أول خطوة واجبة في الحماية الاجتماعية: تسجيل كافة الأجراء في الضمان الاجتماعي

سياسة2 سبتمبر، 2022

بقلم: مصطفى البحري 

تنظم الدولة حملة إعلام كثيفة، بكل ما أوتيت، بشأن ما تسميه “تعميم التغطية الصحية”. وطيلة الأشهر الأخيرة، ركزت الحملة على تسجيل العاملين غير الأجراء في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. يتعلق الأمر ب3,5 مليون شخص (فلاحين، حرفيين، خاضعين للمساهمة المهنية الموحدة، مقاولين ذاتيون، سائقي طاكسي، محامين وموثقين،…)، ويصل عدد المعنيين إلى 11 ميلون باعتبار ذوي الحقوق الذين سيستفيدون مع المسجلين. وقد أعدت الدولة القوانين اللازمة لذلك، وانكب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على العملية، بإحداث 8000 نقطة إيداع ملفات التسجيل، مستعينا بشبكة بائعي خدمات عن قرب. ولحد الساعة بلغ عدد المسجلين من هذه الفئات 2 مليون.

هذا بينما تستمر منذ عشرات السنين ظاهرة مئات آلاف أجراء القطاع الخاص وأجيراته غير المسجلين في الضمان الاجتماعي. وقد اتخذت الظاهرة أحجاما مهولة بفعل تساهل الدولة مع ارباب العمل الذي يسرقون الجزء غير المباشر من أجور العمال، بالامتناع عن تنظيم حملة كهذه التي نشهد فيما يخص غير الأجراء.

جريمة سرقة الأجر غير المباشر لا توجد عنها ارقام مضبوطة. ما يندرج ضمن التستر العام عن جرائم أرباب العمل بمساعدة من مختلف مؤسسات الدولة المعنية.

ففي العام 2019، أخبر عبد اللطيف مرتقي المدير العام بالنيابة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أن عدد المسجلين به بلغ 3,5 مليون أجير/ة، بنسبة 85% من اجراء القطاع الخاص. ما يعني ان غير المسجلين يبلغ عددهم 600 ألف. وهو تقدير غير واقعي يروم طمس الحقيقة لا إبرازها، رغم ان أجهزة المنظمات العمالية لا تسعى هي بدورها إلى كشف هذه الحقيقة رغم وجود ممثليها في مجلس إدارة الضمان الاجتماعي.  ومما يدل على زيف معلومة نائب مدير الصندوق.و.ض.اج أن العدد الذي صرح به قد يوجد في قطاع المقاهي والمطاعم وحده. عدد أجراء هذا القطاع المصرح بهم لدى الصندوق حوالي 86 ألف أجير (2021)، فيما يبلغ عدد المقاهي والمطاعم بالمغرب 250 ألفا بحسب رئيس الجمعية الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم بالمغرب”، نور الدين الحراق. أي أن عدد العاملين بالقطاع لن يقل عن 750 أجير/ة (بمعدل ثلاثة أجراء لكل مقهى او مطعم، وهو أضعف تقدير). ما يعني ان بهذا القطاع وحده 660 ألف أجير/ة بلا ضمان اجتماعي.

وقد سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن أورد بإحدى تقاريره رقم 800 ألف أجير في القطاع الخاص غير مصرح بهم لدى الصندوق.و.ض.اج. ورفع المجلس الأعلى للحسابات (تقرير 2019-2020) الرقم إلى 830 ألف. وأخيرا صرح وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات (22 نوفمبر 2021) بإن مليون أجير غير مصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

فلماذا تسارع الدولة إلى تسجيل 3,5 مليون شخص ليسوا من الأجراء (برجوازية صغيرة مقهورة كصغار التجار والحرفيين، وبرجوازية متوسطة كالموثقين وفئة من المحامين وقسم من الفلاحين …)؟

المفترض أن يبدأ تعميم الحماية الاجتماعية بإجبار أرباب العمل على تسجيل عمالهم لدى الصندوق.و.ض.اج. فلماذا لم تبدأ بها الدولة حملتها؟ فقط لأنها حريصة على أرباح البرجوازيين المتهربين من الواجبات الاجتماعية، فجزء من تلك “الأرباح” ما هو سوى واجبات أداء الحد الأدنى للأجور، ومستحقات الضمان الاجتماعي، وتأمين حوادث الشغل والأمراض المهنية، التي لا يلزم بها قسم عريض من أرباب العمل.

وحرصا على حجم تلك الـأرباح، لا توظف الدولة ما يكفي من مفتشي الشغل، ومن مفتشي الضمان الاجتماعي ومراقبيه. وترفض سن قوانين تلزم ارباب العمل بأداء الأجور كاملة المباشرة منها وغير المباشرة (الضمان الاجتماعي). حتى مدير سابق للضمان الاجتماعي (سعيد حميدوش) طالب بدوره في العام 2014 بقانون رادع فعلا للمتهربين من واجبات الضمان الاجتماعي.

لا غرابة في موقف الدولة، فهي ممثل جماعي للرأسماليين، ترعى مصالحهم، ولا تلتفت جهة الشغيلة وعامة المقهورين إلا بقدر ما يجبرونها بكفاحهم على ذلك.

المصيبة هو الأجهزة النقابية التي تتخلف أكثر فأكثر عن أدنى مقتضيات الدفاع عن مصالح الشغيلة الآنية (قيمة قوة العمل). وهو واقع تجلى في اتفاق ما يسمى “الحوار الاجتماعي” الموقع في 30 ابريل 2022 بين الحكومة ونقابات الاجراء ومنظمات أرباب العمل. فقد نص الاتفاق في باب التزامات منظمات أرباب العمل على ما سماه “مواصلة الجهود من أجل التصريح بالأجراء لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بتشجيع مكوناتها على الالتزام بذلك” (المقصود مكونات الاتحاد العام لمقاولات المغرب والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية). ضحك على الذقون ليس إلا.

أما ممثلو الاجراء في مجلس إدارة الضمان الاجتماعي (3 عن الاتحاد المغربي للشغل، و2 عن الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، و1 عن الاتحاد العام للشغالين بالمغرب)، فلا اثر لهم في هذا المضمار، منقادون وراء مبادرات الدولة، ومسايرون لجوهر مخططاتها، بما يهدد بالإجهاز على مكاسب التقاعد لدى الضمان الاجتماعي بمبرر «إصلاحه”.

لا شك أن معظم الشغيلة غير المسجلين في الضمان الاجتماعي لا ينتمون لنقابات، فقطاعات انعدام الضمان الاجتماعي هي عينها قطاعات انعدام التنظيم النقابي، أي قطاعات الهشاشة وتفرعن ارباب العمل. هذا واقع يطرح من جديد مسألة طبيعة الحركة النقابية المطلوبة في ظل الهجوم الكاسح الذي تشنه البرجوازية ودولتها على الطبقة العاملة.  بروليتاريا المغرب بحاجة إلى نقابة مناضلة تذود عن مصالح الطبقة برمتها، وليس منافع للمنخرطين بمنطق الزبائن. إن النسبة المنظمة من الطبقة العاملة ضئيلة، وسيؤدي تعميم هشاشة التشغيل الزاحف حتى على قطاعات الدولة إلى تراجعها أكثر. فلا خلاص سوى بتوسيع قاعدة المنظمين/ات نقابيا بالدفاع عن مطالب مجمل الطبقة، ومنها مطلب تسجيل جميع الأجراء/ات في الضمان الاجتماعي. أي بعبارة أخرى، نحن بحاجة إلى نقابة طبقية تقطع مع منطق “الشراكة الاجتماعية” الذي كان، ولا يزال، وبالا على الطبقة العاملة. ولا سبيل لبلوغ هكذا نقابة إلا بمكافحة نهج القيادات، وتوسيع التوعية والتضامن في الصف العمالي، وبناء تجارب نقابية كفاحية وديمقراطية محلية وقطاعية تكون نموذجا للنقابة المطلوبة. وأول واجبات هذه المهمة الجليلة تثقيف الأطر النقابية بالفكر العمالي وبالمعرفة اللازمين.

.

شارك المقالة

اقرأ أيضا