بعد في نطاق تخصصها كبنية تعاون نقابية- حقوقية. خطوة محمودة لكنها محدودة تستدعي توسيعا وتعميقا. الوضع بحاجة إلى نقاش يبادر إليه مناضلون ومناضلات أفراد، أو فروع نقابية، بمنطق يتخطى الأسوار التي ترفعها القيادات بين مختلف النقابات. ليس في الواقع الراهن ما يشير إلى وعي متقدم بالحاجة إلى هذا النقاش، لكن أي جنوح إلى الانتظار أو الاستكانة بهذا الصدد ستكون وبالا يتعذر تدارك عواقبه، فلنتحرك قبل فوات الأوان، كل من موقعه.

المناضل-ة

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا